من أبرز وجوه الفن التشكيلي المنفعلة بغضب الشعب المصري "يوسف ليمود" ، "أشرف رسلان" و "ياسر سلطان" وقد حركتهم كما حركت الآلاف غيرهم تلك المطالب القوية بسقوط الفساد والتزوير .. ويروون في السطور التالية ل"محيط" مشاهداتهم للشارع المصري والذي هتف وبكى واعتصم .. يقول ليمود : نصحني الطبيب بالراحة التامة لإصابتي بنزلة شُعبية حادة، ولكن ذلك كان مستحيلا في وقت استيقظ فيه الشعب من رقاد طويل في هبة غضبه المباركة يوم 25 يناير. ورغم أنني أعيش في الخارج منذ عشرين سنة وأحمل الجنسية السويسرية، ما كنت لأفوّت على نفسي فرصة التوحد مع الشعور الجمعي الرائع لشعب قُهر وسُلب وأُهين كثيرا وطويلا، في قول كلمته عالية مزلزلة لكل كيان متسلط على مقدرات هذا الشعب وهذه الأرض. وكنت دوما أتألم كفنان ومثقف لما أراه مثلا في الثقافة المصرية من تخريب منهجي مدروس، خلال الثلاثين سنة الأخيرة، لا لشيء إلا لتفريغ العقول والهبوط بالذوق العام إلى أقصى درجات الانحطاط والتدني وبالتالي يرتع الفساد والقبح بلا ضابط ولا رقيب، ورأيت كيف ارتضت الثقافة لأن تكون تابعا خانعا للسلطة . كم كان جميلا أن أرى كافة طوائف وطبقات الشعب فيما يشبه "عودة الروح" التي كتبها توفيق الحكيم أو العودة لزمن ثورة 1919، وإن كانت مقارنة هذا الظرف بذاك مشينة ومخجلة، فوقتها كنا نقاوم طغيانا أجنبيا وليس محليا ! في المظاهرات رأيت شبابا يوزعون المياه المعدنية على الجموع، رأيت ذراع المسلم في إبط المسيحي في محاولة لاختراق الحاجز الأمني، رأيت فتيانا وفتيات تبرق عيونهم بقوة الحياة والذكاء والأمل، رأيت شجعانا ورأيت أبطالا وكثيرا من الصور المبهجة المبشرة. هذه بداية النهاية لعصر طويل من الظلام في بلد كان مصدر النور والحضارة. حركة سلمية قال الفنان أشرف رسلان: عرفت بما يسمى ب "يوم الغضب" مما كتب في الجرائد، وهو أن تنزل الناس في مجاميع كبيرة إلى الشوارع المصرية لتنتزع حق التظاهر؛ كي يقول كل فرد منهم مطالبه في مناسبة "عيد الشرطة". يوم عيد الشرطة شهد في الماضي مقاومة رجال البوليس المصري الجيش الإنجليزي، فقد حاصر الاحتلال أحد أقسام الشرطة في الإسماعيلية، وطلب منهم أن يقوموا بتسليم أسلحتهم لأنهم كانوا يساعدون بعض أفراد الشعب المتظاهرين، فرفض ضباط القسم وقاوموا حتى وقع منهم الجرحى ونفدت منهم الزخيرة. وحينما خرجوا احترم القائد الإنجليزي موقفهم، وطلب منهم السلام العسكري. وبالتالي حينما فكر الشباب المصري للنزول للشارع في عيد الشرطة، كان يفكر هل ستحتفل الشرطة معهم بهذا اليوم أم ستعتقلهم؟. كان المفروض أن تكون الوقفة رمزية تبدأ من الساعة الثانية ظهرا أمام دار القضاء العالي، وأن تنتهي أمام وزارة الداخلية، لكن ما حدث كان تفاعل بين الناس والمطالب التي تطورت وأصبحوا في حالة اعتصام في ميدان التحرير حتى صباح اليوم التالي حتى تتحقق مطالبهم. وقد خرجت عن بعض جماعات المعارضة بيانات تحمل شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، وهو يتضمن أربعة مطالب، الأول تنحي مبارك عن السلطة فورا، والثاني إقالة وزارة نظيف كاملة، والثالث حل مجلس الشعب المزور. أما الرابع والأخير فكان تشكيل حكومة وحدة وطنية. أما حركة الشارع فكانت تلقائية غير مسيسة وبدأت من خلال تفاعل شباب مصري عبر الإنترنت واستجابة الفئات المجتمعية مع حركة الشباب. وقد برز بين الشباب من استطاعوا تنظيم الناس في مجموعات وتكفل بوسائل معيشة لهم من توفير طعام وشراب وبطاطين، كي يكتمل الاعتصام ، غير أن الشرطة لجأت من ليلة اليوم الأول إلى تفريق المتظاهرين بقنابل الغاز وغيرها من الوسائل ، وكان ذلك في الوقت الذي استقر لدى الناس عدم ترك اعتصامهم إلا بتنفيذ المطالب. من جهته رأى الفنان والناقد ياسر سلطان أن أجمل ما حدث في ميدان التحرير يوم الغضب أن كل الناس نزلت من جميع الأطياف، فلم تحركهم جهة ولم يكن معظمهم ينتمي لأي جماعة إسلامية أو ليبرالية ، ولم ترفع شعارات دينية أو حزبية . لكن بيان وزارة الداخلية ادعى أن الإخوان المسلمين هم من أشعلوا المظاهرات، على الرغم من أنهم أعلنوا قبلها عدم مشاركتهم الرسمية في يوم الغضب، حتى عادوا عن القرار فيما بعد. ضمت المظاهرات شيوخا وشباب وبنات وربات بيوت وأطفال، وكانت المشاعر تهزنا لدرجة البكاء ، فالناس يخافون على بعضهم ، ولا توجد دعاوى لعنف أو تكسير وتخريب ، ومن يشاهد يرفع حجرا أو يقول ألفاظا خارجة يمنعه المتظاهرون . ومع العنف الأمني اضطر الناس للرحيل برغم قرارهم الإعتصام حتى الصباح ، وألقي حولنا عدد كبير من قنابل الغاز الخانقة وكان ميدان التحرير بأكمله يمتليء بالضباب والدخان. ومع ذلك فأنا فرح بما يحدث ، وكنت أتمناه منذ زمن بعيد ، وأتمنى استمراره حتى يتحقق التغيير ويرحل المستبدون.