انفجرت الأوضاع في جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا بعد دخول طلاب القسم الجنوبي في اعتصام عن الدراسات, بسبب ما يصفونه بتجاهل الإدارة لمطالبهم المشروعة المتصلة جلها بتحسين البيئة الجامعية, والأزمة لا تبدو في أفقها مؤشرات تدفع إلى التفاؤل بقرب انقشاعها.. وجامعة السودان يشكل خريجوها ركيزة أساسية في المؤسسات والشركات السودانية وغيرها من المؤسسات بتميزها عن غيرها من الجامعات في السودان, بتفوقها النوعي والكمي في تخصصات الهندسة وتقنية المعلومات. تفاقمت الأوضاع بصورة كبيرة وتعقدت الأمور ووصلت إلى درجة التهديد والوعيد لطلاب جامعة السودان كلية الهندسة وكلية النفط من قبل إدارة جامعة السودان المجمع الجنوبي، بعد ان دخلوا في اعتصام مفتوح طيلة الأيام الماضية، متمسكين بعدد من المطالب قالوا إنها حقوق مشروعة لم تستجب ادارة الجامعة ولم تتحرك لتنفيذها, بل ظلت تماطل الى ان ازداد الحال سوءا عما كان عليه في السابق، وتواصلت بيانات اتحاد الطلاب وروابط الجامعة العلمية حتى وصلت الرقم 8 وهي تعضد موقف الطلاب وتؤكد تواصل الاعتصام وتمديده مهما كان حتى يتم تحقيق المطالب التي يؤكدون أنها عادلة. * قاعات سيئة من الواضح أن هناك قضية مطلبية تكشف عنها الاوضاع المتردية داخل اروقة الجامعة التي تعج بها، وأول ما يشتكي منه الطلاب إغفال إدارة الجامعة لأمر تكييف قاعات المحاضرات وهي ذات المشكلة التي تواجه المحاضرين الذين اشتكوا من صعوبة التدريس في القاعات بسبب ارتفاع درجات الحرارة. ويقول الطالب م /أ /ع: اصبحت قاعات الدرس لا تطاق وكأن الواحد منا منقاد الى السجن عند مواعيد المحاضرة، ولا نعي ما يقول المحاضر والعرق يتصبب على الاوراق ويتلف ما نكتبه ونستخدم الورق المقوى في عملية تلطيف الجو، لعدم وجود التكييف داخل القاعة. ويضيف: وحتى المراوح الموجودة اغلبها متعطل تماما ولا تكلف الادارة نفسها لصيانتها او حتى استبدالها باخرى جديدة، كما ان هناك اهمالاً واضحاً فاسلاك الكهرباء عارية مما يشكل خطورة كبيرة على الطلاب وحياتهم، ومضت عليها اعوام لم تتم صيانتها، وهناك مكيفات معطلة تماما تم احضارها بجهد الاتحاد منذ العام 2006م, وهذا يدل على مدى الاهمال الذي تتعامل بها ادارة الجامعة مع الطلاب وصحتهم, بل وحتى حياتهم ومن قبل حدثت حوادث كثيرة أمام أعيننا, حيث تعرض البعض لعمليات إغماء أثناء المحاضرات نتيجة لارتفاع درجة الحرارة داخل القاعة. ويذهب الطالب (م) الى ان المحاضرين انفسهم لا يستطيعون اكمال المحاضرات ويكتفون بنصف الزمن هروبا من درجات الحرارة التي ترتفع مع الازدحام الكبير للقاعات, ويضاف لهذا الوضع السيئ المقاعد داخل قاعات المحاضرات التي صارت تتحطم واحدا تلو الاخر, وعندما تنظر الى القاعة يخيل لك أنها كانت مسرحا لحادث حركة فالمقاعد التي تتساقط بفعل تقادم العمر لا تجد الصيانة والاهتمام، ونعتقد انها غير مطابقة للمواصفات لأنها تتكسر بسرعة غريبة تشكك في جودتها. ولا يختلف الوضع كثيرا بالنسبة للمكتبة, والتي قال عنها طالب آخر إنها بيئة لا يمكن احتمال البقاء فيها حتى ولو كان على سبيل اللهو او الراحة ناهيك عن مكان يفترض انه للاطلاع والمذاكرة, فالمكتبة هي الاخرى تعاني من انعدام التكييف.. ومن خلال استطلاع مع عدد من الطلاب اكدوا أنهم لا يستطيعون البحث والاستذكار في مثل هذه الظروف الصعبة، واشاروا الى ان ادارة الجامعة ونتيجة للضغوط المتمثلة في الاعتصام من قبل اتحاد الطلاب، قامت باحضار مكيفات مائية كبيرة منذ اكثر من عشرين يوما ولم يتم تركيبها حتى اللحظة وظلت في مكانها، ووصفوا الخطوة بأنها مخدر من مخدرات الادارة التي درجت أن تستخدمها كلما تعقدت الامور وخرجت عن سيطرتها. وتساءل احدهم: كيف ستعمل هذه المكيفات وكل منسوبي الجامعة وحتى زوارها يعلمون تماماً أن شح المياه وندرتها في الجناح الجنوبي الذي لا تكفي حتى للشرب ناهيك عن تغذية المكيفات انه أمر مثير للاستياء, ما الذي يمنع الادارة من توفير مكيف حديث واحد ليلطف الاجواء بالقدر الذي يجعل من درجات الحرارة أمرا يمكن احتماله, فقط فنحن لا نريد أكثر من ذلك على الاطلاق نريد بيئة يمكن احتمالها ولا نبحث عن الكماليات والرفاهية. وابدى عدد من الطلاب تخوفهم من تسرب المياه الى داخل المكتبة مما يتسبب في اتلاف الكتب والمراجع، واتهم الطلاب ادارة الجامعة بممارسة اسلوب التخدير معهم بشكلل متكرر وايجاد انصاف الحلول وتهديدهم بجداول اعمال السنة والامتحانات ما لم يتخلوا عن الاعتصام، مؤكدين استمراريتهم في هذا النهج الذي قالوا إنه وجد الاستجابة والالتفاف والتوحد من كل طلاب الجامعة، لذا طالبوا بتغيير وتحسين الاوضاع داخل الجامعة ومعالجة الكثير من أوجه القصور التي وصفوها بأنها تنعكس سلبا على تحصيلهم. الوحدة الصحية بلا مياه قضايا الطلاب التي دفعتهم إلى الاعتصام ليست قصراً على مشكلة درجات الحرارة التي اشتكوا منها بل تتمدد في اتجاهات مختلفة, ومن أبرزها الوحدة الصحية وهي كما يقول الطالب (ن.ج): ( قصتها قصة) فمع أهمية وجود الوحدة الصحية داخل الجامعة تحسباً لاي طارئ قد يحدث لاحد الطلاب لكي يتم اسعافه بصورة عاجلة، الا ان الوحدة الصحية بجامعة السودان الجناح الجنوبي وحسب ذات الطالب تحتاج لمراجعة شاملة, حيث انها تفتقد ابسط المقومات التي تؤهلها لحمل هذه الصفة. ويضيف: والذي ينقص الوحدة ليس هو الدواء كما يتبادر الى الذهن، ولكنها المياه التي ظلت مقطوعة تماما عن الوحدة لفترات طويلة، ويتم الحصول عليها عبر (جركانات) من الكافتريات الموجودة داخل الجامعة في منظر لا يشبه مؤسسة علمية يرجى من طلابها الكثير. ويتحسر طبيب الوحدة الصحية على الأوضاع داخل الوحدة ويقول: لكم أن تتخيلوا انعدام المياه أثناء إجراء عملية ازالة كيس لاحد الطلاب منعته ظروفه المادية من إجرائها بالمستشفيات الاخرى، وعند الانتهاء من العملية لم نجد الماء لغسل ايادينا ونضطر للذهاب بهذا الوضع وغسلها خارج الوحدة حيث توجد المياه بعيدا، واصفا الوضع داخل الوحدة الصحية بالمأساة مع تجاهل من ادارة الجامعة للقيام بواجبها تجاه الوحدة الصحية. وقال: تحدثنا أكثر من مرة مع الادارة وطرحنا المشاكل التي تعاني منها الوحدة ولكن لا حياة لمن تنادي، وتقول إحدى العاملات بالوحدة الصحية: ظللنا نعاني منذ فترة في الحصول على مياه الشرب والوضوء والاستخدامات الداخلية في المعمل ودورات المياه وغيرها، وقد طالبنا إدارة الجامعة بايجاد حل جذري لمشكلة المياه داخل الوحدة الصحية اكثر من مرة، ولكن لا توجد استجابة وكأن الامر لا يعنيهم. وتمنت لو انها عضو في ادارة الجامعة لتقوم بحل مشكلة المياه دون تسويف او مماطلة لانها كما تقول لا تحتاج لجهد او مال ولكن جدية واهتمام ومسؤولية. وتفتقد الوحدة الصحية لعربة اسعاف وهذا ما اشار اليه اعضاء اتحاد الطلاب بان كل الجامعات بها عربات اسعاف عدا جامعة السودان الجناح الجنوبي. وللمسجد قضية مسجد الجامعة لا يتناسب باي حال من الاحوال مع اعداد الطلاب بكليتي الهندسة والنفط وسعته لا تتعدى ال 200 شخص و يؤدي الطلاب الصلاة بالتتابع, ولهذا يطول الانتظار ويضيع الوقت بسبب ذلك، وتعتبر قضية المسجد احدى المطالب التي ضمنها اتحاد الطلاب لمعالجتها وربطها بفك الاعتصام، وذلك بتوسعته بصورة اكبر من الحالة التي عليها، وقال عضو بالاتحاد رفض ذكر اسمه: أرادت ادارة الجامعة اسكات صوتنا في المطالبة بتحسين بيئة المسجد الذي هو مكان للعبادة ويجب ان يجد الاهتمام والرعاية، إلا أن الإدارة وفي سبيل التخدير قامت باحضار سجاد من النوع الخفيف ويبدو انه رخيص الثمن وليس من النوع الجيد، ولم تكلف الادارة نفسها في شراء سجاد مناسب، ولهذا رفضناه وقمنا بسحبه من المسجد الى استراحة الطالبات وهذه ايضا تحتاج لكثير من المعالجات وتحسين البيئة الداخلية، ومن المشاكل المحيطة بالمسجد تدفق مياه الصرف الصحي حوله بصورة يصعب معها الدخول الى المسجد, الا انه قد تم تجفيفها قبل فترة ونخشى من تجددها مرة اخرى خاصة وان مياه الصرف الصحي طافحة بعدد من الاماكن بالجامعة في منظر يكشف عن تردي الاوضاع البيئية داخل الجامعة، ومن المشاهد السالبة القاء الاوساخ وحرقها داخل حرم الجامعة وبالتالي الاسهام بصورة كبيرة في تلوث البيئة بالرغم من وجود احدى شركات النظافة. بيانات متلاحقة ولتأكيد هذه المطالب وكعملية ضغط لادارة الجامعة ظل اتحاد طلاب الجامعة بالمجمع الجنوبي يصدر بيانات متلاحقة يعلن من خلالها الاعتصام عن الدراسة, ويستمر الاعتصام لمدة يومين (يكسر) في اليوم الثالث حتى لا يتم اغلاق الجامعة بنص القواعد العامة للجامعات, ووصل عدد البيانات التي اصدرها الاتحاد الى ثمانية بيانات تتهم ادارة الجامعة بالتلكؤ في المطالب, وتشيد بوقفة الطلاب وتجاوبهم في تنفيذ الاعتصام، واكد اتحاد الطلاب انه اقام مخاطبة تنويرية في بداية الازمة بما يدور بينه وبين ادارة الجامعة وذلك بالتنسيق مع الجمعيات الاكاديمية، حيث كان الطرح واضحا في ما يتعلق بتوضيح التزامات مدير الجامعة بعد زيارته الميدانية ووقوفه على الاوضاع المتردية، وكان نتيجة ذلك الالتزام بتكييف عدد خمس قاعات وتكييف المكتبة والمسجد وتأهيل الوحدة الصحية والمراسم تأهيلا كاملا كدفعة اولى، واشار الاتحاد في بيانات لاحقة ان الادارة لم تلتزم بتفيذ المطالب بالصورة المطلوبة، معلنا عن الاستمرار في الاعتصام، وقال عدد من الطلاب إن ادارة الجامعة اصبحت تضيق الخناق عليهم لفك الاعتصام مستخدمة اساليب الترهيب والتخويف وذلك من خلال تواجد للشرطة داخل حرم الجامعة وهو امر يخالف القانون، هذا بالاضافة الى التهديد بجدولة الامتحانات قبل موعدها والمعاقبة عبر اعمال السنة وجدول الحضور. مطالب... وتجاهل جملة من المطالب المشروعة والمهمة تقدم بها طلاب جامعة السودان الجناح الجنوبي لكنها لم تجد الاستجابة والقبول من ادارة الجامعة, ومن خلال جولة قمنا بها داخل اروقة الجامعة اكد لنا الطلاب أن هناك مشكلة حقيقية يعاني من الطلاب, فلا يعقل ان تكون قاعات الدرس بهذا المستوى المتردي حيث تعطلت اجهزة التكييف، وتناثرت المقاعد وتحطمت البينشات، ولا أحد يهتم بصيانتها، أما الوحدة الصحية فتحدث عنها الطلاب والعاملون فيها بمرارة بأن ادارة الجامعة لا تعلم بمشاكلها وابسطها المياه، ونأمل نحن في (الحقيقة) أن تتجاوز الجامعة هذه المشاكل وأن يتم حلها حتى ينهوا الاعتصام ويعودوا لقاعات الدرس. تعتبر جامعة السودان من ابرز الجامعات السودانية ومرت في تاريخ تأسيسها بمحطات تطور عدة, فهي بدأت كمدرسة الخرطوم الفنية ومدرسة التجارة عام 1902 م مروراً بمدرسة الأشعة عام 1932م ومدرسة الفنون عام 1946م ومعهد الخرطوم الفني عام 1950م ومعهد شمبات الزراعي عام 1954م ومعهد الموسيقى والمسرح والمعهد العالي للتربية الرياضية للمعلمين عام 1969م، حتى جاء العام 1975م حيث تم تأسيس معهد الكليات التكنولوجية بدمج كل هذه المؤسسات الفريدة لتكوّن أكبر مؤسسة للتعليم التقني في السودان، ثم تم ترفيعها إلى جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا في العام 1990م يصفها الأكاديميون بأنها من الجامعات المميزة في السودان وذلك لتركيزها على الجانب العملي دون إهمال للجانب النظري. وظلت منذ نشأتها في تطور مستمر أفقياً ورأسيا في برامجها ونظمها وهياكلها, كلياتها ومعاهدها المتخصصة حسبما ورد في الموقع الالكتروني للجامعة, وبعد أن بدأت الجامعة مسيرتها بعدد محدود من الكليات والبرامج الدراسية وبضع آلاف من الطلاب أصبحت اليوم تضم ثماني عشرة كلية. تحقيق/ محمد أحمد الكباشي