النظام الانقاذي لم يرق أبدا الى وصف دولة أو حكومة مسئولة عن مواطنيها الذين فرضت نفسها عليهم بالقوة المطلقة. لم ينتخبها أحد ولم تشاور أحدا. هبطت على الحكم مثل قدر مشئوم زاعمة لنفسها تفويضا إلهيا، لم يكن سوى حلقة في سلسلة طويلة من الأكاذيب لمجموعة من مرضى التسلط ونهب المال العام. في عهد الفريق عبود ورغم كل المآخذ على نظامه. تم استدعاء سفير إحدى الدول وتوبيخه في وزارة الخارجية بسبب إساءته لمعاملة مواطن سوداني! الآن تساء معاملة المواطن السوداني وتنتهك حقوقه في كل مكان ولا يحرّك النظام ساكنا، ببساطة لأن الأمر لا يعنيه. الدولة الانقاذية تنظر للمواطن فقط بعين الواجبات التي لا تبد الا المساويا، تواجهه بالجبايات التي لا تنتهي، أما صحة هذا المواطن أو علاجه أو أمانه الشخصي فكلها أشياء غير مهمة يقع عبئها على مسئولية صاحبها. فالدولة خلقت للأشياء الكبيرة. الدولة في نظر الانقاذيين خلقت لتحارب مواطنيها، لردع كل من تسول له نفسه الوقوف أمام المسيرة القاصدة التي لم يعد أحد يتذكر بالضبط ماذا تقصد. قتل مئات المواطنين السودانيين وهم يحتمون بمسجد في مدينة بانتيو، على يد قوات رياك مشار. ولم يفتح الله على النظام بكلمة إدانة أو طلب للتحقيق في الجريمة التي إستنكرها العالم كله ما عدا حكومة السودان. الأمر ليس فقط لا يعنيها. لكن الدم السوداني حين يراق في أية مكان خارج الوطن أو داخله بغير سلاح النظام. يجد ترحيبا من النظام، فهو يوفّر للنظام وميليشياته وقوات دعمه السريعة ذخيرة يستخدمها لمهام أخرى أجلّ شأنا من أجل إنقاذ مواطنين آخرين من الحياة، ممن كتب عليهم القدر العيش في زمن الجحيم المسمى إنقاذا. فالدولة الغارقة في (الشفافية) درجت على التطوع وإبلاغ الدول والكيانات المجاورة بأن مواطنيها يحاربون ضد تلك الدول والكيانات. لتشرك الآخرين في مشروعها العظيم لإبادة بني وطننا. ممن تعجز ميليشياتها وقوات دعمها السريع (جنجويدها سابقا) عن إرسالهم الى الدار الآخرة. لو كان لهؤلاء المواطنين الأبرياء الذين خرجوا من بيوتهم طلبا للرزق ودفعا للحاجة، يغامرون بحياتهم في سبيل لقمة عيش شريفة لهم ولأسرهم في مواجهة ظروف قاهرة ودولة تخلت عن دور الدولة الطبيعي في رعاية مواطنيها وتدبير سبل العيش الكريم لهم وحمايتهم. لو كان لهؤلاء الضحايا من حكومة تحمي ظهورهم، لما قتلوا بتلك الطريقة البشعة، لكن إن كانت الحكومة هي التي تبادر بإطلاق الرصاص على ظهور مواطنيها، فمن سيأبه لحياتهم؟ النظام المشغول بصراعات أجنحته، وفضائح فساده التي لو إنكشف جزء يسير منها في أية دولة يحكمها قانون، لسقطت حكومته، لكن نحن نختلف عن كل خلق الله، يسقط كل شئ، ينهار كل شئ، ويبقى اللصوص صامدون في كراسيهم كأنهم ولدوا وهذه الكراسي ملتصقة الى الأبد بمؤخراتهم، التي تيبست في عرق السلطة. صراعات أجنحة النظام لا ترمي لكشف فساد أو إحقاق حق، بل هي مجرد صراعات مجموعة من اللصوص، لا هم لهم سوى البقاء في كرسي الحكم ونهب مقدرات المواطن السوداني المطحون، وبيع أراضي وطنه لكل عابر سبيل. أكذوبة الطموح الجهادي تضاءلت لتنحصر في غنيمة البقاء في الكرسي مهما كان الثمن وتضحيات الآخرين. النظام الانقاذي هو كارثة حقيقية حلّت بوطننا، قلبت كل شئ رأسا على عقب. وعرّضت وجود وطننا نفسه للزوال، دفع ملايين الأبرياء حياتهم ثمنا لتجربة فاشلة لم يكن في حسابها يوما رفاه هذا المواطن أو كرامته أو حتى الحفاظ على وحدة وطنه. المجد لشهدائنا في بانتيو وفي كل أرجاء وطننا. سيأتي اليوم الذي تهل فيه دولة القانون، وتحقق في ما حدث لهؤلاء المواطنين، وتجلب امام العدالة كل من أجرم وسفك دماء بني وطننا. www.ahmadalmalik.com