كنت ممن ذرف ثلاثة اطنان ونيف من دموع الفرح، وذبحته التباريح تهليلا بحكم الانقلابيين الإسلاميين في السودان، ثم صحوت على وقع حالة فساد كبير يتمدد كالنار في الهشيم، يسلب وينهب ثروات وخيرات بلد يعتبر سلّة غذاء العالم في ثرواته الطبيعية ، ولولا تخلف وفساد ادارته السياسية لكانت ثرواته قادرة على ان تسد فقر العالم برمته . وهنا حينما نتحدث عن حكم السودان فإننا نتحدث عن نظام عالمي صغير متغير جديد يعيش تحت وطأة تأثير جيوبوليتيك متسارع مترابط ، ولا نتحدث عن قارّة بعيدة ليست ذات صلة بسياسات في الاردن او مصر او سوريا وتركيا وغزة ، وإنما هو مدخل كي نحاكم جميع الانظمة وفق مسطرة واحدة ، لنتحدث في صلب مسيرة النظام العربي لأننا نقيم تجربة الاسلاميين في الحكم وكتنظيم دولي موحد ، بقي يلعب في عقولنا عشرات السنين، فاوقعنا في فخ إشكالية الاسلام الدين، والإسلام الحزب والسياسة، وشتان بينهما . ولأنه ما زال الكثيرون يعتنقون عقيدة الاسلام السياسي وتعلو بكائياتهم ولطمياتهم على غباء وتخلف مرسي ، وهم يلومون المصريين بأنهم ما منحوا مرسي فرصة كافية، وحوكم عن تجربة عام فقط ، لكن الشكر لله بانه لم يمكث أكثر من ذلك وتم خلعه على الطريقة المباركية والزينية ، والا لكان استنسخ تجربة تنظيمهم في خراب وتخريب وفساد وتوليد نظام اقطاع ومركزية ثروات اسلاميي السودان تحت شعار عدالة عمر - رضي الله عنه - والإسلام هو الحل . واذا كانت ذروة سنام الاسلاميين طريقتهم في جعل السودان قاعا صفصفا فبئست تجربتهم الفاشلة ، لان الغرب الرأسمالي واوروبا العلمانية وفكر الماسونية هي اشد رحمة في انها حققت لشعوبها الرفاهية والعدالة الاجتماعية والمساواة والتعايش والسلم الاهلي ، وحاربت كل اشكال التفرقة ، فماذا حقق اسلاميو السودان بعد تجربة ما يزيد على ربع قرن سوى ادخال البشير لطبق السجق ورقص الهيب هوب الى حياة السودانيين كما ادعى !! ، وما نرى من حصار ودمار وفقر وتخلف وعزلة وفساد وإثراء عائلة جزارين من قوت السودانيين ولقمتهم ، فمن يعيد ثروات السودان المنهوبة من عوائل الاسلاميين والجزارين امثال المتعافي وغيره ممن يعج طقس السودان برائحة نتن وعفن فسادهم ؟ لا تختلف جماعة السودان الحاكمة في فسادها عن غيرها من الانظمة العربية الحاكمة الفاسدة سوى عنوانهم الاسلامي ، فيما الاسر العربية الحاكمة تحتل مرتبة افضل لأنها تركت امنا واستقرارا وبعضا من ثروات ، ولم تتنازل عن ذرة تراب من ارضها وسيادتها ، بينما لم يترك اسلاميو السودان فتاتا للشعب وصيروا الخيرات حصائد للجراد ، ومقبرة لمن لم يمت بالسيف ، بل نوعوا اساليب الموت والقمع ، فمن لم تقتله صراعات العشائرية قتلته مصارع الجوع وسوء التغذية والاوبئة والأمراض والبرد القارص والسيول وحر الشمس اللاهبة دون مأوى واستمرار حروب الانفصالات . لقد هللنا لتجربة " الاسلام هو الحل " فخرجنا بنتيجة واحدة هو ان احزاب وجماعات الاسلام السياسي بزّت كل الاحزاب والأسر الحاكمة والمشيخات، في قدرتها على الفساد، وتزيينهم لسوء اعمالهم فاحتكروا السلطة والمال معا وضيقوا على الشعب وتركوه فريسة للعاديات . لقد اصبح حكم اسلاميي السودان مثار تندر لدبلوماسيين ومفكرين غربيين ساخر مضحك هنا في عمان، فمنهم من تمنى لو انهم كانوا يحكمون منذ زمن لكانت سقطت ورقة التوت التي غطت سوءتهم لسنوات خلت . لا بد من ان يعاد مال شعب السودان المنهوب من عائلات الفاسدين والجزارين والإسلاميين كما حصل في تونس ومصر والعراق وإلا فلنعتذر لمن سقط من طغاة، ولنترحم عليهم ولنعد رفاتهم ونستنسخهم، والبقية في حياتكم وللحديث بقية . الانباط