في اواخر السبعينات من القرن الماضي، و بالتحديد في مدرسة المحيريبا الثانوية، قال أستاذ التربية الاسلامية أحمد الهادي لطلابه إن الحلال بين والحرام بين. و مضى في حديثه للدرجة التي قال فيها إنه حتى (الغنماية) تعرف الحلال من الحرام. ضج الفصل بالضحك المصحوب بالاستغراب من حديث استاذهم. كان رد الاستاذ سريعا و مسكتا، إذ قال لطلابه كلكم أولاد مزارعين ولكم ولجيرانكم أغنام. فليجرب كل واحد منكم ان يقدم علفا لأغنامه في وجود شاة غريبة أو شاة للجيران. عندما تبدأ الاغنام في الاكل عليكم أن تؤشوا على أغنامكم بصوتكم بالعبارة المعروفة لطرد الاغنام في السودان، و هي كلمة (تك)، ثم راقبوا سلوك أغنامكم و سلوك شاة الجيران. ضحك من في الفصل إذ أنه من المعروف للكل أنه لن يهرب من الأغنام غير الشاة الدخيلة التي تعلم تماما أنها تأكل من طعام لا يحل لها أن تأكل منه بينما تستمر أغنام المنزل في أكلها دون اهتمام بالنداء. ثلاثة احداث استدعت هذه القصة القروية البسيطة الى ذاكرتي، فساد الاقطان و فساد والي الخرطوم و فساد سكر الشكور الذي لم ير مصنعه بعد النور. سالت نفسي هل يعقل ان يكون حملة شهادات رفيعة في القانون و لهم خبرة طويلة في مجال القضاء و المحاماة من امثال الترابي و على عثمان و احمد ابراهيم الطاهر و احمد هارون و سبدرات و زمراوي و امثالهم، لا يعرفون الفرق بين الحلال و الحرام او التمييز بينهما. و لو سال اي واحد منهم نفسه عن لقمة واحدة يحملها بأصابعه الى فمه، الا يعلم ان كانت هي لقمة حلالا ام حراما؟. الاجابة على مثل هذه الاسئلة اجابت عليها شاة الجيران التي ميز الله الانسان عليها بالعقل, على الرغم من انه مثل هذه المقارنات بين غنماية و محامين قد تدخلني في عداد الغافلين، اذ كيف لشاة ان تكون اعلم من قضاة لهم اسمهم في هذا المجال. بالتأكيد اني مخطئ في هذا التحليل، اذ لا مقارنة بين عقولهم و عقل شاة. إذن ما السبب وراء اتيان اهل الانقاذ بشرائع و فظائع لم تعرفها الانسانية و لم يعرفها السودانيون حتى في زمن التركية السابقة؟ باي حق و منطق يضع الاسلاميون كافة الشعب السوداني في موضع الشعب الجاهل الغافل الغير مؤهل و غير القادر على السيطرة على نفسه أو حكمها، و إنهم هم وحدهم قوامون على اهل السودان؟ و باي حق اعطى الاسلاميون الحق لأنفسهم بسلب السودانيين حق الحياة؟ الم يقل الزبير محمد صالح في ود مدني (فليمت الثلثان من الشعب السوداني و يبقى الثلث الصالح)؟. ما السبب وراء الجرأة التي يغتال بها اهل الانقاذ معارضيهم بدم بارد و دون اي حياء؟ فقد اغتالوا جهارا نهارا الدكتور علي فضل والتاية و راسخ و الفنان خوجلي عثمان و محمد عبدالسلام و عوضية وعلي ابكر والمئات غيرهم دون ان يقدموا اي قاتل للمحاكمة. بل ان بعض عناصرهم المتطرفة اغتالت الناس بالجملة و هم يؤدون صلاة الجمعة مثل ما حدث بمسجد الثورة. اي منهج او فكر وقّع به البشير الحكم بإعدام مجدي محجوب ورفاقه في حفنة دولارات ورثوها و امتلكوها، بينما غض الطرف عن قطبي المهدي و قد وجدت مئات الآلاف من الدولارات و العملات الحرة الاخرى سائبة في اطراف منزله؟ كيف جاز لهم ان يتوسعوا افقيا و راسيا في الاعتداء على المال العام و ممتلكات الدولة و الشعب السوداني؟ ما السبب الذي يجعلهم يقطعون رزق الناس و يحرمونهم من وظائفهم و تسريحهم للصالح العام رغم كفاءتهم المهنية العالية.؟ و لماذا احتكروا التوظيف و البعثات الدراسية و الدخول للكليات النظامية على اعضاء تنظيمهم فقط؟ لماذا يصرون و يشيعون انهم هم الاتقى و الانقى و الاكفأ و الاعرف بدنيا الناس و آخرتهم ؟ و فوق ذلك لما الاستفزاز المذل للسودانيين و اهانتهم جهارا نهارا من كبار اهل الانقاذ؟ الم يقل القيادي الإخواني مصطفي عثمان اسماعيل من قبل ان الشعب السوداني شعب من شحادين. و قبل ايام قليلة و على طاري الفساد الذي ازكمت ريحه الانوف و في حوار صحفي مع غندور و عندما حاصره المحاور بالفساد المستشري في مفاصل الاخوان الاسلامين و إلجامه بالحجج الدامغة، اجاب غندور سائله (كيفما تكونوا يولى عليكم)، في وصف صريح لكامل السودانيين بالفساد و السرقة. و لم يسلم الشعب السوداني حتى من اقلام زبانية الاخوان الاسلاميين الطفيلية، حتى تظهر صحفية اخرى لتدمغ كل البيوت السودانية بالزنا والصياعة والمخدرات. و لكن كل ذلك، من شحدة و تسول و من فساد و سرقة و من انحطاط وسم به الاسلاميون كل الشعب السوداني، كل ذلك قد يهون اذا علمت ان الاخوان الاسلاميين في مجالسهم الخاصة و الخالصة يكفرون كل الشعب السوداني الذي يعيش خارج تنظيمهم، ليصبح الشعب السوداني بأكمله بلا اخلاق و لا عقيدة و لا دينألم يدمغ محمد قطب قبلهم كل العالم بالجاهلية و لم يستثني منها الا تنظيم الاخوان المسلمين؟ و من اراد ان يعرف المزيد عن كيفية تفكير الاسلاميين السياسيين ، و المزيد من التفاصيل عن حياتهم الداخلية في تنظيمهم، و كيف ينظرون لمن هم خارج تنظيمهم، اقترح عليه قراءة كتاب (سر المعبد) لمؤلفه القيادي الإخواني المخضرم والمنشق عن تنظيم الاخوان المسلمين المصري ثروت الخرباوي، ليعرف انه عند الاخوان المسلمين، ان المسلم هو فقط ذلك الذي ينتمي الى تنظيمهم، اما من خرج عن ذلك فهو كافر، دمه حلال و عرضه حلال و ماله حلال. هذا الفهم للدين و محوره التكفير، هو اس البلاء، اذ اول ما قام على اكتاف هذا الفهم، شر مستطير اسمه التمكين. و من نكد الدنيا على السودان و السودانيين ان يتقاطع التمكين مع اناس اسلاميين يحملون درجات علمية عليا و في ذات الوقت يعشعش الاجرام في نواة جيناتهم، فيسخّرون كل ما اوتوا من علم لابتكار و ابتداع اشكال من البطش و الاجرام و الفساد لم تعرفها البشرية منذ هولاكو و نيرون. و بلا حياء يأتينا النائب العام او وكيل النيابة محذرا من تناول موضوع فساد والي الخرطوم في الصحف اليومية خوفا من التأثير على العدالة، ناسيا ان لبعض الصحف القدح المعلى في كشف هذا الفساد. الفساد لا يمكن السكوت عليه، خاصة اذا كانت لعبته تدور طول الوقت. و من واجب كل وسائل الاعلام الشريفة و المنتديات و مواقع التواصل ان تجعل من فساد الانقاذ علكة تلوكها مثل علكة (فيرجسون) طالما لعبة الفساد مدورة. يجب ان لا تلهينا مسرحية استدعاء الصادق المهدي بواسطة الامن او الاعفاء عن الدكتورة مريم عن مطاردة الفساد و التشهير بالمفسدين، اذ لا بد من فضحهم و كشفهم. السودان الآن على شفا هاوية و لن ينقذه من هذه الهاوية الا السودانيون انفسهم. بفضل الله قد تمايزت الصفوف، فلم يبق الا التنظيم والعمل على جبهتين، جبهة فكرية يقودها العلماء من الجامعات و المعاهد و المساجد لكشف و فضح الفساد و تعرية اسلام الاخوان السياسي و جبهة سياسية تعمل على تعبئة الناس و تجميعهم على برنامج من بندين، اسقاط الانقاذ و قيام نظام ديمقراطي. [email protected]