خلال إشرافي على احد المشروعات حول ظاهرة الإتجار في البشر وتهريب الأطفال التابع للأمم المتحدة، تناوب على تدريب العاملين في المشروع عددٌ من الخبراء الأجانب الذين كانوا على فهمٍ وإدراكٍ تامٍ بأهداف المشروع، عدا تلك السيدة عربية الأصل أمريكية الجنسية، والتى لم تجد نفسها هنا أو هناك، ولم نتفق أنا وهي منذ البداية. وعندما تجاوزت حدود اختصاصها، وبلغ الاستياء حده من الجميع، إضطررت إلى مخاطبة المكتب الرئيسي لشرح الموقف، فكان أن تم استبدالها بمدربٍ آخر، وتصادف قبل رجوعها أن حضرت حفل أقامته المنظمة على شرف البعثات الدبلوماسية لشرح فكرة المشروع كما يحدث عادةً، فوقفت تلك العربية ال(متأمركة) أمام عددٍ من الدبلوماسيين، وعلَّقت بتهكُّمٍ واضح (كنت أعتقد أن كل السودانيين داكني البشرة، لأن الخادمة عندي بالمنزل سودانية سوداء أتيت بها خصيصا لرعاية كلبي والتنزه معه)! لم أرد عليها وكظمت غيظي، لقناعتي الأكيدة بأنها فعلت ما فعلت كرد فعل لحسمي أمرها مع المكتب الرئيسي وأنني كنت السبب الأساسي في استبدالها ومعرفة الجميع لهذا. وبعد فترة، قرأت خبراً عجيباً يرتقي لمستوى الوصف (بالمخزي والجارح)، مفاده أن السودان بدأ بتصدير نسائه عبر (الابواب الرسمية) إلى دول الخليج للعمل ك(خادمات)، وإن أردتم اللطف وبدبلوماسية (عاملات منازل)! رغم أن مفردة خادمة تعني من تقوم على خدمة غيرها وتُؤجَر على هذا العمل، ولا غضاضة في ذلك، ولكن لأنها ارتبطت في الأذهان بمفهوم دوني يتعلق بنظافة الأوساخ والقيام بالأعمال الصعبة، أو تلك التي لا تحبذ ربة البيت القيام بها لذا تنفر منها الكثيرات. أن تعمل ربات البيوت لزيادة دخل الأسرة لمواجهة متطلبات الحياة المتزايدة فهذا أمر طبيعي ومقبول، لكن أن تعمل (حفيدات مهيرة) لدى ك(خادمات) منازل فهذا أمرٌ مهينٌ لأي سوداني، ومذلٌ لعزته، ومُنتقصٌ لكرامة المرأة السودانية في آنٍ واحد! ليس رفضًا (كما أسلفت) لتلك المهنة الشريفة، فهي عملٌ مشروع، ومصدر رزقٍ حلال، ولكن لأن التعامل مع الخادمات في (الغالب) مهينٌ للغاية. فعاملة المنزل في ال(خارج) يبدأ يومها الساعة الخامسة فجراً، تقوم بغسل السيارات ثم تجهيز الأطفال للمدرسة وإعداد فطورهم وتوصيلهم للسيارة! وإذا كانوا يستقلون بص المدرسة، فعليها الانتظار في الشارع ومراقبة الأطفال وحمل حقائبهم حتى يأتي البص، ثم تدخل بعدها للبيت للقيام بأعمال التنظيف والطبخ وغسل الملابس وأعمال (خاصة للنساء)، وبين هذا وذاك عليها الرد والاستجابة لكل طلبات الموجودون بالبيت، المصحوبة في ال(عادة) بألفاظ بذيئة وجارحة أقلها (يا خادمة)، ولا ينتهي الأذى النفسي والبدني عند هذا الحد، وإنما بل يمتد ليشمل (في كثير من الحالات) التحرش الجنسي، والذي قد ينتهي بإرضاء رغبات الزوج والأبناء الشباب معاً..! من قبل سخر منا الإعلام العربي بسبب حلقاتٍ في مسلسلٍ رمضاني، أبسط ما توصف به تلك الحلقات بالسماجة والسخف، وللأسف ضحكنا معهم! وأصبح بعضنا يردد عباراتهم الساخرة منا لإضحاكهم، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي تم تداول النكات السخيفة عن كسل السودانيين، فقمنا بنشرها إلى باقي الشعوب لتوسيع دائرة الضاحكين علينا.! فإذا كان قرار تصدير العمالة النسائية هو أحد حماقات حكومة بلدنا، فهل يا ترى جميعنا (حمقى) ونفكر بذات العقلية؟ واعتراضي الأساسي مبني على أن المرأة السودانية لا تستحق هذه المنزلة (الدونية)، بأن تعمل خادمة لدى مجتمع يعلم الجميع ماذا يفعل رجاله (بالخادمات)! لقد أصابني الإحباط مذ سمعت كلام (الترابي) عن التحرش الجنسي بنساء غرب السودان بين شرف واغتصاب، ويزداد الأمر سوءاً إذا استصحبنا معنا في هذا الإطار، المواقف المخزية والتجاوزات الصارخة التي جرت لبعض السودانيين والسودانيات العاملات بالخارج سواء كان ذلك بالقتل أو التعدي بالضرب على غرار ماحدث للطبيبة السودانية (مؤخراً) وغيرها كُثُر. حديثي هذا، بل رجائي، أتوجه به لرجال السودان الشرفاء.. أدركوا حرماتكم وشرفكم قبل فوات الأوان، لأن بفتح باب تصديرهن للخليج ك(خادمات) ينتهي العز والشرف السوداني،، تحياتي، [email protected]