خيمت الأحزان على مواطنى دولة جنوب السودان بين يدى إحتفالات الذكرى الثالثة 2014 لإستقلال دولتهم الوليدة من رحم السودان فى التاسع من يوليو 2011 ، فيما تبددت أحلامهم وتلاشت آمالهم واندثرت طموحاتهم والبلاد مهددة بالإنهيار الشامل بسبب الحرب الأهلية التى إندلعت هناك بين الرئيس سلفاكير ونائبه رياك مشار على كرسى السلطة ،أدت لتمرد الثانى وأوقعت عشرات الآلاف من القتلى وشردت أكثر من (1.3) مليون مواطن ، فيما كشفت الوكالات الإنسانية عن مجاعة تهدد حوالي أربعة ملايين شخص ودقت ناقوس الخطر وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن الأمطار وقفت حجر عثرة أمام توصيل المعينات الإنسانية ، فى وقت تعثرت فيه مباحثات السلام في اديس ابابا ولازالت تراوح مكانها ،بينما إرتفعت أصوات تندد بالسيطرة المركزية منادية بفدرالية الدولة ، بيدما إرتفعت أخرى تنادى بإعادة الإندماج بين الدولتين . جاءت إحتفالات الذكرى الثالثة لإستقلال دولة جنوب السودان فى ظروف عصيبة تمر بها الدولتين (السودان وجنوب السودان)، ثلاث سنوات فترة إنهزمت فيها فكرة الإنفصال وسقطت عندها كافة مبررات ومسوقات دعاته لا أمنا تحقق ولا سلاما أصبح واقعا ولا إقتصادا أنعش خزينة الدولة وعاد بالفائدة على قفة الملاح ، فالسودان يشارك بوفد رفيع ضم وزير الدولة بالخارجية ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان بقيادة الشخصية الثالثة على قمة هرم الرئاسة نائب رئيس الجمهورية الدكتور حسبو محمد عبد الرحمن ،وليس رئيس الجمهورية (الشخصية الأولى) كما درجت عليها البلاد فى حالة الإحتفالات الأولى ، فالخطوة بذاتها مهما سيقت بشأنها المبررات لم تكن مقنعة للمراقبين غير مفهوم واحد (تدنى وهبوط شعبية الإنفصال) ،فالسودان شماله لم يكن بافضل حالا من جنوبه فالإثنين معا تهددهما الحروب المشتعلة القبلية منها والسياسية النخبوية كما يخيم شبح المجاعة على الأوضاع بجملها وعن الظروف الإقتصادية والمعيشية حدث ولا حرج ، ليس السودان اليوم ذلكم السودان قبيل لحظات الإنفصال ولا دولة جنوب السودان تلكم دولة الأحلام الفتية التى عشعشت فكرتها فى أذهان قيادات الحركة الشعبية حين غفلة من الزمان ،إلا أن السكرة قد ولت وحلت مكانها الفكرة والعبرة ، فما كشفته مصادر (الصحافة) من إتصالات هنا وهناك تؤكد جميعها بأن أحلاما وردية قد بدأت تلوح بإعادة إندماج الدولتين (كنفدراليا) ،أكدتها قيادات فى الدولة السودانية بأن الإتصالات لازالت مستمرة بين مجموعات من القيادات السياسية للبلدين . فى المقابل أبدا المجتمع الدولى تذمره من الحرب الدائرة فى دولة جنوب السودان وشكل ضغوطا مكثفة على الطرفين ، فيما أمهلت الإيقاد الطرفين (60) للوصول لإتفاق ينهى الصراع فى الدولة الوليدة ،إلا أن جولة المفاوضات الأخيرة بذاتها قد إنهارت بأديس أبابا دون الوصول لشئ يذكر ، بسبب إصرار مشار على إشراك أصحاب المصلحة من منظمات المجتمع المدني فى طاولة المفاوضات وتجميد الاتفاق الذي وقَّع عليه الرئيس سلفاكير ميارديت وريك مشار في مايو الماضي، أو أن يتم تعديل بعض النصوص فيما يختص بمشاركة أصحاب المصلحة في المفاوضات . وليس بعيدا عن ذلك فقد شنت الرئيسة المنتهية ولايتها لبعثة الأممالمتحدة في جنوب السودان (الأمريكية) هيلدا جونسون وهى ذاتها التى جاءت بدعم من قبل (مجموعة الولادات) التى ساعدت النخب فى جنوب السودان فى الإنفصال وتكوين دولته المستقلة والتى تأسست قبل ثلاث سنوات وواجهتها فظائع ودمارا لم يسبق لهما مثيل وكادت أن تتحول إلى (دولة فاشلة) ، شنت جونسون قبيل مغادرتها مطار جوبا هجوما لاذعا على قيادة البلاد، محملة إياها مسؤولية الصراع المستمر فى جنوب السودان منذ ستة أشهر بسبب أزمة القيادة داخل الحزب الحاكم (الحركة الشعبية لتحرير السودان) ولم تكتف بجونسون بذلك فحسب بل أضافت قائلة أن جنوب السودان يعاني ثلاثة أمراض (الفساد ، حكم السلاح وليس القانون مع الإفلات من العقاب بين قوات الأمن ، وحكم النخبة التي تبحث عن مصالحها الذاتية) ، وأضافت قائلة أن دولة جنوب السودان قد تشهد أسوأ مجاعة في تاريخ البلاد ولن يكون سببها عدم هطول الأمطار بل أنها (كارثة من فعل الإنسان وإذا ما حلت ستكون مجاعة سببها الإنسان) . إلا أن الإنتقادات الحادة التى وجّهها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لكل من رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت، ونائبه المقال رياك مشار، بمناسبة حلول الذكرى الثالثة لانفصال جنوب السودان عن السوان الشمالى محملاً إياهما المسؤولية الكاملة عن استمرار العنف الذي اندلع في بلدهما منذ منتصف شهر ديسمبر الماضي ،وقال إنها أكبر دليل على فشل نخب دولة جنوب السودان ، وقال كى مون أن آمال وتطلعات شعب جنوب السودان والتى أسس عليها دولته فى التاسع من يوليو 2011 قد تبددت بسبب النزاع الذي اندلع في ديسمبر 2013، وقتل الآلاف وشرد أكثر من مليون شخص ، كما حمل كى مون شعب جنوب السودان وطأة الفشل في وقف القتال،وقال إنهم يعيشون في ظروف مزرية، وقد فقدوا مصادر رزقهم ويعانون من الجوع والمرض وانعدام الأمن . ولكن دعونا نتساءل ماذا تقول النخب الجنوب سودانية عن الذكرى الثالثة للإستقلال؟ رئيس الاستخبارات السابق في الجيش الشعبي إدوارد لينو يصف إحتفالات الذكرى حسب إفادته لجريدة الشرق الأوسط اللندنية ب(حفل تأبين) وقال أن جنوب السودان يعيش أسوأ أوضاعه بعد استقلاله عن السودان وأن مهام كثيرة لم تنجز خاصة في مجال تقديم الخدمات للمواطن من مياه شرب نظيفة، تعليم، كهرباء وطرق معبدة وقال أن الدولة الجديدة فشلت في إنشاء مستشفيات كبيرة، وأن المستشفى الوحيد موجود في جوبا، وأن الطريق الوحيد الذي أنجز هو الرابط بين جوبا ونمولي على الحدود مع يوغندا ، فى وقت يرسل فيه الموظفون الكبار في الدولة أطفالهم في مراحل الأساس إلى كينيا، أوغندا وإثيوبيا ،بينما إنتقد لينو الأطراف المتحاربة بشدة وقال إنها لا تملك رؤية حقيقية لمستقبل البلاد . الإ أن عضو برلمان جنوب السودان اتيم قرنق القيادى بالحزب الحاكم دافع بشدة عن إستقلال بلاده ويقول فى حديثه (الصحافة) الإستقلال حقا أصيلا لشعب جنوب السودان ومكسبا كبيرا لهم وقد فقد فى سبيله أكثر من مليونى شخص ،وقال إن الحرب الدائرة فى دولة الجنوب لا تختلف عن الحرب فى دول العالم الثالث سيما أفريقيا من صراعات داخلية عقب إستقلالها كما فى (السودان ،أثيوبيا ، نيجيريا ،أنقولا ،رواندا وغيرها) وعزا أتيم الحرب في جنوب السودان إلى سياسة (فرق تسد) التى إتبعها الإستعمار معترفا بأن الحرب أعادت جنوب السودان (50)عاما إلى الوراء لتدميرها البنيات التحتية في جونقلي، أعالي النيل والوحدة والنسيج الاجتماعي وقال إنها نتيجة خاطئة لطموحات شخصية لبعض الأشخاص . ولكن هل من سبيل للخروج من هذه الأوضاع المأساوية ؟ عاد لينو قائلا ستظل أحلامنا موجودة بالتمسك بالمستقبل وتطبيق رؤية الراحل قرنق (السودان الجديد) ، إلا أن أتيم قرنق عاد وشن هجوما عنيفا على دعاة إعادة وحدة إندماج شعبى السودان وقال إنها مجرد احلاما لدى بعض السياسيين فى السودان وتدعمهم بعض العناصر الأقلية فى الجنوب ، مؤكدا أن شعب دولة الجنوب قوي وقادر على تجاوز أزمته وصنع مستقبله ،ولكنه عاد آملا ان تتحقق الوحدة الإقتصادية وتبادل المنافع ليس بين الدولتين فحسب بل بين كافة دول الإقليم ،إلا أن تلك الآمال والطموحات جميعها رهينة بتحرر النخب من الذات والعمل لأجل مصلحة سعبى البلدين وإلا ستصبح بمثابة (البكاء على اللبن المسكوب) حسب مراقبون . [email protected]