صورة قاتمة رسمها عدد كبير من الشبان العائدين من ليبيا فراراً من جحيم حرب المليشيات التي اشتعلت بعد ثورة الشعب الليبي، التي أطاحت بنظام العقيد معمر القذافي، فلم يكن في حسبان الذين هاجروا الى ليبيا بحثاً عن الثراء السريع والعيش الرغيد وفراراً من جحيم الغلاء الطاحن الذي ضرب اسواق البلاد وجشع التجار المسيطر على السوق والمتحكم في اسعار السلع بسبب تمسك الحكومة بسياسات السوق الحر وتحرير الاقتصاد، لم يكن في حسبان هؤلاء أن يصطدموا بواقع اشد مرارة من واقعهم الذي غادروا بلادهم قسراً بسببه فارادوا أن يعيدوا الكرة مرة أخرى الى موطنهم بعد أن علموا أن الطريق الى تحقيق أحلامهم ليس سالكاً بل فيه مخاطرة بالحياة، ففضلوا الرجوع الى الجحيم الأخف وسط الأهل والأحبة، وفي البال الوالد والوالدة والزوجة والأبناء. ويروي الشاب (م.ع) قصة لم ارَ مثلها إلا في أفلام الآكشن الخيالية، فيقول إنه نجا من الموت بأعجوبة من منطقة الكريمية، تلك المنطقة الملتهبة والتي زُهقت فيها أرواح 18 سودانياً بصاروخ قصد منزلهم من مجهول، ويقول (م.ع) إنه كان يقطن بالقرب من المنزل الذي قصف بالصاروخ، لكنه لم يتمكن من إغاثة إخوته وأبناء وطنه، ويسرد قصته والدموع تنهمر بغزارة وبنبرة حزينة أن منطقة الكريمية من المناطق التي تعرضت لهجمات كبيرة من إحدى المليشيات في ليبيا، وأضاف أن الليبيين أنفسهم هجروا المنطقة وفروا الى الحدود مع تونس بينما بقي فيها عدد كبير من السودانيين بلا مأوى، مع العلم أن الأسعار هناك ارتفعت بصورة جنونية، بالإضافة الى انقطاع التيار الكهربائي والإمداد المائي وانعدام البنزين، وتحسر على ضياع مستقبله، وقال إنه كان يمني نفسه بحياة كريمة، واراد أن يختصر المشوار عبر غربة كان لا يريد لها أن تستمر طويلاً، وحدد مدة إقامته هناك في ليبيا، لكن إرادة الله عز وجل كانت اقوى من تحقيق ما يريد وعجلت برجوعه الى وطنه بخفي حُنين حسبما أفاد ويبدو أن تلك القصة ذاتها تنطبق تفاصيلها على كثير من الذين عادوا الى أرض الوطن مجبرين بسبب تدهور الوضع الأمني هناك، لكن حكاية (زين العابدين) هي الأكثر إثارة فقد كان قاب قوسين أو ادنى من الموت، وشاهد بعينه معارك ضارية بين قوات أنصار الشريعة وقوات تابعة للجنرال المتقاعد حفتر، وقال إن قذيفة مرت من على بعد أمتار منه وأصابت منزلاً ودمرته تدميراً كاملاً، وأضاف أنه وقبل لحظات من هذه القذيفة كان يتجول في المنطقة التي أصابتها القذيفة، ولكن إرادة الله شاءت أن يكون بعيداً لحظة القذف. ولعل السودانيين في ليبيا يعيش معظمهم يومياً تلك المشاهد، وفي البال الدفعة التي عادت على متن الخطوط الجوية الأفريقية مؤخراً، والتي سردت عدداً من القصص المحزنة نشرناها في حينها، وهاجمت المجوعة العائدة آنذاك سفير السودان بليبيا واتهمته بالتنصل من مسؤولياته تجاه رعاياه ومغادرته لبيبا في وقت كان عدد كبير من السودانيين عالقين في مطار معيتيقة العسكري. ونقل موقع سودان اربيون الالكتروني تحليلا لتقرير الخارجية السودانية الذى اودعته منضدة لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان، وأشار الموقع الى أن التقرير كشف عن مجموعة ليبية اقتحمت مقر القوات السودانية المشتركة، غير أنه لم يحدد موعد ذلك الهجوم، وقال إن المهاجمين طالبوا بإخلاء الموقع، ونوه الى أن طرابلس تعيش فراغاً أمنيا وإن السفارات تفتقر الى التأمين والى أي خدمات شرطية. في وقت وصلت فيه مجموعة اخرى من العالقين قادمة من مطار معيتيقة على متن الخطوط الجوية الأفريقية، وكان مجلس الوزراء السوداني أكد بعد جلسة استثنائية، الثلاثاء الماضي، استعداد الحكومة للتدخل الفوري لإجلاء السودانيين المقيمين في ليبيا متى ما طلب منها ذلك، وأفاد بسقوط 18 سودانياً في الصراع المسلح هناك جراء سقوط صاروخ على سكنهم في ضاحية الكريمية بالعاصمة طرابلس. وكان تقرير الخارجية أشار الى تعثر الرحلات الجوية لشركات الطيران، باستثناء الطائرات التابعة للخطوط الأفريقية الليبية. ولم تستبعد الخارجية بحسب التقرير إغلاق السلطات الليبية الأجواء حال مواجهة الوضع الأمني مزيدا من التردي. وكشفت الخارجية عن تعهدات تلقتها السفارة السودانية في طرابلس بتنظيم الخطوط الليبية رحلة جوية واحدة في الأسبوع الى الخرطوم. وجددت وزارة الخارجية التأكيد على عدم الحاجة للإعلان عن خطة لإجلاء الرعايا أو الدبلوماسيين من طرابلس، لكنها نوهت في ذات الوقت الى أنها تجري تقييما مستمرا لإمكانية إجلاء العاملين، لافتة الى معلومات غير مؤكدة بفقدان اثنين من السودانيين في طرابلس . وكان الأمين العام لجهاز السودانيين العاملين بالخارج حاج ماجد سوار، قطع في تصريحات سابقة بأن الوضع في ليبيا لا يستلزم نقل الرعايا وقال إن الخطوة تستلزم صدور قرار من الرئيس السوداني ومجلس الوزراء . وأصدرت "لجنة السودانيين العالقين في ليبيا" بيانا، الجمعة، طالبت فيه الحكومة السودانية بإجلاء رعاياها من المناطق التي تدور فيها اشتباكات بين المجموعات الليبية المسلحة، وترحيل السودانيين الراغبين في العودة الى بلادهم، وضمان نقل المنتمين بمناطق مأزومة بالسودان إلى دول أخرى. وقال بيان للجنة العالقين في ليبيا ممهور بتوقيع المتحدث باسم اللجنة، الطيب اسحاق أحمد، إنه بجانب السودانيين الذين سقطوا قتلى في المواجهات، فإن العشرات منهم مصابون ويحتاجون للإسعاف والتدخل الطبي. ونبه البيان إلى وجود عشرات الآلاف من السودانيين المحاصرين في مناطق الاشتباكات في كل من بنغازي وطرابلس ومناطق ليبية أخرى أصبحت الآن مهجورة بسبب نزوح الأهالي عنها وانقطاع خدمات الكهرباء والمياه والاتصالات وإغلاق المحال التجارية ما ينذر بكارثة إنسانية ما لم تتدخل الأممالمتحدة والمنظمات عاجلا. وأكد البيان أن كل البعثات الدبلوماسية والجاليات والعمالة الأجنبية تم اجلائها من ليبيا بفضل التحرك السريع من حكوماتها، فيما تنصلت الحكومة السودانية من دورها تجاه مواطنيها. وفي غضون ذلك وصل الخرطوم (140) سودانيا من ليبيا على متن طائرة تتبع للخطوط الجوية الأفريقية، كانوا عالقين بمطار معيتيقة الليبي العسكري . وقال حاج ماجد سوار، الأمين العام لجهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج، إن الطائرة تأخرت لظروف الطيران، مؤكدا أن الأسر التي وصلت في وضع جيد. التيار