جاء اعتقال مريم المهدي ليفسر صمت الحكومة إزاء إعلان توقيع اتفاقية بين حزب الأمة والجبهة الثورية التي تحمل السلاح ضد الحكومة التي يبدو أنها فسرت الاتفاق على أنه إعلان تخلي الحزب عن التغيير السلمي، والعمل لإسقاط النظام عبر القوة العسكرية. عماد عبد الهادي-الخرطوم يرى محللون في اعتقال الحكومة السودانية لمريم الصادق المهدي نائبة رئيس حزب الأمة القومي المعارض من مطار الخرطوم، بمثابة رد على توقيع الحزب اتفاقية مع الجبهة الثورية التي تحمل السلاح بوجه الحكومة في عدد من الولايات. وجاء الاعتقال ليفسر الصمت الذي قابلت به الحكومة الإعلان عن توقيع الاتفاقية، وهو الذي فسره محللون بالرضا غير المباشر عنها، بينما فسر آخرون هذا الصمت بأنه رفض واستنكار لها. وبدا من خطوة الحكومة -وفق محللين- أنها تميل إلى تفسير الاتفاق بأن الحزب ورئيسه الصادق المهدي تخلوا عن التغيير السلمي وبدؤوا العمل على إسقاط نظام الحكم بالقوة العسكرية. لكن تفسير الحكومة رغم عدم إعلانه بعد، لم يمنع سياسيين ومحللين من انتقاد خطوة الاعتقال لكونها ستعيد الأمور في البلاد إلى مربعها الأول. كما دفع الاعتقال كثيرين للتشكيك في جدية الحكومة لتهيئة المناخ السياسي وبسط الحريات العامة والخاصة لأجل حوار يدفع بالبلاد نحو الوفاق والتراضي الوطني. رد الأمة وفي أول رد فعل له قال حزب الأمة إن اعتقال مريم المهدي تم "بطريقة همجية تتسق مع تصرفات جهاز الأمن وأساليبه المنتهكة للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وللدستور الانتقالي الذي أقره النظام، بل حتى للقوانين الجائرة التي وضعها لإحكام قبضته". وقال الحزب في بيان حصلت الجزيرة نت على نسخة منه، إن الاعتقال "يؤكد أن هذا النظام الغاشم مستمر في السير بالعناد والانفراد ليهوي بالبلاد في هاوية سحيقة أسوأ من درك الانفصال والتردي الاقتصادي، والفشل الإداري والاحتراب الأهلي الذي أوصلها إليه على مدى ربع قرن". وأضاف أن "النظام يظن أن هذه التصرفات ترهبنا عما عزمنا عليه باتفاقنا مع الجبهة الثورية في إعلان باريس، على نهج السلام وأولوية وقف الحرب ووضع شروط لأي حوار مجدٍ". وهدد البيان بأنه "في حال الفشل في تحقيق متطلبات الحوار المجدي، فلا سبيل سوى الانتفاضة السلمية، وهي أسس لا يمكن أن يتعنت إزاءها ويرفضها أي نظام يعلن الحوار الوطني والحوار المجتمعي بنية سليمة، كما أنها أسس كررنا ذكرها والدعوة إليها سراً وجهاراً وليلا ونهارا، ولكن لم يزدهم دعاؤنا إلا استكبارا". وقال إن ما أسماها تصرفات النظام "لن ترهبنا، بل ستفضحه وتزيد من عزلته ومن التفاف الشعب السوداني حول الأجندة الوطنية التي دعونا لها بضرورة إنهاء هذا العهد الفاشل الظالم الغاشم المستبد، واستبداله بنظام جديد يحقق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل". أسف واتهام المواقف السياسية من خطوة الاعتقال تباينت، فقد أعرب رئيس منبر السلام العادل الطيب مصطفى عن أسفه لاعتقال مريم المهدي، وقال للصحفيين إن الاعتقال إشارة لزعيم الحزب "بألا يعود من رحلته الخارجية الحالية"، معتبرا أن الاعتقال "زاد الطين بلة". في المقابل اتهم عيسى بشرى رئيس القطاع السياسي بحزب المؤتمر الوطني حزب الأمة بتأخير الحوار الوطني بين الحكومة والمعارضة، معتبرا أن وثيقة باريس بين الأمة والجبهة الثورية "لا تشكل أي إضافة للحوار بسبب ما تحمله من بنود لا تحترم الحوار ولا السودان". وأكد بشرى للصحفيين أن حزبه لا يتدخل في تطبيق القانون، وتابع "توجد أجهزة مختصة بالعدالة تتابع التعدي على القانون"، مشيرا إلى أن مخالفة أي جهة للقانون ستتعامل معها ذات الأجهزة وفق مقتضى ذلك القانون. حملة السلاح وفي قراءة للموقف، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية صلاح الدومة أن الاعتقال "رسالة لكل من يحاول الاتفاق أو التوافق مع حملة السلاح بغض النظر عن نوع ذلك الاتفاق"، مشيرا إلى اعتقال سياسيين في السابق بعد التقائهم مع المتمردين. وقال الدومة للجزيرة نت إن الحكومة لا تنظر إلى أي حوار إلا بمنظارها هي، وأردف "وبالتالي فهي تعتقد أن اتفاق باريس الأسبوع الماضي سيشكل خطرا عليها". أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين حسن الساعوري فيرى أن الحكومة "فسرت الاتفاق بوجود نية لعمل عسكري ضدها"، لافتا إلى أن هذا التفسير "سيجعلها متشددة في التعامل مع قادة حزب الأمة ومن ينتهج نهجهم". ويعتقد الساعوري أن حزب الأمة طلق الجهاد المدني الذي كان ينادي به سابقا، وأنه اتجه إلى صف آخر ينادي بتغيير النظام عبر القوة العسكرية، لكنه أشار إلى أن الاعتقال بدا كأنه على النوايا لا على الفعل.