يسعى هذا العرض إلى تقديم نبذة مختصرة عن كتاب هام عنوانه "سد النهضة الإثيوبي وحتمية توفر المياه والطاقة لدول المصب السودان ومصر". والكتاب صدر حديثا عن دار روافد للنشر والتوزيع في العاصمة المصرية القاهرة للكاتب السوداني إسماعيل شمس الدين. وتنبع أهمية الكتاب من موضوعه وهو "سد النهضة" أو "سد الألفية الكبير" أو "هداسي جاديب" باللغة الأمهرية وهي اللغة الرسمية في إثيوبيا، إذ يعتبر من الكتب القليلة جدا التي تناولت الموضوع بشكل مفصل ومن جميع جوانبه تقريبا، وربما الوحيد حتى الآن. يحاول شمس الدين وعبر فصول الكتاب المختلفة، تقديم تفسيرات للجدل الذي أثير حول سد النهضة، خاصة تلك الأمور المتصلة بآثاره السلبية على دولتي المصب السودان ومصر. تعتبر السدود التي تقام على الأنهار ركيزة هامة من ركائز التنمية، وبينما يشكل الصالح العام والسعي لرفاهية السكان أهم الأسباب التي تدفع المخططين لبنائها، إلا أنه دائما ما يصحبها جدل بين من يركز بشكل أساسي على آثارها السلبية، وبين الذين يرون أن الفوائد المرتجاة من السدود كمشاريع تنموية تبرر هذه السلبيات، بل تجعلها غير ذات أهمية. ولا يقتصر الجدل الذي أشرنا إليه أعلاه على الداخل فحسب، بل يمتد في أحيان كثيرة إلى الخارج، خاصة حينما يكون لمثل هذه السدود تأثير على الخارج، ينعكس على دول الجوار، أو الدول التي تشترك في منابع أو مصبات الأنهار التي تقام عليها السدود. وتكتنز ذاكرة المهتمين بموضوعات السدود وغيرهم من المتابعين لأخبارها بأمثلة عديدة لجدل وصراعات كان منطلقها السدود، فالسودانيون عامة وأهل النوبة خاصة لا يزالون يذكرون بألم بيّن ما فعله السد العالي بحضارتهم العريقة حين أغرق أراضيهم الزراعية وقضى على قراهم ومدنهم التي كانوا يتباهون بها مثل مدينة وادي حلفا شمال السودان. أكبر السدود الكهرومائية بأفريقيا وسد النهضة هو سد إثيوبي قيد البناء ويقع على النيل الأزرق في ولاية بين شنقول القريبة من الحدود مع السودان (على مسافة تتراوح بين 20 و40 كيلومترا). وهو واحد من ثلاثة سدود تشيدها إثيوبيا بغرض توليد الطاقة الكهربائية وتبلغ تكلفة إنشائه حوالي 5 مليارات دولار أميركي، ويتوقع عند اكتماله في عام 2017 أن يكون من أكبر السدود الكهرومائية في أفريقيا، والعاشر على مستوى العالم بالنسبة للسدود التي تولد الطاقة الكهربائية. ومن أبرز ما يثار حول بناء إثيوبيا لهذا السد، وجهة النظر المصرية التي ترى أن مستويات التخزين فيه ستحرم القاهرة من كميات هائلة من المياه اكتسبتها بموجب اتفاقيات سابقة مع بريطانيا أعطت مصر على الدوام نصيب الأسد من مياه النيل. ومن القاهرة ذاتها تنطلق التحذيرات من الآثار السلبية للسد، خاصة ما يتصل بإمكانية انهياره وبالتالي إغراق أجزاء كبيرة من الأراضي السودانية، وهي تحذيرات رأت فيها إثيوبيا ما سمتها بالمبالغة الزائدة التي تهدف إلى تخويف السودانيين وبالتالي الحصول منهم على مواقف مؤيدة للموقف المصري الرافض لبناء السد من الأساس، خاصة في ظل وجود ما يشبه التأييد السوداني الكامل، وعلى كل المستويات، لوجهة النظر الإثيوبية. فصول الكتاب يبدأ الكتاب بمقدمة ومدخل يعرف فيه الكاتب بالجوانب التي يغطيها الكتاب، ثم ندلف مباشرة إلى الفصل الأول الذي يخصصه الكاتب للحديث عن إثيوبيا التي سميت قديما الحبشة، صاحبة المشروع المثير للجدل. ويتطرق فيه المؤلف إلى التعريف بجغرافيتها وتاريخها وسكانها الذين يفوق عددهم 80 مليونا. أما الفصل الثاني من الكتاب فيخصصه المؤلف للحديث عن منابع الأنهار المختلفة المكونة للنيل الكبير، وأشهرها النيل الأزرق (يسمى في إثيوبيا أباباي) الذي ينبع من بحيرة تانا في الهضبة الإثيوبية، وتحديدا في الشمال الغربي للهضبة الإثيوبية التي تشكل أكثر من نصف مساحة إثيوبيا، وتنحدر من الشرق إلى الغرب نحو الأراضي المنخفضة في السودان. ويشير المؤلف في هذا الفصل إلى أن النيل الأزرق رغم أنه ينبع من إثيوبيا، فإن الطبيعة الجغرافية للمنطقة ذات الانحدار الشديد ساهمت في أن يمر بالناس هناك مرور الكرام، أي دون أن يستفيدوا من مياهه بأي شكل من أشكال التنمية كما هو الحال في مصر والسودان. ويورد المؤلف قصيدتين لشاعرين سوداني وإثيوبي للمقارنة بين أثر النيل الأزرق على الناس في البلدين الجارين، ففي السودان هو جالب خير ونماء كما جاء في قصيدة "سليل الفراديس" للشاعر التيجاني يوسف بشير: أَنتَ يا نَيل يا سَليل الفَراديس .... نَبيل مُوَفق في مَسابك ملء أَوفاضك الجَلال فَمَرحى ..... بِالجَلال المفيض مِن أَنسابك فتحدرت في الزمان .... وأفرغت على الشرق جنة من رضابك أما في إثيوبيا فتأبى الجغرافيا وتضاريسها العجيبة إلا أن تجعله يمر مهرولا دون أن يلتفت لبؤس أهل المنطقة وفقرهم وفق رؤية الشاعر الإثيوبي هايلو يوهانس: لو أن لديك عيونا ترى يا نهر أبباي يا أيها الخامل لكنت رأيت ولو للحظة ذلك الرجل يكاد يحترق من العطش لكنك هجرته وذهبت إلى أماكن أخرى. يأتي الفصل الثالث في الكتاب وعنوانه "الدولة الإثيوبية وبناء سد النهضة" وكأنه يمثل قمة الوعي والاستجابة لما طرحه الشاعر الإثيوبي يوهانس في قصيدته السابقة، حيث يورد فيه المؤلف وجهة نظر الإثيوبيين وتصميمهم على بناء السد الذي يسعون فيه إلى الإفادة الكبرى من مياه النيل الأزرق المندفعة، وصولا إلى تحقيق نهضة تنموية كبرى تنتشل مواطني المنطقة خاصة وكل الإثيوبيين من الفقر والحاجة. ونقرأ في هذا الفصل: "مشروع بهذا الحجم وحسب توقعات العلماء الإثيوبيين سوف ينتشل الدولة الإثيوبية من التخلف لمرحلة متقدمة من التطور، وسوف يكون دافعا لوحدة الشعب الإثيوبي، ويدر عطاءه على دول الجوار خاصة في توفير الطاقة الكهربائية..". لكن ورغم وجهة النظر الإثيوبية يبقى صراع المصالح حاضرا، فالسد المخصص لتوفير الطاقة الكهربائية توضح دراساته أنه سينتج منها ما يمكن أن يصدر لدولتي المصب السودان ومصر، لكن الأخيرة تظل مهتمة فقط بنصيبها المكتسب تاريخيا من المياه عبر اتفاقيات غاب عنها أصحاب الشأن، والذي سيتأثر لا محالة. وهذا ما يناقشه المؤلف في الفصل الرابع من الكتاب الذي يحمل عنوان "صراع المصالح والحقوق في بناء سد النهضة الإثيوبي". ويركز هذا الفصل على إيراد وجهات النظر المختلفة في هذا الجانب، وخاصة الجدل الإعلامي الذي أثير ولا يزال مثارا بشأن الآثار السلبية لبناء السد، وليس مستغربا أن يكون جل هذا الجدل مصدره من القاهرة. وعلى سبيل المثال، يورد المؤلف القول التالي عن متخصص مصري في الجيولوجيا: "70% من مشروعات سد النهضة الإثيوبي سوف تفشل وتنهار بسبب الأخطاء الفنية والهندسية.. إثيوبيا تعد من أكثر المناطق في أفريقيا عرضة للزلازل والهزات الأرضية، وأن 75% من الإثيوبيين لن يستفيدوا من المشروعات المائية..". في الفصل الخامس يقترح المؤلف ما أسماها "الحلول العملية لمواجهة مخاطر سد النهضة الإثيوبي" وهي عبارة عن تسعة مقترحات لدرء الآثار السلبية للسد على دولتي المصب السودان ومصر. وفي الفصل السادس يتطرق المؤلف لمشاريع مقترحة لقيام سدود أخرى على مجرى النيل وما أثارته من صراعات إعلامية على شاكلة الجدل الذي أثاره سد النهضة والذي لم ينجل غباره بعد. وفي الفصل السابع يطرح المؤلف ما وصفها بالبدائل للطاقة الكهربائية المائية، وأهمية بناء المفاعلات النووية للحصول على الطاقة. وفي الفصل الثامن يتناول المؤلف البدائل لتعويض فاقد المياه بعد قيام سدي النهضة في إثيوبيا وكاروما في أوغندا. ويعود المؤلف ليفصل في الفصل التاسع ما يصفها بالمخاطر المتوقعة من بناء سد النهضة على دول المصب، وربما مناطق أخرى مجاورة، ويدعو في الفصل العاشر إلى أهمية إشراك علماء البيئة والجيولوجيا في إثيوبيا والسودان ومصر والدول التي من المتوقع أن تتأثر ببناء السد. وفي الفصل الحادي عشر يدعو المؤلف إلى رؤى خالية من التشنج في النقاش الذي يدور حول سد النهضة، خاصة السجال الذي دار بين كتاب مصريين وآخرين سودانيين يقفون مع ما سموه حق إثيوبيا في إقامة السد وصولا لتنفيذ مشاريعها التنموية. وفي الفصل الثاني عشر يستعرض المؤلف المعوقات الداخلية التي قد تؤثر على إثيوبيا وهي تمضي في بناء السد. أما الفصل الثالث عشر فيأتي وكأنه مكمل لسابقه حيث يستعرض فيه المؤلف ما يمكن تسميتها بخطوط إثيوبيا الحمر وسعيها لتجنب أي معوق يمكن أن يتسبب في توقف مشروعها الرائد. يختم المؤلف كتابه بالفصل الرابع عشر الذي يخصصه لأبرز ما جاء في الفصول السابقة، أو ما أسماه "خلاصة الدراسة والبحث". لقد سعى المؤلف إلى تقديم رؤية لعلها تسهم في جلاء بعض النقاط غير الواضحة لهذا المشروع الذي تراه إثيوبيا حقا مكتسبا، تبرره القوانين والأخلاق، وحاجتها للتنمية ورفاه شعبها، وتدعو الآخرين من معارضيه والمتأثرين من بعض جوانبه، وخاصة مصر، إلى قبوله كأمر واقع. المصدر : الجزيرة