تدهورت خلال العقدين الماضيين صادرات السودان من الصمغ العربي رغم تصنيفه الأول عالمياً من حيث إنتاج السلعة التي تضاعف الطلب عليها في ظل المنافسة القوية من قبل الدول المنتجة، الأمر الذي أصبح يهدد عرش البلاد، والتي تستحوذ على ثلثي حزام الصمغ العربي الأفريقي بمساحة 500 ألف كلم، تبدأ من حدودها الشرقية مع دولة أثيوبيا إلى الغربية مع تشاد وافريقيا الوسطى، ويسكن في هذا الحزام 14 مليون مواطن سوداني. وينشط في منتجات الغابات اكثر من 5 ملايين منهم خلال موسم الحصاد، ويضم الحزام 12 من ولايات البلاد المختلفة، وتوفر مجموعة أشجار حزام الصمغ العربي نحو60% من الغذاء المجاني للحيوانات، خاصة والمنطقة تأوي 90% من الثروة الحيوانية الموجودة في البلاد، والمقدرة بأكثر من 130 مليون رأس من الإبل والضأن والأبقار، ويشكل الحزام البيئة الملائمة لهطول الأمطار، وتعتبر شجرتا الطلح والهشاب هما المصدر الرئيس للفحم النباتي لأغراض التصدير والاستهلاك المحلي. سيما وان البلاد تستهلك سنوياً مليوناً و200 ألف طن من الفحم النباتي بقيمة 800 مليون دولار، وتصدر ما قيمته عشرة ملايين دولار، وذلك اذا ما قورن مع اجمالي الصادرات من الصمغ العربي التي لا تتجاوز بين150 و200 مليون دولار فقط. وهناك الكثير من المناطق تعتمد على جزوع الأشجار في بناء المنازل. بلا شك انها موارد كبيرة يمكن ان تسهم بشكل مباشر او غير مباشر في دعم الاقتصاد السوداني المتردي بسبب الصدمات التي تعرض لها بعد انفصال الجنوب وذهاب عائدات نفطه من الخزينة العامة، الأمر الذي لفت الأنظار للصمغ العربي وغيره من الموارد غير النفطية، لسد العجز في الموازنة العامة للدولة. سيما وان الصمغ العربي يمثل السلعة الوحيدة التي خرجت من «كماشة» الحظر الأميركي المفروض على البلاد منذ عام 1997، غير أن الدولة لم تستثمر ذلك في مضاعفة إنتاجها، والذي لم يتجاوز 70 ألف طن فقط. الأمين العام لمجلس الصمغ العربي التابع لرئاسة الجمهورية الدكتور عبدالماجد عبدالقادر كشف في حواره مع «البيان» ان بلاده اتخذت إجراءات لزيادة إنتاجها من الصمغ وكشف عن اتجاه الحكومة للبحث عن بدائل تسويقية أخرى في دول شرق آسيا والشرق الأوسط لتصبح لتحل مكان الولاياتالمتحدة الأميركية، رغم أنها كانت السوق التاريخية للصمغ السوداني، وفيما يلي نص الحوار : هل لا يزال السودان يتصدر قائمة التصنيف العالمي في إنتاج الصمغ العربي ؟ لقد ظلت الدولة تنتج ما يصل إلى 30 ألف طن من إنتاج الصمغ وبلا شك فهي كميات قليلة جداً بالمقارنة مع حجم المساحة، ويرجع ذلك الى أسباب داخلية أدت إلى ضعف الإنتاج، فالبلاد غير مستفيدة من موارد الغابات الكثيفة والمتاحة الا بنسبة تعادل 8% فقط. وماهي أسباب ذلك؟ المساحات التي يتمدد فيها حزام الغابات شاسعة جداً اذ تصل في إجمالها إلى 500 ألف كلم، وهي تعادل مساحة خمس دول من الاتحاد الأوروبي، الي جانب ان الموارد منها كبيرة للغاية والخدمة في المنطقة شاقة جدا، أضف إلى ذلك ان الفترة المتاحة «للطق» أي لحصاد الصمغ ضيقة جداً ،اذ تبدأ من أكتوبر وحتى شهر نوفمبر، وهي دائماً ما تتزامن مع موسم حصاد المحاصيل الزراعية الأخرى، والمنتجون يحبذون دائماً المحاصيل الأقل تكلفة، لذلك ظل انتاج السودان محاصراً بتلك الأسباب. ما هو حجم إنتاجكم الحالي من الصمغ ؟ تصدر الدولة إلى دول العالم 70 ألف طن سنويا بزيادة ثلاثة أضعاف ما كان ينتج في السابق وساعدنا في ذلك تحسن الأسعار العالمية للمنتج، فمثلا في عام 2009 كان سعر الطن 1500 دولار بينما بلغ الآن سعره أكثر من ثلاثة آلاف دولار للطن، وأدى ذلك أيضاً لزيادة الأسعار محلياً ففي عام 2009 كان ثمن القنطار50 جنيها الا أنه بلغ حالياً 800، ما يعني وجود تحسن كبير الا انه أقل من الطموح. هل لديكم محفزات للمنتجين من أجل زيادة الإنتاج ؟ هناك محاولات كثيرة من قبل المجلس لتحفيز المنتجين والمصدرين ، حيث أنشئت محفظة لتمويل المصدرين بمبلغ 500 مليار جنيه، عبر رعاية خاصة من بنك المزارع، وهناك محفظة لتمويل المنتجين ب 30 مليار جنيه ومحفظة لتطوير الصناعات مع بنك التنمية الصناعية يصل اجماليها 30 مليار جنيه، مع العلم ان التمويل الموجه للمنتجين مباشرة ضعيف، وذلك لأن النظام المصرفي الموجود يطالب بضمانات من المنتجين، وهي غير متوفرة مما يحتاج لتفهم من الجهاز المصرفي، وهذا يمثل هاجساً للمجلس. ونحن نعتقد انه بإمكاننا إنتاج اكثر بين 400 - 500 ألف طن، ولكن في ظل تلك المعوقات نحتاج لتحريك طاقات العمالة، ومعظمها في قطاع الصمغ العربي من كبار في السن وأعمارهم بين 60 و70سنة، والعمل في مجال إنتاج وحصاد الصمغ عبارة عن ثقافة لا تدرس في المدارس ولكنها تورث، فيمكن ان تندثر هذه الثقافة، لذلك قمنا بتجميع كل ما يتعلق بإنتاج الصمغ وبعثناها لمعهد المناهج ببخت الرضا لإدخالها ضمن المقررات الدراسية بطريقة إلزامية. جمعيات تعاونية ما هو المطلوب للنهوض بالقطاع ؟ نحن نحتاج لإنشاء بنك للنظر في تمويل احتياجات قطاع الصمغ العربي وتنظيم المنتجين في شكل جمعيات تعاونية تكون قابلة لإمكانية التمويل من البنوك وكذلك التوسع في الاستزراع للحفاظ علي البيئة ولمزيد من الإنتاج، ومطلوب تحفيز الزراعيين والخريجين بإعطائهم مزارع وتقنين الحيازات لتكون قابلة على مصادر التمويل، الى جانب ضرورة النظر لحزام الصمغ العربي نظرة متكاملة، حيث ستطل مشكلة ما لم تتم معالجة حيازات الأراضي. ما حجم مساهمات صادرات الصمغ العربي في الدخل القومي؟ رغم كل تلك المشاكل التي تعترض الإنتاج، يسهم إنتاج وعائدات تصدير الصمغ العربي بحوالي 200 مليون دولار بالإضافة للاستهلاك المحلي الذي يبلغ 10 آلاف طن وهي تقدر بقيمة 30 مليون دولار، وهناك كميات كبيرة من الصمغ تهرب بسبب حدود البلاد الشاسعة والمفتوحة، وتتسرب عن طريق ذلك التهريب ما تقدر نسبته بنحو30% من الإنتاج، الى جانب ان هناك حاجة ماسة بل وضرورية لحصر الموارد. هناك إعانات تقدم من قبل البنك الدولي فما مدى إسهامها في تطوير القطاع؟ نعم هناك بعض الإعانات الدولية إلا أنها غالباً لا تستغل بالصورة المثلى كإعانات قد تسهم في حلحلة مشاكل عدة والكثير منها للأسف يتبخر في مصاريف إدارية. هل يعني ذلك أنها قليلة ؟ نعم فهي قليلة من ناحية ومن جانب آخر لعدم إدارتها بشكل إيجابي، لأن الجهات الداعمة هي التي تقوم بإدارتها. هل لديكم أي مساع أو خطط لاستغلال الأراضي السودانية المهددة بالزحف الصحراوي؟ نعم لدينا مشاريع لتوطين أشجار الطلح والهشاب في شمال ووسط السودان . هل تأثر حزام الصمغ العربي السوداني بانفصال الجنوب ..؟ انفصال الجنوب لم يؤثر بأي صورة على إنتاج الصمغ العربي لأن الحزام يقع في السافانا الفقيرة بينما الجنوب يقع في السافانا الغنية، ولولا حزام الصمغ العربي لاضطرت الدولة لاستيراد 73% من الطاقة البترولية، لمقابلة الاستهلاك المحلي. الحظر الأميركي هل استثناء صادرات الصمغ من العقوبات الأميركية أفادكم؟ رغم قرار الولاياتالمتحدة برفع الحظر بعد ضغوط بعض الشركات التي تضررت مصالحها ،إلا أن هناك قيوداً لاتزال تعرقل التصدير، مثل شرط الحصول على الترخيص الذي تحكمه شروط معقدة، وهناك محاولات لرفع القيود عن مسألة التحويلات البنكية، ويمكن أن الكثير من التعقيدات لاتزال قائمة رغم قرار رفع الحظر. هل بحثتم عن بدائل تسويقية أخرى غير أميركا؟ بالطبع الضرورة تستوجب فعل ذلك، فتلك التعقيدات جعلتنا نبحث عن مصادر تسويقية أخرى تحل مكان السوق التقليدية، ووجدنا ضالتنا في شرق آسيا والآن نسوق منتجنا من الصمغ وبكميات كبيرة إلى اليابان وماليزيا وكوريا والهند. وهناك أسواق فتحت في الشرق الأوسط، ودبي مثلاً أصبحت مركزاً تجارياً ضخماً في المنطقة، ويمكن ان ينتقل بسبب تلك المقاطعة الثقل السوداني في تجارة الصمغ العربي، إلى دول شرق آسيا والشرق الأوسط كمحطات بديلة، وفي نهاية الأمر سترتد نتائج المقاطعة على الولاياتالمتحدة نفسها. صدارة عالمية كشف الأمين العام في حديثه عن مدى تأثر إنتاج الصمغ السوداني بالنزاعات في عدد من مناطق الإنتاج خاصة في مجال التصدير، ان الحروب دون شك أثرت بشكل كبير على الإنتاج، لكن رغم ذلك فإننا نصدر ما نسبته 85% من الإنتاج العالمي، علماً أن ولاية جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وأجزاء من كردفان معزولة تماماً عن الإنتاج. البيان