كانت قاعة العرض تعج بالمتفرجين من الشباب والشابات، خلال مشاهدتي لهذا الفيلم «الخلل في نجومنا» او «الخطأ في أقدارنا»، سمعت الكثير من التنهدات، خصوصا من الفتيات، الفيلم له تأثير واضح يجبرك على التركيز والانتباه والتفاعل بمشاعرك الداخلية قد يجرفك حد البكاء، ليس لكونه مسرفا في المشاهد الحزينة ولا الموسيقى التصويرية مثيرة للحزن، أنت هنا أمام تجربة إنسانية. يتناول الفيلم قصة الشابة هيزل غريس تقوم بالدور الممثلة شايلين وودلي، هيزل مصابة بمرض السرطان تتعرف في أحد مراكز الدعم النفسي على أوغاستس واترز، يقوم بالدور أنسيل إلغورت المصاب بالسرطان هو الآخر، لكنه ضحوك متفائل مبتسم للحياة جسور، يندفع من أول نظرة إلى هيزل غريس، ثم سريعا تنمو الصداقة ويتحول اللقاء والحديث إلى جزء من البرنامج اليومي، كل واحد يعرض أحلامه وأمنياته وخوفه القلق من الموت، ثيمة تلاحق الأبطال مهما يحاول كل فرد الهروب، الفتاة تجر معها باستمرار أنبوبة التنفس وكذلك أوغاستس لديه علامة تدل على مرضه تلك الرجل الصناعية، رغم كل هذا تنمو الصداقة تزهر إعجابا في البداية ثم حبا وعشقا جميلا، هيزل تكون مغرمة برواية كاتب أمريكي تحكي أيضا قصة فتاة مصابة بالمرض، لكنها تود معرفة النهاية الكاملة ومناقشة كاتبها فان هيوتن، لكنها تفشل في تلقي رد رغم عشرات الرسائل، يقوم الشاب بقراءة القصة بينما الشابة تنشغل بقراءة قصة أخرى مفضلة لدى صديقها، يقوم أوغاستس بمخاطبة الكاتب وينجح في تلقي رد من مديرة أعماله ثم دعوة للقاء الكاتب تكون المشكلة إيجاد المال للسفر يصرح الشاب بأمنيته فيجد الدعم من الكنيسة، لكن مشكلة هيزل أن المرض يتفاقم، يتم تجاوز كل هذا ثم لقاء الكاتب المتعجرف; في أمستردام يولد العشق المجنون بين المراهقين يلبي كل واحد رغبة الآخر، بعد العودة يحدث انقلاب بسبب تفاقم المرض واقتراب موت الشاب، تحاول العشيقة ان تجعله قويا في الاخير يموت، هذه القصة هكذا يمكن ايجازها. المدهش في هذا الفيلم ليس القصة فقط، انت تعيش في مناخ اسطوري رومانسي عاطفي، يجتمع موضوع معقد هو المرض واقتراب الموت مع ثيمة الحب والعشق والتمسك بالحياة من أجل هذه اللذة، امام صراع شرس بين الحياة والموت، كان المخرج جوش بون ذكيا أولا في اختيار هذا الكادر التمثيلي الرائع خصوصا شايلين وودلي، وكذلك أنسيل إلغورت، تجد الاحساس بكل كلمة يتم نطقها بكل حركة مهما كانت بسيطة، تعابير الوجه الرائعة في السراء والضراء هذه الابتسامات الخجولة والجريئة والمتعطشة للحياة، لم يكن هناك إسراف في بكائيات لخلق المأساة لكنك تهتز إلى حد الرجفة وانت تعيش هذا الحب المستحيل، ليس بسبب ظروف المال او رفض الأسرة او فوارق اجتماعية، هذه المسائل غالبا ما تعيق الحب وتقتله، لكن هنا المرض وجه الموت ويده التي تتلمس وتلوي ذراع الإصرار في الحياة والرغبة في التلذذ بعشق بسعادة انسانية، هذه الرغبة الطفولية الصادقة يتحداها القدر المختلف الحظ هنا في تضاد تام، ربما كنا نتوقع موت العشيقة، خصوصا مع اصابتها بنكسة، حالتها لا تتقدم بل ربما تتدهور تتماسك لتحقيق حلمها بلقاء الكاتب الأمريكي في أمستردام، تعيش من اجل هذه اللحظة، هناك تكون المفاجأة، ان الرجل كالمختل لا يرحب بضيوفه يعلن انه يكره الأمريكان يعيش في عالم فوضوي يشرب الويسكي في الصباح الباكر... يتحول الإعجاب إلى كره، لكن المدينة الجميلة تكون مسرحا لثورة الرغبة، نرى مشهدا جنسيا هو بمثابة لمس جزء آخر انساني وطفولي، لسنا امام موقف مثير للشهوة ومحرك للغرائز، هذا المشهد يجعلك تبتسم تفرح لفرحهما كل واحد يتلمس جسد الاخر، يكتشفه أكثر يغوص في روحه أكثر. في اغلب مشاهد الفيلم الكاميرا صديقة عزيزة غير متهورة، تقف بإعجاب للإمساك بالدعابات والضحك والابتسامات، تعيش في جو الشباب المراهق حتى ذلك الصديق آيزاك الطرف الثالث، الصديق الذي يكون مبصرا في البداية ثم بعد إجراء عملية يفقد بصره، له صديقة لا تمل منه تحب الملامسات والمداعبة والقبلات تعده بأن تظل معه، بعد ذلك تتركه يثور غضبا في غرفة أوغاستس يحطم بعض ميدلياته ثم يتفق الثلاثة على الذهاب لمنزل الخائنة ورمي البيض على منزلها، ثم يكون هذا الطرف أعني آيزاك الصديق الذي يسمع ويسمع جيدا لتنهدات هيزل، خصوصا بعد موت حبيبها، كذلك الاب والام خصوصا اسرة هيزل امام امتحان صعب، ابنتهم يفترسها الموت لا يفيد العلاج، في لحظة من اللحظات تثور الفتاة تعتبر نفسها حملا ثقيلا يمنع سعادة الآخرين يقيد حركة امها تتمنى الموت لتعيش امها في سلام بعيدا عن أجواء المستشفيات والأطباء والأزمات، تبكي الأم بحرقة تعترف بأنها في لحظات تشعر بالضعف لكنها لا يمكنها ان تكره ابنتها او تتمنى رحيلها او موتها. ما يجعل الفتاة تتنفس عميقا ليس جهاز الاوكسجين وهذه الانبوبة التي تجرها كقيد يعيق حركتها يحد من نشاطها، ما يجعلها تشعر بالهواء النقي يتخلل لداخلها هو هذا الحب الذي يمنحها القوة والابتسامة والجمال، لذلك تحاول رفع الروح المعنوية لحبيبها عندما يتصل بها في محطة الوقود، يكون عاجزا، هنا نحن امام صورة الميت الحي، الشاب المرح النشيط أصبح عاجزا عن شراء علبة سجائر، هو لا يدخن السجائر فقط يراقصها بين أصابعه يضعها في فمه هي بالنسبة له ميتافور، أي انه يلامسها يقتنيها من دون ان تتمكن من تدميره، هكذا يشرح لصديقته هذا الولع بالسجائر، هو ايضا يود ألا يموت نكرة لا احد يعرفه يتمنى ان يكون مشهورا وخالدا لا يعرف كيف؟ هي عكس ذلك تريد العيش بسلام لا ترى في الشهرة مصدرا للسعادة. لعل الأسلوب الإخراجي الرائع والأداء التمثيلي والبساطة في كل شيء في الديكور والملابس والأحداث، هذا الفيلم لم يكلف انتاجه سوى 12 مليون دولار لكنه حصد مبيعات ضخمة ونافس أضخم أفلام الآكشن المليئة بالاحداث والديكورات وتقنيات الإبهار لتصل إيرادته إلى أكثر من 280 مليون دولار، رغم انه معالجة لرواية بالعنوان نفسه للكاتب الامريكي جون غرين، التي صدرت عام 2012 ليس الحظ من لعب الدور ليرتفع نجم هذا الفيلم فيصفه اغلب النقاد بأنه افضل فيلم رومانسي لهذا العام، لعل السر في البساطة، كما اظن بالدرجة الأولى وعدم المبالغة بإثارة الحزن. نحن نشاهد قصة حزينة في قالب كوميدي او لنقل في قالب درامي مرح، على غير العادة ان يكون المصاب بمرض السرطان مرحا وخفيف الظل، نجد الشاب المراهق يحمل هذه الخفة التوق للحياة السخرية من القدر يعشق هيزل هي الأخرى تنصهر في عالمه، هذا الثنائي مخالف للواقع، نجد نظرات الاستغراب لدى الأب والأم للتحول الكبير في حياة الفتاة، هي الآن لا تجلس حبيسة غرفتها تذهب مع صديقها للحديقة تضحك من قلبها لنكته الصغيرة، كان الالتحام الروحي اولا، الذي اخذ حيزا زمنيا كبيرا في الفيلم لنصل إلى الالتحام الجسدي اول قبلة كانت في متحف آن فرانك وسط حضور جماهيري، بعد ان تحدت الفتاة السلالم حاملة انبوبة الاوكسجين، ان الرحلة إلى أمستردام لعلها كانت من اجل هذه اللحظة، لم اجد مدحا كثيرا للنقاد في فرنسا حول هذا الفيلم بالعكس بعضهم وصفه بأنه استغل الابتزاز العاطفي ليدغدغ مشاعر المتفرج، خصوصا من هم شباب او في سن المراهقة، رغم ذلك كان الجمهور الفرنسي حاضرا بقوة وبكل مشاعره ذارفا الكثير من التنهدات والدموع. لعلنا في الفيلم نلمس سخرية من بعض الكتاب الذين قد يثيرون القراء فيظنهم الشخص نموذجا ثقافيا وانسانيا، ثم نكتشف ان بعض الكتاب المشاهير ليس كما يتوقعه الناس، قد تكون كتاباتهم لحدث حي لامس حياتهم او ماض لا يريدون بعد ذلك تذكره، او واعز نفعي للكتابة، في نهاية الفيلم يأتي الكاتب يحمل رسالة الحبيب، يريد المصالحة مع القارئة المخلصة، ترفض تقول له «لا تهمني قصتك ولا نهايتها» نرى كذلك آيزاك يصاب بالعمى، يكتشف قبح حبيبته الداخلي فيكفر بقيم العشق، ثم يضحك ويشعر بالسعادة عندما ينجح في تصويب رمي البيض على منزلها، هناك العديد من الدلالات تم تمريرها بصورة مبسطة لم يبحث المخرج عن التفلسف ولا زخرفة فيلمه بالرموز والدلالات، لا توجد تعقيدات، اللقطات تنساب بحيوية ومرونة ممزوجة بجو عشق طفولي، حتى الكنيسة هنا رغم حضورها في هذا المركز الداعم للمرضى، الا اننا لم نحس بخطاب ديني قوي، لم يكن الدين هنا مصدر السعادة، لم نحس بوجود اي طرف متمسك بالدين او الاساطير والقيم هي من تعطيه قوة احتمال المرض، كانت الصداقة اولا المحرك الاساسي ومصدر القوة ثم العشق، ربما كان للرحلة وزيارة متحف آن فرنك مغزى قوي لعل صوتها وهي تحكي قصتها تريد القول «عندما يكون يوجد امل تكون الحياة» فهي كانت حبيسة مطاردة تخاف الموت وظلت حبيسة في قبو لسنوات ثم نالت حريتها، لكن وضع الحبيب والحبيبة مختلف، هم طلقاء لكن الموت يطاردهم بعد ان ذاق كل واحد طعم الاخر، يداهم الموت البطل يبتزه ينهش جسده قطعة قطعة حتى يصبح يستحب الموت على الحياة، يطلب من صديقه وحبيبته رثاءه كونه اصبح الحي الميت او الميت الحي.. مخيف اللعاب يتدلى من فمه عاجز على كرسي متحرك هو الان يطلب ود الموت كي يموت جميلا في نظر حبيبته اولا واخيرا، وفعلا ينجح في ذلك بعد موته تظل الحبيبة تبكيه وتبتسم.. صوته وكلماته تعيش حية في اعماقها. * سينمائي يمني مقيم في فرنسا حميد عقبي القدس العربي