طبيعي أن ينتفض المؤتمر الوطني في وجه من مهروا وثيقة (نداء السودان). أما غير الطبيعي فهو أن يرحب بالاتفاق..!! هكذا يقول المنطق، وهكذا تؤكد الشواهد التاريخية. ولكل ذلك يبقى من الغباء انتظار أي موقف خلاف هذا من المؤتمر الوطني..! حسناً، فإذا سلمنا بموقف المؤتمر الوطني، الذي لم يشذ عن التوقعات، فكيف لنا ان نتعامل مع موقف حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي كال متحدثه الرسمي محمد ضياء الدين النقد مضاعفاً، لوثيقة (نداء السودان) التي وقعتها الجبهة الثورية وتحالف قوى الإجماع الوطني وحزب الأمة، بالعاصمة الاثيوبية أديس أبابا، من أجل تفكيك دولة الانقاذ أو دولة الحزب الواحد لصالح دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية. ومعلوم أن تلك الوثيقة جاءت حاوية لنقاط مهمة حددت الأزمة السودانية، وكتبت الوصفة المناسبة لها. لكن مع ذلك رفضها حزب البعث، دون أن يدري – المصيبة ستكون أكبر لو كان يدري – أن موقفه ذاك يتطابق مع موقف حزب المؤتمر الوطني. وهنا تبرز علامة تعجب كبيرة..! طبعاً، من حق حزب البعث ان يختار أياً من المواقف التي تروق له، لكن أن تأتي هذه المواقف متماهية مع رؤية الحزب الحاكم وموقفه من وثيقة (نداء السودان) بكل ما فيها من مرتكزات وطنية ونقاط رابحة، ولو طال السفر، فهذا أمر يجلب الاندهش وربما السخرية..! لكن أسوأ من ذلك كله، أن يتحجج حزب البعث بأسباب واهية، في سبيل نقده ورفضه ل (نداء السودان). أقول هذا وفي بالي أن البعثيين رفضوا الذهاب إلى أديس أبابا ضمن منظومة أحزاب المعارضة، وقاطعوا التطورات الحادثة هناك، من منطلقات عقدية مرتبطة بعداء البعث مع امريكا، وليس لأي شيء آخر. بل إن موقف البعث المناوئ لوحدة المعارضة وأهدافها السامية، ينطلق من منصة أن الدعوة التي قُدمت للأحزاب للوصول إلى أديس أبابا جاءت من منظمة أمريكية. وهذا عند البعثيين أمر مرفوض ابتداءً وانتهاءً. وعليه أقول، إذا كان حزب البعث يرى أن موقفه من الدعوة "الأمريكانية" المُقدمة لأحزاب المعارضة مبررًا، فإن موقفه الكلي من (نداء السودان) غير مبرر. لأنه استند على حجة ضعيفة، مفادها أن وقوف اليانكي وأحفاد العم سام وراء الجهود الرامية إلى توحيد المعارضة، يضر أكثر من كونه ينفع. وظني أن هذا أمر مردود، ويدين البعثيين انفسهم، لأن مقاطعة وثيقة (نداء السودان) والتحريض ضدها، بمزاعم انتفاء برنامج الحد الأدنى، وبمظان ارتهان أحزاب المعارضة للأجنبي أمر مضحك، على الأقل إذا قال به حزب البعث. لأن مقاطعة الوثيقة لن تمنح البعث شهادة براءة من الارتباط بالأجنبي، بل ستدمغه بما هو اسوأ من ذلك، بعد أن تماهت مواقفه مع مواقف المؤتمر الوطني. ثم إن البعثيين أنفسهم أكثر ارتباطا عقديًا و(غيره) بالخارج، غض النظر عن الخارج المعني هنا..! ومعروف أن فكرة القومية العربية هي وارد دول أخرى، بكل (تكاليفها)..! ترى كيف سيكون موقف محمد ضياء الدين، بعد أن وجّهت الحكومة بفتح معسكرات الدفاع الشعبي، من أجل محاربة، من أسماهم نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن، بالخونة والمارقين، الذين وقعوا اتفاقية (نداء الوطن). ترى كيف سيكون موقفه، وهل سيتزيا "الرفيق" محمد ضياء الدين بلامة الحرب، وهل سينضم للدفاع الشعبي لقتال أصحاب (نداء السودان)..؟! صحيفة (الصيحة)