الأمانة العامة لمجلس السيادة تحتسب المهندسة هالة جيلاني    أديب: الحكومة الجديدة تحتاج "سوبر مان" لمواجهة التحديات    إغلاق مطعم مخالف لقانون الأغذية بالوكرة    سمية الخشاب ممنوعة من السفر.. تعَرّف على السبب    قصف مدفعي لقوات الدعم السريع في اتجاه الأحياء الشمالية الغربية لمدينة الفاشر    كوستي.. إسقاط مسيرات    شرطة بلدية القضارف تنظم حملات مشتركة لإزالة الظواهر السالبة    نائب رئيس مجلس السيادة يلتقي وزير الخارجية الروسي    السعودية.. رقم قياسي عالمي في التبرع بالملابس    (المريخ بطل السوبر)    النمير: المريخ لا ينفصل عن قضايا الوطن والحزن يخيم على الجميع    مدرب الاسماعيلي: المريخ قدم لنا فائدة كبيرة ولذلك لعبنا معه ثانيةً    المليشيا المتمردة تقصف أحياء كرري وتخلف شهداء وجرحي    السعودية تعلن موعد غرة ذي الحجة والوقوف بعرفة وعيد الأضحى المبارك    السودان يهزم موريتانيا ويتصدر مجموعته في تصفيات كأس العالم    السودان يكسب موريتانيا بهدفين في تصفيات المونديال    الجزيرة تستغيث (4)    شاهد بالفيديو.. وسط ضحكات وسخرية الجمهور.. أفراد من الدعم السريع يعثرون على "مكثفات" أجهزة "تكييف" داخل إحدى المنازل يزعمون أنها قنابل ومتفجرات ويصفون الأمر بالانجاز الكبير    شاهد بالفيديو.. مواطن سوداني مشهور بتشجيعه لفريق بوروسيا دورتموند يسخر من فوز ريال مدريد: (الفريق الأسباني فاز بمساعدة فكي في سنار أحضروا له تيس أسود لتحقيق اللقب)    شاهد بالصورة والفيديو.. عارضة أزياء سودانية حسناء تستعرض جمالها بثوب عليه صورة الشهيد محمد صديق ومقولته الشهيرة (من ياتو ناحية)    انتظام حركة تصديرالماشية عبر ميناء دقنة بسواكن    "كعب العرقي الكعب" .. وفاة 8 أشخاص جراء التسمم الكحولي في المغرب    التضخم في مصر.. ارتفاع متوقع تحت تأثير زيادات الخبز والوقود والكهرباء    الكشف عن قيمة الشرط الجزائي الخيالي في عقد مبابي مع الريال    الأول من نوعه.. اجتماع أميركي مصري بشأن السلاح النووي    إجتماع بين وزير الصحة الإتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    تعاقد الريال مع مبابي يرعب برشلونة    أمسية شعرية للشاعر البحريني قاسم حداد في "شومان"    "إكس" تسمح رسمياً بالمحتوى الإباحي    حادث مروري بين بص سفري وشاحنة وقود بالقرب من سواكن    السودان..نائب القائد العام يغادر إلى مالي والنيجر    تونس.. منع ارتداء "الكوفية الفلسطينية" خلال امتحانات الشهادة الثانوية    السعودية.. البدء في "تبريد" الطرق بالمشاعر المقدسة لتخفيف الحرارة عن الحجاج    وفد جنوب السودان بقيادة توت قلواك يزور مواني بشاير1و2للبترول    صدمة.. فاوتشي اعترف "إجراءات كورونا اختراع"    بنك السودان المركزي يعمم منشورا لضبط حركة الصادر والوارد    عودة قطاع شبيه الموصلات في الولايات المتحدة    داخل غرفتها.. شاهد أول صورة ل بطلة إعلان دقوا الشماسي من شهر العسل    بدء الضخ التجريبي لمحطة مياه المنارة    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    الأجهزة الأمنية تكثف جهودها لكشف ملابسات العثور على جثة سوداني في الطريق الصحراوي ب قنا    ماذا بعد سدادها 8 ملايين جنيه" .. شيرين عبد الوهاب    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    شركة الكهرباء تهدد مركز أمراض وغسيل الكلى في بورتسودان بقطع التيار الكهربائي بسبب تراكم الديون    من هو الأعمى؟!    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وكيل الخارجية عبد الله الأزرق : تربطني علاقة شخصية ورسمية مع الوزيرة "الناها" ونظمت فيها قصيدتين
نشر في الراكوبة يوم 11 - 12 - 2014

حوار – يوسف حمد، بهرام عبد المنعم، حسن محمد علي- تصوير – حسام النيل
** إن كان ثمة شخص متطرف في مقته لوجود بعثة (يوناميد) في البلاد، فهو عبد الله الأزرق، وكيل وزارة الخارجية، فمنذ عدة أسابيع يُظهر الأزرق ضجراً بالغاً من وجود البعثة، حتى إنه يتهكم على قائمة الطعام الذي يتناوله أعضاء البعثة وجنودها في معسكراتهم بدارفور، والآن يضع على عاتقه مواجهة المجتمع الدولي بعناد، حال إصراره على استمرار تفويض البعثة في إقليم دارفور. ويقول الأزرق، الذي وصف نفسه بالمتمرد والمعجب بثورة الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو شافيز، إن الخارجية أعدت أكثر من سيناريو لمواجهة أي تعنت بشأن (يوناميد)، ويرى أن تجربة الدبلوماسية السودانية نضجت بفعل المنزلقات التي واجهتها.
في هذا الحوار يشير الأزرق إلى أساليب جمة يمكن أن تتبعها الحكومة لعرقلة جهود أية منظمة أممية لا ترغب في وجودها على أراضيها، مستشهداً في ذلك بالطريقة التي تتبعها الحكومة الأريترية، وكيف أنها حرمت المنظمات حتى من وقود السيارات.
* كنت شاعراً أكثر من اللازم في المؤتمر الصحفي بشأن أحداث إدارية (تابت)؟
لم أكن شاعراً، ثمة شخص واحد قال ذلك، واستشهد بقولي (إن قوات "يوناميد" حينما يهزمها قطاع طرق وبعض شراذمة المتمردين) وأضفت: (أنهم يرجعون إلى معسكراتهم يجرجرون أذيال الخيبة) وأنا أربأ أن مثل هذا الوصف شعرا، بل هو تعبير دقيق لحالة الانهزام التي تعاني منها (يوناميد)، وأن يعبر المرء عن موقف سياسي بلغة رفيعة، هذا لا يجعل منه شعرا، بالتأكيد هذا خلط للأمور، ومن الظلم أن يقفز الشخص إلى النتيجة بأني شاعر.. اؤكد أن شخصاً واحداً هو الذي وصفني بأنني شاعر أكثر مما ينبغي.
لماذا تأخرتم في الكشف عن جرائم (يوناميد)؟
وما العيب في التأخير.؟ في الدبلوماسية أحياناً يعطيك الصمت والسكوت رداً. أعطيك مثالا، أحيانا تقوم الدولة المعينة بتعيين واحد من سفرائها، لكن الدولة لا ترد، ونحن نفهم، لأنه إذا مرت ثلاثة أشهر على عدم الرد هذا يعني أن السفير غير مرغوب فيه، فيظل السكوت فعلا دبلوماسيا وردا، والعمل الدبلوماسي مثل المشي في حقل ألغام، ويجب أن تحيط خطواتك بكثير من الحذر والحيطة، وأحيانا تنتظر إلى أن تتوفر الشواهد والأدلة والبينات، حتى تخطو الخطوة التالية، ومضى الزمن الذي تقوم فيه الدبلوماسية على ردود الأفعال المتسرعة، ونحن لا نعمل في مغامرة، والعمل الخارجي مثل دراسات الجدوى تحسب فيه الخسائر والأرباح بصورة دقيقة، وينبغي أن نحسب منافع بلدنا وطاقاتها ومواردها وقدرات جيشها والمنافع التي تعود عليها من أية خطوة، فضلاً عن الأضرار التي تترتب عليها فعلا، لذلك ينبغي أن نكون في قمة الحذر حتى لا ندخل البلد في مغامرة، ثم ندفع تكاليف باهظة جراء ذلك، فلو أننا تأخرنا بعض الشيء في الإعلان عن بعض الحادثات، هذا لا يعني أننا كنا سكوتا، فنحن مثلا طردنا عددا من أفراد (اليوناميد) بسبب سلوكهم غير القويم، ولكننا لم نعلن ذلك، وليس كل ما يقوم به الدبلوماسي يعلن على الملأ، أحيانا يكون من الحكمة أن تعمل الفعل وتسكت عليه. وفق المعطيات الراهنة، وبعد هؤلاء الذين أفسدوا في الأرض وبعد التحقيق أيضا طردنا، ولم نعلن وما كل العمل والفعل الدبلوماسي ينبغي أن يكون متاحا لكل الناس.. لا هذا ليس صحيحا، وهناك قاعدة أن تكون المعلومات نفسها حسب الحاجة، والمعلومات لدى وزير الخارجية ليست بالضرورة أن تكون لدى السكرتير الثالث، وهي تحجب عن الطبقات الدنيا في الدبلوماسية، وبالضرورة ألّا يعلمها العامة، وأحيانا إتاحتها لكل الناس يأتي بأضرار للبلد والشفافية المجردة هذا شيء تجده في الجنة، وليس في هذه الدنيا.
هل تتوقع الخارجية أن يستجيب المجتمع الدولي لطلبكم، ويسحب بعثة (يوناميد)؟
ابتداءً، (يوناميد) وصلت إلى البلاد بموافقة الحكومة، ولا تستطيع أن تعمل بغير موافقتنا، وفي اللحظة التي نقرر فيها طردها، سنطردها، شاء من شاء وأبى من أبى، وهم أيضا يعرفون جيدا أننا نستطيع أن نعيق عملهم لو ظلوا جالسين في البلد، فالأريتريون، مثلاً، ضيقوا على المنظمات الموجودة في أريتريا، حتى أنها لا تستطيع الحصول على الوقود لسياراتها، فالحكومات لديها أساليب كثيرة لإعاقة العمل الذي يفرض عليها. وهذا الحديث بالعموم، لأن أية منظمة لا تستطيع البقاء في أي بلد دون موافقة الحكومة وعلمها، وهي لن تستطيع أداء واجبها وعملها.
هل يمكن أن يشمل هذه العرقلة المنظمات التي جاءت بقرار من مجلس الأمن؟
نعم، ولو جاءت بقرار من مجلس الأمن، ولو جاءت بمليون قرار يمكن أن نعطل عملهم .
ربما تعود (يوناميد) بتفويض جديد وفصل جديد؟
أولا، مطالبتنا بخروج (يوناميد) جاءت متسقة تماما مع القرار (1769) الذي نص صراحة على أنه حينما تتحسن الأوضاع الأمنية والإنسانية، ينبغي تنفيذ استراتيجية خروج، ونحن متسقون مع منطوق القرار الذي أنشأ (يوناميد)، ومن ثم نحن لاحظنا في البيانات والشواهد أن كلا الأحوال، الأمنية والإنسانية، تحسنت. ومنظمات الأمم المتحدة تقول إن (95%) من مواد الإغاثة تصل إلى الجهات التي تطلبها، وتتحدث الأرقام وتؤكد أن الهجمات التي تقوم بها الحركات المتمردة انحسرت جدا، وأصبحت نوعا من هجوم العصابات، وليس بالآلاف كما كان ذلك قديما، فالأحوال تحسنت، وصحيح ثمة حوادث تحدث هنا وهناك، إلا أن الثلاث سنوات الأخيرة تحسنت فيها الأوضاع، خاصة العام الأخير، والآن من حقنا أن نطالب باستراتيجية الخروج، مثلما دعينا للقرار الذي أدخل (يوناميد).
هل تتوقع الخارجية قرارا جديداً من مجلس الأمن يبقي على (يوناميد)؟
أنا أستبعد أن يخرج أي قرار آخر من مجلس الأمن لا نريده نحن في السودان، يمنح تفويضا جديدا لقوات (اليوناميد)، لأننا الآن محصنون بموقفنا الداخلي.. هناك تحسن في الموقف السياسي والأمني والإنساني، فضلا عن أصدقائنا في مجلس الأمن أصبحوا أكثر معرفة بالملف السوداني، وملف دارفور وهم سيدعمونا جدا.
أذاعت الموظفة السابقة ببعثة (يوناميد)، عائشة البصري، موقفاً تضليليا في التقارير التي ترفعها البعثة إلى مجلس الأمن.. ما تعليقك؟
تتحرك عائشة البصري من موجدة وأجندة شخصية.. وبالطبع، المآخذ على (يوناميد) لا تحصى ولا تعد، وعائشة البصري محقة في بعض ما أثارته من اتهامات وسهام نقد، إلا أن الأمر لا يخلو من أغراض شخصية لهذه المرأة، إلى جانب تصفية حسابات بينها وبعض المسؤولين في الأمم المتحدة، ولعلها حاولت أن تستغل المثالب في أداء البعثة.
لماذا شكلت المطالبة بإعادة التحقيقات في (تابت) هاجساً للحكومة؟
بالطبع شكلت هاجساً، لأنه ليس من تقاليد العمل في الأمم المتحدة إعادة التحقيق، فكأن بعض الدوائر النافذة تريد تجريم السودان، ما يثير الشكوك فعلا، لأن التحقيق أثبت عدم وجود شواهد الاغتصاب ولا توجد عليه أدلة. وإعادة التحقيق تعني إما فريق المحققين التابع للبعثة غير مهني، أو لديهم مقاصد. التساؤل المهم هو أن الأمم المتحدة كانت تشكو من (راديوا دبنقا) نفسه الذي أذاع خبر الاغتصاب، فلماذا أصبح الآن (راديو دبنقا) صادقا.؟ بالمنطق والعقل، هل يمكن أن تغتصب 200 امرأة، دون لأن يكون هناك رجلا يحتج، أو بيتا ينكسر، ولا توجد آثار جريمة، ولا ثياب ملطخة بالدماء، ولا يتسجل في مضابط أية شرطة، وكما قال المندوب الروسي: لو أن أي شخص يساق في وجهه الاتهامات تنساق كل المنظمة الدولية وراءه، لكانت هذه الحكاية بلا حد، والاتهامات نفسها أثارت غضب الناس وحنقهم، وهذا ما قلته ل(اليوناميد): (أنتم لا تعرفون الآثار المترتبة على الأسرة بتلطخ سمعتها). وهي وصمة لا يعرفون آثارها، لأن الغربيين لا يعرفون الأبعاد الثقافية لفعل معين، ونحن لسنا ملائكة، ولكننا حتما لسنا شياطين، وأنا أفهم أن تحدث حالة اغتصاب فردية، لكن لا يمكن أن تحدث حالة اغتصاب جماعي، وأنصح أن يبحث الخواجات عن بلاد أخرى تحدث فيها مثل هذه المنكرات.
ربما تحدث مقاومة ضد خروج (يوناميد).. ما هي ردة فعلكم؟
من المتوقع أن تحدث مقاومة لعملية خروج (اليوناميد)، والحكومة متحسبة لهذا الأمر، ولديها أكثر من سيناريو لرد الفعل. الملاحظ أن القوات التابعة ل(يوناميد) تعيش في رغد من العيش، تأكل سمك السالمون المدخن والجمبري، ويشربون الحليب الطازج كما لو أنهم في فندق (خمسة نجوم)، وهم وسط معسكرات النازحين. وقبل أربعة أيام تفاوضت معهم، وقلت لهم: حين اطلعت على قائمة الطعام لديكم تأكدت بالفعل أنها تغذي جنودكم، لكنها أيضا تغذي الكراهية تجاهكم.
يبدو أن دولاً تقف مع الحكومة في مقاومتها لإخراج (يوناميد)؟
(oh yes) بالتأكيد، نحن مدعومون من دول إقليمية وعالمية ذات وزن كبير وعظيمة الشأن، ولدينا دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، تساندنا في القرار، وهذا يكفي.
متى ستتوقف هذه الحملة على السودان؟
لو كان زِنْدي وارِياً لتهيَّبوا كفِّي وزِنْدي
أو كانَ لي ذهبُ المُعزِّ لأحسنوا صِلتي وَوُدي
ربما تقول لي إن هذه شاعرية، لكن هذا رد فيه بلاغة.. نحن لا نهوم في الفضاءات، أما أن نعبر عنها بلغة راقية، فهذا لا يعني أننا شعراء، والآن لدينا خبراء، ولو رغبت أن أحلم لأعادني السفراء إلى جادة الطريق.
هل تتفق أن غالبية الدبلوماسيين الذين مروا على الخارجية كانوا شعراء؟
نعم.. ومن المهم بالنسبة للدبلوماسي أن يكون فصيحا ذرب اللسان، لأنه من المطلوب أن يعبِّر عن سياسة بلده، وأن يشرح ويعبر عن ثقافته ليمثل بلده. ليس سياسيا فقط، بل حتى في ثقافة قومه وتقاليدهم، لذلك فإن القدرات الأدبية والقدرة على التعبير مهمة جدا للدبلوماسي، وتعينه على أداء واجبه، وفي تاريخ الدبلوماسية هناك الكثير من الأدباء حتى أن أوَّل وكيل لوزارة الخارجية، السيد محمد عثمان يس، كان أديبا وكاتبا وفصيحا، وكان محمد أحمد المحجوب الذي عرف بشاعرية لا يشق لها غبار، وغير أولئك حفلت الخارجية بعدد كبير من الأدباء، والآن هناك مالا يقل عن عشرة شعراء في وزارة الخارجية.
هل يحتكر الشعراء الدبلوماسية السودانية.. أم أن الأمر موجود في دول أخرى؟
بالتأكيد ينتشر الأدباء في أوساط الدبلوماسية العربية؛ فالشاعر نزار قباني كان دبلوماسيا، وأذكر أن بعض السفراء اليمنيين كتب تقريره عن المؤتمر في شكل قصيدة كاملة، وصاغ كل الوقائع في قالب شعري، وحين يقرأها المرء سيجدها وكأنها تقرير. وهناك أيضاً عدد من الدبلوماسيين الغربيين.
هل تكتب الشعر بالانجليزية؟
لا أطرب للشعر الانجليزي، رغم أن بنتي الصغيرة حباها الله بقدرات في اللغة الانجليزية، ونشر لها شعر انجليزي في أوروبا، وهي تطرب له، لكني أنا لا أطرب للشعر الانجليزي، وأذكر أن بروفيسور محمد إبراهيم الشوش، رغم درايته وباعه في الانجليزية، إلا أنه كان يفضل الكتابة بالعربية.
اشتهرت بكتابة قصيدة غزل في وزيرة الخارجية الموريتانية السابقة الناها بنت مكناس.. ماذا كنت تطلب من ورائها؟
في حقيقة الأمر كتبت قصيدتين في الناها حينما جاءتنا في زيارة رسمية للبلاد، لكن راجت واحدة، وجاراني فيها عدد من الشعراء والدبلوماسيين، وكنت وقتها مديرا للإدارة العربية.. بالنسبة لنا، نحن الدبلوماسيين، مهمتنا هي التقرب للشعوب، عادة ما نتخير أفضل وسيلة للتقرب، وإذا زارك الموريتاني فإن أفضل شيء تستقبله به هو الشعر، خاصة وأن موريتانيا عرفت بأنها وطن المليون شاعر.. وسبق أن نظمت قصيدة لاستقبال الوزيرة الناها ونسيتها في الفندق في القاهرة، وأذكر أن اليوم الأوَّل أقيمت دعوة عشاء غير رسمية، وقلت للحضور إنني نظمت قصيدة، ولكنني نسيتها في الفندق، وكان للمصادفة وأنا أتلو مطلعا من القصيدة مرافقا للوزير الشاعر والدبلوماسي الموريتاني بابا ولد سيدي عبد الله، وكان مسؤولا من دائرة الإعلام بالخارجية، وحينما تلوت مطلع القصيدة، قال لي إن هذا مطلع لا ينبغي أن يترك، ولن نقبل أنك نسيتها في القاهرة، يجب أن تنظم قصيدة أخرى، وهو ما حدث، حيث نظمت القصيدة التي راجت ولاقت قبولا، وأذكر أنني رافقت الرئيس البشير في زيارة رسمية لنواكشوط، ففوجئت في احتفال رسمي في المسرح القومي أن طلب مني أن أتلو هذه القصيدة، ففعلت، ونشرتها الصحف وأجهزة الإعلام هناك، ومن طرائف تلك الزيارة أنني كنت أجلس بجوار إحدى الوزيرات الموريتانيات الجميلات، فحضر أحد الوزراء وقال لي: لماذا لا تكتب قصيدة في هذه الوزيرة؟ فقلت له: هذه لا تكفيها قصيدة، بل تحتاج إلى ديوان كامل، فسرها ذلك جدا.
هل سرها أنك تتغزل فيها؟
قال المتنبئ: إذا كان شعراً، فالنسيب مقدم.. أكل فصيح قال شعراً متيم؟
عليه فأن أمر قصائدي ليس غزلاً، فقصيدة (الناها) كانت في (النسيب) إلا أن بعض الناس ممن لا يفرقون بين (النسيب) و(الغزل) أرادوها غزلاً، وعلى كل حال فإن (الناها) سرتها القصيدة، حتى إن سفيرنا في نواكشوط قال إنها علقت القصيدة في جدران بيتها.. على أن بعض الناس أخرجوا الأمر من سياقه، وهذا مؤسف جدا، والآخر حاول تسييس القضية، لكن هؤلاء لا نأبه لهم، هؤلاء لا الشعر يحدث في أرواحهم طربا، ولا الزهور لها في أرضهم حرم. عموما، فإن أوساط المثقفين، وذوي الدراية بالأدب والشعر لاقت في نفوسهم قبولا واستحسانا عظيمين، وأنا سعيد بذلك.
يشاع أن (الناها) أقيلت من منصبها بسبب هذه القصيدة.. ما مدى معرفتك بهذا الأمر؟
هذا سؤال جيِّد. لكن تذكر شيئا واحدا، هو أن الوزيرة أقيلت من منصبها بعد عام ونصف من كتابتي للقصيدة، ما يدل أن الحديث غير منطقي، والقصيدة شاعت منذ أسابيعها الأولى، وأنا أرى أن التطورات والمماحكات السياسية والمتغيرات في موريتانيا، كان لها أثر في ذهاب (الناها) من منصبها، ولا أرى علاقة البتة، ولا يمكن أن يكون معيار إقالة الوزراء في بلد مثل موريتانيا بهذه الصورة، والقصيدة كانت تعبر عن البلد، وليست عن الشخص، ولم تكن (الناها) إلا رمزا لذلك البلد.
قيل إن الشعب الموريتاني تظاهر احتجاجاً على قصيدتك في (الناها)؟
ليس صحيحا البتة أن الشعب الموريتاني خرج في مظاهرات مناهضة للقصيدة، أو منددة بصاحبتها.
هل يمكن أن تكتب قصيدة أخرى في دبلوماسية عربية من دول الخليج مثلاً؟
لا. فأنا كدبلوماسي، ينبغي أن أراعي الحساسيات الثقافية في كل بلد، فأنا أعلم أن ثمة سلعة يمكن أن تباع في هذه البلد، بينما تكون كاسدة في بلد آخر، فالطبيعي في بلد يطرب للشعر ويحتفي بالشعراء أن يروج لبضاعة الشعر، بينما في بلاد أخرى يكون مجرد ذكر اسم المرأة سبباً في أزمة دبلوماسية، ومن الحصافة أن تكون ملما بالثقافة السائدة.
هل اعترتك لحظات ندم على قصيدة (الناها)؟
لا.. لست نادما هذا عمل إبداعي رفيع.. الذين يفهمون في الشعر احتفوا به أيما احتفاء، وصاحبة القصيدة والموريتانيون أيضا، ونشروها، وقدموني لأتلوها عندهم، ما الذي يعيبها؟ ليس فيها وصفا حسيا، ولدي علاقة شخصية ورسمية مع (الناها) فيها كثير من الاحترام الذي يظل عاصما من كتابة أي نوع من الشعر الحسي، وقناة عملي لا تسمح لي بمثل هذا التناول الفظ الغليظ.
تأرقت الخارجية بقضية القنصل أيمن سلامة.. ما حقيقتها؟
مشكلات سلامة كانت كبيرة، خصوصاً الأخيرة، ولا أريد الكشف عنها، كانت قاصمة الظهر، وارتكب خطئا لا يعالج.. لدى سلامة أربعة تجاوزات، وهو سفير درجة ثانية، ولأجل ترسيخ العدالة كوّنا بشأنه لجنة محاسبة من سفراء أعلى منه درجة، ووافق عليهم جميعاً، وأخذت اللجنة أقواله في أربعة مجالس تحقيق استجوب فيها، وأجمعت لجان التحقيق الأربع على أنه ارتكب مخالفات، ويجب أن يحاسب، وهذا ما فعلناه، وفي مجالس المحاسبة استقدمنا شخصا في الدرجة الأولى، من خارج وزارة الخارجية وقمنا بعمل (مجلس محاسبة مصلحي عالي)، وتداول ملف سلامة أكثر من عشرين شاهدا من دبلوماسيين وسفراء، وأحطناه عملهم بتكتم شديد، لدرجة أننا قررنا إيقاف الصحفية التي تناولت الموضوع، حتى لا يؤثر على المحققين، وراعينا فيه كل معايير الانضباط المهني، وكم تمنينا أن يكون سلامة بريئاً، لأنه زميلنا، لكن كل لجان التحقيق أجمعت أن الرجل ارتكب أخطاءً جسيمة، ولم يكن هناك بد غير إبعاده، وهنالك ثلاثة دبلوماسيون آخرون ارتكبوا نفس الأخطاء، أحدهم صادرنا بيته وشقته وعربته، والثاني سفيرنا في هولندا هرب وبيته مسجل باسم زوجته.
لكن هناك وساطة لإرجاع سلامة؟
(no way) ليس ثمة من يغامر لينجي شخص أجمعت كل المجالس على خطأه، لمصلحة من يتم إرجاعه؟ نحن نسعى لأن نقف وراء الحق.
طرحتم مؤخراً وظائف في وزارة الخارجية.. ماهي المعايير التي تنجي الخارجية من أمثال أيمن سلامة؟
كنا قد استوعبنا أخيراً (15) شخصا بمعايير صارمة جدا، عبر أساتذة من جامعة الخرطوم لإجراء امتحانات في اللغة الانجليزية والفرنسية والألمانية والروسية والعربية، عبر امتحانات دقيقة، ثم سندخلهم في معاينات أخرى عبر لجنة الاختيار وسفراء من الخارجية وسفراء من المعاش. والاستيعابات الأخيرة فيها أحد المقبولين للعمل بالخارجية يجيد سبع لغات، وقام هذا الدبلوماسي الشاب بترجمة قصيدتي التي كتبتها في القائد الفنزويلي الراحل هوغو شافيز ل(اللغة) الإسبانية.
ماذا كتبت في (شافيز)؟
مدحت شافيز لأنني أحبه كمتمرد، وعن نفسي لدي قدر من التمرد، وفي دمي الكثير من التمرد وأحب المتمردين، وليس كافيا أن تكون شيوعيا حتى تتمرد. وسبق أن قلت لمناديب من بعثة (يوناميد) في ثنايا نقدي لحياة الرفاهية التي يعيشونها: أخطأت كثيراً في أنني لم أكن شيوعياً.
هل يشمل هذا الحب المتمردين أمثال ياسر عرمان وعبد العزيز الحلو؟
لا.. أنا أفرق بين المتمرد الإيجابي والمجرم وسفاك الدماء، فالمتمرد لديه موقف احتجاجي.. وما أريد الإشارة إليه فعلا، وموضوعي الأساسي هو أن أشرح للرأي العام أن الاختيار الأخير للعمل في وزارة الخارجية طبقنا فيه معايير دقيقة وصارمة، وأريد أيضا أن ألفت الانتباه لشيء مهم، وهو أن وزارة الخارجية، تاريخيا، كانت محتكرة لبعض العوائل، ولا أريد أن أذكر أسماءً في هذا الصدد، لكن في كل الدفعة المقبولة للعمل كان يتم اختيار واحد من إقليم دارفور أو من شرق السودان، وذلك لذر الرماد في العيون، ولم يكن مسموحاً لأبناء غمار الشعب بدخول الخارجية إلا في السنوات الأخيرة.
هل كان الاختيار يتم بمعايير لمن تربطهم صلة القربى؟
أعفني من هذا السؤال، ولكن الصحيح أن تكون هناك فرصا متساوية للكفاءات المتساوية، والدخول بذلك الحجم الملحوظ للأقارب يثير الشكوك.
بدأ الناس يتحدثون في الفترة الأخيرة، كأنما تم استبدال القرابة بالإيدلوجيا والموقف السياسي؟
هذا سؤال لا يسأل عنه وكيل وزارة الخارجية، إنما دوائر أخرى مسؤولة من التوازنات في الإدارة الداخلية، ونحن لسنا طرفا في ذلك وأنا في الجانب المهني أقوم بالتعيين حسب القدرات والكفاءة بغض النظر عن خلفية المتقدم، ومؤخرا قاموا بتعيين عدد من السياسيين قلت لهم: أكون معاكم واضح، من باب الوزارة في شارع النيل وحتى شارع الجامعة، لا يوجد شيء اسمه الزعيم السياسي فلان، إنما نفهم عمل الملفات فقط، وقدرتك على إدارة الشأن الخارجي هي التي ترفعك أو تخفضك، والناشط السياسي مكانه غير الخارجية، والدبلوماسي عندنا مفاوض محنك أو من يجيد خلق (اللوبي) لصالح بلده، وبالتالي أنا أطالبك أن تحلل موقفا سياسيا معينا، وتتكهن بمآلات الأمور السياسية في بلد معين، أو منظمة، وتمدني بعد ذلك بسيناريوهات مختلفة وترجح لي سيناريو على آخر والإيجابيات والسلبيات في كل قضية أو موقف نتخذه، أما قرب الدبلوماسي من السيد الصادق المهدي أو علي عثمان محمد طه، وغيرهما، فهذا لا يعنينا.
يقال إن وزارة بأهمية وزارة الخارجية لا يوجد بها من يتحدث أو يترجم عن اللغة العبرية؟
فعلاً، وهذا أمر مؤسف، وأنا كتبت أن نبعث ثلاثة لدراسة اللغة العبرية، وسنفعل ذلك، وعلى العموم هذا نقص نعترف به.
هل صحيح أن وزير خارجية البلاد السابق دينق ألور تآمر ضد الحكومة؟
هذا سؤال جيد، وصحيح أن دينق ألور كان يتآمر، وسأعطيك شواهد عملية على ذلك، وكان أيضا يتكلم عن أشياء في السودان ضد مصالح الدولة، ومن الأشياء التي لم نعلنها أن خلافا علنيا نشأ بين وزير الخارجية دينق ألور وسفيرنا الأسبق في لندن، لأن الوزير كان يعبر في لقائه بوزارة الخارجية البريطانية عن سياسة الحركة الشعبية، وليس سياسة السودان، ما اضطر السفير أن يتدخل ويعلن أن هذا الموقف لا يخص الحكومة السودانية، وإنما الحركة الشعبية وكان هذا حرجا دبلوماسيا بالغا أمام الدبلوماسية العالمية، والشواهد كثيرة.
هل تتوقع أن يتسبب إعلان (نداء السودان) في أزمة مع إثيوبيا؟
إثيوبيا قالت إنها ليست لديها علم بنداء السودان، وإنها حريصة على ألا ينطلق من أراضيها أي عمل معادي للسودان.
وعلى ماذا تدل هذه المسارعة بالنفي؟
تدل على أن التنسيق بين قيادة البلدين وثيق، وأن العلاقة في البلدين تراعى فيها المصالح.
هناك من يرى أنكم تحركتم لإنتاج هذا الموقف الإثيوبي؟
لا لا.. هذا الأمر تم من تلقاء أنفسهم وهم واعين بمصالح بلدهم، وعلى فكرة، إثيوبيا من البلاد التي تتمتع فيها القيادة والشعب بقدر كبير من الكرامة، وهم يشبهوننا في كثير من الأمور ولو كان القرار بيدي كنت سأعمل علاقة أشبه بالوحدة الاندماجية مع إخواننا الإثيوبيين، فهم يحبوننا، وكذلك نحن نحبهم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.