خبراء: انتشار الفكر السلفي قاد إلى انسحاب الخطاب المعتدل دعت جماعات إسلامية إلى مقاطعة احتفالات أعياد الميلاد، ورأس السنة، وقالت بتحريم الاحتفال بأعياد الكريسماس، ورأس السنة باعتبارهما "تشبهاً بالنصارى". وبرزت ملصقات إعلانية في طرقات الخرطوم ألصقت على إعلانات أخرى، وقال موزعو هذه الملصقات: إنه لا يجوز للمجتمع المسلم أن يغير من هويته الإسلامية، وانتمائه، وأعرافه، وتقاليد دينه، منبهين إلى أن بعض المسلمين يحتفلون بهذه الأعياد التي لا تمت للمسلمين بأية صلة، ودعت الملصقات العلماء أن يكونوا من صناع القرار، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتفقيه، بجانب المشاركة في صنع القرار- فقط- من خلال النصح في الأمور التي يتدخل فيها الشرع. حرب الملصقات ورصدت (التيار) في جولة بموقف المواصلات وسط الخرطوم، وبعض الأحياء السكنية، أمس الإثنين ملصقات تم تعليقها على بوسترات إعلانات لحفلات الاستقلال، ورأس السنة، ورصدت مساء الأحد مجموعة من الشباب تقوم بوضع الملصقات في أحياء شرق الخرطوم، بينما نشطت الجماعات السلفية من جهتها في وضع لافتات وبوسترات تحرم فيها الاحتفال بعيد رأس السنة وتقول تلك البوسترات: "إن الاحتفال برأس السنة تشبه بالكفار، وتحرم "بوسترات" السلفيين الاحتفال بالمولد النبوي الشريف. لا للعنف ويقول خبير الجماعات الاسلامية محمد خليفة الصديق: إن الأصلح في الدعوة الرفق امتثالاً لحديث الرسول- صلى الله عليه وسلم- "ما وضع الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه" وتابع: "من هذا الحديث نعي أن الدعوة في الأصل قائمة على الرفق وأي سلوك باليد مخالف للإسلام، كما سيؤدي عاجلاً أم آجلاً- إلى احتكاكات باعتبار أن هنالك شخصاً منتفعاً من العمل من ناحية تجارية، وهو يعتقد أنه على صواب؛ لذا فلن يسكت على تقطيع ملصقاته، أو التعرض له في شيء يكتسب منه، "ويشير الصديق إلى أن الأخذ باليد حق للسطات وليس للأفراد، وهي المسؤولة عن ذلك؛ لأنها هي التي تمنح التصديق لأي محفل"، ويضيف أن الشباب الذين اقتعلعوا لافتات، وإعلانات لجهات ما تستعد لتنظيم احتفالية يحتاجون إلى رعاية دينية وتربوية للتعامل برفق مع وجهات النظر والخلافات، وينبه إلى أن النهي عن المنكر لديه ثلاث طرق بالقلب واللسان واليد والأخيرة حق الحاكمين وليس الأشخاص، وحذَّر خبير الجماعات الإسلامية من الانزلاق وراء العنف نتاجاً لهذا المسلك الذي يتوجب تدخل الدولة والعلماء لحلّ الخلافات بالحوار. أما رجل الدين د. أحمد محمد سعيد في حديث فقال في حديث أدلى به ل" التيار": إن أعياد المسلمين معروفة الفطر والأضحى بجانب مولد الرسول محمد "صلى الله عليه وسلم"، ونبه إلى أن العادة خلال السنوات الماضية أن يحتفل السودانيون بالاستقلال ورأس السنة، وليس هنالك غضاضة في ذلك إن لم تمارس أي "رزيلة"، أو أفعالاً تمس العقيدة الإسلامية، ونبه إلى ضرورة الدعوة عبر الإقناع، وعاب سعيد على البعض ممارسات غير حميدة خلال تلك الاحتفالات، لكنه أكد تماسك المجتمع السوداني وتعايشه لسنوات طوال وضرب مثلاً بالتعايش مع شريحة الأقباط وغيرها من طوئف المسيحية. الشرطة تستعد ونقلت مصادر ل "التيار" أن شرطة ولاية الخرطوم أعدت خطة لتأمين الأندية، والأماكن العامة، والكنائس، والحدائق، والكافيتريات، وضبط المظهر العام، والحد من الظواهر السالبة، وبسط هيبة الدولة، وسيادة حكم القانون، والتعامل مع أي تجمع شبابي يمارس فيه الرقص والغناء في الشارع العام، بجانب منع الظواهر السالبة كالتراشق بالبيض والماء، وستؤمن الخطة أيضاً شوارع النيل. وفي ولاية النيل الأزرق احتفل المسيحيون بأعياد الكريسماس في محلية الروصيرص، ودعوا خلال احتفالاتهم أن يكون العام الجديد 2015م عاماً للسلام في السودان، ومرت الاحتفالات بهدوء، وسط ابتهاج الأطفال في المنطقة؛ بالخروج إلى الساحات العامة، وضفاف النيل الأزرق في مدينة الروصيرص. الرئاسة تحذر من التشدد وكان رئيس الجمهورية قد حذَّر من انتشار التطرف والغلواء، وتشهد الخرطوم انتشارا كبيرا للجماعات السلفية المتشددة، التي تخرج من مساجد بعينها يمتطي شبابها الملتحي صهوات سيارات "هايس"، يحذرون المواطنين من الجلوس في شارع النيل، والاحتفال بأعياد الكريسماس، ومولد النبي، وشهدت الخرطوم- في وقت سابق- هجوماً من تلك الجماعات السلفية المتشددة على ضرائح مشايخ صوفيين، وقامت بحرقها، وتتمدد تلك الجماعات في أحياء الخرطوم، ولها نشاط في العديد من مساجدها، خاصة في أحياء جبرا جنوبالخرطوم، وحي الجريف غرب شرقي الخرطوم، وفي كل عام تخرج هذه الجماعات لتحذِّر من الاحتفال بأعياد الميلاد المجيد، ومولد الرسول- صلى الله عليه وسلم. متطرف يدعو إلى الجهاد وأمس خرج أحد المتطرفين في سوق مدينة عطبرة شاهراً سيفه في حالة هياج كبير، داعياً إلى الجهاد، وتمت السيطرة عليه بواسطة الشرطة، غير أن نشاط تلك الجماعات يحتاج إلى فعل قوي، وحسم من قبل السلطات. وتحتفل الطوائف المسيحية- التابعة إلى الكنائس الغربية- بعيد الميلاد في 25 ديسمبر، في حين تحتفل به الكنائس الشرقية في 7 يناير. المسيحيون يحتفلون واحتفلت الأقليات المسيحية في السودان الخميس الماضي بأعياد الميلاد- في وقت- غابت فيه المارشات التي كانت تسيرها الكنائس في شوارع الخرطوم، حيث منعتها السلطات للعام الثالث على التتالي. كما لم تدرج أعياد الكريسماس ضمن الأعياد القومية، ومن ثم اعتبارها "إجازة رسمية" للدولة- كما كانت قبل انفصال الجنوب السودان في العام 2011. ودعا القساوسة الذين خاطبوا احتفالات أعياد الميلاد في كنيسة "المسيح" بالخرطوم إلى وقف الحرب وتحقيق السلام، وناشدوا المسيحيين بإظهار المزيد من التعاطف، وقال القساوسة في الاحتفالية: إن هناك الكثير من السودانيين اليوم يحتاجون إلى التعاطف. انسحاب الخطاب المعتدل وتنشط الجماعات السلفية خصوصاً وسط الشباب، وأدت تلك الظاهرة إلى تخوف كثير من المراقبين، خاصة أنها قد انطلقت نحو طور جديد؛ عندما أعلن دعاة سلفيون في السودان تكوين "التيار السلفي الجهادي"، وانطلاق أعماله، عقب الاحتجاجات الدامية التي اندلعت في الخرطوم قبيل فترة بسيطة ضد ما أطلقوا عليه "الفيلم المسيء"، ونشر ذلك التيار محاضرة على موقع "يوتيوب" لرموزه يشرحون فيها أهدافهم ومطالبهم، ويهدف التيار السلفي الجهادي إلى ما يسميه إقامة دولة إسلامية في السودان، وأن تكون الرابطة في هذه الدولة هي العقيدة الإسلامية، وليست المواطنة" وفي أيام مضين تجمع عدد من شباب تلك الجماعة في تظاهرة احتجاجية ضد الحرب الفرنسية في مالي ضد الجماعات الإرهابية هنالك، معتبرين أن مالي صارت دولة جهاد، مطالبين الشباب بالتوجه إلى تلك الدولة من أجل ما أسموه "الجهاد في سبيل الله" ويرى مراقبون أن هذه الجماعة الجديدة هي تحالف لعدد من التيارات السلفية التكفيرية المتشددة، مثل الرابطة الشرعية للدعاة، ومن رموزها إمام مسجد الجريف الشيخ محمد عبد الكريم، والشيخ علاء الدين الزاكي، وهي الجماعات التي ظلت تعمل في وضح النهار، وبعلم السلطات، فقد نمت تلك الجماعات المتشددة في ظل وجود الإسلاميين في السلطة في السودان، ويرى عدد من الباحثين طبقاً لهذا السرد أن الحكومة مثلت حاضنة لتلك الجماعات السلفية المتشددة والجهادية، وساعد على نموها في الأحياء والمدن والجامعات والأماكن العامة انسحاب القوى السياسية، والخطاب المعتدل، من الشارع. التيار