شاهد بالفيديو.. الفنانة نانسي عجاج تشعل حفل غنائي حاشد بالإمارات حضره جمهور غفير من السودانيين    شاهد بالفيديو.. سوداني يفاجئ زوجته في يوم عيد ميلادها بهدية "رومانسية" داخل محل سوداني بالقاهرة وساخرون: (تاني ما نسمع زول يقول أب جيقة ما رومانسي)    شاهد بالصور.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبهر متابعيها بإطلالة ساحرة و"اللوايشة" يتغزلون: (ملكة جمال الكوكب)    شاهد بالصورة والفيديو.. تفاعلت مع أغنيات أميرة الطرب.. حسناء سودانية تخطف الأضواء خلال حفل الفنانة نانسي عجاج بالإمارات والجمهور يتغزل: (انتي نازحة من السودان ولا جاية من الجنة)    البرهان يشارك في القمة العربية العادية التي تستضيفها البحرين    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    الخارجية السودانية ترفض ما ورد في الوسائط الاجتماعية من إساءات بالغة للقيادة السعودية    قرار من "فيفا" يُشعل نهائي الأهلي والترجي| مفاجأة تحدث لأول مرة.. تفاصيل    الرئيس التركي يستقبل رئيس مجلس السيادة    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    الدعم السريع يقتل 4 مواطنين في حوادث متفرقة بالحصاحيصا    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    كاميرا على رأس حكم إنكليزي بالبريميرليغ    الكتلة الديمقراطية تقبل عضوية تنظيمات جديدة    الأحمر يتدرب بجدية وابراهومة يركز على التهديف    عملية منظار لكردمان وإصابة لجبريل    بيانٌ من الاتحاد السودانى لكرة القدم    ردًا على "تهديدات" غربية لموسكو.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية    «غوغل» توقف تطبيق بودكاستس 23 يونيو    لحظة فارقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    دول عربية تؤيد قوة حفظ سلام دولية بغزة والضفة    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعديلات الدستورية
نشر في الراكوبة يوم 12 - 01 - 2015

إنه لأمر يدعو للأسف أن تتم التعديلات الدستورية بهذا الشكل المتعجل، والمرتبك، والذي لا ينم على أي قدر من الاحترام، لا للشعب ولا للدستور نفسه. فالدستور هو وثيقة الغرض منها تحديد السلطات العامة في الدولة، وكيفية توليها وممارستها، وذلك بتوزيع الاختصاصات بين السلطات العامة في الدولة، ودرجة الفصل، أو الرقابة المتبادلة بين تلك السلطات، إضافة لعملية تحديد سلطات الدولة في مواجهة الأفراد. أي أنه مجموعة الأحكام التي تُحكم بموجبها دولة ما، ويتم من خلاله إدارة الصراع السياسي فيها. عملية تعديل الدستور هي عملية تهدف لتعديل حكم في الدستور، أثبتت التجربة العملية قصوره عن تلبية ما تتطلبه المبادئ الأساسية للدستور المعني. للوصول لذلك لا بد أن تأتي المسودة كنتاج لعملية حوار مستمر تستقطب المكونات الفاعلة في المجتمع، للتوصل للمسودة المقبولة، وهذا هو الغرض من فترة الشهرين الواردة في المادة (224) من الدستور، والتي تتلو وضع المسودة على منضدة الهيئة التشريعية، وتسبق المداولات حولها.
وأول ما يؤخذ على الطريقة التي تم بها تعديل الدستور، هي أنها تمت بعيداً عن عيون الشعب، فلم يتم نشر نص مسودة التعديلات كاملة على نطاق واسع، حتى يتكون رأيا عاما حولها داخل وخارج الهيئة التشريعية. فلم تعرضها أي جهة على المختصين، ولا على المكونات السياسية المختلفة خارج البرلمان، وكذلك لم يتم إخضاعها للنقاش داخل الكتل البرلمانية المختلفة، إذا كان هنالك ثمة وجود لكتل برلمانية. وبالتالي لم يتيسر لأعضاء البرلمان طرحها على الشعب في دوائرهم الانتخابية لمعرفة رأيه فيها، وكيف يتيسر لهم ذلك وهي لم تعرض عليهم في الأصل؟! إذا فقد ظل الشعب مغيباً بشأنها وتمت مناقشتها فقط في غرف مغلقة، بواسطة لجنة برلمانية تمثل حزب واحد، احتل مقاعده بانتخابات لم ينافسه فيها أحد، ثم تمت إجازتها دون أدنى إدعاء بأن هنالك ما يدعو للتداول حولها، وبإغفال تام لكافة المتطلبات الدستورية لإجازتها.
المتطلبات الدستورية الإجرائية
أولاً إبتدار التعديل
وفقاً للمادة (58) م من الدستور فإن إبتدار التعديل من مهام رئيس الجمهورية. وبالتالي فإن التعديلات التي إبتدرها رئيس الجمهورية هي وحدها التي يجوز لمجلسي البرلمان إجازتها. وأي تعديلات أخرى أضيفت لها بواسطة اللجنة تعتبر إجازتها باطلة، لأنه من جهة لا يجوز للبرلمأن النظر فيها لكونها صادرة من غير ذي صفة، ومن جهة أخرى لأنها بالضرورة قد تمت إضافتها بعد إيداع التعديلات التي ابتدرها رئيس الجمهورية منضدة المجلس، مما يعني أنها أجيزت قبل أن تكمل مدة الشهرين المطلوبة وجوباً، وفقاً للمادة (224) من الدستور. وتطلب إبتدار التعديلات بواسطة رئيس الجمهورية ليست مجرد مسألة شكليه يمكن تجاوزها، بل هي ضمان لمنع الزج بتعديل من شأنه أن يغير من طبيعة الدستور، او ينتقص من الحريات العامة، لأن رئيس الجمهورية هو راعي الدستور. وكون رئيس الجمهورية قد إبتدر تعديلاً بعينه لا يفتح الباب على مصراعيه لكل من هب ودب لكي يدلي بدلوه، بل يظل ما قدمه الرئيس من تعديلات هو فقط ما يتم التداول حوله في الهيئة التشريعية، وسائر لجانها. والهيئة التشريعية نفسها لا تملك أن تعدل في مسودة التعديلات المقترحة بل عليها بعد المداولة إما أن تقبلها أو ترفضها كما هي .
إجازة التعديلات بالتصويت الصوتي
تمت إجازة التعديلات حسبما أورد الأستاذ/ عبد الباقي الظافر في عموده المقروء "تراسيم" بالتصويت الصوتي بأن يقول الموافقون نعم. ولم يوضح الأستاذ/ عبد الباقي ما إذا كان قد طُلِب من المعارضين أن يصوتوا بقولهم لا، ولكن الحالتين سواء فالتصويت بالشكل الذي أجري به لا يمكنه أن يلبي متطلبات المادة (224). لأنه حيثما يتطلب الدستور أغلبية معينة فإنه يستوي الرفض والامتناع. كان يتوجب إحصاء عدد الموافقين على وجه الدقة، وأن يُثبت عدد الأصوات لصالح التعديلات، ولا تعلن إجازة التعديل إلا إذا كان عدد أصوات الموافقين على التعديلات يفوق ثلاثة أرباع عضوية المجلس المعني كاملة.
إجازة التعديلات في اجتماع مشترك للمجلسين
تمت مناقشة التعديلات وإجازتها في اجتماع مشترك للمجلسين، رغم أنف النص الدستوري الذي يتطلب أن يتم ذلك في اجتماع منفصل لكل من المجلسين. وهذه أيضاً ليست مسألة شكلية يمكن التجاوز عنها، لأن حصول التعديل على موافقة 75% من عضوية كل مجلس على حده ضروري لإجازته، لأن موافقة 75% من مجموع عضوية المجلسين لا يكفي لإجازة التعديل، فمجلس الولايات يختلف في تمثيله ومهامه اختلافاً جذرياً عن المجلس الوطني، جعل الدستور يتطلب مداولة والإجازة تتم في كل مجلس منهما على حده. وبالتالي فإن الطريقة التي أجريت بها المداولة والإجازة مخالفة للدستور وباطلة ويستحيل معها حتى إثبات حصول التعديل على الأغلبية المطلوبة.
إشكالية غير قابلة للحل
اضف لذلك الإشكالية التي يفرضها واقع أن التعديلات تمس اتفاقية السلام، والتي يتطلب الدستور لإجازة التعديل بشأنها موافقة طرفي الاتفاقية. وقيل درءًا لذلك أن اتفاقية السلام الشامل قد تم تنفيذها بالكامل، وبالتي فلم تعد ذات جدوى. هذا غير صحيح، لأن ما تم تنفيذه هو فقط الأجزاء الخاصة بجنوب السودان، أما الأجزاء الخاصة بجنوب كردفان، والنيل الأزرق، فلم يتم تنفيذها بعد. ونذكِّر هنا بما ذكره السيد رئيس الجمهورية في الأيام القليلة الماضية، من أن أي معالجة للنزاع في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، لن تتم إلا في إطار احكام اتفاقية السلام الشامل، وهذا يقطع بأنها ما زالت على قيد الحياة، ومنتجة لآثارها. كذلك فالجميع يعلمون بأن النزاع في أبيي ما زال عالقاً، ولم يتم تنفيذ أحكام اتفاقية السلام الشامل في شأنه. ومن هذا يتضح أن اتفاقية السلام الشامل ما زالت سارية المفعول ولم تنفذ بعد. ولما كانت التعديلات تمس السلطات الولائية، ومن ضمنها ولايات ما زالت تمسها اتفاقية السلام الشامل، فإن التعديل يتطلب لإجازته موافقة طرفي الاتفاق. وهذا إشكال غير قابل للحل لأنه بالتأكيد لا يجوز تطلب موافقة حزب الحركة الشعبية الذي يحكم جنوب السودان، لأنه حزب أجنبي وبالتالي لم يعد له صلة بدستور السودان. ولكن ماذا عن قطاع الشمال في الحركة الشعبية وهو تنظيم سياسي وعسكري له وجود محسوس في السودان؟ الم يكن جزءًا من الكيان المُسمى بالحركة الشعبية، والذي يشكل طرفاً في اتفاقية السلام الشامل؟ الأمر يحتمل قولان: الأول هو القول بأن قطاع الشمال من الحركة الشعبية أصبح هو كل الحركة الشعبية في السودان، وبالتالي يلزم الحصول على موافقته. والثاني القول بأن الحركة الشعبية ككل لم يعد لها وجود في السودان، وهذا يقود للقول بجمود الدستور جموداً مطلقاً لحين إصدار دستور جديد، فيما يتصل بالأحكام التي تمس اتفاقية السلام الشامل، لأن الولايات المتأثرة باحكامها لم تعد ممثلة بكيان يمكن له الموافقة على تعديل الاتفاقية .
هذا من حيث الشكل ولكن من حيث الموضوع فإن التعديلات تثير كثيراً من الجدل.
التعديلات من حيث الموضوع
أولاً :- التعديلات التي تؤثر على الحكم الفيدرالي:
التعديل على المادة (158) والتي أضافت للرئيس سلطة تعيين الولاة وعزلهم.
إلغاء ذاتية الولاية أينما وردت.
إلغاء تحديد اختصاص ومهام شرطة الولاية بواسطة دستورها.
إلغاء اختصاص دستور الولاية بتحديد عدد أعضاء مجلسها التشريعي.
وضع سلطة تحديد الأراضي الاستثمارية في يد رئيس الجمهورية .
ثأنياً :- التعديل بالنسبة لجهاز الأمن
التعديلات على المادة (151) هدفت للاعتراف بدور جهاز الأمن كقوة نظامية والنص على دوره في مكافحة المهددات السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية واتخاذ تدابير الوقاية منها.
ثالثاً:- بالنسبة للمحاكم الخاصة
أضافت التعديلات محاكم الأمن ومحاكم الشرطة في صلب الدستور بدلاً من تركها للقانون.
رابعاً:- ادخال دور جديد للشرطة وهو الحفاظ على أخلاق المجتمع وآدابه ودور جديد للأمن هو مكافحة المهددات الاجتماعية .
تعديل أحد الملامح الرئيسية للدستور
هدفت النعديلات لأهداف مختلفة، ولكن دون التطرق لباقي الأهداف يكفي القول بأن بعضها هدف إلى تغيير طبيعة الحكم من حكم فدرالي إلى حكم مركزي، فأخضع المستوى الولائي للمركز وقلل إلى حد بعيد من استقلالية الولايات في ما يتعلق بتصريف شئونها. وكانت ابرز مظاهره أنه لم يعد شعب الولاية قادر على انتخاب حاكم الولاية، ولم يعد في إمكان المجلس التشريعي أن يعزله بمجرد سحب الثقة منه بل يلزم لذلك موافقة رئيس الجمهورية على عزله والتعديلات في مجموعها انهت مظاهر الفدرالية التي نص عليها الدستور ومن قبله دستور عام 1998م والسؤال هو هل تعتبر الفدرالية في دستور عام 2005م احد ركائز الدستور؟ واذا كانت كذلك فهل يجوز تعديل الدستور بالغائها؟
الراجح أن الفدرالية هي احد الملامح الرئيسية للدستور وذلك واضح من نصوص الدستور نفسه فالمادة 1- (1) من الدستور تنص على أن جمهورية السودان دولة مستقلة ذات سيادة، وهي دولة ديمقراطية لا مركزية تتعدد فيها الثقافات واللغات وتتعايش فيها العناصر والأعراق والأديان. وتنص المادة 2من الدستور على أن - السيادة للشعب وتُمارسها الدولة طبقاً لنصوص هذا الدستور والقانون دون إخلال بذاتية الولايات.
كما وتلزم المادة 24 المستوى القومي من الحكم على احترام ذاتية الولايات. تنص المادة 226(1) استُمد هذا الدستور من اتفاقية السلام الشامل ودستور جمهورية السودان لعام 1998
والفيدرالية هي أحد الأركان الأساسية في اتفاقية السلام وهذا لا يحتاج لبيان، أما دستور 1998م فتنص المادة 2 من دستور 1998 على أن السودان جمهورية اتحادية تحكم في سلطانها الأعلى على أساس النظام الاتحادي، الذي يرسمه الدستور مركزاً قومياً وأطراً ولائية، وتدار في قاعدتها بالحكم المحلي وفق القانون، وذلك تأميناً للمشاركة الشعبية والشورى والتعبئة، وتوفيراً للعدالة في اقتسام السلطة والثروة.
التعديلات وسلطة المراجعة القضائية
هل تخضع التعديلات الدستورية لسلطة المراجعة القضائية؟ بصفة عامة فإن سلطة تعديل الدستور من الناحية الموضوعية أصبحت سلطة مقيدة بقيود مختلفة، في القانون المقارن. كان ذلك في أول الأمر يقتصر على الدساتير التي لا يجوز تعديلها لفترة محددة، أو التي لا يجوز تعديل بعض أحكامها على الإطلاق. من قبيل تلك الأحكام المادة الخامسة من الدستور الأمريكي، والتي تمنح الولايات عددا متساو من التمثيل في مجلس الشيوخ، وهي مادة لا يجوز تعديلها. كذلك يمنع الدستور الفرنسي أي تعديل من شأنه أن يمس الصيغة الجمهورية للحكم. الدستور الألماني يمنع تعديله بشكل يمس النظام الفيدرالي ولا المبادئ الأساسية المضمنة في المادة الأولى منه. في غير تلك الحالات فقد كان السائد في فقه القانون الدستوري هو عدم جواز المراجعة القضائية لأي تعديل دستوري إلا من حيث الإجراءات المتطلبة لإجازته، حيث إن التعديل الدستوري متى ما استوفى الشكل المطلوب، هو تعبير عن إرادة الأمة التي لها كافة السلطات في الدولة، وهو مبدأ دستوري أساسه المحافظة على النظام الديمقراطي. كانت الوسيلة الوحيدة آنذاك لإسقاط النظم الديمقراطية، هي الانقلابات العسكرية وقد تمت مقاومة هذا الاتجاه حين استشرى بأن اتخذ المجتمع الدولي قرارات ترمي إلى تبني عقوبات فورية وتلقائية ضد الأنظمة التي تتولد عن انقلابات عسكرية ضد نظم ديمقراطية. ولكن أول تجربة لإسقاط الديمقراطية من داخل مؤسساتها كانت التجربة النازية، حيث فاز الحزب النازي في انتخابات ديمقراطية، إلا أنه ما لبس أن اسقط كافة الاحكام الديمقراطية في الدستور، بطرق مختلفة. لذلك فقد قامت في المانيا عقب سقوط النازية ما عُرِف بالديمقراطية الصلبة ((militant والتي تمنع قيام الأحزاب المعادية للديمقراطية قبل أن تكتسب أنصاراً يمكنونها من الوصول إلى السلطة من داخل النظام الديمقراطي.
الدستورية الانتهاكية
ولكن الخطورة الرئيسية الآن على النظام الديمقراطي تتمثل في استخدام آلية تعديل الدستور لخلق نظام سلطوي، بدلاً من النظام الديمقراطي الموجود. وهي مسألة ليست عسيرة وتقتضي فقط الحصول على أغلبية كافية لتعديل الدستور، ومن ثم تعديله بشكل يقضي على النظام الديمقراطي. وهذا ما أصبح يطلق عليه بعض فقهاء القانون الدستوري مصطلح Abusive constitutionalism أي الدستورية الانتهاكية. الدستورية الانتهاكية تأتي إلى السلطة بشكل ديمقراطي وتلجأ لتعديل الدستور بوسائل دستورية، ولكنها تهدف من ذلك التعديل لأن تحكم من قبضتها على السلطة بحيث توقف عملية التبادل السلمي للسلطة، التي هي أساس النظام الديمقراطي. كل الوسائل التي تهدف لحماية الديمقراطية السابق الإشارة لها، تبدو قليلة الجدوى في مواجهة الدستورية الانتهاكية، بدون اللجوء لتحصين الدستور ضدها، فظهرت نظريات ترمي لمنع الدستورية الانتهاكية من تحقيق أغراضها، عن طريق النص أما على تطلب أغلبية كبيرة لتعديل بعض الأحكام الدستورية التي تشكل اساساً للنظام الديمقراطي، أو منع تعديل تلك الأحكام تماماً.
دور القضاء في الدفاع عن الدستورية
كان للقضاء قصب السبق في توطيد دعائم منع الدستورية الانتهاكية من تحقيق أغراضها، ففي الهند اعتمدت المحكمة العليا على نص المادة 13 في الدستور التي تنص على أنه لا يجوز للدولة أن تصدر قانوناً من شأنه أن يصادر او ينتقص من الحقوق الواردة في ذلك القسم، وأن أي قانون يصدر بالمخالفة لذلك يعتبر باطلاً للدرجة التي تزيل ذلك الخلاف، في مراجعة التعديلات الدستورية من حيث الموضوع. في دعوى Golaknatu v. State of Punjab
حين طُعِن في صحة التعديل السابع عشر لدستور 1964م قبلت المحكمة الطعن، وقالت إن تعديل الدستور هو قانون وبالتالي يخضع للمراجعة القضائية. ولكن المحكمة العليا في عام 1973م ألغت اذلك النظر في دعوى Glaknath حين طُعِن أمامها في التعديلات الرابع والعشرين، والخامس والعشرين، والتاسع والعشرين، فذكرت أن تعديل الدستور ليس بقانون ولكنها أعلنت التعديلات المطعون فيها غير دستورية لأنها تنتهك الهيكل الأساسي للدستور. Kesavanada bharati v. Kerala وقد سارت السوابق على هذا النهج حتى دعوى أنديرا غاندي ضد راج نارين في عام 1975م
وفي نيبال ايضاً قررت المحكمة العليا أن من سلطاتها إبطال أي تعديل للدستور يمس المبادئ الأساسية فيه. في تركيا لا يجوز تعديل الاحكام الدستورية التي تقرر أن تركيا هي جمهورية ديمقراطية علمانية واشتراكية تخضع لسيادة حكم القانون . وقد قررت المحكمة الدستورية التركية أن ذلك يمنحها سلطة المراجعة القضائية فيما يتعلق بتعديل الدستور. عندما تم تعديل الدستور التركي لإلغاء سلطة العفو قررت المحكمة الدستورية إبطال التعديل لأنه لم تتم إجازته بالأغلبية المطلوبة، ولكنها ذكرت أنه حتى ولو كانت إجازته قد تمت بالأغلبية المطلوبة فإن التعديل يظل غير دستوري بسبب موضوعه، لأنه يتعارض مع المبادئ الأساسية للدستور. وعندما تم تعديل الدستور للسماح بتعيين قضاة غير مؤهلين في المحاكم العسكرية في زمن الحرب، رأت المحكمة الدستورية التركية أن التعديل غير دستوري لأنه يؤثر سلباً على استقلال القضاء والذي يشكل احد عناصر سيادة حكم القانون. لا بد لنا أخيراً من أن نشير إلى سابقة جوزيف قرنق وآخرين ضد حكومة السودان، حين قرر القاضي صلاح حسن أن إلغاء حكم التعديل الوارد في دستور 56 لابد أن يكون قد قصد منه أن يكون الدستور جامداً جموداً مطلقاً، فى الفترة التي تقوم فيها الجمعية التأسيسية بإصدار دستور دائم على الاخص فيما يتعلق بفصل الحريات العامة، وذلك حتى يتم نقاش حر يوفر فيه للجميع فرصة إبداء الرأي في الدستور الذى يفترض أن يحكم ليس فقط من يشاركون في النقاش بل أيضا الأجيال القادمة.
النص على عدم خضوع التعديلات الدستورية للمراجعة القضائية
لجأ الانتهاكيون، لوقف التدخل المستمر للقضاء في الدول المختلقة للمحافظة على الديمقراطية، إلى النص صراحة في الدساتير الحديثة، أو في تعديلات دستورية، على عدم خضوع التعديلات الدستورية للمراجعة القضائية، ولكنهم لم ينجحوا في مسعاهم.
في تركيا صدر دستور جديد عام 1982م، منع المحكمة الدستورية صراحةً من مراجعة التعديلات الدستورية من حيث الموضوع، وقصر سلطتها في مراجعة التعديلات الدستورية على حالة عدم إجازتها بالأغلبية المطلوبة. في خضم الصراع بين المحافظين واللبراليين تم منع طالبات من دخول المعاهد العليا بالزي التقليدي، مما دفع البرلمان تحت تأثير الأحزاب المحافظة لأن يصدر قانوناً يسمح لهن بذلك، إلا أن المحكمة الدستورية قررت عدم دستورية ذلك القانون. بازاء ذلك تم تعديل الدستور بشكل يسمح باصدار ذلك القانون. وعندما عُرِض الأمر على المحكمة الدستورية، قررت عدم دستورية التعديل لأنه ينطوي على إخلال بعلمانية الدولة والمنصوص عليها في المادة الثانية من الدستور، مما يخل بالنظام الجمهوري للدولة، بعد أن أسقطت المادة الدستورية التي تمنعها من مراجعة التعديلات الدستورية من حيث الموضوع، حيث قضت بآن المادة نفسها غير دستورية.
في الهند أصدر البرلمان التعديل الثاني والأربعين للدستور الذي ينص على أنه لا يجوز لأي محكمة أن تنظر في صحة أي تعديل على الدستور لأي سبب كان. وبغرض إزالة أي شك فإنه لا يوجد أي قيد على سلطة البرلمان في تعديل الدستور بالإضافة أو الحذف أو التغيير. قررت المحكمة في Minerva mills ltd v. Union of India أن التعديل الثاني والأربعين غير دستوري، حيث إن القيود الواردة على سلطة البرلمان في تعديل الدستور هي مكون أساسي من الدستور الهندي لا يجوز تعديلها .
في النمسا توصلت المحكمة الدستورية لنفس النتيجة عن طريق مراجعة استيفاء التعديل للمتطلبات الإجرائية، حيث قررت أنها لا تستطيع أن تفصل في دستورية التعديل من حيث الموضوع، إلا أنه يجوز لها أن تقرر ما إذا كان قد اتبع المتطلبات الإجرائية. نتيجة لذلك فقد أبطلت عدداً من التعديلات إستناداً على تفسيرها للنص الدستوري الذي يتطلب إقرار التعديل الكامل باستفتاء فقد قررت المحكمة الدستورية أن التعديل الكامل ليس المقصود منه تعديل كل مواد الدستور بل يكون التعديل كاملاً لو عدل في أحد معالم الدستور الرئيسية State citizenship case وبالتي فقد اسقطت بعض التعديلات التي رأت أن الحكم الذي عدلته يشكل احد المعالم الرئيسية للدستور مما يتطلب اخضاعه للاستفتاء .
والملاحظ من كل ذلك أنه كقاعدة عامة، (رغم اختلاف الدساتير بعضها عن بعض) فإن الأحكام القضائية لم تفسر صمت الدستور عن منح سلطة المراجعة القضائية بالنسبة للتعديلات الدستورية بأنها تمنع تلك السلطة، بل على العكس من ذلك فإن السوابق في القانون المقارن تشير إلى أن الأحكام القضائية في واقع الأمر قامت بمراجعة النصوص الدستورية التي تحرمها من مراجعة التعديلات الدستورية واسقطتها باعتبارها مخالفة للدستور.
نبيل أديب عبدالله
المحامي
التيار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.