إذا صحّت الممارسة السياسية، واستقام المشهد الأمني، وعادت إلى الأمور عفايتها المفقودة، فلن يخرج شخص غير كامل الصبغة العسكرية، ليتحدث باسم القوات المسلحة، لكن ذلك ما حدث..! فقد خرج من أطلق على نفسه اسم "الناطق باسم الدفاع الشعبي"، وشنً هجوماً لاذعاً على جماعة "بوكو حرام" وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف اختصاراً باسم "داعش"، وأكد جاهزية القوات المسلحة والدفاع الشعبي لحسمها. نعم فقد تحدث ذاك الناطق، وافتى في شؤون عسكرية، مع أنني وكثيرين غيري لم نسمع قبل اليوم بمن ينطق باسم كتائب الدفاع الشعبي التي ارتبطت في المخيلة الجمعية للشعب السوداني، باستعار الحرب الدينية في الجنوب. وظني أن ذاك زمان قد انتهى، بعد أن تاب الترابي عنه، وبعدما عاب على كثيرين اتباع ذلك النهج، عقب المفاصلة الشهيرة بينه والرئيس البشير، إلى درجة أنه تبرأ – أي الترابي - من الفتوى التي تضع من يلقى حتفه في حرب الجنوب في خانة الشهيد. المهم أن المتحدث باسم الدفاع الشعبي جزم بأن تنظيم "داعش" وجماعة "بوكو حرام" لن يدخلا السودان. وإذا حدث ذلك فإن القوات المسلحة والدفاع الشعبي في كامل الجاهزية والأهلية لصد ما سماه "أي تحرك مضاد من قبل داعش وبوكو حرام". وعليه، لا بد من الإشارة إلى أنه كان يتوجب على المتحدث باسم الدفاع الشعبي، أن يخبرنا – لكي يُلبس حديثه لبوس الصِدقية – ما إذا كان قد استقى المعلومة القاطعة التي تجزم بعدم دخول داعش وبوكو حرام إلى السودان، من بحث رصين خاضع للمعايير الأكيدة، أم أنه اعتمد في تلك المعلومة على مجرد تحليلات غير عميقة؟!. لكن وإلى حين أن يُفصح الناطق باسم الدفاع الشعبي، عن منكون الثقة التي تحدث بها، فإن أمر دخول داعش إلى السودان من عدمه، سيظل – عندنا – في محل طق الحنك، ليس أكثر أو أقل. وإذا تجاوزنا الحقيقة التاريخية التي تقول إن الدفاع الشعبي لم يوظّف من قبل ناطقاً باسمه، فينبغي علينا ألا نسكت على العبقرية الفذة التي جعلت، متحدثه الحالي يربط – في مفارقة عجيبة - بين الجبهة الثورية وقطاع الشمال، وبين جماعة بوكو حرام وتنظيم داعش. مع أن "قطاع الشمال" لا يُنكر علمانيته، بل يُباهي بأنه ينشط من أجل بناء دولة علمانية، تتركز على الحرية والعدالة الاجتماعية. ومع أن بوكو حرام وداعش تنظيمان عقائديان يفسران نصوص الإسلام بطريقة لا تروق لكثير من التنظيمات العقائدية الأخرى. فكيف يتأتى لهذا المتحدث أن يربط بين علماني وبين متطرف. ثم أن هناك من لا يستبين الفوارق بين كل حركات الإسلام السياسي، بما فيها داعش وبوكو حرام وجبهة النُصرة وجماعة الأخوان المسلمين بكل التنظيمات التي تناسلت عنها. السؤال الملحاح الذي ينبغي أن يُطرح هنا، "هل بمقدور الصحفيين أن يستنطقوا هذا المتحدث، حال استشكل عليهم أيما أمر عسكري..!". نُشر بصحيفة (الصيحة)