هل فات على فطنة الوزير ياسر يوسف أنه تجاوز كل حدود المعقول السياسي، حينما جزم في غمرة الحماسة التي تلبسته بأن "الذين قاطعوا الانتخابات هم من أراذل القوم"، أم أن "يوسف" الذي ترقى في تنظيم المؤتمر الوطني بصورة مدهشة، يقصد ما يقول؟!. الأكيد هنا، أن التصريح الذي سقناه في قولنا عاليه، ورد كعنوان رئيسي في صحيفة (اليوم التالي) عالية المصداقية، وأيضاً ورد في الموقع الرسمي للمؤتمر الوطني، وهو ما يؤكد صحة التصريح بل يبعد عنه شبهة الاختلاق تماماً. وأقولها بصدق، لو أن التصريح ورد في الصحيفة، وحدها لكن بالنسبة لنا محل ثقة، فما بالك وقد أبرزه الموقع الرسمي للحزب الحاكم بولاية الخرطوم بصياغة أخرى، وردت فيها العبارة ذاتها التي نحن بصددها. لكن ومهما يكن من أمر، فإن التصريح يعكس ما تنطوي عليه الذات التنظيمية ل"يوسف"، الذي أتى بما لم يأت به الأولون. إذْ أن حديثه "الضجة" افتقد لكل عناصر الكياسة واللباقة، ولم تألقه الأذن السودانية المتسامحة، ولم يجرْ على لسان سياسي، حتى في عزّ لحظات الخصومة السياسية. الثابت أن تصريح ياسر يوسف انطوى على كثير من المتناقضات، أولها أنه استخدم توصيفاً قاله الكفار في حق من اتبعوا سيدنا نوح، وهذه مثبتة في الآية (27) من سورة هود (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ). وهذا يعني أن الناطق باسم المؤتمر الوطني لم يكن موفقاً في استعارة هذا التوصيف، من منطلقات دينية، وربما عقدية أيضاً. ثم أن الوزير ياسر يوسف وقع في خطأ أيدلوجي ومفاهيمي كبير، جعله يساوي بين كل الملل السياسية والنحل الفكرية، بعدما دمغ كل من قاطع الانتخابات بأنه يتموضع في خانة "الأراذل"، وهي تعني السفلة أو الأخساء، على نحو ما قالت به كثير من التفاسير القرانية والقواميس اللغوية، وهذا توصيف لا يجدر أن يُقال في إطار المنافسة السياسية الزائلة. لكن يبدو أن المنظار الحزبي الذي ينظر به ياسر يوسف إلى الواقع السياسي، جعله لا يرى في من قاطعوا الانتخابات سوى هذا التوصيف الحارق. لن أكون قاسياً على الوزير ياسر يوسف، ولكن سوف أسأله سؤالاً واحداً، هل هذا الوصف ينطبق على الدكتور حسن الترابي وإبراهيم السنوسي وعلي الحاج وغازي صلاح الدين وحسن رزق، وكل هؤلاء ممن قاطعوا الانتخابات، أم أن التوصيف حصرياً على الصادق المهدي وياسر عرمان ومالك عقار، ومحمد ضياء الدين.. نرجوا أن يجيبنا الوزير ياسر يوسف، أم أن الممايزة ستحرجه؟!. ظني أنه يتوجب على أمين الإعلام بالمؤتمر الوطني الاعتذار عن هذا لتصريح العجيب. أما أكثر ما أخشاه هو أن يأتي "يوسف" ليقول إن حديثه تم إفراغه من محتواه، أو أنه لم يقل هذا التصريح أصلاً. وإذا حدث فيتوجب على الوزير أن يحاسب الموقع الرسمي للمؤتمر الوطني الذي يقع تحت إشرافه ومسؤوليته. نُشر بصحيفة (الصيحة)