كلما دخل الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل في نفق المشكلات والانقسامات تنزوي بعض قياداته المؤثرة، هذا وإن كانت ذات صوت مسموع وثقل في الأوساط الاتحادية، إذْ يفضل رجالات بارزين الابتعاد عن المعتركات التنظيمية، محبوسون في خانة المراقب للمشكلات دون أي تدخلات أو حتى مبادرات لرأب الصدع وترميم حزب الحركة الوطنية. مكان قصي القيادي حاتم السر سكنجو، وميرغني عبد الرحمن حاج سليمان، والناطق الرسمي باسم الحزب الاتحادي الأصل إبراهيم الميرغني تنطبق عليهم تلك المقولات، فكلما مرّ الفاصل المداري قريباً من مكامن السخونة في الحزب، وتوقع الكل هطول سحائب كلماتهم، اتخذوا صوماً ولم يكلموا صحفياً، ولاذوا بأمكنة قصية برغم مناصبهم الحزبية الكبيرة، وكلامهم المسموع، وتأثيرهم البين في قواعد الحزب وقياداته بمختلف فئاته منسوبي الحزب العمرية. حاتم السر حاتم السر وميرغني عبد الرحمن من جيلين مختلفين من الحزب بالإضافة إلى اختلاف وضعيتهما أيضا. فالقيادي أو بالأحرى الكابتن حاتم السر وذلك بحكم أنه لاعب ألعاب القوى أصبح لا يستطيع أن يسابق الزمن من أجل إعطاء رأياً أو رؤية فيما يدور داخل أروقة الحزب الذي يكاد يكون خلواً من القيادات بعد مجزرة الفصل التي طالت (17) من قادته على يد نجل الميرغني محمد الحسن. وحاتم السر القريب من رئيس الحزب مولانا محمد عثمان الميرغني، تخرج من الجامعة إبان صعود مولانا إلى كابينة قيادة الحزب، وتسنم المواقع السياسية سريعاً، فقد تولى منصب المحافظ في نهر النيل وهو شاب يافع إبان الديمقراطية الثالثة التي سرعان ما انهارت في الثلاثين من يونيو1989 ليخرج حاتم مع مولانا وأصبح ملازماً لمجلسه وكاتماً لأسراره. معروف عن حاتم وفاؤه الشديد لمولانا الميرغني, ويرى عضو المكتب السياسي بالحزب الاتحادي الأصل محمد الفكي سليمان أن أحد أسباب صمت حاتم حالياً تعود إلى أنه في موقف بالغ التعقيد، فهو غير راضٍ عن ما يحدث في الحزب (حد تعبيره) وهذا واضح من تصرفاته وابتعاده عن ما يحدث هذه الأيام بالإضافة إلى موقفه السابق من المشاركة في الحكومة وموقفه الحالي من المشاركة في الانتخابات. ويقول الفكي من مقر إقامته بالدوحة إن حاتماً لديه قدر مهول من المعلومات عن الحزب كونه من الدائرة المقربة من مولانا الميرغني لسنوات طويلة، ولا يخفى أن مولانا هو مركز الحزب. عليه فإن حديث السر يمكن أن يفجر كثيراً من الإشكالات، لذلك يؤثر السر الصمت. وعن خيارات السر يقول محمد الفكي: "اعتقده سيظل صامتاً حتى يصل إلى اتفاق يتم بموجبه التعامل مع السيد الجديد، وبدون شك فإن مولانا محمد عثمان الميرغني هو من سيكمل هذا الاتفاق فحاتما بخطابه المعتدل ووفائه الشديد رجل لا يمكن خسارته. ميرغني عبد الرحمن على الجانب الآخر يقف ميرغني عبد الرحمن حاج سليمان فهو من جيل قديم وتمرس في العمل السياسي إذ دخل السياسة أساساً من باب المجالس المحلية وتقديم الخدمات للأهالي. ساعده على ذلك نشاطه الجم وحب الخير وثراء أسرته العريض. واستطاع خلال عمله لسنوات طويلة في كردفان من بناء عشرات المدارس والمؤسسات الصحية وآبار المياه كما أنه حاضر بصورة أو بأخرى في أي نزاع أهلي في معظم مناطق شمال كردفان وبالتالي خلق حالة التفاف حوله غير مسبوقة. ويرجح محمد الفكي أن صمت ميرغني مما يجري في الحزب الذي يقوده الميرغني يستبطن هذه الحقيقة، مشيراً إلى أنه مدرك أن الحزب يمر بمرحلة تحولات كبيرة وربما في حساباته السياسية أي تحرك في هذه الأجواء ربما يخسر على المستوى السياسي، لذلك هو صامت حتى إشعار آخر. مبيناً أن خياراته ستظل مفتوحة لأنه يمتلك إمكانية مناورة عالية. وفي ختام حديثه عبّر محمد الفكي عن تمنياته في أن يتقدم كل ميرغني عبد الرحمن، والتوم هجو، وتاج السر الميرغني، وفضل تور الدبة، وكل الذين يملكون عمقاً جماهيرياً اتحادياً لخلق مركز يعيد للحزب توازنه. الصيحة