الرياض - تتزايد المخاوف الخليجية والإقليمية حول بنود الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى وذلك مع اقتراب موعد إمضاء الاتفاق، ما يفتح الباب واسعا وفقا لتصريحات مسؤول سعودي سابق وعدد من المراقبين، أمام سباق تسلح نووي إقليمي. قال الأمير تركي الفيصل أحد أبرز أعضاء الأسرة الحاكمة في السعودية الإثنين، في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) إن السعودية ودولا أخرى ستسعى للحصول على أي حقوق ستمنحها القوى العالمية لإيران بموجب اتفاق نووي، محذرا من اتساع دائرة انتشار التكنولوجيا النووية. وقال الأمير تركي الذي سبق وشغل منصب رئيس المخابرات السعودية، وكان سفيرا للرياض في واشنطن ولندن "قلت دائما مهما كانت نتيجة هذه المحادثات فإننا سنريد المثل". وتعتبر السعودية إيران منافستها الرئيسية في المنطقة وتخشى أن يترك أي اتفاق نووي الباب مفتوحا أمام طهران للحصول على سلاح نووي، أو أن يخفف الضغط السياسي عليها ويمنحها مساحة أكبر لدعم وكلائها العرب الذين تعارضهم الرياض. وتجري إيران ومجموعة خمسة زائد واحد محادثات للتوصل لاتفاق يهدف إلى تهدئة مخاوفهم من أن تستخدم طهران برنامجها النووي من أجل تطوير سلاح نووي سرا. وتنفي طهران هذا الاتهام وتسعى لرفع العقوبات الدولية المفروضة على اقتصادها. ونقلت بي.بي.سي عن الأمير تركي قوله "إذا كان لإيران القدرة على تخصيب اليورانيوم بأي مستوى، فإن السعودية لن تكون الوحيدة التي تطلب هذا الأمر". وينظر إلى تعليقات الأمير تركي على نطاق واسع على أنها تعكس طريقة تفكير المستويات العليا في الأسرة الحاكمة بالسعودية. وقال الأمير تركي -وهو شقيق وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل- "العالم كله سيصبح مفتوحا على انتهاج هذا المسار بلا مانع، وهذا هو اعتراضي الرئيسي على عملية خمسة زائد واحد". ولا تثق السعودية، أيضا، في أن يكون الاتفاق مانعا لإيران من تطوير برنامجها النووي لأغراض عسكرية، وأن ذلك يهدد أمن دول المنطقة التي ستكون مضطرة إلى سباق محموم نحو امتلاك التكنولوجيا النووية. وأعرب العديد من المسؤولين الأميركيين والعرب عن مخاوفهم بشأن احتمال انفجار سباق تسلح نووي في منطقة الشرق الأوسط مدفوعا بالمحاباة غير المبررة من الأميركيين لإيران على حساب مصالح حلفائهم التقليديين في الخليج. وقال الباحث في الطاقة النووية عبدالغني أبوراس ل"العرب" إن على "أميركا اليوم أن تنهي ملف المباحثات على أن يكون من أولوياته منع إيران من حيازة الأسلحة النووية، وكذلك الحد من إنتاج البلوتونيوم". لا تثق السعودية في أن يكون الاتفاق مانعا لإيران من تطوير برنامجها النووي لأغراض عسكرية وأضاف "إن أي اتفاق لا يفضي إلى إزالة أسلحة الدمار الشامل من إيران سيفتح بابا كبيرا وسيصعد من حدة المواقف، خاصة في ظل أزمات تحيط بالمنطقة أرهقها ملف النزاع النووي". وأضاف، أن زيارات التفتيش للمفاعلات النووية الإيرانية لا تفي بكافة المبادئ حول استخدام هذه التكنولوجيا للأغراض السلمية، مشيرا إلى أن ضمان عدم العمل السري داخل المواقع النووية بعيد عن التحقيق في ضوء هذه المستجدات ومواقف الدول الإقليمية التي ستركض جميعها نحو امتلاك أسلحة نووية. وتخشى بعض الدول الخليجية والسعودية على وجه الخصوص من تحقيق طهران تقدما إيجابيا لها حال التوصل لاتفاق بشأن برنامجها النووي، حيث سيؤدي ذلك إلى رفع العقوبات الاقتصادية عنها، مع تمدد مخالبها النارية في عمق عدد من الدول. ذلك الأمر هو ما يفسر لجوء السعودية وعدد من الدول إلى توثيق علاقاتها بحلفائها الاستراتيجيين، ومنها جمهورية باكستان التي تمتلك سلاحا نوويا وتعد قوة إقليمية قادرة على المجابهة في حال النزاعات المحتملة. وكانت السعودية أعلنت في العام عام 2013، عن خططها لبناء 17 مفاعلا نوويا لغاية عام 2030 بكلفة 100 مليار دولار، ووقعت خلال العامين الماضيين اتفاقيات للتعاون في مجال الذرة مع الصين وفرنسا والأرجنتين وذلك في أعقاب إنشائها مدينة مختصة بمسمى "مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة". واتخذت السعودية الإجراءات التنفيذية لبناء مفاعلين نووين خلال زيارة رئيسة كوريا الجنوبية بارك غيون هي قبل أسبوعين إلى الرياض، ويجري استخدامهما لأغراض متعددة مثل إنتاج الكهرباء وتحلية المياه في المناطق الجافة. فيما كانت دولة الإمارات أول بلد خليجي يشرع في بناء محطة طاقة نووية، عبر توقيع اتفاقية بناء أربعة مفاعلات نووية لإنتاج الطاقة. ويراهن الخليجيون على دور الجمهوريين في الكونغرس لكبح الحماس المبالغ فيه من أوباما للانفتاح على إيران، دون قراءة حساب تأثر المصالح الأميركية في الشرق الأوسط بهذا التوجه. وكان نحو 47 عضوا جمهوريا في الكونغرس قد بعثوا برسالة مفتوحة إلى قيادات إيران الأسبوع الماضي، وحذروا من أن أي اتفاق مع أوباما يتجاوز مجلس الشيوخ لن يكون ملزما وقد يلغى فيما بعد. وهي رسالة اعتبر مراقبون أنها تربط الانفتاح على طهران بما تبقى من أشهر من حكم أوباما، وكأنما هو اتفاق شخصي وليس اتفاقا ملزما للولايات المتحدة. ويرى مسؤولون خليجيون أن إيران وراء زعزعة الاستقرار في دول مثل سوريا ولبنان والعراق واليمن، وهي مَنْ دعّمت الحوثيين سياسيا وعسكريا للوصول إلى السلطة وطرد الرئيس عبدربه منصور هادي، وأن المفاوضات الحالية بين الدول العظمي وإيران من شأنها أن تمهّد الطريق نحو امتلاك طهران لأسلحة نووية في المستقبل وبالتالي تعاظم نفوذها في المنطقة. وحسب هؤلاء فإن الموقف الأميركي تجاه المفاوضات مع إيران لم يراعِ حلفاءها في منطقة الخليج، حتى أن واشنطن غير قادرة على إيجاد حلول أخرى لتسوية الأزمة، بدليل أن الرئيس الأميركي أوباما قال في تصريحات صحفية سابقة "لا بديل قابل للتطبيق". والتطبيع الأميركي مع النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط ليس مرتبطا فقط بتدخل طهران الحالي في الحرب الهادفة إلى طرد داعش من الأراضي العراقية، بل سبق أن حصل تنسيق متقدم بين البلدين في غزو العراق سنة 2003. وتعامل الأميركيون مع التدخل الإيراني في النزاع السوري كأمر واقع، واكتفوا بتصريحات ضبابية حول سيطرة الحوثيين على صنعاء والإطاحة بالرئيس عبدربه منصور هادي ودفعه إلى الهروب إلى عدن.