ما يحدث في بلادنا هذه الأيام يثير في النفس لواعج الحزن والأسى والخيبة .. ومتابعة ما يحدث فيها أشبه بمتابعة جريمة إغتصاب تتم أمام أعيننا ولكننا لا نستطيع ان نحرك ساكناً.. فالوطن يتم تعرية جسده قطعة قطعة .. ويهتك عرضه .. وطوله .. ثم يحمل دم الجريمة على الأكتاف ويطوف به في الشوارع إمعاناً في تلطيخ سمعتنا وتوجيه المزيد من الإساءات صوبنا .. واليوم صدرت صحيفة من صحف الخرطوم وفي عنوانها الرئيس : الطيب مصطفى يتهم كمال عمر بإستخدام (الكادوك) للسيطرة على الترابي ! وللناطقين بغير اللهجة السودانية فان الكادوك هو السحر .. هذا للعلم و(الحاضر يكلم الغائب) ! كما نشرت صحيفة من الصحف إياها أول أمس وفي نفس المساحة وبنفس (المساخة) : أهل دارفور يلعنون الشيطان الذي مزّق حياتهم ! ﺍﻥ ﺍﻟﻌﻴﻦ ﻟﺘﺪﻣﻊ ﻭﺍﻟﻘﻠﺐ ﻟﻴﺤﺰﻥ ﻟﻤﺎ ﺁﻝ ﺇﻟﻴﻪ ﺣﺎﻝ ﺍﻟﺼﺤﺎﻓﺔ ﻓﻲ ﺑﻼﺩﻧﺎ .. ويا حسرتنا على الصحافة التي كانت مشعلاً للإستنارة والوعي ومنبراً لأرباب الثقافة فصارت في عصر المسيخ الدجال مسخاً ووكراً للظلام والظلاميين .. تنشر ثقافة الشعوذة والتسطيح وتلعب على عقول القراء .. فما الذي يجعل صحافة تحترم نفسها وقارئها تمارس هذا التغييب العلني لوعي الأمة ﻟﻮﻻ ﺍﻹﻧﺤﻄﺎﻁ ﻭﺍﻟﺘﺮﺫﻝ الذي نعيشه؟ لست مستغرباً ان ينتج نظام مهووس دينياً صحافة غيبية تافهة .. فكل الشعوب التي خضعت لأنظمة ساقطة أنتجت صحافة حقيرة وساقطة .. ولكن ما يدعو للغضب والأسف انه فقط في السودان تم تدوير الدعارة وتغليفها ثم تقديمها بلا حشمة أو خجل على انها ذؤابة شرف وأخلاق الأمة .. وانها صحافة وسلطة رابعة (لا سطلة رابحة) .. ولا أعرف لماذا لا تقوم تلك الصحف بتوزيع (واقي ذكري) هدية مع العدد اليومي .. حفاظاً على شرف الأمة .. وحتى يأكل رؤساء تحرير تلك الصحف من عرق جباههم فعلاً لا قولاً ! ولكن ولحسن حظ بلادنا ان أبطال هذا المسلسل المدبلج السمج الموجه لتضليل الشعب السوداني هم فئة معروفة من رؤساء التحرير .. وهي قلة حقيرة باعت ضمائرها وبعضها باع ما هو أكثر من ذلك للسلطة الحاكمة .. وهذه الفئة لن يصلح حالها سن القوانين وتعديل التشريعات .. ولن تتطهر من نجاستها حتى لو افرغنا كل مداد الأرض على رؤوسها.. وهي زبالة لا يمكن كنسها دون خطة حقيقية لكنس كل الأوساخ والقاذورات المتراكمة على جسد الوطن .. مقولة شهيرة للمفكر الليبي المعروف الصادق النيهوم ، تقول : الصحافة في عالمنا العربي مثل شاعر القبيلة يذبح له المرء خروفاً ويعطيه عظمة الفخذ ويسقيه جرة ماء ويتركه يمتدحه حتى يطلع النهار .. للأسف لم يعش النيهوم كثيراً حتى يرى حال صحافة بلادنا في عصر (الإنقاذ) .. والتي وبحفنة قليلة من الجنيهات ودون عظمة فخذ تخرج لك الشيطان بقرونه وأنيابه ! [email protected]