حاولت جاهدا لأختار أفضل وأنسب الكلمات والعبارات لأودع بها اليوم قرائي الأعزاء ولأكتب آخر عمود لي في حبيبتي صحيفة (السوداني) التي أسستها وتعهدتها منذ العام 1985 ففشلت فشلا ذريعا في اختيار الكلمات بعد أن أخطرتني إدارة الصحيفة بقرار التوقف عن الكتابة فيها منذ هذا اليوم.. ولما كان عنوان عمودي هو (قولوا حسنا) والذي استمديته من الآيات الكريمات (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ...) و (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ...)، إذن فلتكن عبارات الوداع هي القول الحسن والمفارقة بإحسان كذلك... وأقول محاولا حسن القول: إن التناغم مع الحياة والكون والآخرين والعمل دائما على النجاح هي من خلال بناء علاقة مثلى وأفضل مع الله خالقنا ورازقنا سبحانه ثم مع النفس فذلك هو الذي يعطي الحياة معنى وقيمة.. ولا يتم ذلك إلا من خلال الإيمان الصادق والعمل الصحيح من خلال المواظبة والضمير الحي المتيقظ دوما ومن خلال الصبر النبيل والمصابرة والعزيمة... إن النجاح الحقيقي والسعادة الحقيقية هي راحة النفس والرضى والقناعة بما يفعل الإنسان الذي أحد مكوناته التواصل الإيجابي وحسن التعامل مع الآخرين. وإذا كانت الوسائل لتحقيق ذلك بما يملك الإنسان من معلومات ووسائل عيش وأموال بمختلف أشكالها وأنواعها، إلا أن امتلاك المزيد من المعرفة وبناء القدرات الذهنية والطاقات الروحية بمزيد من الإيمان والحكمة والبصيرة هي التي تدفع الإنسان ليكون نبيلا ومفيدا وصادقا وشريفا تمتلىء بها جوانحه ثم لتفيض خيراً على الآخرين مستفيدا من تلك المعلومات وتلك الممتلكات والمعارف في أرقى صورها.. إن الصحافة الحقة بمختلف أدواتها المقروءة والمسموعة والمشاهدة هي أحد أسرار البشرية في مسيرتها الباهرة وهي أحد أسرار التقدم الإنساني.. هي مفخرة للأجيال.. خطيبة العالم.. موقظة الأفراد والأمم والشعوب من سبات الغفلة والجمود.. هي النور المنبعث على سماء الفضيلة والملقي بدلائلها على أرض بسطتها أيدي العقول وفضاءات دبجتها أيدي العبقرية على طريق وعر وشائك لا تعبّده المعاول ولا تصلحه الفئوس ولا تقوّمه البنادق.. وصدق من قال: شعب بلا صحافة قلب بلا لسان.. لذلك فهي حق أساسي من حقوق الإنسان بل هي واجب من أخص واجباته من أجل البناء القويم.. وإلى لقاء آخر جديد متجدد دوما في ساحات الصحافة الأخرى التي لا ولم ولن تتوقف بإذن الله.. والسلام عليكم ورحمة الله.. ووداعا حبيبتي (السوداني).. وأختم بكلمات للشاعر السودانى محمد سعيد العباسي في رائعته (عهد جيرون): أرقت من طول هم بات يعروني يثير من لاعج الذكرى ويشجوني منيت نفسي آمالا يماطلني بها زماني من حين إلى حين ألقي بصبري جسام الحادثات ولي عزم أصد به ما قد يلاقيني ولا أتوق لحال لا تلائمها حالي ولا منزل اللذات يلهيني ولست أرضى من الدنيا وإن عظمت إلا الذى بجميل الذكر يرضيني وكيف أقبل أسباب الهوان ولي آباء صدق من الغر الميامين النازلين على حكم العلا أبدا من زينوا الكون أي تزيين