سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
اغتصاب إيمان العبيدي في ليبيا و صفية اسحق في مكاتب جهاز الأمن السوداني ومطاردة توكل كرمان وسجن طل الملوحي و..وو..المرأة العربية : مفارقة الحماية والانتهاك!!
إبراهيم حمودة – اذاعة هولندا العالمية- تتفق تثقافات المجتمعات العربية على شئ واحد، إذا ما تعلق الأمر بالمرأة، الإكرام و الاحترام المقارب للتقديس والحماية التي تبلغ حد الاختناق. يختلف الأمر نوعيا من مجتمع إلى آخر، فالمجتمع السعودي هو غير الليبي، السوري أو اليمني. ولكن لم تفلح ثقافة إكرام المرأة هذه في حمايتها من عنف السلطات الرسمية وقمعها، وهو الوجه الآخر للعملة وقلب المفارقة. تنقل إلينا الأخبار وجها مرعبا من أوجه معاناة المرأة كموضوع للقمع: اغتصاب إيمان العبيدي في ليبيا على أيدي مجموعة تابعة للقذافي، اغتصاب الفنانة التشكيلية صفية اسحق في السودان في مكاتب جهاز امن الدولة، مطاردة الناشطة الحقوقية توكل كرمان في شوارع صنعاء وسبها بأقذع الألفاظ ممن قبل مجموعة تابعة للرئيس على عبدالله صالح، سجن الطالبة طل الملوحي في سوريا، وإجبار مجموعة من النساء في مصر على الخضوع لفحص للعذرية من قبل السلطات الأمنية والتقاط صور عارية لهن، وأخيرا اعتقال الشاعرة الشابة البحرينية آيات القرمزي ومحاولة تشويه سمعتها من قبل الأجهزة الأمنية، والقائمة تطول. التساؤل الأول الذي ينهض حين النظر لهذه الحالات: كيف يمكن للسلطات الأمنية مهما كانت نوعية النظام الحاكم أن تقدم على انتهاك كرامة المرأة بهذا الشكل مع كامل العلم بأنها قوام المجتمع ورمز قيمه وتقاليده؟ بل ويذهب التساؤل إلى مستوى آخر ابعد من ذلك : الم يكن من الأعقل ترك المجتمع في حاله وممارسة القمع والضغط في جوانب أقل حساسية بحيث لا تؤدي إلى ململة تعصف بكامل منظومة المجتمع ابتداء بالهرم السياسي؟. يقول واقع الحال بأن معظم الأنظمة القائمة في البلدان العربية لا تمثل إرادة المواطن من الناحية السياسية، وبالتالي لا تمثل إرادة المجتمعات في هذه الدول.هذا يعني أن استمرارية هذه الأنظمة غير مرهونة برضا المواطن عنها، ولا بتفويض يتم تجديده من آن لأخر بحسب إجراءات تداول السلطة والأجسام السياسية والإدارية المعنية بإدارة عملية التداول هذه. بهذا لا يمكن القول بأن هذه الأنظمة هي حارسة لقيم المجتمع، بل تنظر لهذه القيم كأداة وقالب يمكن أن يساهم بشكل أو بآخر في استمرارية النظام. للتدليل على ذلك نعود لحادثة اغتصاب الفنانة التشكيلية السودانية صفية اسحق في مكاتب جهاز الأمن السوداني. يجئ الاغتصاب هنا كعقوبة على النشاط السياسي للفتاة المعنية من خلال انخراطها في أنشطة جماعة تسمي " قرفنا" تعمل على إسقاط النظام السياسي في السودان عبر الوسائل السلمية، والاغتصاب هنا رسالة موجهة لكل العنصر النسائي بعدم التورط بالمشاركة في أي عمل سياسي من شأنه تهديد وجود النظام. تحدث مثل هذه الجريمة في وقت يزداد فيه الحراك السياسي الذي تتزعمه المرأة بافتراض إنها الأكثر تضررا من كل سياسات الحكومة وبافتراض أن حركة النساء المطلبية والحقوقية تقع أحيانا خارج دائرة المناهضة السياسية المباشرة ولكنه يصب في مجرى هذه المناهضة السياسية ويحفز قوى أخرى على الانضمام للموجة وهو أمر مقلق بالنسبة للسلطات السودانية. ذات الشيء يمكن ملاحظته في المملكة العربية السعودية حيث تعمل المرأة السعودية على انتزاع حق المشاركة السياسية في الانتخابات البلدية وهي الجسم الوحيد الذي يتيح التمثيل والمشاركة في السعودية. دخول المرأة من الباب المطلبي الحقوقي حمل معه لائحة من المطالب الأخرى الجذرية التي تمس الجانب السياسي. مثل أن يتم انتخاب أعضاء مجالس البلديات بشكل مباشر بدلا عن تعيين نصفهم. كما طالبن بأن يكون لمجلس البلدية دور تشريعي ورقابي حقيقي بدلا عن دوره الصوري الحالي. الناظر لهذه المطالب سيرى أنها مطالب تغيير حقيقي تؤدي لإشراك الرجال والنساء على حد سواء في العملية السياسية وبشكل حقيقي. رغم أنها وفي مبتدأها مطالب نسوية تلعب على فكرة حقوق المرأة. أما سجن الطالبة السورية طل الملوحي بعد محاكمتها بخمسة سنوات، بسبب ما تكتبه في مدونتها، فيمثل أيضا التحلل من المسئولية الأخلاقية من قبل النظام وأجهزته بدفع فتاة خارجة لتوها من مرحلة الطفولة إلى عالم السجن دون أن تشفع لها حالة كونها فتاة وبذرة لمستقبل البلد. الرسالة موجهة هنا للأسر وللآباء والأمهات بمراقبة ما يفعله أولادهم وبناتهم حتى لا يلاقوا مصير طل الملوحي. أما في اليمن ذات التركيبة القبلية فإن التعرض لها بالاعتداء أو الحبس يعتبر من الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها. ولكن واقعة اعتقال الناشطة والصحفية اليمنية توكل كرمان بعد أن اعترضتها سيارات أمن الدولة وهي بصحبة زوجها، تثبت هذه الواقعة أن الخطوط الحمراء يمحوها الزمان ووضعية النظام وعظم الورطة التي يواجهها. هذا ما تقوله توكل بنفسها في حديث سابق لإذاعتنا بأن النظام لم يتجاوز الخطوط الحمراء باعتقال النساء فحسب بل أعطى ضوءا أخضرا بالاعتداء عليهن. وهي دلالة ،بحسب قولها، على أن النظام يلفظ أنفاسه الأخيرة ولا يتورع عن فعل العجائب. من البديهي أن حركة تطور هذه المجتمعات تحمل في طياتها تغيرا في وضعية المرأة. وفي زمن شبكات التواصل الاجتماعي وربيع الثورات العربية لم يعد من الممكن التفكير في أن المرأة ستظل حبيسة دورها العائد للقرن الماضي أو القرون التي سبقته. ولكن هذا التغير يتم بصورة ناعمة وغير محسوسة وعلى نحو يشمل المرأة والرجل معا. وما نشاهده من أمثلة انتهاك كرامة المرأة واهانتها بشكل متعمد يجئ من قبل أنظمة فقدت ملامستها للمجتمع بشكل حقيقي ومفصولة عنه ولا تمثل إرادته بأي شكل من الأشكال. الإهانة الواردة هنا والقمع موجه في حقيقته للمجتمع برمته رجالا ونساء من قبل أنظمة يجرفها الطغيان بعيدا عن شعوبها ومنظومة القيم التي تتبناها. منظومة تتغير بكل البطء مع الزمن، ولكن شاءت هذه الأنظمة أن تغتصبها بهذه الطريقة التي رأينا ، كما اغتصبت شعوبها ردحا من الزمان.