مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    ماذا بعد انتخاب رئيس تشاد؟    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    500 عربة قتالية بجنودها علي مشارف الفاشر لدحر عصابات التمرد.. أكثر من 100 من المكونات القبلية والعشائرية تواثقت    مبعوث أمريكا إلى السودان: سنستخدم العقوبات بنظام " أسلوب في صندوق كبير"    قيادي بالمؤتمر الشعبي يعلّق على"اتّفاق جوبا" ويحذّر    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تقييم حملة إرحَل وضرورات المرحلة: إسْتِتابةٌ وعِصيان.
نشر في الراكوبة يوم 23 - 04 - 2015


فاتحة
لرُبَّما أنَّ البشير الآن قد نَدِمَ ندامة الكُسَعىِّ باقترابِهِ من حقل الديموقراطية (لا يهم أنَّها مزوَّرة أو حقيقية) لإضفاء حالة من الشرعية على نظامِهِ المتهافِتْ؛ كونه استبانَ ضعفَ جماهيرِيَّتِهِ وبُغضَ السودانيين له، وأبانَ تورُّمَ التنظيم وصفروية الدولة، وأظهرَ أنَّ البلد يُدارُ بعقلية إتحادات الطُّلاَّب؛ العقلية الأمنية الخالية من القرآءات المُتَعَقِّلَة والموضوعية والعلمية للواقع، وفضحَ الشروخ والتصدُّعات التى يمتلئ بها نظام الإنقاذ البئيس، خاصةً بين التكنوقراط والعسكر.
وكما ظللَّنا نردِّد منذ سنوات (منتديات الراكوبة 18/01/2011)؛ سيكتشف الشعب السودانى أنَّه محكوم بالتخويف (سياسات إيران)، وهذا التخويف له ثلاثُ دُعامات: علم النفس السياسى، ضربة الرِّعديد الباطشة التخويفية، وآلة إعلامية.
أقول ما أقول، وقد يلحظ المراقب السياسى تراجعاً نسبياً فى حدة الخطاب السياسى والأيديولوجى للإنقاذ منذ أنْ أعلنتْ قوى الإجماع الوطنى أن لا مناص من الإطاحة بهذا النظام فى 26/01/2011، بل إنَّ النِّظام يعانى من تصدعات عديدة منذ إعلان حروب ما يُسمى بالربيع العربى. فالنظام يخشى الإنتفاضات، ولذلك هو لها بالمِرْصاد، وتُغريه الإنتفاضات الصغيرة المُجتزءة لسهولة الإنقضاض عليها وإظهار قوة وقدرة تفوق قوته وقدرته الحقيقية، وبالتالى فهى الأكثر خدمةً لسياسات التخويف.
كما أنَّنى أكاد أجزم بأنَّ النِّظام فى حالة إرتِعاد منذُ أنِ إلْتَحَمَتْ المعارضة العسكرية مع المعارضة المدنية فى كيان "نداء السودان". ولقد حاول النِّظامُ جاهداً أن يبعدهما عن بعضهما البعض، وأن يُحاورهما على انفرادٍ فى عاصمتين مختلفتين (أديس VS الدوحة)، لِيُمارس معهما هواية الحوارات المفتوحة المُبهمة، والخالية من أىِّ غايات واضحة ومحددة. وكما ذكرنا من قبل، فإنَّ محاورة المعارضة المسلحة مهما امتدتْ، فهى أقلَّ كُلفةً من قِتالِها (أرواحاً وأموالا).
وهنا لابد من الإشادة بالملاحظة المنهجية الحصيفة للدكتور صلاح البندر (ندوة لندن مع الأمام الصادق المهدى حول إعلان باريس) للتفريق بين مفردة الحوار: كونها مفتوحةً ولا نهايةَ لها، ومفردة التفاوض: كونها ذات سقوفاتٍ زمنيةٍ وأهدافٍ بعينها. ونرجو أن ينتبه المعارضون فى مُقبل أيامهم من الإنزلاق إلى حواراتٍ مفتوحةٍ ولزجةٍ وعديمة المحتوى؛ إذا - لا قدَّر الله – تأخرت مسألة الإطاحة بالنظام أكثر من هذا العام.
وهناك شئ آخر بدأ يُخيفُ النظام ويُرْعِدُ فرائصَه، ألا وهو عُلو صوت القوى الحيَّة فى المجتمع على حساب القوى المدبرة عن الحياة (القيادات الحزبية الشائخة والعضودة) وتمرَّدُها على هذه القيادات. وهذه القوى الحية ترفض الآن التخويف والإنكسار والإنصياع للنظام رغم إلقائه القنابل العنقودية على أهلنِا فى غرب السودان (رحم اللهُ شهيدَهم وأبرأ جِراحَ المصابين منهم) بالتزامن مع بداية الإنتخابات فى 15/04/2015. و "حملة إرحل" هى مبادرة من القوى الحية ويجب أن نوليها القدر الذى تستحق من التحليل والتقييم والإهتمام.
كيف يقرأ النظام "تأثير حملة إرحل" على إنتخاباته:
تُطل علينا بين الفينة والأخرى هذه الأيام، وجوهٌ (فيديوهات) وأقلامٌ وهى فى حالة إرتباكٍ وإنكارٍ لدور "حملة إرحل" فى التأثير على عزوف الشعب السودانى عن إعادة إنتاج الفساد والإفساد بجميع أنواعه على أيادى الأخوانويين السودانيين. وتصر هذه الإقلام على تصوير هذا العزوف كَ "فعل ذاتى" ليس للمعارضة فيه أيَّما دور.
وإذا كان الأمرُ كذلك (أى أنَّه فعلٌ ذاتى)، فذلك يعنى أنَّ الثورة قد نضِجَت من دون تأثير "حملة إرحل". وإذا كان الأمرُ محضَ ارتباكٍ وإنكار لما أحدثته "حملة إرحل" من عزوفٍ عن التصويت (وهذا هو المرجح عند المراقب السياسى الرشيد)، فشكراً لغباء النظام الذى صار يُروِّجُ (بإنكارِهِ هذا) للثورة من حيث لا يدرى، بل وبالمجانِ عبر فضائياته الزَّابنة اللَّزجة.
والحقيقة التى لا لُبسَ فيها هى أنَّ كلَّ السودانيين (خلا الأخوانويين) قد أُدخلوا فى خانة المعارضة بسبب سياسات التمكين/التمييز الإقتصادى، والفساد، واحتكار كل أوجه الأنشطة الحيوية فى البلد بواسطة مناصرى النظام ومن لفَّ لَفَّهم، فصار الكلُّ يستبطن هذا "الفعل الذاتى" إذاً.
غير أنَّ الناشطين سياسياً من بين ثنايا هذه المعارضة العريضة، هم الذين لهم قَصَبُ السبق فى تحريك جمود (نستعير لغتكم المالحة) كوامن التغيير فى هذه المعارضة؛ ولايُنكر ذلك إلاَّ مُكابر. ألم تشتكى السلطة لطوب الأرض من مناضلى الكيبورد؟ ألم تكوِّن ضدهم كتائب الجهاد الأكترونى؟ ألم يتنَّمر عليهم وزير الإعلام ذات منافقة، فألبسوه لباس الفساد الذى يستحق؟ ألم يغتالوا شخصية رئيس السودان حتى صار يمشى بين الأمم بلا وجه وبلا لسان، فراح يستعين عليهم بعلماء السلطان لتكوين مؤتمر دينى عالمى فى 11/11/2014 ليفتى بتحريم السخرية؟ وعلى ذلك قِسْ.
والخلاصة، شاء النظام أم أبى، فإن تأثير "حملة إرحل" على عزوف النَّاس عن التصويت صادرٌ من الفئات الأكثر حساسية تجاه سياسات النظام؛ وهى المعارضة النشطة. وذاك إذ صَدَعوا ب "الفعل الذاتى" لديهم، فوافقَ "الفعلَ الذاتىَّ" عند الآخرين، وتحول بكلِّ بساطة إلى "فعل جمعى" بعد أنْ جَهَرَ به المعارضون النَّشِطون بالضرورة.
ولعل القارئ الكريم يلحظ ردَّ التأثير فى العزوف إلى "الفعل الذاتى" فى مقالات وتصريحات من هم فى حالة إنكار؛ تلك التى تهدف فى المقام الأول إلى التأثير على الرأى العام وغسل أدمغة النَّاس من أى تفكير يُغيِّر من الصورة النمطية التى زرعها النظام فى النَّاس ب "ألاَّ بديل للنظام من أوساط المعارضة"، ولكن خاب فألُهم.
وقد قال بهذا الرأى عدد من الإسلامويين خارج وداخل السلطة، كأمثال أستاذنا الجليل بروفسير الطيب زين العابدين فى حوارِهِ مع الأستاذة علوية مختار: (الراكوبة الإلكترونية، خلاصة الإنتخابات السودانية ...، 17/04/2015).
وتجد ذلك أيضاً فى تصريح رئيس هيئة ما يُسمى ب "علماء السودان"، الذى يعترف إرتباكاً بتأثير المعارضة فى العملية بقوله أنَّه يعزى: "تدنى أصوات الناخبين لعدم مشاركة الأحزاب التاريخية مثل أحزاب الأمة القومى، ...، والشيوعى". ويحشر الشعبى (وهو لا تاريخية له) حشر إستدراك مع الأمة القومى والشيوعى لِيُنكر دور تأثير المعارضة المحضة على عزوف الناخبين، وبالتالى يعزى جانباً من ذلك إلى منسوبيه رغم موقفهم المنافق للسلطة والمعارضة (راجع الراكوبة الإلكترونية، رئيس هيئة علماء السودان يكشف أسباب ...، 19/04/2015).
أما رئيس القطاع السياسى "مصطفى عثمان إسماعيل"، فهو الأكثر إنكاراً لدور حملة إرحل فى ضعف الإقبال، حينما يرجع ذلك إلى "عدم تنقيح السِّجِل الإنتخابى" (الراكوبة الإلكترونية، قضية التصويت كانت أقل نت 10 % ...، 20/04/2015).
وأقلُّ هؤلاء إنكاراً لدور حملة إرحل فى عزوف الناخبين عن التصويت، هو نائب رئيس القطاع السياسى "عبد السخى عباس"، الذى أقرَّ ب "ضعف الإقبال" على التصويت، ولكنَّه لا يعرف سببَه حتى الآن (الراكوبة الألكترونية، رئيس القطاع السياسى فى حزب البشير ...، 19/04/2015).
والمحصلة إذاً، هى أنَّ النظام فى حالة إنكار بأن تكون للمعارضة مثل هذه القدرة فى تحريك الجماهير بذلك القدر الذى أثَّر فى نتيجة التصويت. وهنا لا تجدى المُماحكات النظرية لإنكار ونفى هذا الحدث، وعلى النظام أن يُرينا عملياً أنَّه يملك من العضوية ما يفوق ال 10 ملايين بجلبهم للإحتفال بفوز البشير يوم 27/04/201، ونحن فى المعارضة سوف نستحث الشعب السودانى على إهمال هذا الإحتفال وعدم الذهاب إلى المكان الذى يُقامُ فيه.
تقييم حملة إرحل من وجهة نظر مُعارِضَة
1- مخطئٌ من ظنَّ ولو لِلَحظةٍ واحدة أنَّ المقصود بهذه الإنتخابات هو توسيع دائرة العملية السياسية لتشمل لاعبين سياسيين جُدُد، أو لتغيير واقع ديكتاتورية "الأخوان" فى السودان. وبالتالى يظل الحديث عن الديموقراطية فى تضاريس عقلية الأخوانويين (راجع حسن البنا: المبادئ العشرين، المبادئ الخمسين)، هو حديث عن ديموقراطية ال (وَنْ – مَانْ – شو) كما ثبتَ من تجربتين سابقتين، ومن حيثيات تكوين مفوضية الإنتخابات واللجنة العليا للإنتخابات واللجان الفرعية؛ كون كل أعضاء الأجسام الإدارية المتعلقة بشئون الإنتخابات يتبعون حصرياً للمؤتمر الوطنى (النِّظامى فى الغالب). وهذا لعمرى محط ضعف الإقبال على التصويت؛ إذ ما من جدوى للتغيير (حتى من فصيل عسكرى إلى فصيل مدنى بين الأخوانويين أنفسهم) بهذه الآلية (فالتكنوقراط من الأخوانويين أنفسهم قد ملَّوا البشير وزمرته العسكرية).
وقد ثبتَ من مُمارسات الحكومة العلنية والسرية (كما جاء فى التسريبات الأخيرة لبروفسير "إريك رييفز")، أنَّ المقصود بهذه العملية الإنتخابية هو تجميل وجه النظام فى المحافل الدولية، وبالتالى إعادة إنتاجه مراتٍ ومرات؛ ولكن هيهات. فالشعب السودانى الأبىُّ قد وقَّعَ على نهاية نظام الإنقاذ المنافق (الذى ينفى صلته بإيران وبتنظيم الأخوان المسلمين العالمى فى العَلَن لغايات ذلك التجميل، ويخادِنهما فى السرِّ بدعم التنظيمات الإخوانوية الإرهابية وغيرها فى ليبيا ومصر، والإرهابيين الحوثيين فى اليمن).
ولعل كلَّ ذلك قد إنعكس فى السلوك الإنتخابى لِأهل السودان، فكانت الحقيقة التى أجمعَ عليها كلُّ الفرقاء؛ معارضةً وحكومةً ومراقبين دوليين، هى ضعف الإقبال على التصويت، وبالتالى ضعف الأصوات التى سيحصل عليها كل مترشح. الأمر الذى جعل مفوضية الإنتخابات تهرع لتعلن بأنَّ أىَّ مرشَّح يحصل على (50% +1) من جملة أصوات العملية الإنتاخبية (قلَّتْ أو كَثُرَتْ)، سيصبح رئيساً للجمهورية.
ولما كان الإقبال فى اليومين الأولين أضعف مِمَّا يتصور النظام (أقل من 6%) زِيدَتْ أيامُ التصويت بواسطة اللجنة العليا للإنتخابات التابعة للمؤتمر الوطنى وليس بواسطة مفوضية الإنتخابات (وهنا توجد مخالفة دستورية)، وشرعَ الخرَّاصون الأخوانويون فى تحديد نِسَبٍ جُزافية (فتارةً يقولون إنَّ نسبة التصويت بلغتْ 10%، وتارةً 15%، وقد كان المراقبون الأفريقيون هم الأكثر كَرَماً حينما قالوا إنَّ نسبة التصويت أقلَّ من 40% (المحلبية قدر العطية)) لِبُلوغِها خجَّا، إذ لا سبيل من الوصول إلى النِّسَبِ المُتَكَهَّنَة بالإستنفار (Too little, too late).
ولما وجدوا أنَّ ال 10% وال 15% لا تكفى لتجميل صورة البشير دولياً، فقد عمدوا إلى إختيار رقم بعثة المراقبة الأفريقية الذى هو 40% (زادوه واحداً ليصبح 41% تمويهاً للإتفاق المسبق على الرقم بين الجانبين)؛ غير أنَّه لم يُبْلِغْهُ باندونغ.
2- نحن فى المعارضة نرى كما أسلفنا بعاليه أنَّ الشعب السودانى كلَّهُ فى المعارضة (خلا الأخوانيين السودانيين والموالين لهم)، وذلك من جرَّاء سياسات التمييز الإقتصادى/التمكين الذى أوجدَ فى البلدِ مجموعتين لا ثالث لهما: المالكون (The Haves) والمعدمون (The Have-nots). ولعل ربع قرن من الزمان تكفى لمن تحالف بالخطأ أو بالخِداع الدينى مع مجموعة دون أُخرى، أن يَمِيزَصفَه ويتحالف مع مجموعته من جديد.
إذاً، الوعى المتقدِّم بهموم الوطن لدى حَمَلَة لواء المعارضة النشطة، والوعى المتراكم لدى سائر جموع الشعب السودانى هما مصدرا نجاح "حملة إرحل" المقاطِعة للإنتخابات، بالرغم من حملات الترغيب والترهيب من الإتجاه المُعاكس التى مارسها النِّظام مع بسطاء النَّاسِ إستغلالاً للحاجة والمسغبة. وشكراً لإلتفاف "الفعل الذاتى" للمجتمع حول "الوعى المتقدم للمعارضة النشطة" ولو بعد حين (No matter the hard way).
3- لقد أكَّدتْ حملة إرحل للعالم مزاعمَ المعارضة القديمة، بأنَّ شحمَ النظامِ ما هو إلاَّ تورُّماً (منفوخاً بالآلةِ الإعلامية كحزب الله فى لبنان، والحوثيين فى اليمن)، وبالتالى الحديث عن 10 مليون من الأعضاء يصبحُ حديثاً مرسلاً، ولا يستند إلى وقائع مادية.
وحتى إنْ كان هذا الرقم صحيحاً، فإنَّ سياسات النِّظام الفاسدة على كلِّ الأصعدة ولمدةِ ربعِ قرنٍ من الزمان، لم تترك لعاقلٍ رشيد، ولذى خُلُقٍ قويم، وضميرٍ حى، ولذى عقيدةٍ سليمة، وقلبٍ سليم؛ من أن يبقى فى هذا النظام أكثر من ذلك (إذا كان عضواً)، أو يقترب منه بعد ذلك (إذا كان من المؤلَّفةِ قلوبهم)؛ وذلك لعمرى ما فضحته "حملة إرحل".
والسؤال المهم: أين ال 10 مليون عضو يوم التصويت؟ هل هم فى قطيعة مع النظام الذى بدأ يتنكَّرُ لهم على موائد العرب فصاروا معارضة ب "فعلٍ ذاتى"؟ هل بلغ التآكُل فى ثنائية العسكر/التكنوقراط مبلغاً يُؤدى إلى شروخ مُقْعِدة للإفعال التنظيمى وبالتالى السياسى؟ هل "عاصفةِ الحزم المُباركة" عَمَّقَتِ الشُّقَّة بين الأخوانويين الصفويين والأخوانويين السُّنَّة فتخلَّف الأُوَلُ عن التصويت؟ هل بين أعضاء تنظيم ما يُسمى بالأخوان المسلمين السودانيين تناقضٌ طبقىٌ حادٌ يجعل البعض ينفضُ يده من التنظيم المتفحش رأسمالياً والضعيف أخلاقياً والممسوخ دينياً (مُدغمس)؟
ولعلَّ الإجابة على هذه الأسئلة تشى بأنْ لو كان للتنظيم هذا العدد من الأعضاء (كما جاء بعاليه) ومثلهم معه، فإنَّهم اليوم شذر مذر بسبب سياسات النظام الفاسدة (يقول د. حسبو: لو فصلنا الناس بسبب الفساد لفصلنا الحزبَ كلَّه) وميله للتَّشيُّع، فهم ليسوا على قلبِ رجلٍ واحد؛ تحسبهم جميعاً وقلوبُهُم شتِّى. غير أنَّ موضع الشَّاهِد هو أنَّ عدد هؤلاء القوم لا يتجاوز المليون بأىِّ حال من الأحوال والباقى يَتِمُّهُ الإعلام.
4- حملة إرحل تؤكد للمعارضة ما درجنا على تِردادِهِ، بأنَّ كوامن شعب السودان حبلى بالتغيير، وما على الإنتلجنسيا السودانية إلاَّ أن تلعبَ دورها المنوطَ بها على الوجه الأكمل فى هذه المرحلة، وأن تقوم بتُثويِرِهِ باتجاه إسقاط النظام. ويتجلى ذلك فى مشاهدات عديدة أعمقها دروساً: وقفة البطاحين ضد النافعاب وضد قوات الدعم السريع فى معسكر أبودليق، طرد على كرتى من دائرته والتصويت (على علاَّتِهِ) لخصمه الإتحادى وتتوجيه بالفوز، هزيمة مرشح المؤتمر الوطنى (البرجوب) فى الحماداب، ونَحْرُ عددٍ من النياقِ الحُمر على الطرقات فرحاً بذلك.
وبالتالى علي الإنتلجنسيا أن تمعن النظر فى هذه الثورات الممتدة من دنقلا إلى أرض البطاحين (دنقلا، الدبة، الحماداب، أرياف شندى، أبو دليق)، وأن تكون على إتصال بها لِتَغْزِلَ على خيطها.
5- تؤكد حملة إرحل بأنَّ صيرورة المعارضة من كيان مدنى بحت (التجمع الوطنى الديموقراطى، البديل الديموقراطى، وقوى الإجماع الوطنى) إلى كيان مدنى - عسكرى (نداء السودان) هى الأنجع؛ لكونها أفزعت النظام وصار يحسب لها ألف حساب، وهى الأنفع؛ لكونها حسَّنتْ الموقف التفاوضى للمعارضة.
وهنا لابد من الإنتباه لحسنة "حملة إرحل" القصوى؛ وهى فضح النموذج الذى يعشعش فى مؤخرة رأس المؤتمر الوطنى: وهو "نموذج خنفسانة أبو الدردوق للحوار الوطنى". وسيظل هذا المؤتمر يُدَرْدِق نِفاقَهُ وأكاذيبَهُ من مِنبر حوار إلى آخر، ومن مائدة تفاوض إلى أُخرى لأطول فترة ممكنة وبهذا الشكل العبثى ويُنفق على ذلك الأموال الطائلة، لأنَّ كلَّ ذلك - كما ذكرنا مليَّاً - أقلَّ كُلفةً المعارِك العسكرية.
ومن هنا نخلُص إلى أنَّ العَسْكَرَةَ (حتى إن لَّم تطلق بارودة واحدة) حسَّنَتْ الموقف التفاوضى للمُعارضة قِبالة المؤتمر الوطنى، وبالتالى المزيد من العسكرة قد تجبر الحكومة على الحل السلمى (فالحكومة فى غاية الإرتعاد). أما إذا تعنَّت النظام، فلا مناص من الطوفان.
ضرورات المرحلة: إستِتابةٌ وعِصيان
لقد ملَّ هذا الشعبُ الكريمُ هذه الحالةَ المطبقةَ من اللا - مَخْرَج، وكلَّ شئٍ قد شُخِّصَ وقُتِل بحثاً، والنَّاسُ فى غاية الإحتقان، وفى كامل البغض لديكتاتورية "الأخوان"، وفى كامل الإستعداد للإنخراط لنداء الواجب الوطنى. ونرجو من الإنتلجنسيا السودانية المُعارِضة أن تقوم بابتداع الحلول المفضية إلى التغيير؛ فالشئ الوحيد الذى لا يُمكن أن نّستأجرَ له أحداً هو الثورة؛ ونرجو ألاَّ نكون عاطلين عن الوطن، بتركنا للمؤتمر الوطنى يُمارِس على النَّاس ساديَّتَه السياسية، فماذا نحنُ فاعلون؟
أولاً، يجب ألاَّ نُعوِّل "كثيراً" على الدعم الخارجى، فما حَكَّ جِلدَك مِثلُ ظفرِك يا مناضل. فالعالم كلُّهُ مشغولٌ بما لديه من مصائب؛ فالأولُ منه مشغولٌ بكساداته، والثالثُ منه مشغولٌ بحروبه. بل ما عاد العالم الأول تعنيه حركات الممانعة كثيراً بعد نهاية الحرب الباردة، بل هو الآن يقفُ مع القادر على دفعِ فواتير الحروب الرأسمالية (إذاً هو مع عدونا)، ولا يهمه من يُقتل؛ ودونكم أحرار سوريا وسُنَّة بغداد؛ ولو لا "عاصفة الحزم المباركة"، لغضَّ الطرفَ عن ذبْحِ اليمن.
ثانياً، نحتاج إلى حكومة كفآءات/حكومة منفى لتقوم بالمهام التالية:
1- تدير الإقتصاد الوطنى لصالح كل وكلاء العملية الإنتاجية (عمال/قوى حديثة + رأسماليين/مدراء + (...) = الإنتاج/العملية الإنتاجية/الثورة الوطنية الديموقراطية فى نهاية التحليل) بعد تنقيتها من الفاسدين.
2- إدارة فترة إنتقالية سياسية على نحوٍ من الكفاءة والعدل، بالقدر الذى يمنع تغوُّل الشرائح المهيمنة فى المجتمع على التغيير وتجييره لصالحها دون صالح الآخرين، ويمنع الثورة المضادة ويُفكِّك عناصرها فى وقتٍ مبكر، ويتحسَّب ويقطع الطريق على أىِّ محاولة للإنقضاض على الديموقراطية، خاصةً أنَّ العدو يملك المال والرجال المُعَسْكَرين، وله ربع قرن من خبرة الطمسِ على المسار الديموقراطى.
3- توسيع دائرة المشاركة بتجميع كل المعارضين المدنيين والعسكريين فى الداخل والخارج وتنظيمهم وتوظيف قدراتِهم المادية والمعنوية باتجاه التغيير.
4- إنشاء بنك للمغتربين السودانيين (بنك المعارضة المركزى) أو محفظة للتغيير، فى إحدى البلاد الحرة إلى حين إستعادة الديموقراطية، وفتح باب الإسهام فيه لمساهمين مقتدرين بغرض الإنشاء والتأسيس، وبفتح الأسهم لجمهور المغتربين فيما بعد. وليكن هدف البنك فى البداية المساعدة فى التغيير، ومن ثمَّ فى بناء إقتصاد وطنى متوازن لصالح كل السودانيين.
5- البحث عن الكفآءات السودانية ذات الخبرة والدِّربة وإعدادها للقيام بالمباشرة السلسة والتلقائية لتصريف دولاب الدولة عند سقوط النظام.
6- التفاوض مع العالم الخارجى والمؤسسات الدولية واستمالتها لصالح كل القضايا التى تهم السودان: كالتحول الديمقراطى، إعفاء الديون الخارجية، وشئون التنموية وغيرها.
7- عمل فضائية تساهم فى فضح ممارسات النظام وأكاذيبه، وتكوين رأى عام مساند للتتغيير.
8- شراء السلاح الذى يكفى ليكون ظهيراً للتغيير الديموقراطى، وتمدُّد المعارضة المسلحة إلى داخل العاصمة المثلثة لحماية المسيرات السلمية.
ثالثاً، إستِتَابة/إمهال النظام فترة محددة وقصيرة جداً (معدودة الأيام) لإرجاع السلطة للشعب السودانى. وليكن تمهيداً لذلك الإمتناع التام من قِبل كافة جموع الشعب السودانى بكلِّ أطيافِهِ المختلفة عن المشاركة فى الإحتفالات التى قد تتجرأ السلطة – بلا حياء - لعملها إحتفاءاً برئيسها المُزَوَّر.
رابعاً، العصيان المدنى المشفوع بمظاهرة طوفانية محروسة بالسلاح (لا تطلق ناراً إلاَّ إذا بادر النظام بذلك)؛ تخرج من كلِّ فجٍّ عميق فى العاصمة القومية؛ وبالتزامن مع كل ولايات السودان؛ وبالتزامن مع تظاهرات كل السودانيين المقيمين بالخارج أمام كافة السفارات السودانية فى العالم.
خاتمة: قوموا لثورتِكِم يَرْحَمُكُمُ الله.
حسين أحمد حسين،
باحث إقتصادى مُقيم بالمملكة المتحدة.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.