حينما اخرجوني من المعتقل و زُجوا بي في احد فيافي شرق النيل بمنطقة السمرة بقرب عد بابكر تقريبا كنت في حالة نفسية و بدنية يرثي لها و ما ان وصلني الأخ ..... صديق ليوسف هندوسة، ويقيم بالحاج يوسف و كان يعرف هذه المناطق جيدا ، كنت أرتدي عباءة مليئة بالطين و كلي متسخة من بقعة الطين التي رميت بها، وعندما جاء ليوصلني منزلنا بعربته، قلت له اريد ان اذهب الي المستشفي اولا. و كان بانتظاري في مستشفي الحوادث بامدرمان يوسف هندوسة و الصيني و معاوية عكاشة و ماهر و وايل اسامة و اخرين لا تحضرني الذاكرة لذكرهم ، و بعد ان تم توقيع الكشف الدقيق علي و تعاطفت معي جدا احدي دكتورات الامتياز و امرت بحقني أبرة فولترين لتسكين الالم. و لكن تفاجأنا بتدخل اَمن المستشفي الذي حضر الي داخل ستارة الكشف و طلب من الدكتورة عدم إعطائي اي علاج دون اورنيك 8 ( إصابة ) و كان يمكن استخراجه من مكتب الشرطة بحوادث أمدرمان و لكن قالوا بانه يجب ان يتم تدوين بلاغ جنائي بالنيابة اولا و بعد ان تحدد النيابة المواد القانونية اذهب الي الشرطة لتدوين بلاغ تحت المواد آلتي حددتها النيابة و في هذه الأثناء وصلت ثلاثة سيارات دبل كاب الي داخل مستشفي الحوادث و كان هنالك استعداد و تأهب لاعتقالنا جميعا فاتصل بِنَا وائل اسامة بان نخرج من الباب الخلفي للمستشفى. المهم خرجنا و فشلنا في إيجاد نيابة تقبل ان تدون لنا بلاغا لان اليوم كان جمعة، فذهبنا الي منزل أسرة الصيني الذين استقبلونا بالعصير و الغداء و بعد حضور الاستاذ محمد المحامي من مكتب الاستاذ نبيل أديب و اتصال الاستاذة منال عِوَض خوجلي تحركنا الي نيابة بحري لتدوين البلاغ لأنني اسكن بحري و بالفعل ذهبنا الي نيابة بحري و وجدت وكيل نيابة امرأة اسمها نبوية كانت في غاية العدل و الانصاف فبعد ان سردت لها ما حدث معي ابتداءً من اتصال العقيد اَمن بابكر الفادني لاستدعائي بغرض التحقيق انتهاء بوصولي اليها محروقة الجسد حليقة الراس. فطلبت ان تري الحروق بنفسها و بعد ان رأت كل شيء أكدت بان هذا الأسلوب ليس جديد و ان الاختطاف مدبر فقط قالت سأوجه بفتح بلاغ في مواجهة الجناة و لكن حتي لا تتاذي و لتحصلي علي علاج واورنيك إصابة سادون البلاغ باسم بابكر الفادني و اخرين دون كتابة رتبته ، فوافقت لأنني اشرت الي رتبته و مكان عمله داخل البلاغ نفسه ، فأخذنا مذكرة النيابة و بها المواد المتعلقة بالاختطاف و التعذيب. و خير ما فعل اخي وائل اسامه حينما طلب ان نصور مذكرة النيابة عدة نسخة قبل تسليمها لقسم شرطة الصافية و ذهب بنفسه الي عدة أماكن حتي استطاع تصويرها و بعدها ذهبنا لقسم شرطة الصافية و كانت الساعة حوالي الرابعة تقريبا و بعد ان قابلنا المسئول المناوب في قسم البلاغات و قرا مذكرة النيابة سألني عما حدث بالتفصيل فسردت له ما حدث رغم انني كنت في حالة إعياء شديد و احساس بدوار لأنني لم اتذوق النوم او الطعام الا وجبتين لخمسة ايام و مع ذلك طلب مني الجلوس الي حين حضور مدير القسم الساعة الثامنة، فقلت له، انا متعبة وأريد ان اذهب الى منزلنا وهو بالقرب من قسم شرطة الصافية لاستحم و استريح الي حين حضور مدير القسم فقال بانه غير مسموح لي الذهاب لمنزلي قبل حضور مدير القسم و قراره بشأني فقلت له: هل انا الان محتجزة؟ قال ليس بالضبط و لكن ما قلتيه يؤدي الى الاحتجاز، فقلت له انا من يطالب بحقه في وطن تداخلت فيه الاختصاصات وأتيت للشرطة للحصول علي اورنيك إصابة بغرض العلاج و من بعدها سأرى كيف سأطالب بحقي و لكن ان تحولوني الي متهم و تحتجزوني دون سبب فهذا في حد ذاته يجعلني أقوم بتدوين بلاغ اخر ضد الشرطة و قسم الصافية تحديدا ، لم يجب بل ذهب الي خارج المكتب ليجد الشباب الذي حضروا معي و حضر بعدهم اخرون فاخرج الظابط و كان برتبة ملازم من جيبه سيجارة ( بنقو) ملفوفة و سألهم هذه لمن منكم يا شباب ، فقالو له أخرجتها من جيبك و ليست لنا صلة بها ، و هنا قال الاستاذ محمد المحامي القادم نيابة عن الاستاذ نبيل أديب بانهم يريدون ان يلفقوا لكم تهمة لذلك عليكم مغادرة القسم الى خارجه بالشارع. و بالفعل خرج الشباب جميعهم الي الخارج و بقيت انا محتجزة بداخل مكتب بقسم شرطة الصافية الي ان حضرت الاستاذة منال عِوَض خوجلي التي طمأنتني بانه لن يحدث لي اي مكروه طالما الموضوع قيد التحقيق ، و حضر مدير القسم بعد التاسعة و احضر شخص اخر لكتابة أقوالي و سألني عما حدث بالتفصيل الممل و طلباتي في الختام ، فقلت له اولا اريد اورنيك إصابة لتلقي العلاج و ثانيا اريد تدوين بلاغ ضد ألجاني فأجابني بانه أسف فيما يتعلق بالبلاغ ضد الجناة لسببين أولاً لأنني قلت بان الجاني هو جهاز الامن في شخص العقيد بابكر الفادني و ثانيا لان العقيد بابكر الفادني شخصية معروفة و يجب حل هذا الموضوع وديا بيننا بحضوره و قال بانه اتصل به و جواله مغلق و ترك له وصية بالمكتب ، فقلت له لا اريد حلولا ودية مع جهاز الامن و منسوبيه بل أريدها قضية عبر الجهاز القضائي و الأجهزة العدلية فأجابني بان هذا مستحيل لان الشرطة لا تدون بلاغات ضد جهاز الامن و هذا ليس من اختصاصها و ان جهاز الامن هو اعلي سلطة بالبلاد ، فقلت له حسب علمي و معرفتي بانه في اي دولة محترمة يحكمها سيادة القانون تكون الشرطة عبارة عن جهاز تنفيذي فقط مهمته تنفيذ العدالة و تطبيق القانون دون اي تداخل اختصاص بينها و بين اي جهاز اخر. قال بان هذا كلام إنشائي و غير واقعي موضحا كلامه مجددا بان جهاز الامن هو اعلي سلطة بالبلاد ولا تجوز محاسبته ، فقلت له أوافق علي ما قلته و لكن عليك ان تعطيني هذا الكلام كتابة و ليس شفاهةً لاستطيع بموجبه اللجوء الي جهة اخري للمطالبة بحقي ، فقال بانه أسف لا يستطيع إعطائي مكتوب و ليس من حقي المطالبة بذلك ، فقلت له لم آتيك في منزلك لاطلب ذلك بل اتيت للشرطة و تحدثت إليك بصفتك الاعتبارية و دورك في تنفيذ القانون وفقا للعدالة و الدستور الي جانب مذكرة النيابة التي طالبت بتدوين بلاغ جنائي تحت ثلاثة مواد موضحة هنا بالتفصيل وانت تخالف النيابة لتحابي جهاز الامن ، لذلك انا متمسكة بحقي في تدوين البلاغ و محاسبة الجناة و اعرف كيف افعل ذلك قانونيا داخل و خارج السودان و لن اخرج من هنا الا جثة او معي بلاغ جنائي و اورنيك إصابة ، فطلب الاستاذة منال خوجلي و تحدث معها فقالت لي سنفعل كل ذلك فقط اولا دعينا نستخرج اورنيك 8 و تحصلي علي علاج و لن نتركهم سنلاحقهم قضائيا و تحدثت مع مسئول القسم و أقنعته باستخراج اورنيك الإصابة فأعطوه لضابط شرطة و معه اخر و طلبوا مني ان اذهب بعربة الشرطة رغم انه كانت هنالك عربات اخري فيها أناس من طرفي ، فرفضت و ركبت مع الاستاذة منال عِوَض خوجلي و تحركنا جميع السيارات صوب حوادث مستشفي بحري. و هنالك دخل الظابط اولا و تحدث معهم فوجهوه لدكتورة محددة فذهب بمفرده و تحدث معها مطولا و من ثم طلبت مني الحضور للكشف و داخل حجرة الكشف طلبت مني ان تري جميع الإصابات و ما زال الضابط واقفا فقلت له كيف اخلع ملابسي في حضورك و انتهرته اتفضل لو سمحت لست زوجي او ابي او اخي فطلبت منه الدكتورة المغادرة حتي تناديه مرة اخري و بعد ان رأت جميع الحروق بجسمي طلبت مني ان أرتدي ملابسي فقلت لها عندي الم في أذني اليمني أشبه بالم فتق طبلة الإذن و كان الشق الأيسر بوجهي كاملا يؤلمني و الفك الاعلي تحديدا فقالت لي هذا عند طبيب خارجي في اورنيك الإصابة يكتبون الأشياء الظاهرية فقط و نادت الضابط ليعطيها الاورنيك فكتبت هنالك حروق قديمة متفرقة بالجسمم و اثار لرضوض و ضرب أشبه بضرب الخراطيم و السياط علي سطح الجلد و لكن يبدو سطحي ، ثم قالت لي طبعا لا يمكن ان اكتب حلاقة الشعر هنا لان ما يكتب في اورنيك الإصابة هو ما يستوجب العلاج و صرفت لي مضاد حيوي و عشرة حقن فولترين حقنة كل 12 ساعة لخمسة ايام فقلت لها أطالب بتحويلي لقسم الأشعة فقالت ليس هنالك ما يستوجب طالما انني اتيت ماشية بإقدامي، بعدها عدنا للقسم فرفضوا إعطائي اورنيك الإصابة بحجة انه يجب ان يبقي مع البلاغ ، فقالت له الاستاذة منال بان اورنيك الإصابة نسختين نسخة مع المصاب و نسخة مع البلاغ فقالوا لي احضري غدا لاستلامه، فذهبت الى منزلنا في الواحدة صباحا فاخذت دش دافئ و أخذت ابني و لم استطع النوم فكأني نومي متقطعا و قمت في الرابعة صباحا فوجدت أمي تصلي فجلست معها و طمأنتها بأنني بخير و لكن يجب ان أغادر المنزل حالا و السودان بأسرع ما يمكن لأنني اعرف ردة فعلهم تماماً. فغادرت المنزل و انا في أشد الحاجة لراحة فذهبت الى مكان اخر، ثم ذهب شقيقي الى القسم لاستلام نسخة من البلاغ و اورنيك 8 كما وعد مدير القسم بالامس و لكنه تفاجأ حينما قالوا له ليس لدينا بلاغا بهذا الرقم فاخرج صورة من مذكرة النيابة التي توجه بتدوين بلاغ و تحدد فيه المواد فاحتجزوه هو الاخر و قالوا له ليس من حقك تصوير مستند رسمي دون إذن و هذا تزوير، قال لهم صورناه تحسبا لانكاركم و قد كان. المهم اخذوا منه صورة المذكرة و كان لدينا نسختين بحوزتنا و قالوا له لو حضرت القسم مجددا ستواجهك ببلاغ ازعاج سلطات، و كان ما فعلوه متوقعا، و لكني كنت مطمئنة لإمكانات الاستاذ نبيل أديب فبدأت كل مجهودي في كيفية خروجي و ابني اولاً، لم اظهر لجهة لم اتحدث لجهة حتى حينما زارني وفد لا لقهر النساء و الاستاذ فيصل شبو و الأستاذتين ريم شوكت وامل هباني و ممثل جهر بالخرطوم طلبت منهم ان لا يكتبوا شيئا الا بعد مغادرتي السودان حفاظا علي حياتي. و كان كل ما يكتب على خلفية ريبورت امنستي انترناشيونال و بعض المنظمات و جهر و قرفنا و لكني لم اعلق و لم اتحدث لأي جهة حتي غادرت الخرطوم، فهذا هو السودان الحالي و هذه هي الدولة الأمنية التي يحكمها الموتمر الوطني لذلك استغرب من الذين يقولون لماذا لم تتحدث ساندرا و لم تظهر بعد خروجها، هل سألتم انفسكم ماذا حدث لها داخل المعتقل و ما تعرضت له من تعذيب و من تهديد؟ هل عشتم إحساسها لحظة وهي تفكر في ابنائها و تخاف ان يحدث لهم مكروه ؟ ساندرا اعتقلت لأجل قضايا تتعلق بالشان العام و لكنها دفعت الثمن بشكل شخصي مثل الكثيرين و لن تتراجع طالما انها تحتكم لمبادئها و قناعاتها، و لكن المؤلم حقا هو ان ينصب لك المشانق من تدافع عنه لضعفه و ان يصبح كل رعديد جبان يخشي على نفسه من الأمن هو من يحاسب ساندرا لشجاعتها و ايمانها بقضايا الوطن فيقوم بتكذيبها حتي يقنع الرجل بداخله الذي يفتقر للنخوة و المسئولية الوطنية بان الضحية هي من يجيب محاسبتها و ليس الجلاد . ساندرا ليست الاولى و لن تكن الاخيرة لجرائم الإنقاذ فهي موثقة لربع قرن و نيف و لكن ما يحدث كردة فعل عام لما يحدث للنساء المناضلات بالسودان يجب ان يدون حتي لا يسقط سهوا من الذاكرة الشعبية ، و يجب ان نعلم بان الإسلاميين هم أعداء المرأة لا تأخذهم بها شفقة كأنهم لم ياتوا من أرحام نساء و ليس لهم اخوات. هنالك كثيرون من الإسلاميين الشعبيين الذي كانوا جزءا من الموتمر الوطني و اليوم يدعون المعارضة و النضال وهم دوما من يقوم بالتشكيك في ما يحدث و تجريم الضحية تعاطفاً مع اخوتهم بالمؤتمر الوطني و هنالك الكثيرون يحتكمون لعقلية القطيع و هكذا تدور الدوائر و يظلم كثيرون و لكن هذا غير مهم ايضا لأنه من يدفع الثمن شخص مؤمن بقضيته و يعرف طريقه و يستلهم القوة من داخله و ليس من الآخرين . فيسبوك