من المنتظر أن تكون راحلة الوفد الشعبي السوداني الساعي لتحسين العلاقات مع الحكومة والشعب الامريكي حطت رحلها أمس (السبت) في العاصمة الامريكيةواشنطن، في أول مبادرة شعبية لترميم العلاقات بين السودان وأمريكا ، وجاءت المبادرة من رجل الأعمال السوداني "عصام الشيخ" ، ذاهبا لأمريكا بمعية (14) قياديا شعبيا من نظار وقيادات الإدارة الأهلية بالسودان ، وتعد مبادرات "الشيخ" من المبادرات الشعبية النادرة في مسيرة رتق العلاقات بين الحكومة وغيرها من الدول ، وتراجعت العلاقات "السودانية الأمريكية" منذ ما يقارب العقدين من الزمان بسبب موقف الولاياتالمتحدةالأمريكية من النظام القائم بالخرطوم ، وأدت حدة الخلافات بين البلدين لمرحلة فرضت فيها الإدارة الامريكية عقوبات اقتصادية قاسية علي السودان ، منذ العام (1997) ، وتجددت هذه العقوبات سنويا من قبل الإدارة الامريكية بذرائع وحجج مختلفة ، وقد ألقت العقوبات الإقتصادية الامريكية بظلال سالبة علي قطاعات إستراتيجية بالدولة ، وعانت منها البلاد كثيرا ، ويمكن النظر بحسب المراقبين للمبادرة الشعبية باعتبارها أحد المفاتيح الجديدة للعلاقة بين (الخرطوموواشنطن) ، بيد أن آخرين لم يستبعدوا تحفظ الإدارة الامريكية تجاه الوفد الشعبي ، وهل هو يعبر فعليا عن الارادة الشعبية للسودانيين ام انها تحمل الصفة الحكومية ولو من وراء ستار ؟ ، بيد أن خبراء قانونيين نبهوا لضرورة تحرك المنظمات والمؤسسات غير الحكومية لتقديم مبادرات فردية لإخراج البلاد من دائرة الحظر ، وتخفيف أثارها ، كلفة باهظة : يقول خبير القانون الدولي دكتور ناجي إدريس (عضو معهد لندن لممارسة القانون الدولي)، إن العقوبات الآحادية القسرية التي تفرضها الولاياتالمتحدة الأميركية على السودان كلفت الخرطوم حوالى (55) مليار دولار، كان يمكن أن تستغل لتنمية كثير من القطاعات ، ويشير إدريس، في ندوة أقامتها نقابة المحامين السودانيين بالخرطوم ليل ، إن الأموال الضائعة بسبب العقوبات كان يمكن أن تستغل في قطاع التنمية لإحداث طفرة تنموية غير مسبوقة. ويلفت المراقبون للأثار السالبة للعقوبات الامريكية علي كثير من شرائح المجتمع بيان المبادرة : ويقول رجل الأعمال السوداني عصام الشيخ صاحب المبادرة في تصريحات صحفية فبيل سفرهم أمس الاول " إنهم يسعون لفك الحصار الامريكي عن رقبة الشعب السوداني ، بطرح رؤية مغايرة لإقناع مسؤولي البيت الأبيض برفع الحصار "مشيرا للاستجابة التي وجدوها من القائم بالاعمال الامريكيةبالخرطوم وطاقم سفارته ، ومن جهته رحب نائب رئيس البعثة الامريكيةبالخرطوم بالمبادرة ، وأوضح بانها قد جاءت منذ بداية العام الحالي بمبادرة من رجل الاعمال "الشيخ" ، وأبان نائب رئيس البعثة بان الوفد الشعبي السوداني سينخرط في لقاءات رسمية مع قيادات بوزارة الخارجية الامريكية ،والبيت الأبيض ، ومجلس الشيوخ ، بجانب ممثلي مكتب المساعدات الأمريكية أسئلة صعبة أول ما سيواجهه "الوفد الشعبي السوداني" في رحلته الي أمريكا، مضاهاته لقوي الضغط الامريكية من "منظمات مجتمع مدني" ، وهي تتمتع هناك بقدرات هائلة في تطويع الارادة الحكومية لمصلحة الشعب، ولديها نفوذ قوي ، ومقدرة علي الاختراقات لاتخاذ القرارات الخطيرة والمؤثرة التي يمكن أن تتخذها الدولة، وبالتالي فان القبول والموافقة من الجانب الامريكي ستبدو مثلها مثل مسألة جرد الحساب ، وربما تكون الموافقة علي تحسين العلاقات بين البلدين وكسر حاجز المقاطعة مصحوبا بالكثير من المطالب برأي الكثير من المراقبين ، ومن واقع حال المجتمع الامريكي نجد المنظمات المدنية والأهلية بأمريكا ، العاملة تحت سقف الدستور الأمريكي ، مع تمتعها بقدر كبير من الاستقلالية ، إلا أنها لا تخرج عن إطار الأهداف العامة للدولة ، ولن تعمل بغير مصلحة الشعب الشعب الأمريكي والتعبير عن توجهاته ، ويري مراقبون في حديثهم للصحيفة : "إنه بذات القدر من الاستقلالية الذي تحظي به المنظومات الشعبية الأمريكية فإنها ستبحث حول ما إذا كان الوفد الشعبي السوداني الزائر ذو صلة ولو (بالحبل السري) مع الحكومة ويتبني مواقفها بلا حرج ، أم إنه يقف في مكان مستقل "، ويشير المراقبون إلي أن المهمة التي تصدي لها عدد من قادة الإدارة الاهلية السودانية ، لا تبدو سالكة ، بل تواجهها الكثير من المنزلقات الخطيرة ، والمطبات ، بل حتي الحكومة السودانية تري بأنها تقدمت ولم تستبق شيئا في كثير من الملفات التي تحتسبها عليها الإدارة الأمريكية المتعلقة بمكافحة الإرهاب ومحاربته والتعاون في هذا الخصوص ، والإستجابة للكثير من مطالب "البيت الأبيض" ، إلا ان حكومة الخرطوم لم تنل بعد رضا الإدارة الامريكية ، ولم تتمكن حتي من كسر حاجز المقاطعة ، وإزالة العقوبات الإقتصادية المفروضة علي البلاد . مباحث "حث الإدارة الأمريكية على رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان، ورفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب"، هذه غاية زيارة الشعبيين ونظار الإدارة الاهلية اإلى واشنطن، لكن فان للادارة الامريكية قائمة طويلة من المطلوبات في مقدمتها كما تقول الورقة الامريكية لحل المشكلة السياسية في السودان ، وذلك بإجراء حوار وطني ، وعملية إصلاح ، وحكومة قاعدية ذات تمثيل واسع ، وديمقراطية قادرة علي السعي نحو عملية مصالحة مجدية بين السودانيين ، كما تقول الورقة الأمريكية ، وبالتأكيد فإن الوفد الشعبي سيشير لمساعي الحكومة السودانية في هذا الخصوص الشيخ وكلوني جورج كلوني المخرج التلفزيوني الشهير، واحدة من التعبيرات الشبيهة بحالة عصام الشيخ لكن المفارقة والاختلاف تبدو في كون الشيخ وثيق الصلة بالنظام الحاكم في السودان ، ويسعي لتحسين العلاقات مع الادارة الامريكية بينما كلوني يترصد اي تقارب بين (واشنطن) و (الخرطوم) ويرسل عليه مدفعية حارقة ، ويسوق في هذا الصدد الكثير من الإتهامات للحكومة السودانية ، ويعد "جورج كلوني" المنحدر من أصول أيرلندية كاثوليكية من اكبر الداعمين لإنفصال جنوب السودان ، وقد حاز علي جائزة (emmy) لمجهوداته في السودان ، ويمتع كلوني بمشاركات واسعة في الحياة السياسية بامريكا وهو من أكبر الداعمين للمرشح الديمقراطي (جورج كيري) ، وبقدر ما يأمل وفد الشيخ ان ينتزع رضا الحكومة الامريكية، وإعفاءها للعقوبات الا ان كلوني يتهم حكومة بلده بالتعامل مع الخرطوم عبر وسيط لشراء صفقات من الذهب، وهو ما يرفضه ويعتبر أن مداخيله تذهب لشراء السلاح والحرب في دارفور صمغ سوداني امريكي ولا تبدو الخرطوم هي المتاثرة لوحدها من عمليات الحظر الاقتصادي الامريكي، فالامريكان انفسهم ظلوا يعانون من صعوبة استيراد الصمغ العربي الذي يشتهر السودان بانتاجه، وشكا جورج ألدرج ممثل السفارة الامريكية من ان بلاده تتكبد عناء الاستيراد غير المباشر لما قيمته (40) مليون دولار سنويا من الصمغ ، جاء ذلك لدي زيارته لولاية شمال كردفان في الشهر الماضي للوقوف علي دعم انتاج الصمغ العربي، ويسعي جورج ألدرج، والعمل على إزالة العوائق السياسية والتجارية بما يؤدي إلى تحقيق مصلحة الطرفين، تجدر الإشارة إلى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تعتمد على الصمغ العربي في الصناعات الغذائية والدوائية والمشروبات خاصة المياه الغازية والعقاقير الطبية وتستورد سنويا ما قيمته 40 مليون دولار من هذه السلعة بطريق مباشر أو غير مباشر من السودان، فرص للنجاح : ويلفت دكتور عبدالرحمن أبوخريس بالمركز الدبلوماسي لوزارة الخارجية إلي ان الدبلوماسية الشعبية تلعب دورا كبيرا في تحسين العلاقات مع الدول ، ولديها فرص ممكنة في تسجيل الاختراقات لصالح الدول والشعوب ، وينبه عبدالرحمن للدور الذي تلعبه المنظمات الاهلية بامريكا ، بيد انه دعا لضرورة إتاحة أكبر فرص لها لتكون فاعلة في الحياة السياسية ةالشان الداخلي والعام ، وأن تمنح زمام المباردات وتعزيز أدوارها ، ويري عبدالرحمن أن مواقفة الحكومة الامريكية علي الزيارة دليل علي تقديرها لأهمية هذه المنظمات الأهلية وتأثيرها ، ودعا الحكومة لتطوير الاهتمام بذلك ، ويري عبدالرحمن إن دور الإدارة الاهلية قد شهد تراجع مستمرا منذ نظام نميري ، وربما كانت آخر مبادرات ومشاركات فاعلة للإدارة الاهلية علي عهد الرئيس الأسبق إسماعيل الأزهري التيار