يواجه جنوب السودان بعدما حقق استقلاله عن الدولة الأم موجة من الاضطرابات والتمرد على حكومة الحركة الشعبية وعلى نحو يضع الإقليم أمام الكثير من العقبات الصعبة على الطريق لبناء دولته الجديدة. ففي الوقت الذي بدأ فيه الجيش الشعبي لتحرير السودان -الجناح العسكري للحركة الشعبية- تسريح أعداد من جنوده بعد انتهاء الحرب مع الشمال ومحاولة إدماجهم في الحياة المدنية، أعلن عدد منهم حالة التمرد على الدولة الوليدة احتجاجا على حكم القبيلة الواحدة (الدينكا) التي تمثلها الحركة الشعبية ورغبة في تغيير نظام الحكم رغم حداثته. وبينما كشف الناطق الرسمي باسم الجيش الشعبي العقيد فليب أقوير عن مفاوضات مثمرة تجرى مع المتمرد ياو ياو الذي أعلن تمرده في منطقة البيبور بولاية جونقلي من قبل، تعرضت مقاطعات أخرى لهجمات من متمردين آخرين لا يقلون عدة وعتادا عن ياو ياو. فقد قال أقوير إن المفاوضات وصلت الي مراحل متقدمة تقودها الفرقة الثامنة الموجودة في المنطقة بالإضافة إلي سلطات المقاطعات، مشيرا إلى أن منظومة قوات المنشق الآخر غبريال تانج شارفت على الانتهاء وأن قيادة الجيش الشعبي بانتظار وصول تانج إلى جوبا لوضع الترتيبات النهائية التي تتعلق بوضعية قواته في الجيش الشعبي. هدوء الأوضاع كما أعلن للصحفيين أن الأوضاع هادئة في المناطق التي شهدت الاشتباكات الأخيرة بين الجيش الشعبي والمتمرد جورج أطور، لكنه في نفس الوقت اعترف بوقوع اشتباكات يوم الثلاثاء الماضي في ولاية الوحدة بمقاطعة ميوم من قبل قوات المتمرد فيتر قديت ومليشيات الدفاع الشعبي التابعة للمسيرية في مقاطعة قوني. لكن عضو البرلمان القومي عن الحركة الشعبية دينق قوج استبعد وجود توترات حقيقية على أرض الواقع في الجنوب "بالشكل الذي يروج له"، وقال للجزيرة نت إن حكومة الخرطوم تريد توجيه رسائل لحكومة الجنوب والجيش الشعبي "عبر دعم المتمردين الجنوبيين" كنوع من المساومة على كثير من الأمور العالقة استنادا إلى اتهامها حكومة الجنوب باحتضان بعض الفصائل المسلحة في إقليم دارفور. ضعف البنية من جانبه، عزا أستاذ التاريخ بجامعة بحر الغزال أبو بكر محمد عثمان أسباب الاشتباكات الأخيرة في الجنوب إلى ضعف البنية الاجتماعية والسياسية، مما أدى إلى بروز القبلية وعدم قبول الآخر حتى لو كان منتخبا من قبل المواطنين. وقال للجزيرة نت إن قلة نسبة المتعلمين في قيادة الدولة الوليدة يشكل أحد الأسباب الرئيسية الأخرى للصراع، إلى جانب سهولة تمرير أجندات كثيرة عبر أنصاف المتعلمين على مستوى القاعدة. وأكد محمد عثمان أن غياب التوزيع العادل للثروة والسلطة وتبوّء شخصيات غير مرغوب فيها قبليا هو الآخر يدعو الجنوبيين للخروج على الدولة والتمرد على الحركة الشعبية الحاكمة التي لا تمثل كافة الجنوبيين بقبائلهم المختلفة المتباينة في كل شيء. كما أشار الخبير في مجال الدراسات السودانية والأفريقية سليمان الدبيلو إلى التركيبة العسكرية للحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب، مؤكدا أنها حكمت الفترة الانتقالية من عمر اتفاقية السلام كقوة عسكرية مما فتح الباب لاختلافات بينها وبين القوات الأخرى. وقال الدبيلو إن الجيش الشعبي نفسه "مكون من عدة إثنيات ظهرت حاجتها لكينونتها عقب ظهور نتائج الاستفتاء"، وإن كافة القادة الذين لا ينتمون للحركة الشعبية بدؤوا يطالبون بمساواتهم بقادة الحركة. ولم يستبعد أن تكون القبضة الحديدية التي حكمت بها الحركة الشعبية الجنوب خلال خمس سنوات قد ساهمت في بروز التوترات الحالية، مستبعدا استقرار الجنوب في ظل ما أسماها الرؤية الأحادية للحركة الشعبية. المصدر: الجزيرة