حين أرادت الزميلة "اليوم التالي" توصيف زيارة القيادي بحزب المؤتمر الوطني، علي عثمان محمد طه، إلى العاصمة التركية أنقرة، فإنها اختارت وصف (غامضة). غموض ظل يلازم الإسلامي التليد كلما شدّ رحاله إلى بلاد أتاتورك، فذات الانقسام الذي ضرب الناس في رحلته الأولى عاد وقسمهم البارحة بين فسطاطي أن يكون طه غادر بحثاً عن الراحة والتطبيب أو رحل محتقباً غضبه والأسف. فهل تنتهي عطلة طه إلى ذات نتيجة العطلات السابقة، أم أن له رأي أخر يعطل تلك الفرضية؟ هذا تجدونه طي الصفحة أدناه توقيعات لا خلافات في القيادة والنّائب الأوّل تنازل عن موقِعِه طواعية كما تنازل من قبل. المشير عمر البشير رئيس الجمهورية طه سافر إلى تركيا لعلاج بعض أفراد أسرته وأي حديث عن مغادرته غاضباً محض أحلام. ربيع عبد العاطي قيادي بالوطني التاريخ الطويل لطه وما اكتسبه من تجارب برلمانية وتنفيذية وتنظيمية منحته وزناً جعلت تأثيره حاضراً على الدوام. د. حمد حاوي محلل سياسي حلقة جديدة من المسلسل "التركي" الخرطوم – مقداد خالد حين يطل اسم النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية، علي عثمان محمد طه، بالمقربة من تركيا -دع عنك أن يطأ أراضيها- فذلك الأوان المناسب لرسم عديد السيناريوهات. سيناريوهات منها ما هو آمن وأصحابه من معتنقي نظرية أن يكون السفر لداعي العلاج والاستجمام، ومنها ما يبعث على القلق كأن يكون طه قد بارح الخرطوم إلى أنقرة مغاضباً كما قالت مصادر تحدثت للزميلة "اليوم التالي" في عددها الصادر أمس (الأربعاء). مؤخراً شددت الحكومة السودانية من إجراءاتها الأمنية مع الشباب الشادين رحالهم إلى بلاد رجب طيب أردوغان، وذلك بعد خروج ثلة من الطلاب السودانيين من عاصمة عدم الانحياز، ومنحازين إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف اختصاراً باسم "داعش". لكن المؤكد ألّا علاقة تربط طه برحلات "داعش" أو بالإجراءات الأمنية في مطار الخرطوم، هذا وإن تزامن ما يحدث من تشديد مع رحلته الأخيرة، وبلا شك فإن رحلة طه ترتبط بسيناريوهات بعيدة عن داعش وقريبة مما سنعرض له لاحقاً. بعد رهق طويل بعد زهاء العقدين، تذكر طه أخذ أول قسط من الراحة وأول إجازة خاصة وذلك في العام 2005م. وخلال تلك السنوات المنصرمة مرت طائرته بكثير من العواصف الحادة والضغوط العالية سواء أكان ذلك في مجال التنفيذ حيث أمّ عدداً من الوزارات الفاعلة، أو في مجال التشريع حيث قاد صف المعارضة في بهو برلمان الديمقراطية الثالثة، أو في مجال التنظيم حيث كان شاهداً على ارتفاع منحنى الإسلاميين وكان حضوراً حين ضموره وتراجعه. كذلك كانت بصمة الرجل واضحة في المواعيد الكبرى فهو أحد مهندسي مفاصلة الإسلاميين الشهيرة في العام 1999م وهو أحد عرّابي سلام "نيفاشا". (الخرطوم – أنقرة) بعد أن اطمان دينامو الإسلاميين لقرابة عقدين من الزمان في خدمة الإنقاذ إلى إنجاز مصالحة تاريخية مع الحركة الشعبية في منتجع نيفاشا الكيني في العام 2005، يمم طه نواحي تركيا في إجازة قصيرة، إجازة قد يكون سببها رهق التفاوض الذي قاد إلى إنهاء أطول حرب أهلية في القارة الافريقية، استمرت دون إجازات لأكثر من عقدين من الزمان. لكن المسافة الفاصلة بين إجازتي طه الأولى والثانية لم يستغرق سوى سنوات قليلة إذ قرر في العام 2008م الاستجمام وأسرته في ذات تركيا التي تشرئب لها أعناق الإسلاميين كأنموذج لما يجب أن تكون عليه النقلة السياسية. وفي تلك الرحلة رافق طه جدل طويل، إذ قيل إن جفوة ضربت علاقة نائب الرئيس وإخوانه في الحكومة وأول تنظيم إسلامي يسيطر على مقاليد الحكم في دولة بالعالم السني. وقتذاك قيل إن مهندس اتفاقية السلام الشامل، رمى الألواح وغادر مغاضباً لتركيا. بيد أن طه اللائذ بالصمت وأنقرة، لم يكن يبدو عابئاً بما يدور في الخرطوم، حيث أكمل إجازته استجماما وتطبباً فيما عاصمة بلاده نهباً لشائعة أن رحلته ذات اتجاه واحد أو رحلة اللا عودة، هذا قبل أن ينسل إلى مطار الخرطوم في هدوء شديد منهياً كل شائعات مغادرته والغضب. العطلة الثالثة مجدداً طه في تركيا، ومجدداً انقدح الجدل حول دواعي زيارته، ورجحت مصادر تحدثت للزميلة "اليوم التالي" أن يكون الرجل غادر غضبان أسفاً على مجريات الوضع السياسي في البلاد. من يقول بهذا الرأي حتّام مستدل بالانتقادات التي ساقها طه لإخوانه في إفطار شباب حزب المؤتمر الوطني الحاكم، ومستدل كذلك بالأحاديث الرائجة عن وجود تباينات كبرى بين طه الذي كان يشغل منصب النائب الأول، ود. نافع علي نافع الذي كان يشغل منصب مساعد الرئيس، كما ويمكن أن يستدل الميّال لرواية الغضب عن الكيفية التي تخول الجمع بين (إجازتين) إذ أن علي عثمان طه أصلاً في إجازة بعد ما أخلى منصبه في الحكومة منذ العام 2013م لإتاحة الفرصة أمام صعود الجيل الشاب. لكن تلك الأحاديث يمكن أن تتهاوى حال تم قرنها مع النفي المغلظ الذي ساقه القيادي في المؤتمر الوطني، د. ربيع عبد العاطي، لرواية مغادرة طه إلى تركيا بداعي الغضب. وأذاع ربيع أن بعض الحالمين بشق صفوفهم وراء علك شائعة مغاضبة طه، ونوه ربيع الذي تربطه آصرة بطه إلى أن الأخير غادر لقضاء شأن صحي يخص أسرته. إلى حين إذاً، فطه في بلاد أتاتورك المحكومة بطاقم إسلامي، قد يكون في انقرة حيث يقيم رمز الإسلاميين السياسي أردوغان، وقد يكون في عاصمة المآذن اسطنبول، وقد يكون في أي بقعة من تركيا، فيما الخرطوم بين من ينتظر أوبته وبين من لا هم له سوى أن يتمدد هذا الانتظار بلا نهاية.