في لقاء تلفزيوني تم بثه مؤخراً ؛ صرح أحد المدراء في ديوان الزكاة أنهم يقتطعون نسبة 32% من حصيلة أموال الزكاة لمصلحة العاملين عليها. ويبدو أن تلك الشفافية التي ذهب إليها ذاك المدير قد أثارت قلق كبار المسئولين بديوان الزكاة . فحاولوا إصلاح الأمر بترتيب لقاء تلفزيوني (دعائي) آخر بتاريخ 11 أغسطس 2015م في قناة الشروق أيضا . حيث إستضاف برنامج أل 6:30 (السادسة والنصف) الدكتور بلة الصادق ؛ نائب الأمين العام لديوان الزكاة الإتحادي . لم يدخر د. بلة الصادق جهداً في التنويه والإشادة ب (ديوان الزكاة) .. ولكنه على الرغم من ذلك تجاوز الرد المباشر على سؤال مضيفته عن النسبة التي يخصصها ديوان الزكاة للعاملين عليها .. فقفز فوق هذا السؤال إلى الإمام ، وتعهد بأن النسبة المخصصة للفقراء من الزكاة عام 2016م سترتفع لتصل إلى 71% . معنى ذلك أنه إعترف ضمنا بأن نسبة العالمين عليها الحالية من حصيلة الزكاة هي 32% .. ولكنه "أدغم إعترافه" عبر وعده بتعديلها مستقبلاً ربما لتبقى في حدود 29%. حتماً فإن هذه اللقاءات التلفزيونية موجودة على اليوتيوب .. وليس هناك ما يمكن إنكاره في عصر ثورة المعلوماتية الماثل ... اللهم إلا إذا بادرت قناة الشروق بسحب اللقاء من على اليوتيوب. النسبة الشرعية للعاملين عليها ... واقع الأمر فإن الفتوى الشرعية الرسمية في معظم البلدان الإسلامية وعلى رأسها مصر مثلا . التي قضت دار الإفتاء فيها بأن النسبة الشرعية التي تستقطع للعاملين عليها ينبغي أن لا تزيد عن 12.5% ... وأنه من المستحسن أن تقل عن ذلك متى ما أمكن الإدارة. جرى ذلك على عهد مفتي الديار المصرية السابق فضيلة الشيخ الدكتور علي جمعة .... وقد زيلت الفتوى بيانها بأن أي زيادة على هذه النسبة تعتبر غير شرعية حتى لو رأت الحكومة المصرية غير ذلك. الشيء الذي لفت نظري من بين السرد لنائب الأمين العام بديوان الزكاة ؛ والذي صاحبه بين الحين والآخر فقرات دعائية (وردية) مختارة بعناية ومتلفزة لأنشطة مصارف الزكاة .... الذي لاحظته هو تلك "القناعة" الغير سليمة التي تطغى على الكادر البشري في ديوان الزكاة من الأمين العام إلى الجباة. أموال الزكاة .... لقد قال الدكتور بلة الصادق في معرض تأكيده على شفافية المنهج المتبع في تخصيص مصارف الزكاة .. قال أنهم في الديوان يحرصون على أن يطمئن دافع الزكاة على مصير أمواله .... وأنها في أيدي أمينة . وتصرف في مصارفها الثمانية المحددة شرعاً ,,,,,, أموال الله .... إن الخطأ الماثل هنا هو إعتقاد ديوان الزكاة (على لسان نائب الأمين العام) أن أموال الزكاة هذه التي تم جبايتها أو سيتم جبايتها لاحقاً حتى قيام الساعة ..... إعتقادهم أنها "أموال ناس". إن الذي يجب التنبيه إليه هنا هو أن أموال الزكاة إنما هي "أموال الله". أموال الضرائب العامة ..... ومن ثم فإن من الأهمية بمكان التفرقة بين حصيلة "أموال الزكاة الشرعية" من جهة ... وبين حصيلة "الرسوم" و "الضرائب" الوضعية من جهة أخرى. وبالتالي فإن التهاون والتلاعب بأموال الزكاة وسرقتها بطريق مباشر أو غير مباشر ؛ لا يدخل ضمن أشكال سرقة المال العام ...... ولكنها سرقة وتلاعب بأموال الله التي وضعها دافع الزكاة في " يد الله " ؛ قبل أن يضعها في أيدي جباة الزكاة. ولا حول ولا قوة إلا بالله .. وحسبنا الله ونعم الوكيل. لقد كانت أم المؤمنين السيدة عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما ؛ تتوضأ وتغسل الدرهم والدينار قبل أن تتصدق به . وتقول : "إنه يقع في يد الله قبل أن يقع في يد المتصدق عليه به". هذا هو مناط الفهم ، ومصدر التفسير الصحيح لموقع الزكاة من الحرمة والخطر المجدق بالمهمل فيها والآكل بغير حق ... ناهيك عن المتلاعب فيها والسارق. أرجو أن تعمد إدارة المناهج في معهد تعليم أصول الزكاة إلى تأصيل هذا المعنى في أذهان وأفئدة تلاميذه . بدلاً من التركيز فقط على باب كيفية سد الثغرات في جانب "تحصيل" و "جباية" الزكاة. حصيلة أموال الزكاة إلتزم بها الله عز وجل لبعض خلقه من فوق سبع سماوات .. ووفقاً لمصارف محددة ...... وأنه (هو العلي القدير) قد وكل بها الإنسان .. فهي بذلك أصعب مواد المنهج وفقرات الإمتحان. أموال الزكاة إختص الله عز وجل وحده بالجكم فيها .... وجب أن يدرك الجميع أن الله عز وجل لم يعطِ لنبي من الأنبياء حق الحكم في الزكاة .. وإنما حكم فيها بنفسه .. ولا حول ولا قوة إلا بالله. فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: [ إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم هو فيها. ] .... رواه أبو داود عن عبد الرحمن بن زياد. ومن ثم فلا نتوقف حتى نذكر بأن مصارف الزكاة التي أمر بها الله عز وجل وحددها في محكمم تنزيله عددها ثمانية وذلك عند قوله في سورة براءة (التوبة) : [ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ] الآية (60) النسبة الشرعية المقتطعة التي جرت بها الفتوى في معظم الدول العربية والإسلامية للعاملين عليها (12,5%) هي حاصل تقسيم (100) على (8) . ومن ثم فإن إقدام هيئة الزكاة على إبتلاع 32% من مجموع أموال الزكاة السنوية تختص وتستأثر بها لنفسها وحدها ؛ يعني أنها ترتكب بإبتلاعها هذا ظلماً فادحا في حق الآخرين من مستحقي الزكاة . فتجعل لمنصرفات الزكاة المتبقية (وهي 7 مصارف) تجعل لها 68% فقط .... وبذلك يصبح نصيب كل مصرف هو (9.7%) فقط. بعد أن كان يستحق 12.5%. إستئثار هيئة الزكاة بنسبة أل 32% للعاملين عليها يعني هنا أنها تأخذ لهم 32 جنيه من كل مائة جنيه ..... هو إذن تطفيف وقسمة ضيزى. والأمر لا يتوقف عند إبتلاع إدارة هيئة الزكاة نسبة 32% نقداً من مجموع أموال الزكاة ، وإدخالها في جيوب وبيوت وإمتيازات العاملين بها ؛ سواء أكان ذلك على هيئة مغالاة في الرواتب والإمتيازات والبدلات . ولكن الأمر يمتد إلى المبالغة في إمتلاك السيارات الخاصة الفارهة ... والمبالغة إحتساب المصاريف ، وتخصيص وسائل النقل والإنتقال والوجبات والمشاريب في الطريق على سبيل المثال .. أو المبالغة في المشتروات من الأثاث والمعدات والإيجارات .. وعدم الإلتزام بشفافية طرح المناقصات والعطاءات ، وفتح المظاريف وإرساء العقود .... وقبض الرشاوي والعمولات .. والدخول في الشراكات النائمة مع التجار. كذلك التوظيف بناء على العلاقات الخاصة والواسطة .. وإحتساب مكافآت غير منطقية لشيوخ الفتوى ومستشاري الهيئة من "علماء الدين " الجدد ... في زمان أضطر فيه الناس إلى الفصل والتفرقة في المسمى والمقصد بين "المتدين" و " عالم الدين " والعياذ بالله. ووجوه الفساد هنا كثيرة .. ربما لا يفطن مرتكبوها إلى أن الله عز وجل مطلع عليها .. فهم سكارى بملذات الدنيا ... وحب المال يعمي العيون ويخمر العقل... وفيهم من يرتكب المعاصي والكبائر والموبقات ويتمنى على الله الأماني. المحاباة في تخصيص مصارف الزكاة..... نشير هنا أيضا إلى أن البعض في دواوين الزكاة لا يعدلون في قسمة أموال الزكاة حتى عند وضع المتبقي منها في مصارفها الشرعية ..... فالبعض يذهب لمنح الفقراء من أعضاء الحزب الحاكم قبل غيرهم .. والبعض يذهب لحصر الفقراء في هؤلاء وحدهم دوناً عن غيرهم . يراد بذلك تكريس ما يسمى بالتمكين الذي يفرق بين المسلم وأخيه .. علما بأن مصارف الزكاة لا تفرق بين المسلم وغير المسلم ناهيك أن تفرق بين المسلم والمسلم ..... لا بل ولا تفرق بين مخلوق وآخر حتى لو كان هذا المخلوق من الجان. يتركون الواضح ويتباهون بالمخفي..... من بين أبرز تقصير ديوان الزكاة في جانب مصارف الزكاة أن حالة نجم كرة القدم في نادي الموردة وكابتن منتخب السودان السابق (المحينة) عاش حياة الفقر والبؤس والتشرد . فلم تمتد إليه يد ديوان الزكاة رغم أنه معروف وشهير وحالته بائنة على الملأ ..... فكيف يدعي ديوان الزكاة أنه يغطي شرائح الفقراء ويأتينا بنماذج لا نراها ولا نعرف حالها من الفقر في الوقت الذي يترك فيه شخصاً معروفا ؟ من نصدق هنا ؟ هل نصدق (ببراءة) تلك المناظر التي لا نعرف حقيقتها ؛ والكيفية التي جرى بها التصوير والإخراج والمونتاج والعرض الدعائي ؟ .... لا بل ومن دون أن نعلم أسماء وشخصيات الأبطال من الممثلين فيها والكومبارس .. وشهود الزور في هذه الأفلام الهندية؟ أم هل نصدق مثالاً واضحاً (المحينة) لحالة شخص معروف لدى الجميع. ظل الناس ردحاً من الزمان بلفتون الأنظار لحالته ويتسولون ديوان الزكاة لأجله بلا مجيب؟ يضحكني أن أسمع أمين ديوان الزكاة تارة .. ووالي الخرطوم تارة أخرى يرددان مقولة الفاروق عمر بن الخطاب " لو أن بغلة عثرت بشط العراق لسألني الله عنها لم لم تعبد لها الطريق يا عمر؟" .... نقول لهؤلاء .. ولماذا تذهبون بعيداً آلاف الأميال لضرب الأمثال ببغال شط العراق ؟ ... ها هو المحينة وأمثاله على بعد خطوات منكم . وهم بني آدم وأصحاب أرواح وليسوا بغال ... لماذا تركتمونهم يبلغون هذه المبلغ من الفقر المدقع والمرض والإذلال ؟ ....... ماذا أعطيتموهم من حقوقهم في المال العام .. أو حقوقهم في مال الله ؟ مصعب المشرّف 12 أغسطس 2015م [email protected]