مازالت بعض مجتمعاتنا تحافظ على إرثها وتقاليدها السمحة وعرفها السوداني الأصيل خاصة المجتمعات الريفية فهي لا ترضى ان تتغير ملامح حياتها ولا ان تتبدل على الإطلاق، وترفض أن تتخبأ هذه الملامح تحت غبار العولمة التي طغت على كل شئ خاصة عادات الزواج من (زفة أجنبية وعربية) والتي يجب تبدل بالسودانية ونفتخر بها بين الشعوب ونحافظ عليها، وأيضا هناك مجتمعات تتمسك في مبانيها القديمة ومقتنياتها لتصبح حضارة وإرثاً تعرفه الأجيال وتحافظ عليه مثل أجدادهم ..(الرأي العام) وقفت على نموذج من الوفاء والإخلاص للحضارة والعادات التي ظل يحتفظ بها سكان مدينة(قري) شمال بحري منبع الحضارات والتي تحتضن ضريح (الشيخ عجيب المانجلك) القائد الذي انتصر على ملوك(العنج) وقضى علي اخر دولة مسيحية في السودان وأيضا نجد مسجد الحجر العتيق الذي بناه أهالي قري من الحجر الخالص منذ أكثر من مائة عام وعلى الرغم من انهم بنوا مسجدا جديدا إلا أنهم تركوا مسجد الحجر موجودا كتراث يدل على التكافل والتعاون بين الأهالي وليظل حضارة سامقة يتحدث بها أبناؤهم..أما فيما يتعلق بأعراف الزواج فهم متمسكون بها فمثلا حفلة(العصرية) فهي مختلفة عن حفلة المساء يختصر فيها الغناء على أغنيات محددة مثال(يا شباب العصر همو العرس لازم نتمو) و(يازينة الشباب يا السمحة انا جاييك عريس لي كتب الكتاب يا السمحة مهرك ما رخيص) على أنغام الطمبور والربابة ولابد أن تمارس فيها ما يسمى ب (التبة) وهي (أن ينط الشباب عاليا لمسافة تساوي أكثر من مترويحدثون بأيديهم وأرجلهم صفقة قوية) تصاحبها الزغاريد من كل ناحية تملأ الأفق وأيضا (الصقرية). أما النساء فهن يمارسن رقصة(الوز)ودخان البخور يتصاعد في السماء وتنتهي (العصرية) قبيل أذان المغرب وتختتم بإختيار نجم حفلة العصرية وغالبا يكون الذي أبلي بلاء حسنا في (العرض والبطان)، ثم يذهب الجميع مع العروسين لزيارة البحر والجرتق على ضفاف النيل. (حفلة العصرية) طقس شهير والذي يتجاوزه لا يعد من المتزوجين لأنه الغى العصرية من زواجه، ولكن كبار المنطقة لا يتركون مجالا لتجاوزه، وبعد ذلك يستعد الأهل والأصدقاء والمشاركون لتناول وجبة العشاء وزفة العروسين وحفل المساء التي يحييها كبار المطربين في المنطقة وأبرزهم(ود حنين و ود الجويري).. مدينة (قري) من المدن التي يجب أن يأخذ أهلها وساما لمحافظتهم على تراثهم وعاداتهم وتقاليدهم المحببة وعلى حرصهم أن تكون عنوانا لهم على عكس أهالي المدن الأخرى الذين يتركون تراثهم يضيع بفعل العولمة وغيرها. الرأي العام