وصفت الإعلامية والناشطة السياسية جميلة إسماعيل، الوضع الحالي في مصر بأنه أشبه ما يكون ب«شوبينغ سياسي» يعرض الجميع فيه بضاعته، موضحة أن جميع الأحزاب لديها تحديات كبيرة خلال المرحلة المقبلة، تتمثل في إيجاد آليات لترويج أفكارها وإقناع المواطنين بها.. واعتبرت إسماعيل أن فترة ما قبل الثورة لم يكن فيها أي عمل سياسي، وإنما كانت عبارة عن «جسارة فردية» لمجموعة من الأشخاص أو الكيانات السياسية في مواجهة النظام السابق. وتوقعت إسماعيل في حوارها مع «الشرق الأوسط» أن تشهد السنوات المقبلة «تراجعا شديدا» في تأثير التيارات الدينية على الحياة السياسية، وقالت إن التيارات الدينية - مثل الإخوان المسلمين - كانت تستمد قوتها الرئيسية مما سمته «سحر الاضطهاد»، الذي مارسه ضدهم النظام السابق، في كسب التعاطف الشعبي، أما الآن فترى إسماعيل أن هذا السحر قد زال، بعد رحيل النظام السابق وخروج تلك الجماعات إلى النور، وأن تأثيرهم سيتضاءل رويدا رويدا.. وتحدثت إسماعيل في العديد من القضايا المهمة؛ منها خوضها الانتخابات البرلمانية المقبلة، وسعيها إلى تأسيس حزب جديد وصفته بأنه «حزب يساري بصبغة ليبرالية»، إلى جانب رؤيتها لتركيبة البرلمان المقبل، والمخاوف التي تسيطر على المجتمع المصري مما يوصف ب«تصاعد المد الديني»، خاصة في ما يتعلق بالظهور العلني الواضح للجماعات السلفية وتأثيرها في العملية السياسية. وإلى نص الحوار.. * بداية ما توصيفك للمشهد السياسي الحالي في مصر؟ - ما يحدث الآن عبارة عن «شوبينغ سياسي» يتبارز فيه الجميع لعرض بضاعتهم وأفكارهم.، وهو ما يضع الأحزاب في مأزق كبير، لأنها في حاجة إلى رؤى وآليات جديدة للتواصل مع الجماهير، فلم يعد لدينا ما كنا نسميه «أحزاب المعارضة»، إنما كل ما هو موجود الآن على الساحة هي «أحزاب سياسية». * هل تقصدين أن جميع الأحزاب ستبدأ من الصفر في تواصلها مع الجماهير؟ - لا أقصد أنها ستبدأ من الصفر، لكن معظم الأحزاب والقوى السياسية كانت تعتمد في خطابها على فكرة كونها أحزاب معارضة تعارض النظام السابق، ويتمحور خطابها حول كون النظام السابق أفسد حياة الناس ودمر البلاد. والآن لم يعد لهذا الخطاب وجود، لأن جميع الأحزاب أصبحت موجودة، بمعنى أن بعض الأحزاب كانت تركز في خطابها قبل الثورة على كونها «نادرة» باعتبارها تعارض نظاما دكتاتوريا بوليسيا. الآن أصبحت هذه الأحزاب «سائدة» مثلها مثل كل الأحزاب، فهي لم تعد نادرة ولا مضطهدة، لذلك عليها أن تبذل جهدا أكبر في عرض أفكارها على الجماهير. * ما قصة الحزب الجديد الذي تسعين لتأسيسه؟ وهل ما زلت عضوا بحزب الغد؟ - كنت قد بدأت في السعي لتأسيس حزب «يساري بصبغة ليبرالية» يركز في ما يتعلق بالعضوية على المصريين بالخارج، خاصة الذين يعيشون في دول عربية وأوروبية ويعانون من مشكلات كثيرة. وهؤلاء سيكون لهم دور كبير في حل مشكلات المصريين في بلاد المهجر. لكنني أرجأت فكرة الحزب إلى ما بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية المقبلة، بسبب رغبتي في التركيز في الوقت الراهن على السعي إلى تشكيل جبهة موحدة من القوى اليسارية والمدنية والليبرالية كافة لمواجهة التيارات الإسلامية من سلفيين و«إخوان» وجماعات إسلامية وبقايا النظام السابق أعضاء الحزب الوطني المنحل في الانتخابات البرلمانية المقبلة، بهدف الحيلولة دون سيطرة هذه القوى على البرلمان، لأن خلق جبهة موحدة هو الحل الوحيد لضمان مدنية الدولة عن طريق وجود تمثيل كبير للقوى الثورية داخل البرلمان. وبالنسبة ل«الغد»، ما زلت عضوا بالحزب، لكن «عمري في حزب الغد محدود بفترة زمنية محددة للمساهمة في إعادة بناء الحزب، وهي فترة لن تكون طويلة»، وسأبدأ بعدها تأسيس الحزب الجديد. * هل لديك مخاوف من سيطرة «الإخوان» على البرلمان المقبل، وما توقعاتك لتركيبة هذا البرلمان؟ - تركيبة البرلمان المقبل لن تختلف كثيرا عن تركيبة برلمان عام 2005، حيث سيشهد تمثلا ل«الإخوان» وبقايا النظام السابق. وأقصى ما يمكن أن تحصل عليه قوى الثورة المدنية هو نحو 40% من المقاعد. فالمصريون ما زالت لديهم ثقافة طاعة النظام الحاكم وثقافة «الرئيس الأب»، إضافة إلى وجود عصبيات وقبليات يكون لها تأثير كبير في الانتخابات، خاصة في مناطق الصعيد؛ فالناس هناك تحتاج إلى جهد كبير لرفع وعيها السياسي. ويجب عدم نسيان أن أحد أهم الفروق بين الثورتين المصرية والتونسية أن الأخيرة انطلقت من قرية، أما الثورة المصرية فقد انطلقت شرارتها من العاصمة القاهرة. وبالنسبة ل«لإخوان»، سيحصلون على تمثيل كبير في البرلمان المقبل، لكن هذا أمر سيتغير مع الوقت، وستشهد السنوات المقبلة تراجعا كبيرا في تأثير التيارات الدينية خاصة الإخوان المسلمين على الحياة السياسية؛ فأهم مصدر قوة ل«لإخوان» هو «سحر الاضطهاد» الذي كان يمارسه النظام السابق عليهم، وكانوا يستخدمونه لخلق حالة تعاطف معهم، والآن زال السحر، وكلما شاركوا أكثر في الحياة السياسية، زال سحر الاضطهاد إلى أن يتلاشى تماما. * وماذا عن الجماعات السلفية؟ - السلفيون ما زالوا في مرحلة تجريب للحرية بعدما كانوا يعانون من القمع والمنع، وفي هذه المرحلة يتخبطون ولا يعرفون حدود حريتهم، ومنذ أن ظهروا علانية وهم يخسرون، وأعتقد أنهم سيدركون ذلك في وقت ما وسيراجعون حساباتهم ومواقفهم، وأي قوة، سواء أكانت السلفيين أم غيرهم، ستحاول أن ترجع المصريون للوراء أو تفرض وصاية عليهم، ستفاجئ بمواجهة في منتهى القسوة من المجتمع وستنال نصيبها من التهكم والسخرية. * وهل تتوقعين مواجهات بين التيارات الدينية والقوى الثورية المؤمنة بالدولة المدنية؟ - نحن ما زلنا في مرحلة الثورة، وهي مرحلة مستمرة، لذلك ما زالت الماكينة السياسية لا تعمل حتى الآن، وعندما تبدأ هذه الماكينة السياسية في العمل مع بداية الانتخابات البرلمانية المقبلة، سوف تبدأ المواجهات بين القوى الدينية الإسلامية التي تستغل الدين لفرض وصايتها، وبين القوى الثورية التي تؤمن بمدنية الدولة، وستكون هذه المواجهات عبارة عن تبارز بالأفكار، لذلك وصلت إلى قناعة بأنه ما لم تجتمع القوى المؤمنة بمدنية الدولة تحت مظلة واحدة، فلن يكون لديها قدرة على مواجهة التيارات الدينية، وقد راجعت تجارب لدول عديدة مرت بمرحلة تحول مشابهة نسبيا مثل هولندا وإندونيسيا، فوجدت أنه على القوى الثورية المؤمنة بمدنية الدولة أن تسعى للحصول على تمثيل جيد في البرلمان يمكنها من استكمال المعركة، وعليها أن تخوض الانتخابات بقائمة موحدة حتى يمكن للناخب أن يرى بوضوح الفرق بين المرشحين الثوريين وأي مرشحين آخرين، فالتنافس في الانتخابات البرلمانية المقبلة سيكون كبيرا. * أعلنت أنك ستخوضين الانتخابات البرلمانية المقبلة، وأنك في حال نجاحك ستترشحين لرئاسة المجلس أو وكالته، ما فرصك في تحقيق ذلك، وهل هناك مرشح ما تخشين منافسته؟ - أعتقد أن فرصي في الفوز كبيرة؛ لكن بالطبع لن تكون المعركة سهلة، وأحتاج إلى بذل مجهود أكبر بكثير من المجهود الذي بذلته في انتخابات برلمان 2010، ولا أعرف من الذي سيترشح في دائرتي نفسها قصر النيل، لكن إذا ترشح أي من بقايا النظام السابق، ستكون الإطاحة به سهلة، أما إذا واجهت مثلا أحد مرشحي «الإخوان»، فالمعركة لن تكون سهلة. * توقع كثيرون أن تخوضي انتخابات الرئاسة، لماذا لم تقرري ذلك؟ - طلب مني كثير من النشطاء والأصدقاء الترشح للانتخابات الرئاسية، لكني قررت عدم الترشح لأني أرى أنني لست الأصلح لهذه المرحلة، وخبراتي ومؤهلاتي السياسية لا تؤهلني لشغل هذا المنصب، ورغم أن الرئيس المقبل، أيا كان، سيكون رئيسا في مرحلة يتركز دوره فيها على تنفيذ مطالب الثورة وقيادة الدولة لإرساء منظومة إصلاحات سياسية متكاملة، فإنني أفضل أن أكتسب خبرات أكبر في الحياة السياسية أولا، وقد أترشح للرئاسة مستقبلا. * ما رأيك في ماراثون الترشح للانتخابات الرئاسية؟ - معظم الذين أعلنوا نيتهم خوض الانتخابات الرئاسية يمارسون ما يسمى «قفز الحواجز السياسية»، فهم لا يملكون خبرة سياسية كافية لخوض الانتخابات الرئاسية التي يجب أن تسبقها تجارب سياسية عميقة؛ مثل خوض انتخابات المجالس المحلية والبرلمانية أو النقابية، ليكون لديهم تراكم للخبرات السياسية. * في ظل حالة الاستقطاب السياسي الحالية، هل تلقيت عروضا للانضمام إلى أي من الأحزاب القائمة؟ - تلقيت تقريبا عروضا من الأحزاب القائمة كافة والأحزاب تحت التأسيس باستثناء حزبي الوفد والتجمع، وطبعا جماعة الإخوان المسلمين. * رشحتك بعض الدوائر السياسية لرئاسة التلفزيون المصري، ما حقيقة ذلك؟ - بالفعل عرض على منصب رئيس التلفزيون المصري، لكني اعتذرت؛ فإصلاح التلفزيون لا يكمن في تغيير رئيسه أو قياداته، فالموضوع يحتاج إلى جهود كبيرة. * وسط زحام الحياة السياسية، هل لديك مشروعات كإعلامية في المرحلة المقبلة؟ - بعد الثورة تلقيت عروضا من قنوات عديدة، لكنى رفضت معظمها لأن الوقت لم يكن مناسبا، كما أن بعض هذه القنوات الفضائية الخاصة كان يبدو أنها تريد استخدامي لغسل وجهها حتى لا يتم التركيز على طريقة تناولها للأحداث وقت الثورة، وقد وافقت مؤخرا على تقديم برنامج حواري في إحدى القنوات الفضائية الجديدة، لن أكون فيه مقدمة برامج فقط، لكنى سأقدمه باعتباري سياسية لديها رؤية ما للأحداث.