مقدمة : أستغربت سكرتارية مكتبه الخاص ، عندما طلب منهم السيد الامام تحديد موعد له لزيارة قوش ، بعد نكبته ، التي تحاكي نكبة البرامكة ! انتقد السيد الامام إقالة قوش معتبراً أنها خطأ كبير ، باعتبار أن قوش تبنّى رأياً صحيحاً ، تمثل في الدعوة إلى استراتيجية بديلة لإخراج الوطن من المخاطر؟ قوش الذي يتصدر القائمة الخمسينية السوداء لاوكامبو ، المتهم بالابادات الجماعية , وجرائم الحرب , وجرائم ضد الانسانية ضد شعوب زرقة دارفور ، من فور وزغاوة ومساليت ! قوش الذي عذب الاف الشرفاء السودانيين في بيوت الاشباح ، وأقبية جهاز الاستخبارات والامن الوطني ! قوش الذي أغتصبت عناصره الجنجودية النساء والفتيات في دارفور والخرطوم ، وباقي مدن السودان ! قوش الذي أهدر ومرق كرامة الشعب السوداني في التراب ، طيلة عقدين ونيف من استبداد نظام الانقاذ ! قوش الذي كسرت عناصره الجنجودية الذئبية ايادي كنداكة السودان ، وأيقونته ، وأمله المرتجي ؟ لم يدر بخلد احد في المكتب الخاص ، ان السيد الامام سوف يلتقط في اياديه الكريمتين ورقة كلينيكس قوش المستعملة ! قذف اصدقاء وزملاء وحبايب قوش في المؤتمر الوطني ، ورقة كلينيكس قوش المستعملة ، بعيدأ عنهم ! وبصقوا عليها ! وتبول ، وتغوط بعضهم عليها ، قبل ان يدوسوا عليها بالمداسات ! وياتي السيد الامام ، الوحيد بين كل الزعماء السياسين ، حكومة ومعارضة ، ليتلقطها من علي الارض ، بكل عفوناتها ، ووساخاتها ، ودم الشهداء الذي يبللها ! السيد الامام ... حاش لله ! ماهذا بشرأ ! أن هذا الا ملك كريم ! لا يعرف السيد الامام الشماتة ! فقد نزع سبحانه وتعالي ما في صدره من غل ! السيد الامام يجسد الاية 47 من سورة الحجر ، وكانها تمشي علي الارض بين الناس : ونزعنا ما في صدورهم من غل ! اخوانأ علي سرر متقابلين ! ( 47 – الحجر ) السيد الامام ... يحاكي رهبان من كلم الناس في المهد صبيأ ! ويعمل بتعاليم السيد المسيح ، وكأنه راهب متبتل في محرابه : أحبّوا مبغضيكم ، باركوا لاعنيكم! كما قال بذلك السيد المسيح ، فالسيد الامام يحب قوش الذئبي ، ويبارك له ، ويتذكره ، ويزوره في نكبته ! بعدما وقع في الوحل ، وتكاثرت الخناجر والسكاكين علي صدره ! وهو في طريقه لزيارة قوش ، لم يملك السيد الامام الا ان يتذكر بعض الوقائع ، في بعض البلاد العربية ، المشابهة لحالة قوش ! هناك قوش في كل بلد عربي ! بعضهم يسقط ، كما الجنرال اوفكير في المغرب ! وبعضهم ينتصر ، كما زين العابدين بن علي في تونس ! أنتهي السيد الامام ( القراي ) من قراءة كتاب ( بورقيبة كما عرفته ) ، الذي كتبه الطبيب الخاص ( الدكتور عمر الشاذلي ) للرئيس التونسى الراحل الحبيب بورقيبة ! فجر الدكتور عمر الشاذلى ، فضيحة من العيار الثقيل فى كتابه ، حيث كشف أن زين العابدين بن على ، رئيس جهاز المخابرات والامن الوطني ووزير الداخلية ( قوش تونس ) ، تآمر على الرئيس بورقيبة ، الذي لم يكن عاجزاً ، كما أدعي وقتها بن علي ، عن أداء مهامه عشية الإطاحة به فى السابع نوفمبر 1987 ، بداعى المرض والشيخوخة ! ذكر الدكتور الشاذلي أنه منع يوم الانقلاب من معاينة بورقيبة ، ودخول قصر الرئاسة ! ولم يتمكن من رؤية بورقيبة إلا فى 12 نوفمبر فى مدينة "مرناق" ، جنوبى العاصمة تونس ، حيث قال له لما رآه : سيدى الرئيس ... إنها الخيانة؟ فرد بورقيبة : لا.. إنه الغدر! من ناحية أخرى، يشرح الكتاب كيف عمل بن على بين يوليو 1986 ونوفمبر 1987 على تعكير الأجواء فى تونس كمقدمة للانقلاب! حيث بدأ التشدد الأمنى فى البلاد ، وإصدار الأحكام الجائرة ، والإيقافات التعسفية للمعارضين ! والتضييق على الحريات العامة وحملات التفتيش والمضايقة ، إلى جانب تعفين الأجواء فى المدارس والمعاهد والجامعات، وتهويل التطرف الإسلامى! هذا قوش السودان الذ وقع ! وذاك قوش تونس الذي أنتصر ، ولو الي حين ... فالمكر السئ لا يحيق الا باهله ؟ وهو يعبر كبري النيل الابيض في طريقه لمنزل قوش في الخرطوم ، عقد السيد الامام مقاربه في ذهنه بين صدام حسين وقوش ! تذكر السيد الامام كيف قال ( القصر الرئاسي في بغداد – 1982 ) كلمة حق في حضرة سلطان جائر ... صدام حسين الذي شن الحرب علي بلد مسلم ( أيران ) ، دون مسوغ مقبول ! وقتها ، كان الجميع يخافون من صدام ، ويعملون له الف حساب ... حتي الامريكان ! الا السيد الامام فالوزن دومأ عنده الحق ! كانت تلك ايام نضرات ؟ وتذكر السيد الامام كيف وصل صدام الي السلطة ! في يناير 1969 تولى صدام رسمياً منصب السكرتير العام لمجلس قيادة الثورة ، والمسئول عن جهاز الاستخبارات والامن الوطني في حزب البعث ( دولة العراق ) ... صار صدام وقتها قوش العراق ! كان صدام يردد مقولة ستالين ، التي صارت شعاره الذي يعمل علي هديه : إذا كان هناك إنسان فهناك مشكلة؟ وإذا لم يكن هناك إنسان ، فليس هناك أي مشكلة ؟ من موقعه القوي كرئيس لجهاز الاستخبارات والامن الوطني ، تمكن صدام من ازاحة عرابه وولي نعمته رئيس الجمهورية ، احمد حسن البكر ، من السلطة ! حيث اضطر البكر إلى الاستقالة ( يوليو عام 1979) ! وكان السبب الرسمي المعلن للإستقاله العجز عن أداء المهام الرئاسية لأسباب صحية ؟ وسلمت كل مناصبه لصدام حسين ، الذي أعلن نفسه رئيساً للجمهورية ، ورئيساً لمجلس قيادة الثورة ، وقائداً عاماً للقوات المسلحة! و قابل صدام استقالة البكر الكرتونية بتحديد إقامته في منزله إلى أن توفى ، معتقلأ ، في أكتوبر عام 1982 ! جزاء سنمار ! هذا صدام ( قوش العراق ) ... وذاك الرئيس احمد حسن البكر ( بشير العراق ) ؟ وفهم السيد الامام ، شيئأ ، لماذا اطاح الرئيس البشير بقوش ؟ تذكر السيد الامام حكاية الجنرال اوفكير ( قوش المغرب ) التي تشبه التراجيديا الاغريقية ! كان الجنرال اوفكير رئيس جهاز الاستخبارات والامن الوطني ، ووزير الداخلية ، والرجل الثاني في المغرب ! وفي 16 اغسطس 1972 ، قاد محاولة انقلاب فاشلة ضد الملك الحسن الثاني ! في ذلك اليوم كان الملك الحسن عائدا ، علي متن طائرته الملكية , من فرنسا الي الرباط ! بعد دخول الطائرة الملكية الاجواء المغربية , هاجمتها 6 طائرات حربية من طراز اف 5 ، من سلاح الجو المغربي ! بمعجزة تحاكي مائدة المسيح ، وعصا موسي , استطاعت الطائرة الملكية المقصوفة من الهبوط علي مدرج مطار الرباط ، ونجا الملك الحسن من موت محقق ! سوف اترك للقارئ الكريم تصور ما حدث ، بعدها ، للجنرال اوفكير ، وعائلته ، وأقاربه ، واصدقائه ، وكل من يعرفه ، بل كل من راه راي العين ! نهاية الجنرال اوفكير ( قوش المغرب ) تحاكي نكبة البرامكة في عراق الرشيد ! بدأ السيد الامام يفهم ، شيئأ ، لماذا اقال الرئيس البشير قوشه ؟ تذكر السيد الامام حكاية هواري بومدين ( قوش الجزائر ) مع الرئيس احمد بن بلا في الجزائر ( 19 يونيو 1965 ) ! وحكاية الجنرال محمد ولد عبدالعزيز ( قوش موريتانيا ) مع الرئيس الموريتاني سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ، والاطاحة به من السلطة في 6 اغسطس 2008 ! وهو غارق في افكاره ، نبه السائق السيد الامام الي وصولهم امام منزل قوش في الخرطوم اتنين ! أخلاق الانبياء ورهبان المسيح ، لم تترك للسيد الامام مجالا , الا وهو يحتضن قوش الذئب ، بعفوية وحميمية أدمعت عيون قوش ، التي رأت من الاهوال ما يشيب له الولدان ! احتسي السيد الامام كوب الكركدي الصاقط علي اخره ... بعد عطشة الاختناقات المرورية في الخرطوم ! وتذكر كيف ان مادلين اولبرايت , وزيرة خارجية كلينتون ، ذكرت في مذكراتها ، انها زارت الرئيس البشير في مكتبه في القصر الجمهوري ! وقدم لها الرئيس البشير كوبا من الكركدي البارد ! ولكنها لم تلمسه ! خافت ان يكون الرئيس البشير قد سمم المشروب لقتلها ! هذه ثقافة السيد الامام السودانية ... وتلك ثقافة مادلين الامريكية ؟ يا أمام ... جننتنا معاك ! أنت جنس والا أنس ؟ كان قوش محطمأ نفسيأ ... لانه لم يتصور السيد الامام بهذه القامة , وتلك القيمة ! خصوصأ عندما قارن في لا وعيه بين تصرف السيد الامام الاسلامي تجاهه ، وتصرفات زملاء الكفاح من المتوضيين العابدين ( للسلطة والجاه والثروة ؟ ) ، المدعين ، الغدارين ، من المؤتمراونطجية الذين لا يرعون حرمة الملح والملاح ! قصد السيد الامام من زيارته لقوش ، رمي ستة عصافير بحجر واحد : اولا : ان يرسل اشارة لقادة المؤتمر الوطني بان الوقت قد ازف لتنفيس حالة الاحتقان الحالية ، وتجنيب البلاد كوارث محققة ، بقبولهم الفوري والصادق للاجندة الوطنية للتغيير السلمي , المفضي الي نظام ديمقراطي , مدني , مبني علي المواطنة اساسأ للحقوق والواجبات ، والوصول ببلاد السودان الي بر الامان ! ثانيأ : أستراتيجية قوش لتنفيس الوضع المحتقن استراتيجية صحيحة ، ومقبولة لقوي الاجماع الوطني وللشعب السوداني ، ويجب العمل بها وتفعيلها ، حتي مع غياب قوش ! بعكس استراتيجية المؤتمر الوطني التي تبيع قبض الريح ، ولا تغش الا مروجيها ! ثالثأ : أظهر السيد الامام كمأ هائلا من الحلم وضبط النفس والصبر علي مكاره هجمات قوي الاجماع الوطني ، وحتي من عناصر حزب الامة الملتزمة ، واتهامه ( غير المبرر ) بانه مخذل ومثبط للثورة الشعبية ، لانه يحاور ويفاوض المؤتمر الوطني ، في عبثية صفرية ، وضحك انقاذي علي الدقون ! الان دقت الاجراس ! وحصحص الحق ! والوزن يومئذ الحق ! وقد اعذر من انذر ! رابعأ : بزيارته لقوش ، اراد السيد الامام ان يرد اشارة الرئيس البشير الي نحره ! أطاح الرئيس البشير بقوش لكي يرسل اشارة للسيد الامام وقوي الاجماع الوطني بان استراتيجية قوش التوافقية غير مقبولة للابالسة ! وان استراتيجية الرئيس البشير سوف يكون عنوانها ومحتواها التشدد ! وارغام السيد الامام وقوي الاجماع الوطني علي قبول سياسات المؤتمر الوطني ، كما هي ، دون تعديل ! ومشاركة قوي الاجماع الوطني ، في حكومة عريضة لتنفيذ ، وفقط ، لتنفيذ هذه السياسات الانقاذية ! وبدون السماح لاي كان بان يقول بغم حلوم ؟ خامسأ : بزيارته لقوش الملطخة اياديه وارجله وكل بوصة في جسده بدماء شعوب دارفور نتيجة اباداته الجماعية ، اراد السيد الامام أن يؤكد للرئيس البشير انهم لا يحملون الحقد والغل وحب التشفي والانتقام ! وانهم لن يسلموا الرئيس البشير لمحكمة الجنايات الدولية ، اذا حدث تغيير سلمي ، فقد الرئيس البشير ، بموجبه ، موقعه الرئاسي ! أذ يعرف السيد الامام ان امر قبض الرئيس البشير هو المبتدأ والخبر في حسابات الرئيس البشير ، وبالتالي في حسابات زمرة الانقاذ النافذة ، التي تدور حول فلك الرئيس البشير ! سادسأ : وأخيرا واخرأ ، اراد السيد الامام ان يواسي قوش ، بني ادم ، في مصابه الجلل ، بعد سقوطه المدوي , وتكالب ذئاب الانقاذ عليه ! بتلك الزيارة ، ينفذ السيد الامام تعليمات صاحب الاسماء التسعة وتسعين ، بان تبروا وتقسطوا اليهم ! استمع قوش بأنصات شديد ، لحديث السيد الامام وتحليله ، المسنود بالبينات ، للوضع المتازم ، وحالة الاحتقان التي تمر بها بلاد السودان ! بدأ قوش في أستعراض الملابسات التي ادت الي اقالته الثانية ! واستطرد في شرح استراتيجيته المؤودة ! وختم مرافعته قائلا : هذه التي ذكرت وفصلت لك ، يا امام ، هي حزمة المبادئ والقيم والمثل والمعاني العليا التي اعمل علي هديها ، لبلوغ هدفي ! ولكن اذا لم توافق علي هذه الحزمة ، فعندي حزمة ثانية ، بل ثالثة ! ولم يفهم السيد الامام الكلام !