شهدت العاصمة الهندية بالأمس تظاهرة إفريقية كبرى حيث توافد عليها قرابة الخمسين من رؤساء ووزراء الدول الإفريقية للمشاركة في المؤتمر الإفريقي الهندي في دورته الثالثة، وهي الدورة الأكبر والأهم منذ أن بدأت الهند سلسلة هذه المؤتمرات لتوثق علاقاتها السياسية والاقتصادية مع القارة الإفريقية. في مرحلة ما بعد الاستقلال في إفريقيا في خمسينات وستينات القرن الماضي كان الوجود الهندي في القارة كبيراً ومحسوساً، فالهند كانت تلعب دوراً كبيراً في تحرير القارة ومساندة حركات التحرير الإفريقية، ثم إقامة علاقات تجارية استيراداً وتصديراً، ولكن الدور الهندي تراجع في مرحلة لاحقة لصالح العديد من الدول الآسيوية ثم سيطرت الصين على الساحة وتنبهت الهند مؤخرا لضرورة إعادة إحياء دورها الإفريقي الغائب، واجتماع الأمس جاء على خلفية تصميم هندي على ابتدار دور للهند في القارة يتسق مع تاريخها السابق. وقد عكست أجهزة الإعلام الهندية هذا التوجه وطالب به العديد من المعلقين كما صرح مسئولون أفارقة عند وصولهم للعاصمة الهندية عن تطلعهم لدور هندي نشط في مجال التنمية في إفريقيا باعتبارها قارة واعدة ذات مصادر عديدة تمثل مجالاً ممتازاً لتحرك هندي إفريقي تتعاون فيه الاستثمارات الهندية والتكنولوجيا الهندية الحديثة مع الموارد الطبيعية التي تزخر بها القارة الإفريقية مما يوفر فرصاً متميزة لعلاقات متطورة وأكثر عمقاً. الرؤية الهندية لضرورة بناء شراكات استثمارية مع دول القارة انبَنَت على أساس دراسات أثبتت أن إفريقيا هي الآن القارة الأعلى نمواً والأكثر فرصاً استثمارية في العالم وأنها تتفوق الآن على دول شرق آسيا وأنها بدأت تتعافى من الأزمات التي أحاطت بها ولا زالت تحيط ببعضها حتى الآن، وأن مسار التحول الديمقراطي في العديد من دولها بات مشجعا وأن الفرص الاستثمارية فيها واعدة. منبر القمة الإفريقية الهندية الرابع الذي يلتئم لأربعة أيام في العاصمة الهندية وجهت الدعوة له إلى أربع وخمسين دولة إفريقية، بينما كان حضور المؤتمر الثالث لا يتجاوز الأحد عشرة دولة مما يعكس أن الهند تحضر إلى دخول القارة الإفريقية بقوة خاصة وأن الدعوة وُجهت أيضا إلى أربعمائة من كبار رجال الأعمال من شتى أنحاء القارة، ولذلك توقعت الصحف الهندية أن يتمخض المؤتمر عن شراكات استراتيجية بين المؤسسات الاستثمارية والصناعية والزراعية الهندية مع العديد من المؤسسات النظيرة لها في إفريقيا، وبينما يركز التعاون بين الحكومات على القضايا السياسية وبصفة خاصة ضرورة تمثيل إفريقيا تمثيلاً عادلاً في مجلس الأمن ومؤسسات الأممالمتحدة المختلفة، وستثار هذه القضايا خلال الدورة الحالية للجمعية العمومية. وقالت صحيفة (فاينانشيال إكسبريس) الهندية: إن الدول الإفريقية توفر فرصاً استثمارية ضخمة للهند في مجالات التكنولوجيا الحديثة والزراعة والتعدين والصناعات الغذائية وإنشاء البنى التحتية من طرق وجسور ومطارات ومرافق خدمية صحية وتعليمية، ولكن بناء القدرات البشرية ينبغي أن يحتل مكاناً متقدما في الأجندة الهندية في إفريقيا حسب رؤية الصحيفة، وقد أشارت إلى أن الهند اعتمدت هذه السنة اثنين وعشرين ألف منحة دراسية مجانية للأفارقة من مختلف دول القارة وهي أرقام قابلة لأن تتضاعف لكن الهند تدرك أن إحداث اختراق كبير في القارة الإفريقية سيدخلها في منافسة حادة مع الصين التي هي أكبر دول العالم استثماراً في إفريقيا، وتدرك الهند أن تجارة الصين السنوية مع إفريقيا الآن تبلغ أربعة أو خمسة أضعاف حجم تجارة الهند، ويعمل في إفريقيا أكثر من ألفين وخمسمائة شركة صينية وحوالي المليون عامل صيني موجودون الآن على الأرض في شتى أنحاء القارة الإفريقية، وأن هذا هو التحدي الأول الذي يواجه المشروع الهندي لاقتحام القارة الإفريقية. وربما كان من المبكر إصدار حكم على نجاح هذه الحملة أو تعثرها لكنها ستخلق زخماً في أنحاء القارة الإفريقية خلال الأيام القليلة القادمة، وستظهر الشهور القليلة القادمة ما لو كانت الطاقة الاستيعابية للاقتصاد الإفريقي ستتحمل الصراع الآسيوي بين عملاقي آسيا، الصينوالهند، أم ستجد الهند صعوبة في اقتحام أسوار الصين في إفريقيا! العرب