نافذة علي إفريقيا 2-2 كما سبق أن اشرت إليه في حلقتنا السابقة بأن محور إهتمامنا في هذه الحلقة يتناول الأسباب والدوافع الإهتمام الهندي بأفريقيا، وهل يشكل خطراً حقيقياً علي مستقبل إفريقيا. سبب هذا التساؤل هو الإهتمام الهندي المتزايد لإفريقيا خلال السنوات الخمس الماضية، فقد شهدت عاصمة الهندية نيودلهي قبل اربع سنوات تقريباً انعقاد أول قمة هندية أفريقية بمشاركة 15 رئيس دولة، هذه القمة انعقدت في توقيت هام وحساس، فقد هيئ لها أن تكون بعد أقل من عام واحد على القمة الثانية الأوروبية الأفريقية التي عقدت في ديسمبر 2007م، وكذلك انعقدت القمة قبل شهر واحد من استضافة اليابان لمؤتمر التنمية الأفريقية الرابع لمناقشة القضايا المتعلقة بمساعدة أفريقيا، كما أنها -أي القمة الهندية الأفريقية- جاءت تجسيدا للفكرة التي تم طرحها بعد زيارة تاريخية لرئيس المفوضية الأفريقية السابق ألفا عمر كوناري للهند. وفقا للمحللين فقد تعددت الدوافع الهندية في إفريقيا ما بين دوافع اقتصادية، وسياسية وثقافية، وإن كانت الأولى هي الغالبة. ولقد تمثلت أبرز الدوافع الهندية فيما يلي: فتح أسواق جديدة للمنتجات الهندية، فالهند تبحث عن سوق لأبرز صادراتها من المنتجات البترولية والمنسوجات والمجوهرات والكيماويات والمنتجات الجلدية. ويلاحظ أن أبرز شركائها التجاريين في هذا الصدد هم الولاياتالمتحدة، والإمارات وبريطانيا، أما في مجال الواردات فهي ترغب في الحصول عن مصادر طاقة متجددة خاصة البترولنسبة والبترول الخام والآلات والمخصبات الزراعية، وأبرز الدول التي تستورد منها حاليا هذه المنتجات هي الصين والولاياتالمتحدة وألمانيا وسنغافورة. ومعنى هذا أن أفريقيا لا زالت تقع خارج نطاق التبادل التجاري للهند وهنا تبرز مكانة القارة التي تحتضن كميات هائلة من النفط فضلاً عن حجم سوقها الإستهلاكي المتزايد، ففيها أكثر من ثمانمائة مليون نسمة. ومن المفترض أن يزداد حجم هذا السوق - وفقا لتقديرات الأممالمتحدة- ليصل إلى مليارين ونصف مليار نسمة خلال عام 2050. وكذلك من الدوافع الإهتمام الهندي بإفريقيا رغبتها في الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي ومن ثم فهي بحاجة إلى زيادة ثقلها على الساحة الدولية، وأفريقيا يمكن أن يكون لها دور مهم في تقديم الدعم السياسي لها. ويري المحللون أن الإستراتيجية الهندية في إفريقيا تقوم على عدة محاور منها ما يلي: تقديم المساعدات من أجل الحصول على البترول، وفي هذا المجال بدأت الهند عام 2001م بتقديم عرض بمليار دولار لاستخدامها في مشاريع البنية التحتية لبعض دول غرب أفريقيا مقابل الحصول على حق استكشاف البترول بهذه الدول. كما أعلنت شركة إستيل ميتال عام 2005م وهي أكبر شركة صلب في العالم، وشركة القطاع العام الهندية (ongc) عن استثمارات بقيمة ستة مليارات دولار لإنشاء مصفاة ومحطة للطاقة وشبكة سكك حديدية في نيجيريا مقابل الحصول على حق التنقيب البترول. وفي مجال مشروعات التنمية البشرية خاصة في المجال التعليمي والأكاديمي، وفي هذا الصدد فقد زادت الهند الفرص الممنوحة للطلاب الأفارقة من أجل استكمال دراساتهم العليا في الهند من 1100 إلى 1600 متدرب سنويا، على اعتبار أن هؤلاء سيشكلون جسر التواصل بين الجانبين بعد عودتهم إلى بلدانهم. وفي مجال المشروعات الاقتصادية العملاقة (شبكة الطرق والنقل والمواصلات) تتركز الهند في تعاملها مع إفريقيا على دراسات الجدوى من خلال تبادل الخبراء، وقد امتد هذا التعاون مع العديد من دول القارة خاصة في الغرب (نيجيريا، السنغال،غانا، بوركينافاسو) يليها دول الجنوب (مالاوي، ناميبيا) ثم إثيوبيا في الشرق. ومن الملاحظ إن الإستراتيجية الهندية تجاه إفريقيا قائمة على تحقيق أقصى استفادة بأقل تكلفة، وفي هذا الإطار تم توقيع مبادرة مشتركة بين الاتحاد الأفريقي والهند تكلف نحو 135.6 مليون دولار لتحسين الاتصالات عبر الإنترنت بواسطة ربط 53 دولة أفريقية بعضها ببعض باستخدام الأقمار الصناعية وكابلات ألياف بصرية ثم ربطها بالهند. وتأمل الهند من خلال هذا المشروع التجريبي بيع مزيد من معدات الاتصالات والخدمات لأسواق تكنولوجيا المعلومات الوليدة في القارة الإفريقية. وايضاً التركيز على بعض المناطق الأفريقية سواء على المستوى الثنائي أو الإقليمي، وفي هذا الصدد تم تبني برنامج "التركيز على أفريقيا" في الفترة من 2002-2007، وكانت الدول المستهدفة هي إثيوبيا وكينيا وموريشيوس، ويبدو أن هذا الاختيار لم يكن عشوائيا، فقد اختارت دولا تتمتع بالقرب الجغرافي النوعي بالنسبة لها، فضلا عن أن هذه الدول ساحلية -على المحيط الهندي- باستثناء إثيوبيا باعتبارها دولة حبيسة. كما أن هذه الدول هي من الأعضاء في الكوميسا، ومن ثم يمكن أن تكون نقاط ارتكاز نحو الانطلاق لباقي دول الشرق والجنوب الأفريقي، ويتم ذلك بواسطة عدة آليات، لعل من أبرزها عمليات الائتمان التي تتم بواسطة بنك أكسيم الذي يقوم بتمويل عمليات التصدير إلى أفريقيا بتقديم تسهيلات في عملية الدفع الآجل للمصدرين الهنود. وأيضاً القيام بعملية استصلاح الأراضي الزراعية الشاسعة في أفريقيا، خاصة في دول شرق أفريقيا أيضا، عن طريق توقيع عقود مع حكومات هذه الدول لاستقدام المزارعين الهنود للقيام بعملية الاستصلاح، مع تأجير الأرض لهؤلاء لمدة طويلة تصل إلى 99 سنة، مقابل ضمان عملية الاستصلاح، ومن ثم فإن هؤلاء المزارعين لا يتم التعامل معهم كأجراء، وإنما كأصحاب أرض وقد تم تأجير هكتار الأرض في أوغندا ب3.75 دولارات فقط. كذلك المشاركة في عمليات حفظ السلام الدولية، ومن ذلك المشاركة في كل من سيراليون، والسودان، وعمليات أخرى شاركت فيها هي: الصومال، والكونغو الديمقراطية. وفي الختام: أعتقد أن محاولة التغلغل الهندي في إفريقيا مطلوب وجيد،، لكن حرصنا الدائم أن تكون العلاقة قائمة على التعاون الجاد والشراكة المتوازنة. في الحقيقة أفريقيا تحتاج للتجربة الدول الآسيوية لاسيما الهند في العديد من المجالات خاصة مجالات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وكذلك التعليم، إلى جانب الاستفادة من إمكانية تصدير المنتجات الأفريقية للسوق الهندية التي يتجاوز عدد سكانها مليار دولار. فأهلاً وسهلاً بالتعاون الجنوبي الجنوبي والتعاون الافريقي الهندي.