في سبتمبر من العام 2012 عمم بنك السودان المركزي منشورا على المصارف يفيد بمنع الاستيراد بدون تحويل قيمة إلا في حدود ال10 آلاف يورو. ولأن الاقتصاد كان حينها يعاني من صفعة انفصال الجنوب والتحرك السريع لأسعار الصرف في السوق الموازي، حاول عدد من كتاب الرأي العام إثناء بنك السودان عن القرار لما يعلمونه من التأثيرات السالبة على سوق النقد الأجنبي جراء هذا القرار، ولكن المركزي صم أذنيه عن سماع أي رأي مخالف. والآن وبانقضاء زهاء الثلاث سنوات، أصدر المركزي منشورا الأسبوع الماضي سمح فيه للمصارف باستخراج استمارات الاستيراد (IM)، بدون تحويل قيمة، لاستيراد الآليات والماكينات للقطاع الصناعي واستيراد الآليات والمعدات للقطاع الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي واستيراد مدخلات الإنتاج للقطاعين الزراعي والصناعي بجانب استيراد الأدوية والأجهزة والمستهلكات الطبية والمواد الخام لصناعة الأدوية واستيراد الآليات والمعدات والماكينات للحرفيين والصناعات الصغيرة، وجدد منعه استيراد العربات بدون تحويل قيمة، وشدد المركزي على المصارف عدم إصدار استمارات استيراد بدون قيمة إلا وفقا لسياسات وإجراءات وزارة الاستثمار ومفوضيات الاستثمار بالولايات وفقا لضوابط محددة. وما بين القرارين، ورغم الاستثناءات التي كان المركزي يمنحها من حين لآخر مثل تلك التي أصدرها في مايو 2013 والخاصة باستثناء المواد الخام بدون تحويل قيمة للمشاريع الاستثمارية المستمرة في الإنتاج والتي انتهت من توفيق أوضاعها المقدرة بستة أشهر فالمركزي سمح لها باستخراج استمارة ال(IM) للمواد الخام الخاصة بها والتي تم شحنها قبل الثالث والعشرين من أبريل من العام 2013 إلا أن مياها كثيرة عبرت تحت الجسر ومتغيرات اقتصادية اصطدم بها الواقع بعد ذهاب معظم الإيرادات من النقد الأجنبي إثر انفصال الجنوب فأصبحت الدولة تعاني شحا بالغا في النقد الأجنبي في ظل وجود أسواق موازية للعملات يكثر عليها الطلب وسط عرض محدود من الموارد، فكانت النتيجة الحتمية ارتفاعا مستمرا للأسعار الدولار والذي صار سلعة في حد ذاته بعد ما رأى كثير من التجار ورجال الأعمال أنه مخزن للقيمة مما أدى لازدياد الضغط على أسواق العملات علاوة على المستوردين الذين يسعون لدولرة أموالهم بغرض استيراد الاحتياجات.. ومع منع الاستيراد بدون تحويل قيمة كان الطلب متزايدا على النقد الأجنبي في سوق محصور ومحدود الموارد تلعب فيه الشائعات والأخبار السياسية دورا بارزا في تحديد مؤشرات ارتفاع الأسعار وانخفاضها. بعد ثلاث سنوات من منشور منع الاستيراد بدون تحويل قيمة استيقظ المركزي لنفسه بعد أن وجد نفسه محاصرا بارتفاع غير مسبوق لأسعار الدولار وهو يصل أو يقارب حاجز ال(11) جنيها وسط استياء كبير من المستوردين بأن عدم استقرار سعر الصرف يجعل رؤوس أموالهم تضيع هباء منثورا مما يخلق حالة من التخوف في الاستثمار بالبلاد وعلى الضفة الأخرى تتأرجح المؤشرات الاقتصادية الأخرى ليجد الاقتصاد السوداني نفسه في أزمة حقيقية نتيجة لتخبط القرارات الاقتصادية ولكن وكما تشير المقولة (أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي) يأتي قرار المركزي بالسماح بالاستيراد بدون تحويل قيمة في وقت اشتدت فيه الضغوط على النقد الأجنبي. ترحيب كبير وجده قرار البنك المركزي الأخير من القطاع الخاص الذي كان يعاني من ويلات هذا الأمر، واعتبر سعود البرير رئيس اتحاد أصحاب العمل أن المنشور الذي أصدره المركزي الأسبوع الماضي أمر محفز للقطاعات الإنتاجية والصناعية وقطاعات الإنتاج الزراعي والحيواني بجانب الأدوية والمستهلكات الطبية ويرى أن الأمر سيؤدي لتسهيل احتياجات المشاريع الإنتاجية وينعش حركة دوران الإنتاج بجانب تأثيره الإيجابي على سوق النقد الأجنبي وارتفاع العملة الوطنية فيما وصف معاوية البرير رئيس الغرف الصناعية القرار بالصائب لجهة أنه يصب في مصلحة الإنتاج الذي تعده الدولة هدفا استراتيجيا تسعى لتحقيقه بالإضافة إلى مساهمته على المدى الطويل في تشجيع الصادرات الصناعية بما ينعكس على أسعار العملة الوطنية وارتفاع قيمتها فيما تنحصر رؤية هاشم علي محمد خير رئيس غرفة الإنتاج الزراعي والحيواني في أن المنشور الذي أصدره المركزي يأتي استجابة لمطالبات ورؤى القطاع الخاص لمساهمته في دعم القطاعات الإنتاجية والاقتصاد الوطني على حد سواء، مع تحقيق الاستقرار في سعر الصرف وقال في تصريحات صحفية أمس الأول إن المنشور سيحرك أنشطة قطاعات الإنتاج باعتباره المخرج الحقيقي لمشاكل الاقتصاد ويصب في مصلحة تسهيل وتوفير مدخلات الإنتاج للقطاع بشقيه الحيواني والنباتي علاوة على استيراد القطاعات الحيوية الأخرى. الخبير الاقتصادي د. عادل عبد العزيز أوضح رؤيته للأمر في مقال نشرته الزميلة (السوداني) بالأمس حيث يرى أن الفائدة المرجوة من الاستيراد بدون تحويل قيمة هي توفير موارد الاستيراد من خلال مدخرات المغتربين بالخارج وتخفيف الضغط على بنك السودان ومساعدته في بناء احتياطيات من خلال عوائد الصادر ومبيعات الذهب، ويرى أن هذه الطريقة ربما ستؤدي لارتفاع أسعار الدولار في البداية إلا أنه وبالاستمرار سيستقر السعر إثر توقف المضاربات وفي سياق آخر فإن القرار سيوفر مدخلات الإنتاج الزراعي والصناعي بما يفك من جمود الاقتصاد ويزيد الإنتاج والصادر للخارج.. المستوردون ورجال الأعمال ينظرون للمنشور بعين الرضا ويتطلعون لأن يفتح المركزي قطاعات أخرى للاستيراد بدون تحويل قيمة وأكد عدد منهم ل(اليوم التالي) أن سماح المركزي للاستيراد بدون تحويل قيمة سيصب في صالحهم في الفترة المقبلة وسيعمل على انخفاض الطلب على الدولار بالسوق الموازي الذي يعاني من ضغط مرتفع في الطلب إلا أنه لن يلبث ويوالي الانخفاض في الأيام المقبلة وسط توقعات بانخفاض أسعار الدولار وأوضحوا أن إجراء الاستيراد بدون قيمة هو ازالة للتشوه الذي كان موجودا والذي نتج عنه (غول السوق الموازي) على حد وصفهم وأشاروا إلى أن سماسرة العملة والسوق الموزي خاصة وأن الإجراء سيوفر النقد الأجنبي للقطاعات الإنتاجية بشكل مبدئي وسط تفاؤلهم بأن تفتح عدد من القطاعات الأخرى في مقبل الأيام اليوم التالي