* عندما اعلن وزير المعادن فى يوليو الماضى عن اكتشاف مخزون ضخم للذهب بولايتى البحر الاحمر ونهر النيل يقدر بحوالى (46000 طن) أى أقل بقليل من ثلث كمية الذهب التى استخرجت فى تاريخ العالم حتى اليوم (حوالى 170000 طن)، وتوقيع الوزارة لعقد (خرافى) مع شركة روسية متواضعة (شركة سيبيريا للتعدين) لاستخراج وانتاج وتسويق هذه الكمية الضخمة التى تقدر قيمتها التسويقية بأكثر من (300 بليون دولار أمريكى)، بالاضافة الى إنشاء مصنع لانتاج الذهب فى السودان بقيمة (243 مليون يورو) كأكبر مصنع لانتاج الذهب فى القارة الأفريقية يصل إنتاجه السنوى الى (50 طن)، توقعت ان يكون فى الامر (خرافة) تقف وراء هذه الارقام الفلكية التى لو صحت لاصبح السودان بعد الاعلان مباشرة عن الاتفاق الخرافى محط انظار كل دول وشركات العالم الغنية، بل والمكان المرشح لانطلاقة الحرب العالمية الثالثة .. وذلك من ضخامة ما ذكر من ارقام وتقديرات يسيل لها اللعاب وتنطلق المدافع، ويبدو أن من ابتدعها كان يجلس فى حضرة (سيوبر جان) يصوّر له الاحلام ويمنيه بالآمال الكاذبة !! * وفعلا صدق حدسى، وخابت احلامى فى الثراء بفتح محل للذهب السودانى فى مدينة (دبى)، بعد أن اعلن معالى وزير المعادن منذ بضعة أيام عن وقوف العقوبات الاقتصادية الامريكية على السودان حائلا دون حصول الشركة الروسية على قرض بقيمة 5 مليار دولار امريكى وتحويله الى السودان لمقابلة احتياجات العمل، وهو كما ترون مبلغ شبه متواضع جدا مقارنة بالارقام الفلكية التى احتوت عليها الاتفاقية، وكان من المفترض أن يكون فى (طرف خزنة) الشركة الروسية التى وقعّت ذلك الاتفاق الضخم، بدون الحاجة الى موافقة الحكومة الامريكية والبنوك العالمية لتحويله الى السودان أو اقتراضه من إحدى الجهات !! * غير ان القصة ليست ضآلة أو ضخامة المبلغ، وإنما أخطر من ذلك بكثير، وهى هل كانت وزارة المعادن السودانية والشركة الروسية تجهلان العقوبات الاقتصادية الامريكية وتبعاتها على السودان عندما وقعا الاتفاقية وخرجا على الملأ يبشران بمولد مملكة الذهب السودانية، وتحول السودان الى ( فترينة ذهب العالم) التى ستعوضنا خيرا عن (سلة غذاء العالم) التى صورتها لنا أحلامنا الفاشلة، فأخذنا نلوك فى سيرتها ونخدع بها انفسنا وغيرنا .. ونحن لا نستطيع أن نصبح حتى لقمة غذاء أطفالنا؟! * ألم يكن السيد وزير المعادن وصنوه مدير الشركة الروسية يعلمان أن أى دولار أمريكى لا يمكن أن ينتقل من مكان الى آخر على ظهر البسيطة إلا عبر المقاصة الأمريكية، دعك من العقوبات الأمريكية التى تحظر التعامل مع السودان وتفرض الكثير من التعقيدات على التعاملات التى تسمح بها مع السودان، وتُوقّع عقوبات ضخمة على الذين يخالفون هذه العقوبات، ليأتى معالى الوزير ويخيب آمالنا ويجهض أحلامنا بالقول إن الشركة الروسية فشلت فى اقتراض وتحويل مبلغ 5 مليار دولار للسودان بسبب العقوبات الأمريكية، وكأن معاليه ه يعيش فى قطر غير السودان وفى مكان غير الكرة الأرضية ولا يعلم شيئا عن العقوبات الامريكية، أم أن السيد الوزير وصنوه مدير الشركة الروسية المتواضعة كانا يأملان أن يتمكن (جِنى الذهب) من تذليل العقوبات الامريكية، مثلما صور لهما فى لحظة صفاء وجود أطنان ضخمة من الذهب فى السودان، أم أن الجِنى طلع ماسورة، أم من هو الماسورة أيها السيدان المبجلان؟! * ولا اجد اخيرا، ومن باب أن الذكرى تنفع المؤمنين، غير أن أذكّر السيد وزير المعادن السودانى بأن هنالك عقوبات امريكية فُرضت على السودان فى نوفمبر عام 1997 تحظر عليه التعامل مع الشركات والبنوك الامريكية، وكانت لا تزال سارية عند توقيع الاتفاق مع الشركة الروسية، وهى لا تزال سارية ومفروضة حتى الآن .. وأفسم بالله العظيم على ذلك !! الجريدة [email protected]