«وضعنا يدنا على مخترقي الحزب».. بهذه الجملة وضع الشيوعي نفسه في خارطة الأحداث السياسية التي جعلت المراقبين يبدأون تداول الحديث حوله بصورة أثارة الكثير من الجدل حول إمكانية اختراق هذا الحزب الضارب في القدم. والمعروف أن الحزب الشيوعي وبمختلف مكوناته العالمية، سارع منذ بواكير إنشائه على خلق جسم استخباراتي أو جسم مختص بالعمل السري التنظيمي للحزب الشيء الذي جعل الحزب في مهب الريح أمام مواجهة الأحزاب الأخرى التي تسعى جاهدة للاضطلاع على ما يدور داخل أجهزة هذا الحزب الخطير. وهذا تحديداً ما أعاد للأذهان ما دار في «حرب الجواسيس» والذي هو عنوان لمسلسل مصري أنتج عام 2009م، وهو مقتبس عن قصة حقيقية من ملفات المخابرات العامة المصرية، تناولها أديب الجاسوسية الراحل صالح مرسي في إحدى روائعه الروائية والتي حملت اسم «سامية فهمي»، الذي هو اسم بطلة القصة التي تؤدي دورها النجمة منة شلبي. وتدور أحداث المسلسل حول سامية فهمي «منة شلبي» التي يسافر زوجها نبيل «شريف سلامة» للخارج فيستقطبه الموساد الإسرائيلي ليعمل معهم جاسوساً عقب نكسة 67م، فيحاول دفع خطيبته سامية لذلك فترفض وتفضل الوطنية والانتماء على العاطفة، وتتعاون مع المخابرات المصرية للإيقاع بنبيل وشبكة التجسس التي يعمل معها. والجدير بالذكر أن المسلسل كان سيكون اسمه «سامية فهمي» بدلاً عن «حرب الجواسيس»، لولا تدخل المخابرات في تسميته. جينات تآمر وقد وجد الحزب الشيوعي السوداني نفسه أمام مواجهات عنيفة مع عضويته جراء بعض التصريحات والمواقف الجاذبة للجدل ما جعلت بعض الأسئلة تدور في مخيلة المتابعين عن درجة التسريبات التي واجهت المعلومات السرية وأنشطة الحزب في الفضاء الطلق التي تعمل فيه أحزاب سياسية كثيرة مختلفة مع الشيوعي أو متفقة معه حول الرؤى السياسية التي يعمل وفقها. وفيما أكد الخطيب سكرتير الحزب الشيوعي أن حزبه سوف يعمل جاهداً لمعاقبة تلك العضوية والأصابع المتهمة في تسريبات الحزب مؤخراً، يقول الدكتور الفاتح محجوب الخبير والمحلل السياسي ل«الإنتباهة» إن مسألة الغواصة سادت وللأسف وسط الأحزاب السياسية السودانية خلال المرحلة الحرجة والجو غير سوى الذي نشأت فيه هذه الأحزاب، وأن الحزب الشيوعي السوداني أحد هذه الأحزاب وجزء من الأحزاب الشيوعية العالمية التي كانت قوية رغم أنها نشأت داخلها جينات تآمرية جعلتها تختص لنفسها بأجهزة سرية داخل الحزب مشيراً إلى أن الشيوعي السوداني بدأ نشاطه الحزبي بنفس الوتيرة فخلق لنفسه جهازاً سرياً خاصاً بنشاط الحزب التنظيمي. وأكد الفاتح أن المؤسف أن بقية الأحزاب السياسية في الساحة السودانية سارت على هدى الشيوعي، فخلقت لنفسها نفس الأنظمة السرية وصار لها نشاط سري وللأسف أن هذا النوع من الممارسة وبشكله التآمري هذا، لا يمت بصلة لمنظومة الأحزاب بشكلها الليبرالي فيما يجب أن يقوم مفهوم الحزب على النشاط السياسي الحر لكسب ثقة الآخرين. ودعا الفاتح كل النظمة السياسية أن تضع حداً لهذا النوع من الممارسة السياسية بميثاق تتواثق عليه كل القوى السياسية للتخلي عن أجهزتها السرية الخاصة وتتحول لمنظمات مجتمع مدني. وقال إن هذا النوع من الممارسات يخالف بشكل جوهري فكرة الشفافية والنشاط الديمقراطي. وحول أداء ودور الغواصة، يقول دكتور الفاتح إن الغواصة يعمل بجد للتعرف بشكل جوهري على النشاط السياسي السري للجهاز داخل الحزب المخترق، «الغوص في داخل الجهاز التنظيمي السري للحزب» ولكن الفاتح يقول إذا لم تحتفظ هذه الأحزاب السياسية بالأجهزة السرية داخلها لما احتاجت الجهات الأخرى للغوص داخلها، مشيراً إلى أنه لا يمكن أن نتحدث بصورة ديمقراطية شريفة ونحن نتخذ مثل هذه الممارسات غير الشريفة. تسرب المعلومات وحول دور وأداء الغواصة، يقول الخبير الإستراتيجي والمحلل السياسي الدكتور عمر عبدالعزيز ل«الإنتباهة»، إن الغواصة لابد أن يكون صاحب ولاء لحزبه المخترق ولا يوجد غواصة ينتمي للحزب المخترق إطلاقاً وإنما يدفع به لذلك الحزب دفعاً. وحول الأداء والاسم نفسه (الغواصة) يقول عبدالعزيز إنه مفهوم استخباراتي أخذته أو استعارته الأحزاب السياسية في عملها السياسي والتنظيمي. بيد إن عمر أكد أن أجهزة كثيرة تقوم بدور الغواصة في عالم اليوم مع انتشار التكنولوجيا الحديثة. وتبدأ الأحزاب تصرح بهذه الظاهرة تاريخيا في أوقات تشككها في أن معلوماتها السرية تسربت، ويضيف أن نظام الغواصة عدو ولكنه بفكرة، ودائماً يتم داخل الأنظمة العسكرية. أما داخل الأحزاب، فيقول دكتور عمر إنه يقوم على الكذب والنفاق وهي في الحقيقة ممارسة سالبة ولا يمكن إثباتها إلا باعتراف المدان نفسه إذ لا يخلف البينة والدليل خلفه. وحتى وقت قريب كانت تعتبر الشخصية التخابرية سرية لأبعد الحدود وغير معروفة إلا لكبار قيادات المخابرات أو الاستخبارات، ولكن في الوقت الراهن صار هناك لغط واسع وهمس يدور بمجرد الإشارة لأي كائن بأنه عميل. فكان عمل المخابرات لا يجيده إلا قلة نالوا حظاً من التدريب والتنقل بين الكيانات المختلفة مما ساعدهم في أداء المهام الموكلة إليهم باتقان، ولكن ووفقاً للعلوم المختلفة وانتشارها صار الكل يلم إن لم نقل بأقل أدوات التخابر، فبأكثرها. لذلك تدور أصابع الاتهامات في الكيانات الحزبية الضيقة والجماعات الفكرية حول بعض الشخصيات المنضوية تحت الجهة المعنية، حال تسرب معلومات لجهة معادية أو لوسائل الإعلام. صناعة الغواصة وما دار من اتهامات يجعلنا من الأهمية بمكان، أن نشير إلى الكيفية التي تتم بها صناعة العميل «الغواصة» داخل الحزب المعني. وتشير دفاتر المخابرات الدولية كالموساد وغيرها من الأنظمة إلى أن هناك أساليب متعددة تجعل العميل يقع في شرك العمالة، وهي إما أن تكون عن طريق جوانب أخلاقية أو مادية إن كانت بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وهناك طرق أخرى كثيرة ومختلفة كلها تجعل العميل يكون فريسة لهذه الأجهزة الاستخباراتية. والمتابع لعملية الاتهامات داخل الأحزاب حول تسريب معلومات عنها بطريقة أو بأخرى، يجد أن كل الأحزاب بما فيها الشيوعي مروراً بالأحزاب العقائدية والبعثي وحتى الأحزاب الإسلامية تم اختراقها أمنياً، وهذا معترف به. إلا أن الأحزاب الطائفية في واقعها أكثر ضعفاً من ناحية تأمينية، وإن كان جانب التأمين بها موجود، إلا أنه بنسبة ضعيفة.. فهي تفتقد التدريب التأميني والاهتمام به كإحدى الركائز الأساسية لعمل الحزب، لذلك لا تحتاج الأجهزة الأمنية إلى الاجتهاد في اختراقها، فمعلومات تلك الأحزاب متوفرة بعكس الأحزاب الأخرى. الدكتور حسن الترابي في كتابه «كسب الحركة الإسلامية» أكد أن الحركة استفادت من الحزب الشيوعي في عملية البناء والقدرات، وبالأخص أنها تأثرت في العملية التأمينية التي كان يتميز بها الشيوعي عن بقية الأحزاب السياسية الموجودة في الساحة، لكن رغم نجاح الشيوعي في ذلك إلا أنه تم اختراقه من قبل أمن نميري الذي يقال عنه إنه كان يعرف كل أسماء الكوادر السرية بالأحزاب بما فيهم البعثي والشيوعي التي كانت تصنعها للحيلولة دون كشفهم، وكان للحزب الشيوعي أعضاء في القيادة المركزية للحزب ولكنهم لم يكونوا معروفين!! ولأن الحزب الشيوعي أكثر الأحزاب السودانية خبرة في الجانب التأميني، نستلهم هنا بعض الوقائع والشكوك التي دارت حول الاختراقات التي حدثت في الحزب، وأشارت الأصابع إلى بعض العناصر داخله بأنهم وراء ذلك، فقد اتهم الخاتم عدلان القيادي بالحزب الشيوعي قبيل وفاته بأنه خان الحزب وأفضى ببعض أسراره وانه صنيعة أمنية لكشف ظهر الحزب. وكان رد الخاتم للحزب بأنه لو كان كما يقولون لأفضى بكل أسماء الكوادر السرية وقام بتسليمهم بحكم أنه المسؤول عن الحزب بولاية الخرطوم الثقل المركزي للحزب الشيوعي ونشاطه، فرجعوا عن تلك الاتهامات بأن الخاتم ليس غواصة كما يزعمون. وإبان العهد المايوي عانى الحزب الشيوعي من تسريب معلوماته، ما جعل القيادة المركزية فيه تلجأ إلى اتخاذ إجراء يوجب غياب أحد الأعضاء عن حضور اجتماع الحزب، على أن تدور الدائرة بكل الأعضاء لمعرفة من الذي يسرب معلومات الحزب ومحاضر اجتماعاته، ووقتها كان القيادي بالحزب ياسر عرمان في أوج صداماته مع النظام، ولأن الأمر كان يقف خلفه جهاز الأمن، فقد جاءتهم السانحة في طبق من ذهب، وانتظروا دور ياسر عن غياب اجتماع الحزب، فعمد الجهاز إلى عدم تسريب أية معلومة بغية افتتان الحزب في أن ياسر هو الذي يعمل على تسريب معلوماتهم لجهاز الأمن والمخابرات، وهذا ما حصل تحديداً، مما دعا ياسر عرمان لمغادرة الشيوعي، وأعلن انضمامه للحركة الشعبية، بعد أن صار الكل في الحزب يشكك في نزاهته. الانتباهة