بعد ثورات الربيع العربي سقطت سياسة التوريث في العديد من البلدان العربية، ولكن يبدو أن الثورة مازالت لم تمرّ بعد على الوسط الفني خاصة في مصر، حيث لا يزال التوريث هو الذي يسيطر على المشهد العام للأعمال الفنية المصرية. العرب سارة بين الموهبة والأسرة التي ينشأ فيها الفنان، تقف كلمة "التوريث" عائقا ومحفزا للكثيرين، فالبعض ينجح في استثمار اسم والده أو والدته ويستكمل سلسلة النجاح الفني لعائلته، وآخرون لا يضيفون شيئا بل يضعون أنفسهم في أزمة استغلال أسماء عائلاتهم، لمجرد الشهرة أو كضمان لوظيفة مثمرة مدى الحياة، ومع أن المجاملات تدخل فيها أحيانا، إلا أن هؤلاء قد لا يكون لهم نصيب في قلوب أو ذاكرة المشاهدين. نماذج التوريث في الحقل الفني متعددة في مصر، جزء كبير منها حقق الكثير من النجاحات، بما قدمه صاحبه، ومدى الخروج من عباءة التوريث، وفي بعض الأحيان تفوقت موهبة الأبناء على الآباء، أو سارت في اتجاه مواز للنجاح الأول، ويضع كل من الأب أو الأم والابن أو الابنة بصماته في الحقل الذي يعمل فيه. عائلات فنية الدليل على ذلك عائلة حامد فالأب وحيد حامد، وهو واحد من أشهر كتاب السينما والدراما، وصاحب رؤى مستقبلية على الأصعدة السياسية والمجتمعية، والابن مروان حامد الذي خلق لنفسه طريقا مختلفا، حيث يعمل مخرجا، وبدأ حياته بمجموعة مهمة من الأفلام، أشهرها "عمارة يعقوبيان" بطولة عادل إمام ويسرا، يليه فيلم "إبراهيم الأبيض" بطولة أحمد السقا وهند صبري، ومؤخرا وصل إلى العالمية، حسب وصف بعض النقاد، بعد فيلمه "الفيل الأزرق" الذي عرض العام الماضي في دور السينما المصرية والعربية. التوريث في الفن يأتي من منطلق النشأة في بيئة فنية منذ الصغر، ولكن الموهبة والنجاح لهما حسابات أخرى كذلك نجحت الفنانة منة شلبي، وتفوقت في طريق آخر غير الذي سلكته والدتها الراقصة الشهيرة زيزي مصطفى، بل إن شهرتها فاقتها كثيرا، نظرا لموهبتها التي مكنتها من تقديم مجموعة من الأدوار الصعبة والمركبة في السينما والتلفزيون، وأيضا الفنان أحمد السقا، فرغم ما حققه والده صلاح السقا من نجاحات في مجال فن تحريك العرائس، غير أن السقا الابن أصبح واحدا من نجوم فن التمثيل في مصر. وهناك نماذج فنية للتوريث تقف في منطقة وسط، لا تضيف أو تنتقص من نجومية من سبقها من العائلة، ربما تحاول الاجتهاد بين كل عمل وآخر، وقد تصبح لها بصمات أو علامات بارزة في يوم من الأيام، مثل محمد إمام نجل الفنان عادل إمام، وأحمد السعدني نجل الفنان صلاح السعدني، وهما (محمد وأحمد) يحاولان دائما وضع بصماتهما بعيدا عن عباءة والديهما إلى حد كبير، خصوصا أحمد السعدني الذي بدأت موهبته الفنية تنضج إلى حدّ ما. كما يقف نموذج التوريث عائقا للبعض، مهما بذل من جهود مثل هيثم زكي، نجل الفنان الراحل أحمد زكي، والذي أصبح محل انتقاد لأنه يمعن في ارتداء عباءة والده، وقد ظلمت بعض المواهب في استثمار قدراتها، لمجرد أن الوالد أو الوالدة فنان أو فنانة، فرانيا إبنة شوقي تملك موهبة كبيرة، لكنها ظلمت بسبب والدها الفنان الراحل فريد شوقي. ماجدة خيرالله: النجاح لا يستطع أحد منحه أو توريثه لآخرين فالجمهور صاحب الحكم النهائي الموهبة هي الفيصل وأكدت ماجدة خيرالله، الناقدة الفنية، ل"العرب" أن التوريث في الفن يأتي من منطلق النشأة في بيئة فنية يتعايش فيها الأبناء منذ الصغر، وبالطبع يتأثر الشخص بالعوامل المحيطة به، لكن الموهبة والنجاح لهما حسابات أخرى، وضربت مثلا عندما قدّمت سيدة الشاشة فاتن حمامة، نجلتها نادية في أحد أعمالها ولم تستكمل مشوارها في هذا المجال، لأنها لم تكن موهوبة، وأيضا محمود ياسين عندما أنتج لابنته رانيا فيلم "قشر البندق" وسلكت طريقها بعد ذلك بمقدار حجم موهبتها، فلم يطلب منها أحد القيام بدور البطولة. وأضافت خيرالله "إن النجاح لا يستطيع أحد منحه أو توريثه إلى الآخرين، فالجمهور صاحب الحكم النهائي، ضاربة مثلا بكثير من النماذج المتفوقة، مثل منة شلبي، وناهد السباعي نجلة المخرج الراحل مدحت السباعي، والشاعر الغنائي أيمن بهجت قمر نجل الكاتب والشاعر الراحل بهجت قمر". وقالت خيرالله "ربما تكون هناك نماذج تظلم، كلما حاول صاحبها الاجتهاد، يخرج البعض ويتهمه بارتداء جلباب والده (هيثم زكي نموذجا)، مع أن كثيرين ارتدوها دون صلة قرابة، مثل عمرو سعد ومحمد رمضان، حيث يقلدان أحيانا الفنان الراحل أحمد زكي ولا أحد ينكر دور المجاملات، حيث تقف في صف ترشيح نجل الفنان في بعض الأدوار، وهنا يكون الجمهور هو الحكم النهائي في الأمر". أشارت عفاف القاضي، مدرسة علم النفس بكلية الآداب جامعة المنوفية، في تصريح ل"العرب" إلى أن التوريث الفني في بعض الأحيان يؤخذ من منطلق الوجاهة الاجتماعية، لكن في أدبيات السوق أحيانا تطرد العملة الرديئة الجيدة، مشيرة إلى أن قدرات وموهبة الأبناء هي الفيصل، وضربت مثلا بالمطرب محمد عدوية نجل الفنان الشعبي أحمد عدوية، ففي مرحلة صعوده، ومع أولى حفلاته هاجمه كثيرون لكونه لم يكن ناضجا فنيا، ليبدأ بعدها في العمل على ثقل موهبته بشكل جيد. وأوضحت القاضي أن المجاملات الفنية تتدخل في التقييم، وأن اسم العائلة قد يستغل في أحيان أخرى، لذلك من الظلم أن تكون لدى الابن موهبة وقدرات بحكم معايشته في البيئة الفنية التي نشأ فيها، ونحكم عليه بالإعدام فنيا، لأن الناس وضعوه في مقارنة طوال الوقت بالأب أو الأم، وهذه مشكلة قد تقضي على الموهبة، وتجبر صاحبها على الانزواء.