شاهد بالفيديو.. السيدة المصرية التي عانقت جارتها السودانية لحظة وداعها تنهار بالبكاء بعد فراقها وتصرح: (السودانيين ناس بتوع دين وعوضتني فقد أمي وسوف أسافر الخرطوم وألحق بها قريباً)    شاهد بالفيديو.. التيكتوكر السودانية خديجة أمريكا تظهر بإطلالة ملفتة وتزعم أنها "هندية" الجنسية    شاهد بالصورة.. بعد أن أعلنت في وقت سابق رفضها فكرة الزواج والإرتباط بأي رجل.. الناشطة السودانية وئام شوقي تفاجئ الجميع وتحتفل بخطبتها    البرهان : لن نضع السلاح إلا باستئصال التمرد والعدوان الغاشم    وفد عسكري أوغندي قرب جوبا    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    مجاعة تهدد آلاف السودانيين في الفاشر    تجدّد إصابة إندريك "أحبط" إعارته لريال سوسيداد    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    لدى مخاطبته حفل تكريم رجل الاعمال شكينيبة بادي يشيد بجامعة النيل الازرق في دعم الاستقرار    شغل مؤسس    عثمان ميرغني يكتب: لا وقت للدموع..    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    الهلال السوداني يلاحق مقلدي شعاره قانونيًا في مصر: تحذير رسمي للمصانع ونقاط البيع    "ناسا" تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر    ريال مدريد الجديد.. من الغالاكتيكوس إلى أصغر قائمة في القرن ال 21    تيك توك يحذف 16.5 مليون فيديو في 5 دول عربية خلال 3 أشهر    الشان لا ترحم الأخطاء    صقور الجديان في الشان مشوار صعب وأمل كبير    الإسبان يستعينون ب"الأقزام السبعة" للانتقام من يامال    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب    ريال مدريد لفينيسيوس: سنتخلى عنك مثل راموس.. والبرازيلي يرضخ    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفيلسوف الفرنسي لوك فيري : الفلسفة خلاص علماني
نشر في الراكوبة يوم 13 - 03 - 2016


الفيلسوف الفرنسي لوك فيري: الفلسفة خلاص علماني
لوك فيري هو واحد من الفلاسفة الجدد الذين حاولوا إحداث القطيعة مع الاتجاهات الفلسفية التي كانت سائدة مع جيل الرموز والأسماء اللامعة التي سطعت في سماء الفكر الفرنسي سنوات الستينات والسبعينات أمثال سارتر، جاك ديريدا، جيل دولوز وميشال فوكو وغيرهم. وكغيره من هؤلاء الفلاسفة الجدد أمثال ميشال أونفري وأندري سبونفييل وفريديريك شيفتر وباسكال بروكنر على اختلاف مشاربهم، أراد أن يخرج الفلسفة من سجن التأمل النظري وينزل بها إلى أرض الواقع لتنشغل بقضايا الحياة العملية والمشاركة في الصراع السياسي والثقافي، وقد شغل منصب وزير التربية قبل بضع سنوات. تخرج من السوربون ومن هيدلبرغ بألمانيا ودرَّس الفلسفة والعلوم السياسية بجامعات فرنسية كثيرة قبل أن يبدأ بنشر إنتاجه الفكري ابتداء من سنة 1984 والذي استهله بكتاب "الفلسفة السياسية" في 3 أجزاء.
العرب حميد زناز [نُشر في 13/03/2016، العدد: 10213، ص(12)]
لوك فيري: إذا كان المتفائل غبيا سعيدا فإن المتشائم غبي شقي
باريس عرف لوك فيري وبدأ يسطع نجمه إثر إصداره بمعية ألان رونو سنة 1985 الكتاب الذي أثار ضجة كبرى في فرنسا تحت عنوان "فكر 1968″ الذي وجه نقدا لاذعا للأيديولوجيا السائدة قبل وبعد أحداث 68 بفرنسا. ثم توالت إصدارات غزيرة لاقت بعضها نجاحا كبيرا في المكتبات ك"النظام الإيكولوجي الجديد" و"الإنسان-الإله أو معنى الحياة" و"ثورة الحب، من أجل روحانية علمانية" وغيرها.. وآخر ما صدر له "الابتكار المدمر" (2014). بالإضافة إلى مجموعة من التسجيلات في شكل أقراص مضغوطة حاول أن يبسط عبرها تاريخ الفلسفة وأهم قضاياها.
◄الجديد: "لا تهتم الفلسفة بشيء غير محاولة إيجاد معنى للحياة، وقد أمضيت قرابة الأربعين عاما وأنا أبحث عن هذا التعريف، تقول، ولهذا السبب، فهو التعريف الأقرب إلى قلبي". هل تفضلت بشرح هذا الاكتشاف؟
* لوك فيري: يلتقي التلاميذ في فرنسا بالفلسفة في نهاية المرحلة الثانوية، في السنة النهائية تحديدا، كما تعلم. وحينما ندقق النظر في الكتب المدرسية والمقررات البيداغوجية المخصصة لهذه المادة نجدها تقدم أساسا عن طريق كلمات مفتاحية ثلاث: التفكير، البرهنة، النقد. والفكرة المركزية التي يدور حولها تعليم هذه المادة هي عرض الفلسفة على أنها ضرب من التفكير أو طريقة في التفكير موجهة لمساعدة الشبان والشابات على الوصول إلى نوع من الاستقلال الفكري وتمكينهم من الوصول إلى التفكير بأنفسهم.
وإن كانت هذه النظرة جديرة بالتقدير وقد تكون حتى مفيدة من زاوية "التربية المدنية"، فإن هذا التصور لا علاقة له إطلاقا بالفلسفة كما كانت في القديم وكما لا زالت في الحاضر. وأنا أعي ما أقول. ولا يختلف اثنان في أن كل فيلسوف بأتمّ معنى الكلمة يفكر ويبرهن ويستعمل العقل النقدي. ولكن من لا يفعل ذلك؟ كثيرون..
هل تعتقد، عن جد، أن عالم بيولوجيا أو فنانا، أبا أو أما لعائلة، لا يفكرون ولا يقدمون أدنى حجج؟ الكل يفكر ويملك عقلا نقديا ويحاول البرهنة على ما يقدم من أطروحات، حتى رجال السياسة والإعلام. ومع ذلك، وهذا أقل ما يمكن قوله، فهم ليسوا بفلاسفة! وهذا هو السبب الذي جعلني أقترح تعريفا آخر للفلسفة، كتعريفها بأنها "مذهب خلاص" علماني، يدخل في تنافس مع الديانات الكبرى. فكل الفلسفات الكبرى، دون استثناء، هي مذاهب خلاص دون إله.
◄ الجديد: هل تصبح الفلسفة عقيدة بدورها؟
* لوك فيري: في والواقع وعلى عكس الديانات الكبرى، تعِدُ الفلسفة أولئك الذين يريدون تكريس حياتهم لها بأنهم سيتمكنون من إنقاذ أنفسهم بأنفسهم وعن طريق العقل في حين أن الأديان الكبرى تعد الإنسان بإمكانية الوصول إلى الخلاص ولكن عن طريق الآخر، الله (وليس بنفسه) وعن طريق الإيمان (وليس العقل). وهنا يكمن في رأيي الفرق الحقيقي الوحيد بين الفلسفة والدين.
◄الجديد: ولكن السؤال الذي يطرح رأسا هو المتعلق بمعنى ذلك الخلاص.. نتخلص من ماذا؟
* لوك فيري: "الخلاص، تقول المعاجم، هو فعل النجاة من خطر كبير أو مصيبة كبيرة". وجاءت كلمة "خلاص" في اللغة اللاتينية واليونانية من فعل "أنقذ". ولكي نذكر فيلسوفين يونانيين أساسين إبيكتيت وأبيقور، فمن أيّ خطر أو من أيّ مصيبة أراد المفكران إنقاذ تلامذتهما وأتباعهما وهما المختلفان جذريا؟ أولا من الخوف الذي يهدد وجودنا ويحاصره، وربما نحسن القول إذا قلنا من ذلك الخوف الذي يعكّر صفو حياتنا ويمنعنا من الحركة.
فالرغبة في الحكمة، ونشدان السكينة، تلك هي الترجمة الأحسن والأقرب لكلمة فيلو-صوفيا. هي القناعة بأننا ما دمنا مطوّقين بالخوف فمن المستحيل أن نصل إلى "الحياة الطيبة" ومن المستحيل بلوغ السكينة ومن هنا فمن المستحيل أن نكون أحرارا في نفوسنا وأن ننفتح على الآخر وأن نتمتع بأريحية ما: حينما نخاف نكون مضطربين، متلعثمين، بمعنى نكون غير أحرار ومتقوقعين على ذواتنا في آن. لكي نصل إلى السكينة، من الضروري التغلب على خوفنا وهواجسنا، وخلافا للديانات التوحيدية الكبرى، تعدنا الفلسفة بأننا نستطيع وبأنفسنا وعن طريق العقل بلوغ تلك السكينة، وليس عن طريق الغير أو الإيمان.
مجتمعاتنا الأوروبية هي أول المجتمعات المعروفة التي أصبحت حرة وأكثر أخلاقية في نفس الوقت من كل المجتمعات المعروفة حتى الآن في التاريخ كما في الجغرافيا
◄الجديد: من أين يمكن أن يستمد المرء الطاقات لبلوغ "حياة طيبة" وهو يعيش في قارة عجوز لم تعد تؤمن بنفسها؟ "أنا أورو- مركزي"، هكذا تقول، فهل شرحت لنا أكثر؟
* لوك فيري: كثيرا ما أسمع وعلى الخصوص على لسان رجال الدين والمتدينين عموما أن مجتمعاتنا الأوروبية العلمانية وبما أنها بعيدة بل محرومة كثيرا من البعد الروحي، فهي قد استسلمت إلى وهم "أنا بدون النحن" الغارق في أنانية مفرطة. ولأنها مجتمعات تعيش قطيعة شبه كلية مع المطلق، فستسقط في نسبية يائسة. ولئن كان العالم الإسلامي يعيش فائضا في مجال المقدس، فمن المؤكد أن الغرب يعاني نقصا فادحا في الأمر. فالأول عامر أكثر من اللزوم والثاني فارغ إلى أقصى حد. وتحليل كهذا يجد صدى كبيرا لدى كل الذين، سواء كانوا مؤمنين وغير مؤمنين، من اليسار أو من اليمين، والذين لم تفلح مجتمعاتنا الليبرالية في إرضائهم. وشخصيا لا أتفق مع هذا التحليل فحسب بل أذهب مذهبا مضادا له تماما.
◄الجديد: كيف ولماذا؟
* لوك فيري: أولا، نحن لا يمكن أن نطلب من الديمقراطيات العلمانية والتي هي من اختراع الحضارة الأوروبية، الشيء ونقيضه، فلا يمكن أن تكون هذه الديمقراطيات عامرة وخاوية في نفس الوقت، فبطبيعة تكوينها وبنائها هي تشكل إطارا ليس من مهمته إعطاء معنى وفرضه كأيديولوجية رسمية، وإنما هي بناء من أجل تنظيم التعايش السلمي بين الأفراد فقط.
فأن نطالب من مجتمعاتنا أكثر من ذلك فهذا لعمري التناقض بعينه. وقليل من الناس – وعلى الخصوص أولئك الذين استبدلوا الروحانيات التقليدية بديانات الخلاص الأرضي والذين لا يزالون ينتظرون من الدولة يائسين أن تحدد غايات جليلة للجميع – هم قادرون على فهم وهضم الفكرة الأساسية التالية: بما أن بنية الدولة الليبرالية علمانية في جوهرها، بمعنى محايدة، فلكل منا والحال هذه أن يعطي معنى لحياته بطريقة فردية. والفردية لا تعني هنا أن يكون الفرد منعزلا عن الآخرين، "دون الآخرين" وإنما "دون الدولة".
إذ يمكن بناء علاقات لا متناهية مع الآخرين، عاطفية وثقافية وعائلية وجمعوية أو سياسية، سُمح بها في مجتمع مدني مسالم وضعت فيه العلمانية حدا للحروب الدينية وباتت تحترم فيه حقوق الإنسان ويحترم فيه الغير. وعلى أيّ حال، فالدولة الليبرالية لا تهمل أبدا أو تتجاهل الجانب الجماعي، وإنما فقط يعود للإفراد أنفسهم نسج علاقات خصبة، وإعطاء معنى لوجودهم وبناء ذواتهم بذواتهم، وهو أمر أصعب بكثير من ترك الأمر لأيديولوجية دينية رسمية. يجوز للدولة أن تحدد المبادئ العامة للقانون وضمان السلام الاجتماعي ولكن لا يمكن أن تذهب إلى أبعد من ذلك، فما بعد ذلك لا يخص سوى الإفراد وحدهم.
عرض الفلسفة على أنها ضرب من التفكير
◄الجديد: لنعد إلى مسألة المقدس في أوروبا إذا سمحت، أنت تعتقد بأنه لم يختف، كيف؟
* لوك فيري: من يزعم بأن المقدس قد اختفى من المجتمعات الأوروبية الحديثة يرتكب خطأ مزدوجا: فأولا تبقى الديانات في هذه المجتمعات حاضرة بالمقدار الذي يحبذه الأفراد، وثانيا توجد رموز غير دينية فيما يخص العلاقة بالمطلق إذ المطلق ليس هو المقابل للدنيوي فقط بل هو أيضا ما يمكن أن نضحي بحياتنا من أجله، ولا نحتاج أن نكون مؤمنين لنقدس أوطاننا أو ببساطة الأشخاص الذين نحب مثلا. وبعيدا عن السقوط في خواء روحي بسبب عدم وجود ما فيه الكفاية من الدين، فعلى العكس تماما، فمجتمعاتنا الأوروبية هي أول المجتمعات المعروفة التي أصبحت حرة وأكثر أخلاقية في نفس الوقت من كل المجتمعات المعروفة حتى الآن في التاريخ كما في الجغرافيا. يريد البعض أن يوهمنا بأن أوروبا هي الاستعمار وتجارة الرقيق والإبادات الجماعية فقط!
◄الجديد: ولكن تلك حقائق لا ينبغي نكرانها..
* لوك فيري: الحقيقة أن قارتنا هي بالأحرى من ألغى العبودية ولم يكن ذلك الإلغاء مفروضا بالقوة وإنما جاء نتيجة الأنوار الأوروبية. ويقال أيضا إن شعوب الجنوب لم يعد يغريها النموذج الغربي الذي هو في سقوط حر! وألاحظ العكس تماما وخير شاهد على ذلك الآلاف من المهاجرين الذين يقصدون قارتنا اليوم مضحّين بحياتهم أحيانا. وعلاوة على ذلك، لقد مال كل شيء في العالم لصالح القيم الديمقراطية في السنوات الخمسين الماضية، في الشرق كما في أميركا اللاتينية بل حتى في الصين التي تسير بخطى سريعة نحو التغريب. ويبقى العالم الإسلامي الاستثناء الوحيد.
◄ الجديد: وبالنسبة إلى أوروبا لا انحطاط ولا شيء من هذا القبيل في رأيك؟
* لوك فيري: إذا كان هناك انحدار ما في أوروبا اليوم فهو على المستويين الاقتصادي والاجتماعي فقط. ولكن لا يعود ذلك أبدا إلى انعدام المبادئ الأخلاقية وإنما على العكس من ذلك، إذ قيمنا الإنسانية، الأخوة والتضامن والحماية الاجتماعية.. هي التي خلقت دول العناية والرفاه وهذا لعب دورا سلبيا ضدنا في إطار المنافسة المعولمة إلى درجة أصبح وضعنا صعبا أمام عدد الوافدين الجدد. ولهذا ينبغي أن نحافظ على نموذجنا الاجتماعي أكثر من أي وقت مضى.
◄الجديد: في كتابك " الإنسان المؤله أو معنى الحياة "، تتابع تطور الأفكار التي انبثقت عن علمنة المجتمع الأوروبي، ونفهم انطلاقا من تحليلك أن القيم الأخلاقية تحل محل الدين أكثر فأكثر، وأن دليل الإنسان غدا مع مرور الوقت أخلاقية مؤسسة في جزء كبير منها على مبادئ حقوق الإنسان.. فهل هذه السيرورة قابلة للتعميم على العالم كله؟ وهل يمكن أن تحدثنا عن خصوصية الحضارة الأوروبية وتأليهها للكائن البشري؟
* لوك فيري: مثل الفيلسوف هيجل الذي وصف الوعي الشقي وصفا جيدا، لا يريد عدد كبير من المثقفين والنقاد في أوروبا الليبرالية والديمقراطية إدراك سوى ما ينهار ويموت في التاريخ، وتقريبا لا يرون أبدا ما ينبثق ويبدأ في الحياة. ومن هنا تلك النزعة التشاؤمية التي كانت قوية إلى درجة أطلقت العنان للفكر السلبي. ومن هنا أصبح التفاؤل يبدو سذاجة والتشاؤم ذكاء. وفي حقيقة الأمر أصبح هذا التشاؤم مرض العصر. ولم تعد تحصى الكتب التي تعلن انحطاط أوروبا، انهزام الغرب وسقوطه، اضمحلال المجتمع المدني، فشل الليبرالية المؤكد وغير ذلك من التكهنات التي نقرأ على طول صفحات تلك الكتب التي لا ترى مصير القارة العجوز سوى مأساويا. أحسن إجابة ربما على هذا الزعم مقولة جورج برنانوس الشهيرة "إذا كان المتفائل غبيا سعيدا، فليس المتشائم سوى غبي شقي".
فيري: من يزعم بأن المقدس قد اختفى من المجتمعات الأوروبية الحديثة يرتكب خطأ مزدوجا
◄الجديد: كلمة جميلة وعميقة ولكن ماذا تقصد من ورائها هنا؟
* لوك فيري: يجب أن نعترف ونحن في مطلع القرن الواحد والعشرين أن الأنماط التقليدية للتضحية الجماعية، العنيفة وواسعة النطاق قد تم تجاوزها تماما. فمن يرغب اليوم، على الأقل في أوروبا، أن يموت في سبيل الله، أو من أجل الوطن أو الثورة؟ لا أحد أو تقريبا لا أحد. وعلى عكس الكآبة السائدة، أعتقد بأن أهم خبر سار ليس بالنسبة إلى القرن العشرين فقط وإنما بالنسبة لألفية كاملة هو انتهاء الحروب الوطنية. كيف يمكن أن لا أعتز وأبتهج بهذا السلم، أنا الفرنسي الذي درس الفلسفة بألمانيا التي كان أبي في حرب معها في الميدان؟ أما في ما يخص هراءات الماوية القاتلة التي خلّفت عشرات الملايين من الضحايا في ظروف فظيعة، فاستثناء بعض المثقفين الطاعنين في السن المسكونين بحب الظهور، فلا مثقف لا يسره تصفية هذه الماوية وذهابها إلى غير رجعة.
◄الجديد: وفي ما يخص الحروب اليوم؟
* لوك فيري: هي مقرفة تلك الحروب الدينية التي تلطخ العالم بالدماء اليوم! ولكن هل هذا يعني ويكفي للقول بأننا نعيش في عصر الخواء، إزاحة السحر عن العالم، والهروب المدني؟ لا أرى ذلك إطلاقا. بل ذلك هو وهم الوعي الشقي النموذجي الذي لا يحبّ أن يحبّ. ما نعيشه ليس إجهازا بأيّ حال من الأحوال على المقدس أو كسوفا للقيم وإنما هو تجسيد جديد لها في وجه جديد، وجه الإنسانية. اطرح على نفسك بكل أمانة السؤال التالي: من أجل من أو ماذا أنت مستعد للتضحية بحياتك؟ بكلمات أخرى، ما هو الشيء الذي تعتبره كمقدس، كجدير بالتضحية؟
◄الجديد: سأعيد توجيه السؤال ذاته إليك..
* لوك فيري: سيكون الجواب بالنسبة إلى أغلبيتنا الساحقة في أوروبا: الإنسان هو المقدس القريب والبعيد وليس التجريدات الفارغة للدين والسياسة التقليديتين. وبفضل هذه الليبرالية المفترى عليها كثيرا، نحن نعيش ولادة وجه إنساني جديد مغاير لإنسية فولتير وكانط وحقوق الإنسان والعقل وتلك الأنوار التي كانت حقا حاملة لمشروع تحرر واسع بيد أنه قاد أيضا إلى الامبريالية وإلى الاستعمار. ما نعيشه هو على النقيض من ذلك: إنسية ما بعد كولونيالية وما بعد ميتافيزيقا، إنسية تعال وحبّ وغيرية. ينبغي علينا ابتداع مقولات فلسفية جديدة من أجل التفكير في إشكاليات هذه الإنسية الجديدة والآمال المعلقة عليها. وأقل ما نقول هو إنّ هذا الرهان يستحق كل اهتمامنا.
◄الجديد: هل لديك فكرة عن الفلسفة العربية اليوم وهل تعتقد أن هناك فلسفة غير غربية؟
* لوك فيري: يبدو من تعريف الفلسفة الذي اقترحت منذ قليل أنها لا بد أن تكون علمانية أو لا تكون. وبطبيعة الحال يوجد علماء لاهوت ومفكرون كبار في مجال الدين كالقديس توما الإكويني وباسكال لدى المسيحيين وابن سينا وابن رشد في العالم العربي الإسلامي. فكتاب "فصل المقال" لابن رشد هو عمل رائع حقيقة ومؤلفه شارح عظيم لأرسطو وكان له تأثير كبير جدا على العالم المسيحي وآدابه. ولكن مهما كان الفكر عميقا، فإن ذلك لا يجعل منه فلسفة إذ لا يمكن التفلسف دون التحرر نهائيا من قبضة الدين.
◄الجديد: يقدم أندري كومت سبونفييل نفسه على أنه فيلسوف مادي مأساوي بينما يرى ميشال أونفري نفسه فيلسوفا متعويا.. فكيف يصنف السيد لوك فيري نفسه؟
* لوك فيري: كإنسي (هومانيست)، بطبيعة الحال، بالمعنى الثاني للكلمة الذي حدثتك عنه سابقا، إنسية الحب التي أحاول تشييدها منذ مدة من كتاب إلى آخر.
ينشر الحوار بالاتفاق مع مجلة "الجديد" الشهرية الثقافية اللندنية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.