جميل حديث الإسلاميين عن الدولة المدنية. لكن هذا الطرح الجديد داخل الجسم الإسلامي يجر خلفه كما هائلا من التساؤلات حول ما إذا كانت الحركة الإسلامية عموما قد سئمت وتعبت من طرحها السابق المنادي بدولة شعارها الإسلام هو الحل? وما مدى صلابة القضية تنظيريا عند القول أن الدولة بالاحتكام إلى الفكر الإسلامي هي دولة مدنية وليست دينية? وبالنظر الى التحولات العديدة التي أصابت النسيج الظاهري والعميق للمجتمعات في الفترة الأخيرة, هل يعني حديث الإسلاميين قراءة جديدة لهذه المجتمعات تخالف قراءة العقود الماضية? وهل تعكس خشية من غياب الدور المؤثر في الإصلاح السياسي المستقبلي في العالم العربي إذا ما بقيت الحركات الإسلامية متمترسة خلف شعاراتها القديمة, وفي النهاية هل تحمل هذه الدعوة في طياتها مضامين حديثة? لا يكفي أن يتحدث عدد من منظري الحركة الإسلامية عن الدولة المدنية فقط, بل يحتم عليهم ذلك تقديم تعريفات جديدة لمسائل مثل الديمقراطية و حقوق الإنسان و التعددية و المجتمع المدني, وحرية المرأة.وفي قضية ولاية المرأة على وجه الخصوص لا تبدو الأشياء بالسلاسة التي يتحدث عنها الدكتور رحيل الغرايبة, من كونها " قضية خلافية فقهية, يمكن تجاوزها" والحقيقة أن الإرث الفقهي تجاه هذه القضية تحديدا يجعل من الصعب تجاوزها. ستكون رجاحة و صلابة مقولة الدولة المدنية مرهونة بمدى نجاح الإسلاميين في الخروج من حالة الإرباك النظري تجاه هذه القضايا دون أن تنقطع عرى العلاقة بينهم وبين مقتضيات الفقه الإسلامي, وسيكون على أصحاب هذه الدعوة أن يفصلوا بصورة عملية كيفية الوصول إلى "الديمقراطية الإسلامية" أو حكم الشعب الإسلامي وفقا للتعريفات الجديدة. تأتي وجاهة طرح الدولة المدنية من قبل الإسلاميين مستندة إلى أن الإسلام لم يقدم نموذجا واحدا و حصريا للتصدي للقضايا السياسية. من هنا يأتي رفض الحكومة الإلهية ال ̄ (اتوقراطية) التي تقوم على "الحق الإلهي الممنوح للفقهاء" لأنها ببساطة لا تنسجم مع حكم الشعب, فالديمقراطية بمبانيها و أصولها مثل المساواة الإنسانية, حكم الشعب, المشاركة العامة, حقوق الإنسان واحترام القانون تتعارض مع هذا النوع من الحكم. ومع ذلك ما زال طرح الإسلاميين هذا لا يخبرنا ما إذا كانوا يتبنون فكرة ترى أن المواطنين المسلمين في مجتمع ما يمكنهم الجمع بين المحافظة على ايمانهم و أخلاقهم وقيمهم الإسلامية و الحصول على حكومة ديمقراطية, لأن الإسلام سيكون بالنسبة لهم بمثابة دين و تكون الديمقراطية بمثابة أسلوب للحياة السياسية المعاصرة. وهذا الطرح يصطدم بأسئلة من نوع: - إذا حدث و اصطدمت تشريعات الدولة المدنية مع نصوص الفقه الإسلامي هل يصبح من الممكن اجراء اصلاحات في احداهما او كليهما لخلق حالة الانسجام المطلوبة? - إذا كان التعارض بين الأمرين عميقا ومطلقا بحيث لا يمكن إحداث حالة الانسجام المطلوبة فأيهما يمكن إسقاطه لمصلحة الآخر? "الدين و الديمقراطية","الإسلام و حكم الشعب", " الحكومة الدينية و حكم الشعب ", كلها عناوين جدل فكري عميق وحاد تنتظر أصحاب طرح الدولة المدنية من ذوي الفكر الإسلامي, خاصة و أن هذا الطرح سيدخل مواجهة مع من يتبنون القول بتعارض الدين بشكل كلي مع الديمقراطية أو بتعارض الإسلام مع الديمقراطية, وكذلك الحال بالنسبة لمن ينادي بالعلمانية المطلقة ويقول بأن الإسلام أمر مقصور على الدائرة الشخصية و الروابط الفردية, ويرفض أي دور للدين في الميادين الاجتماعية, ويدافع عن العلمانية كأساس وبنية تحتية للديمقراطية. [email protected] العرب اليوم