مرة اخري لأبناء البطانة بالمليشيا: أرفعوا ايديكم    موسى محمد أحمد يؤكد موقفهم الداعم للقوات المسلحة واحتفالات في الفاشر    تأخير مباراة صقور الجديان وجنوب السودان    شاهد.. الفنانة عشة الجبل تطلق أغنية جديدة تدعم فيها الجيش وتسخر من قوات الدعم السريع: (قالوا لي الجيش دخلا الدعامة حطب القيامة جاهم بلاء)    الكابتن الهادي آدم في تصريحات مثيرة...هذه أبرز الصعوبات التي ستواجه الأحمر في تمهيدي الأبطال    شاهد بالفيديو.. وسط دموع الحاضرين.. رجل سوداني يحكي تفاصيل وفاة زوجته داخل "أسانسير" بالقاهرة (متزوجها 24 سنة وما رأيت منها إلا كل خير وكنت أغلط عليها وتعتذر لي)    شاهد بالصورة.. حسناء الفن السوداني "مونيكا" تشعل مواقع التواصل الاجتماعي بأزياء قصيرة ومثيرة من إحدى شوارع القاهرة والجمهور يطلق عليها لقب (كيم كارداشيان) السودان    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    من سلة غذاء إلى أرض محروقة.. خطر المجاعة يهدد السودانيين    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    تفشي حمى الضنك بالخرطوم بحري    بالصور.. معتز برشم يتوج بلقب تحدي الجاذبية للوثب العالي    المخدرات.. من الفراعنة حتى محمد صلاح!    لولوة الخاطر.. قطرية تكشف زيف شعارات الغرب حول حقوق المرأة    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    مدير شرطة ولاية القضارف يجتمع بالضباط الوافدين من الولايات المتاثرة بالحرب    محمد سامي ومي عمر وأمير كرارة وميرفت أمين في عزاء والدة كريم عبد العزيز    توجيه عاجل من"البرهان" لسلطة الطيران المدني    مسؤول بالغرفة التجارية يطالب رجال الأعمال بالتوقف عن طلب الدولار    لماذا لم يتدخل الVAR لحسم الهدف الجدلي لبايرن ميونخ؟    مصر تكشف أعداد مصابي غزة الذين استقبلتهم منذ 7 أكتوبر    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر.. معلومات جديدة وتعليق كندي    النفط يتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية وتوقعات العرض الحذرة    توخيل: غدروا بالبايرن.. والحكم الكارثي اعتذر    النموذج الصيني    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    مكي المغربي: أفهم يا إبن الجزيرة العاق!    الطالباب.. رباك سلام...القرية دفعت ثمن حادثة لم تكن طرفاً فيها..!    موريانيا خطوة مهمة في الطريق إلى المونديال،،    ثنائية البديل خوسيلو تحرق بايرن ميونيخ وتعبر بريال مدريد لنهائي الأبطال    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    الولايات المتحدة تختبر الذكاء الاصطناعي في مقابلات اللاجئين    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سخر من \"الخدعه الكبرى\" وشبهها ب \" وادي المساخيط \"..ضابط مخابرات سوداني سابق يروي التفاصيل الكامله لعملية إغتيال العقيد القذافي في باب العزيزيه ودور المُخابرات الامريكيه والسودانيه فيها.
نشر في الراكوبة يوم 29 - 06 - 2011

بادئ ذي بدء وللحقيقة والتاريخ فمقالي هذا ليس دحضاً لِما اوردته صحيفة السوداني في حوارها مع سيادة العميد خضر الحسن - ولكنه للتوثيق وبحثاً عن تساؤل مشروع وهو هل حقاً التاريخ يُعيد نفسه ؟؟
فما يجري الآن في الساحه العربيه ضد الشقيقة ليبيا شبيه بالمكائد التي كانت المُخابرات الأمريكيه تحيكها ضدها في ثمانينات القرن الماضي - وكالعاده الامريكان يُنفذون مُخططاتهم عبر عملائهم بالأجهزه الاعلاميه والقمعيه ويُبررون تدخلاتهم بفتاوي ومُناشدات يصدرها عمرو موسى والقرضاوي وأمثالهم من الأكلين في كل المُوائد.
للعقيد القذافي وشعبه أيادي بيضاء على نظام البشير ولا بُد أنهم إندهشوا لتصريحاته ضدهم- ولكن السودانيين بالطبع لم يستغربوها منه فرئيسنا المِغوار معروف بجحوده ونكرانه للجميل- ولم يستثني من سهام غدره حتى مُعلمه وشيخه حسن الترابي نفسه .. ولولا أننا في سودان الانقاذ حيث المال عند بخيله والسيف عند جبانه والخائن يُكرَم ويُرقى لِرتبة الفريق طيار لِتوارى عن الأنظار خجلاَ المدعو محجوب عروه خصوصاً بعد أن إعترف بعمالته باكياً في التلفزيون الرسمي ، ولما جرؤ على كتابة مقال يدعو فيه الكيزان اللذين سجنوه وأهانوه وفضحوه لِطرد السفير الليبي من الخرطوم والاعتراف بمرتزقة أمريكا اللذين إحتلوا درة ليبيا بنغازي ((ولكن إلى حِين فأحفاد عمر المُختار قادمون)) وبما أن الحديث ذو شجون فلا بأس من أن أدلي بدلوي فيما نُشرته صحيفة السوداني بهدف تبييض وجه جهاز امن الدوله المُنحل الكالِح السواد والذي فشلت عناصره الهشه حتى في حماية أنفسها ثم سأعود لموضوعنا الأصلي.
لقد كفتني الصحفيه ساره عيسى مشقة التفكير في وصف مسرحية الخدعه الكبرى لمؤلفها العميد خضر الحسن و التي روجت لها صحيفة السوداني ((التي أسسها الجاسوس التائب محجوب عروه شراكةً مع إبن عمه مُهرب الفلاشا لاسرائيل وبدعم من المخابرات الامريكيه)) حين لخصتها بقولها أنها رواية أشبه برواية لغز " وادي المساخيط " للمغامرين الخمسة.
وحقيقةً فقد إندهشت لما أدلى به العميد خضر من أقوال ((أو بالأحرى ما نسبوه إليه من تخاريف حيث لا يستقيم عقلاً ولا منطقاً - أن يقوم مُدير العمليات في أي جهاز مخابرات في العالم بتنفيذ عمليه مُخابراتيه عشوائيه بساتر غير شرعي لأن إعتقاله وتعذيبه سيؤدي إلي تقويض كل عمليات الجهاز وكشف عناصره - ثم هل العميد خضر الحسن لا يعرف رتبة رئيس الجهاز حين كتب في الفصل الأول من مسرحيته (( إستدعاني الفريق عمر الطيب ))..فمتى كان اللواء (م) عمر الطيب فريقاً ؟؟ .. أم أن الترقيه من السيناريست لزوم الحبكه والاثاره؟!!
ثالثة الأثافي زعمه بأن المُعارضه اليوغنديه تعرفه وتعرف أنه الرجل الثالث بالجهاز وأنهم قاموا بتحذير المخابرات الليبيه منه !! حيث هذه الجزئيه تؤكد لي أن الرواية كلها مُفبركه ومنسوبه زوراً للعميد خضر الحسن أو أنه قالها في حالة لا وعي - والدليل على صِدق إستنتاجي أن العميد خضر الحسن لم يكن يوماً الرجل الثالث في جهاز الأمن فهيكلية الجهاز كانت تتدرج من رئيس الجهاز ثم نائبه اللواء كمال فوزير الدوله للأمن الداخلي اللواء الفاتح الجيلي المصباح ثم وزير الدوله للأمن الخارجي اللواء عثمان السيد قسم السيد فرئيس هيئة الاداره اللواء إبراهيم محمد الحسن ثم مُدراء الهيئات والادارات والافرع كما أن هيئة العمليات بالجهاز تختلف عن هيئة العمليات بالجيش حيث مبدا ((معرفة الحاجه على قدر الحاجه )) يمنع إطلاع أعضاء الجهاز على نشاط زملائهم أو التداخل في غير المجال المنوط بهم وتقوم الأفرع والادارات المُختلفه بعملياتها الاستخباراتيه دون مُشاركة أو حتى إستئذان هيئة العمليات التي لا يتعدى عدد ضباطها أصابع اليد الواحده وهي إداره إسميه أو شرفيه ليس إلا .. والدليل أن الجهاز وحين قام بتوجيه من المخابرات الامريكيه بتدريب الطلبه الليبيين اللذين تمكن المقريف من تجنيدهم أثناء تلقيهم دوره في شركة سيمنز بألمانيا لأجل إقتحام مقر العقيد القذافي في باب العزيزيه وإغتياله في العمليه التي سأسرد تفاصيلها ادناه لم يُشارك معنا ضابط واحد من هيئة العمليات - ثم إذا غالطنا عقولنا وصدقنا الروايه فسيتبادر تساؤل منطقي و هو ما هي الأوسمه والأنواط التي حصل عليها ضابط قام بكل هذه البطولات وضحك على أخطر وأشرس المخابرات من ليبيه ومصريه وسعوديه وهلم جَرآ ؟؟
للأسف كل العاملين الجهاز في تلك الفتره يعلمون بأن العميد خضر الحسن تم نقله للجنوب بدون أن يُمنح ترقيه إستثنائيه أو يُنقل لأي قنصليه للجهاز خارج السودان كما لم ينل أي تكريم ولو رمزي !! وتولى مكانه العميد كمال حجر الذي تشرفت شخصياً بالسفر معه لجمهورية تشاد ضمن الوفد المُرافق لوزير الداخليه المرحوم الفريق على ياسين وقد أحضرنا معنا بالطائره العسكريه الأسرى السودانيين اللذين أسرتهم القوات التشادية خلال معاركها مع الجيش الليبي وسأتطرق لتلك المأموريه فيما بعد.
إدعاء العميد خضر الحسن بأن العمليه كانت دون علم المخابرات المصريه والأمريكيه يزيد من شكوكي في أن أقواله منسوبه له دون علمه حيث هل يُعقل بأن مدير العمليات بالجهاز لا يعلم بأن هنالك إتفاقية تكامل أمني مُوقعه بين جهاز أمن الدوله المُنحل والمُخابرات المصريه وأن ضباط الأخيره وعلى رأسهم اللواء عماد ونائبه أحمد رجب مُعسكران اليوم كله بمكتب اللواء كمال نائب رئيس الجهاز ويطَلِعان على الشارده والوارده - أما المخابرات الأمريكيه فحدث ولا حرج حيث المستر ملتون ونائبه جاريت جونس لا يُفارقون مكتب رئيس الجهاز إلا بعد إنتهاء الدوام الرسمي فكيف لا يعلمان بمغامراته هذه ؟؟
نعم فسفينة السلاح التي أرسلها النظام الليبي بهدف الاطاحه بالنميري تم الإستيلاء عليها من قِبل جهاز أمن الدوله المُنحل - ولكن ليس بسبب كفاءة الجهاز كما زعم العميد خضر الحسن وإنما كانت بإختصار لخيانة عثمان الطويل للليبيين اللذين كانو يثقون به.
كان يُمكن أن يكون جهاز أمن الدوله المُنحل مفخرةً للوطن وأن يُنفذ أعمالا أكبر وأهم ولا يتأثر بتقلب الأنظمه خصوصاً وقد زخر بمجموعه من أكفأ وأنزه ضباط المخابرات في العالم كالعميد حسن صالح بيومي والمرحوم هاشم أباسعيد والمقدم حيدر حسن أبشر والمقدم إدريس عبدالرحيم والرائد عبدالله عبدالقيوم وغيرهم.. ولكن للأسف و لأسباب لا علاقة لها بالكفاءة والخبره !! فقد إصطفى اللواء عمر حِفنةً من الضباط سلمهم مكتبه وإئتمنهم على أسراره فعاثوا في الوطن فساداً ولطخوا بالعار سُمعة الجهاز حين تدافعوا مذعورين في محكمة ترحيل اليهود الفلاشا لاسرائيل ليشهدوا ضد ولي نعمتهم - وقد شاهدنا جميعاً ممثل الاتهام في قضية ترحيل الفلاشا يقول في المُحكمه المُتلفزه :-((أن المال الخاص بمكتب برئيس الجهاز إختفى فجر الانتفاضه ولكننا نجحنا في إنتزاعه من فك مفترس)) ويقصد بذلك مدير مكتب رئيس الجهاز الذي عندما سأله وكيل النيابه عن المبلغ أنكر وعندما حاصروه وهددوه خاف وإعترف قائلاً بأنه سرق المبلغ وأخفاه عند اُمه (( الطريف أن هذا الضابط الجبان صار وبلا خجل يكتب ناصحاً لرئيس النظام وسارداً بطولات من وحي خياله)) وحقا إن لم تستح فأصنع ما شئت.
سأورد أدناه نص حوار أجرته معي صحيفة عربيه في أوائل التسعينينات ثم أسال العميد خضر الحسن هل يُعقل أن يكون دخل باب العزيزيه ولا يستعين به الجهاز في عمليه هدفها إقتحام باب العزيزيه ؟؟
حقيقةً ما كنت أتوقع من العميد خضر أن ينخدع من جريوات اللواء عمر الطيب اللذين خانوه وصاروا شهود ملك ضده فهو والحق يُقال لا يشبههم ولم يتخابر لجهه أجنبيه أو يخون قائده أو يسرق مثلهم ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه --ولنبدأ تفاصي العمليه مِحور المقال بالحوار الذي أجرته معي مجلة العربيه مُنتصف التسعينينات حيث أن معظم الحقائق في عالمنا المعاصر لم تعد متاحة إلا لدى أجهزة المخابرات؛ فقد كان لزاماً علينا أن نتحرى ونستوثق من ضباط عركوا هذا المجال وواكبوا عملية تحول المقريف من مجرد لص هارب
إلى عميل للمخابرات الأمريكية يحمل رقماً في دهاليزها.
ولم نجد أفضل من الأخ عزت عبد السلام السنهوري الذي عمل في أوائل الثمانينات كضابط برتبة ملازم في شعبة ليبيا بجهاز أمن النميرى، ثم ضابطاً بالاستخبارات العسكرية في عهد المشير سوار الذهب، ثم مديراً لمكتب مسئول الأمن بحزب الأمة إبان حكم الصادق المهدى. وفي الثلاثة عهود كانت له مع المقريف وجماعته لقاءات ومواقف منحته الكثير من العائد المعلوماتي عما يسمى بالمعارضة
الليبية، لاسيما وقد كان المشرف المباشر على تأمين أعضائها ومقارها وإذاعتها ومن ضمن الفريق المكلف بالإشراف عليها.
وقد أجرينا معه حواراً مطولاً استبانت فيه كل خفايا وأسرار المقريف وجبهته المزعومة.. كان نصه:
س1- كيف ومتى بدأت علاقتك بالمقريف وجماعته؟
. عشقت العسكرية منذ صغري، و حط بي الرحال – للأسف - في جهاز أمن النميرى، ذلك الشخص الذى باع وطنه وشعبه.. بل ولاجئيه من اليهود الفلاشا للكيان الصهيوني، وكان من الطبيعي أن يتآمر المذكور على جيرانه العرب والأفارقة. وبالفعل، وبعد استغلال الترابي لجهله؛ حيث نصبه إماماً للمؤمنين وانتزع له البيعة بالإكراه، صدرت التعليمات لجهاز الأمن بتسخير كافة الإمكانيات البشرية
والمعلوماتية لتدمير ليبيا واغتيال العقيد القذافي تحت إشراف ضباط من ال كانوا قد حضروا للخرطوم خصيصاً لهذا الغرض. وحيث أنني كنت في شعبة ليبيا التي تم دعمها من كافة النواحي، وتحولت إلى فرع أسموه التنفيذ والمتابعة، فقد كنت مواكباً ومطلعاً على كل
الأحداث قبل حضور المقريف وجماعته، ومسئولاً عنهم بعد حضورهم، بل وعن الاتصال بهم بعد خروجهم، وذلك بالطبع بسبب تقلبي في كافة الأجهزة الأمنية.. ليس تغييراً لمبادئ، وإنما اقتناعاً بدوري كضابط مخابرات محترف يحمي التراب الوطني ويفديه وليس مَن يتولى السلطة فيه، وقد شهد لي رؤسائي وقادتي بذلك.
س2- إذاً، ما قصة حضور المقريف إلى السودان؟
. بعد انقلاب النميرى في 25 مايو 1969، تصدى له الهادي عبد الرحمن المهدي إمام الأنصار، وأخذ يعبئ أنصاره ومريديه في معقله بجزيرة آبا وسط السودان، مما حدا ب النميرى أن يقصف المنطقة بأسرها بالطائرات الحربية، فاستشهد الألوف وأُسر
المئات وانطلقوا حفاة عراة نحو الجارة أثيوبيا، فمنهم مَن قُتل على الحدود بدون محاكمة كالإمام الهادي نفسه ورفاقه، ومنهم مَن نجا بجلده ووصل أرض منليك سالماً، وهناك صدمتهم المفاجأة؛ فالإمبراطور هيلاسلاسي كان يخشى غضب النميرى واستغلاله لآلاف اللاجئين الإريتريين والأثيوبيين الموجودين بالسودان ضده، فطلب منهم المغادرة سالمين إلى حيث شاءوا.
ولم يجدوا سماء تظلهم وأرضاً تأويهم إلا في الشقيقة ليبيا، التي استضافتهم وكرمتهم عملاً بتقاليد الإسلام وحقوق الجوار، فطاش صواب النميري الذي أعمى الحقد قلبه وضميره، فطالب رسمياً بتسليمهم له.. واستندت الجماهيرية إلى اتفاقية جنيف الدولية 1933 والتي تقضي بعدم تسليم اللاجئين السياسيين، وكذا إلى غيرها من المعاهدات والاتفاقيات، كما دعمت موقفها بالأحاديث النبوية
والأمثال العربية التي تنهى عن ظلم المستجير وكون تسليمه أعزلاً لعدوه لا يعدو إلا أن يكون عملاً غير أخلاقي.. فبُهت الذي كفر، وأقسم كاذباً أن يقتلهم في ملجئهم وأن يزعزع الأمن والاستقرار في ربوع
ليبيا ويغتال قائدها. وتلقفت المخابرات الإسرائيلية الكرة، وأوعزت لللوبي الصهيوني في أمريكا بدعم نظام النميرى وتقويته عسكرياً وأمنياً لغزو ليبيا التي قضت مضاجع إسرائيل بدعمها المستمر للفصائل الفلسطينية وتبنيها للقضايا القومية، ولكن المخابرات الأمريكية رأت أن للدعم العسكري اللامحدود أضراره المستقبلية، لاسيما وأن ليبيا تعوم فوق بحيرة بترول، ويمكنها شراء أسلحة موازية، فيُستحال الانتصار عليها، وربما أيضاً يطاح ب النميري فتؤول تلك الأسلحة لنظام وطني يوجهها إلى إسرائيل نفسها، ولذا تقرر أن يكون الدعم أمنياً ومخصصاً في اتجاهين، الأول: يتعلق بالتخلص من العقيد القذافي الذي أضحت تصريحاته وميوله تشكل تهديداً للأنظمة الدائرة في فلك المخابرات الأمريكية. والثاني: بتقوية القبضة الأمنية القمعية على الشعب السوداني حتى يستكين لجُلاده، وبالفعل تم اختيار مجموعة من كبار الضباط للتدريب في واشنطن وتل أبيب، وحضر إلى الخرطوم طاقم من أكفأ ضباط المخابرات الأمريكية ضم والبروفيسور بوب GARET GOONSE وMR. MELT
جاك ماكفيث وميلتون الشهير ب وتم التنويه لأعضاء جهاز الأمن السوداني بأن للطاقم الأمريكي حق الدخول لمكاتب محظورة حتى على معظم الأعضاء، وفتح الملفات السرية وحضور الاستجوابات والاطلاع على كافة القضايا الأمنية، مع سلطة إعطاء الأوامر للكل بدءًا برئيس الجهاز وحتى أحدث جندي. وحيث أن الناس على دين ملوكها، فقد باع معظم قيادات الجهاز أنفسهم ودينهم بدنياهم، وصار عبرهم الجهاز عبارة عن كتيبة ملحقة بالمخابرات الأمريكية تأتمر بأمرها وتنفذ مخططاتها، واستغلت الولايات المتحدة هذا الخنوع والتخابر أسوأ استغلال، فعاثت في العلاقات الليبية - العربية عموماً والليبية - السودانية خصوصاً فساداً لا نظير له، وأوهمت النميري وحاشيته - عبر تقارير يفبركها جهازه نفسه - بأن القذافي يخطط للإطاحة بهم واغتيالهم، فخاف النميرى وذهل، وطلب الرأي والمشورة عارضاً خدماته من كل نوع، فأفتوه بأن خير مَن يخلصه من القذافي هو ليبي موثوق به في رئاسة المخابرات الامريكيه يدعى محمد يوسف المقريف، وما عليه إلا الاتصال به في واشنطن ودعوته ومنحه الأرض للمعسكرات والإذاعة، وسيتولون هم والأجهزة الموالية لهم دعمه بالمعدات العسكرية المتطورة والخبراء، كما سيتكفلون بكافة نفقاتهم، مع التوصية للكونجرس بزيادة الدعم المخصص للسودان. وابتلع أمير المؤمنين الطعم، وأرسل المرحوم التجاني أبو جديري وأحمد عبد الرحمن((من قيادات جبهة الترابي)) لدعوة زميلهم في حركة الأصوليين العالمية عاشور الشامس ليُحضر محمد يوسف المقريف، وأذكر أن الترابي حينها كان مستشاراً للرئيس نميرى ووزيراً للعدل وبالفعل حضر المقريف للخرطوم لاهثاً لجمع المزيد من الثروة، ورافلاً في الزي السوداني كاملاً (عبارة عن جلباب وطاقية وعمامة وعباية) مدعياً أن ذلك من حبه للشعب السوداني ورئيسه!! وحيث أنني كنت ضابط الأمن المرافق له، فقد شهدت له ثلاثة لقاءات مع النميرى، نوقشت فيها بالتفصيل عملية اغتيال القذافي. وعبر النميري للمقريف أمامي عن مشاركته أمل التخلص من العقيد القذافي، ثم أثنى على ما تقوم به ال في هذا الصدد، وذكر العديد من الأمثلة على خبراتهم ونجاحهم في محاولات مشابهة. وأصدر النميري أوامره لوزير شئون الرئاسة بمنح المقريف قصر الضيافة رقم (2) الكائن بشارع الجمهورية كمقر له ولجبهته، على أن يتولى جهاز الأمن استئجار المنازل الآمنة لجماعته ومنحهم جوازات سفر سودانية دبلوماسية وعادية، وكذلك اختيار معسكرات التدريب ومدها بالمعلمين، مع إدخال كل الأسلحة والمعدات الواردة من الخارج لهم بدون إطلاع سلاح الأسلحة - الجهة الوحيدة المناطة بذلك رسمياَ في الجيش السوداني - عليها، وذلك لسبب - تبينته فيما بعد - وهو أن المعدات والأسلحة والذخائر التي جلبوها كان معظمها صناعة إسرائيلية.
س3- من أين بدأ المقريف نشاطه .. وكيف؟
. المقريف كان أداة للتنفيذ، وقد أمرته المخابرات الامريكيه باختيار مجموعة من عناصره لبث برامج الغرض منها غسل مخ الشعب الليبي، يقوم بإعدادها خبراء أمريكيون عبر إذاعة متقدمة
انطلاقاً من الأراضي السودانية. ثم كانت الخطوة الثانية متمثلة في المعسكر والتدريب وخلافه.
س4- ما قصة معسكر التدريب الذي أنشأته المخابرات الأمريكية ودعمته المخابرات الإسرائيلية لجماعة المقريف بالتفصيل؟
. تم اختيار هذا المعسكر - واسمه معسكر مندرة - في منطقة جبل الأولياء العسكرية بالقرب من الخرطوم، و أطلق عليه أمنياً اسم (كافكو-1) وكلفت بالإشراف على نقل عناصر المقريف إليه ليلاً
وبشكل سري للغاية. وبدأنا تدريبهم في مطلع الأمر على دورة فدائيين متقدمة، شملت النواحي الأمنية والعسكرية والعقائدية تحت إشراف جهاز المخابرات الأمريكية، وتنفيذ مشترك ضم جهاز أمن
الدولة السوداني وبعض المختصين بالقوات المسلحة، وشارك فيه من الجانب السوداني كل من:
* اللواء أمن عثمان السيد وزير الدولة للأمن الخارجي بجهاز أمن الدولة وسفير البشير حالياً بأثيوبيا).
* العقيد أمن الفاتح محمد أحمد عروة (مدير فرع التنفيذ والمتابعة ومستشار البشير حالياً للأمن بدرجة وزير الدولة).
* الرائد حيدر حسن أبشر رئيس شعبة ليبيا بالمخابرات الخارجية
* الرائد عبد المنعم فودة (من قوات الصاعقة-الفرقة الرابعة المحمولة جواً
* الرائد تاج السر عبد الله (من إدارة الاستخبارات العسكرية
* النقيب حسين عبد الكافي (من سلاح الأسلحة – شعبة المفرقعات
* الملازم عزت السنهوري ضابط الأمن المكلف بمتابعة وتأمين المعارضة الليبية في السودان
ومن الجانب الأمريكي تولى القيادة الفعلية للمشروع الطاقم المخابراتي الذي أشرت إليه من قبل، بالإضافة إلى روبير والذي وصل مع المعدات العسكرية، وكان يتحدث العربية بطلاقة ولكن بلهجة
شامية مما زاد من شكوكنا في أنه ليس إلا ضابطاً في المخابرات الإسرائيلية (الموساد). وبدأنا تسجيل وتحليل كل ما يجري في المعسكر، وإن كان ذلك محل اطلاع ومراجعة وحذف وتوجيه
مسئولي المخابرات الأمريكية، وقد بلغ عدد العناصر التي تم تدريبها ثمانية عشر فرداً، تم تقليصهم فيما بعد إلى أربعة عشر فقط، ثم أعطى مستر ميلت إشارة البدء بعقد دورة عقائدية لكبار السن
ورجال الصف الأول من المعارضة الليبية كي يقوم هؤلاء بتلقينها فيما بعد للعناصر المدربة عسكرياً.
وقد بدأنا التدريب الفعلي في أوائل عام 1983، ومن التدريب على الأسلحة التقليدية الموجودة بمخازن الجيش السوداني ، انتقلنا بالعناصر إلى التدريب على استخدام رشاشات عوزي
الإسرائيلية وصواريخ ميلان الفرنسية (وهي صواريخ موجهة مضادة للدروع، يبلغ طول الواحد منها 75. متراً، وقطره 115 ملم، ويبلغ وزن الإطلاق 6.75 كجم، وسرعته تتجاوز 200 متر في الثانية، فيما يصل مداه الأفقي الفعال إلى 2000 متر) والتدريب كذلك على مناظير الرؤية الليلية وكواتم الصوت، وكيفية صنع القنابل والمتفجرات عظيمة الأثر بالمكونات المحلية. وبناء على تعليمات عليا، تم تكثيف الدورة واختصار مدتها الزمنية بهدف التعجيل بتسريب فريق الاغتيال لليبيا وتنفيذ الخطة المرسومة له.
س5- هل توقف الدور الأمريكي الموسادي عند هذه المرحلة؟
. لا، فقد أحضر جاريت جونس مظروفاً به صورة بالأقمار الصناعية لمنزل العقيد القذافي قمت بتسليمها للمقريف شخصياً، وأبلغته توجيهاً شفهياً من العقيد عروة بضرورة تحرك مقاتليه فوراً،
وبالفعل أعطاني المقريف جوازات المجموعة، وتوجهت إلى وكالة سفر سودانية وحجزت لهم - كنوع من التمويه - لثلاث دول، على أن يتم اللقاء الأخير في تونس في موعد محدد لقنته لهم، كما أجرينا
معهم عدة لقاءات تنويرية شرحنا فيها القواعد الأمنية بشأن السلامة الشخصية والاطمئنان على استيعابهم لما درَّسناه لهم من قبل في هذه الناحية. وفي الحقيقة، كانت الدورة العقائدية التي تلقنوها
لهم ال عبر "عواجيز" الجبهة قد نجحت في غسل أدمغتهم تماماً من أية ميول وطنية أو إنسانية، وهذا طبيعي لصغر سنهم؛ فلم يكن أكبرهم يتعدى الخمسة والعشرين عاماً، ومعظمهم كانوا طلبة
في دورة دراسية بشركة سيمنز العالمية بألمانيا، وغرر بهم المقريف عبر مساعده سليمان الضراط، ومنَّاهم بوزارات وسفارات جعلتهم يرتكبون حماقة الإقدام والمجاسرة دون أدنى تفكير عقلاني، ولذا لم
نتبين مدى استيعابهم لما تلقوه. ورغم أن الأمريكيين كانوا معنا في الصورة، إلا أن دورهم تراجع في هذه المرحلة الأخيرة.
س6- لماذا تراجع الدور الأمريكي في آخر مراحل العملية كما ذكرت؟
. في تقديري أنهم توجسوا من فشلها بسبب رعونة فريق الاغتيال الذي تم تدريبه، وكي يبدو الأمر في هذه الحالة كأنه صراع ليبي- ليبي.
س7- كيف كنتم تتابعون أخبار العملية؟
معلوماتنا كانت تأتي عبر محطتنا الخارجية بسفارة السودان في تونس، ثم نحولها إلى جماعة المقريف، وفي الغالب تكون مع توجيه لهم بإصدار بيانات صحفية في إطار
معين، ونفرض على وكالة السودان للأنباء "سونا" أن تذيعها على أساس التقاطها من روما، ومن ثم يُتداول الخبر في أوسع نطاق.
س8- ماذا كان رد فعل المقريف بعد فشلها؟
. اعتبرها كسباً إعلامياً وكسراً لما أسماه بحاجز الخوف، ورغم أنه السبب الأساسي في الأرواح التي أُهدرت فقد كان منتشياً؛ حيث ارتفع رصيده في دهاليز المخابرات الأجنبية معنوياً ومادياً.
س9- بخلاف التدريب، هل شارك أي سوداني في نشاطات جماعة المقريف؟
. في الحقيقة.. لا، بخلاف اثنين، الأول: جمال محمد حسن المعروف بجمال حسنين والذي أوصى عليه الترابي للعمل موظفاً معهم، ويعمل حالياً ضابطاً بالإدارة الفنية لجهاز أمن السودان، والثاني: سوداني الجنسية من أصل ليبي، وأسرته مقيمة في السودان منذ أمد بعيد، وهو يونس الجويلي.
س10- هل تغيرت خطط جماعة المقريف بعد ذلك؟
. نعم، حدث تغيير كان سببه الأول الاعترافات التي أدلى بها أسامة السنوسي شلوف - أحد أعضاء فريق الاغتيال - خلال التحقيق الذي أجري معه بعد اعتقاله
وأذيع على الملأ. وحقيقة لم أكن مطلعاً على كل المتغيرات، ولكن علمت بها من كتاب "سراب طرابلس.. القصة الكاملة لمحاولات المخابرات الأمريكية لاغتيال القذافي".
س11- هل هناك شخصيات ليبية كانت تدعم المقريف بخلاف الدعم الممنوح له من قبل المخابرات
الأجنبية؟
. سمعت من شقيقه أنور المقريف أن هناك شخصيات ليبية تفرض نفسها على الجبهة بسبب الأموال التي تدفعها لها، ووصفها بأقذع الألفاظ والتي يعف اللسان عن ذكرها، وأذكر من الأسماء التي قالها: مصطفى بن حليم رئيس وزراء ليبيا الأسبق، حسين سفراكس سفير ليبيا في الأردن وعزيز شنيب الذي كان ضابطاً بالجيش الليبي، وللمقريف معه قصص تحتاج لقاء آخر، كذلك أذكر من الأسماء التي قالها لي أنور كلاً من محمود دخيل وآخرين.
س12- هل اتصل المقريف بالحكومات السودانية التي أعقبت الإطاحة بالنميري؟
. نعم، ففي عهد سوار الذهب بعثوا برسالة للواء فارس حسني عضو المجلس العسكري الانتقالي ومدير الاستخبارات العسكرية ((قمت شخصياً بتسليمها له ))، طالبين
منه فيها أسلحتهما التي تحفظ عليها الجيش ضمن الأسلحة الموجودة في مخازن جهاز أمن النميري، والشهادة لله، رفض اللواء فارس أي نوع من التعامل معهم واعتبرهم مرتزقة، ولم يكتفِ بذلك؛ بل أعطى أوامره بمصادرة أسلحتهم لصالح القوات المسلحة السودانية. أما في عهد الصادق المهدي، وإبان مرافقتنا له في زيارته لمصر، فقد طلب مني العميد عبد الرحمن فرح مستشار الأمن الوطني فتح قناة إتصال معهم وبالفعل اتصلت بعزت المقريف شقيق محمد يوسف المقريف، الذي وفق فوراً وإجتمع به عبدالرحمن فرح في منزل دكتور المقريف بالقاهره بحضوري و زميلي الرائد عمار خالد من أمن الحزب والذي تحدث معنا مطولاً عن مؤامرات يحيكها القذافي ضد السودان بسبب عدم إيمانه بالحزبية والأحزاب، ورفعنا الأمر من جانبنا للسيد رئيس الحزب والذي لم يُعِر الأمر أدنى التفات.
س13- قبيل هذه المحاولة اعتقلتم في أمن النميرى المواطن الليبي جمال على أبو بكر، الشهير بجمال بكار.. فهل لذلك علاقة بمحاولة المخابرات الأمريكية - عبر عملائها - اغتيال القذافي أم لماذا تم ذلك؟
. جمال بكار اعتقلناه مع قريبه على السنوسي النفار ولكن ليس بسبب المحاولة، وإنما لمعلومات تلقيناها من جبهة المقريف أكدوا فيها أن المذكور قادم من باريس لينفذ عمليات تخريبية، وأنه يعمل
في الأمن الليبي، وأنه التقى في باريس بضابط مخابرات ليبي يدعى يونس بلال و.. و.. وتبين لنا فيما بعد أن البلاغ كان نوعاً من تصفية الحسابات الشخصية بين العائلات الليبية المقيمة في السودان.
س14- ذكرت في إجابتك السابقة أن هناك عائلات ليبية مقيمة في السودان، نود توضيح ذلك؟
. نعم، وهي عائلات أبو صفيطة والجويلي والنفار وبوبدرية، وهذه العائلات كانت تتاجر أصلاً في الكتكت (العملة التشادية) بالإضافة لتجارة الحدود. وبمرور السنين أصبح أعضاؤها في وضع اقتصادي جيد، فمنهم من يملك المصانع والمزارع والمتاجر، ومعظمهم حاصلون على الجنسية السودانية والتي كان الحصول عليها في السابق سهلاً للغاية، وإبان عداء النميرى لليبيا وقفت هذه العائلات على الحياد حباً لوطنهم الأول، وتقديراً للبلد الذي استضافهم، فأكبرنا فيهم موقفهم إزاء أهلهم؛ فمن لم يكن فيه خير لأهله.. لن يكون فيه خير لغيره، وهذا بالطبع باستثناء آل الجويلي والذين ما زال ابنهم يونس يعمل مع جماعة المقريف.
س15- في بداية الحوار ذكرت أن الأمريكيين أقاموا إذاعة سرية موجهة ضد ليبيا تبث برامجها من السودان، وهم الذين كانوا يقومون بإعداد المادة الإذاعية والبرامج ثم تُترجم للعربية وتُسلم للمنشقين
الليبيين لإذاعتها. نود توضيح هذه النقطة للرأي العام؟
. بالفعل تم كل ذلك، والغرض منه - كما أسلفت - كان غسل مخ الشعب الليبي حتى يتقبل التدخل الأمريكي في شئونه، ورغم أن الإذاعة الحكومية السودانية في أم درمان لا يصل بثها إلى أقاليم
السودان الأخرى - بسبب شح الإمكانيات - فقد كانت هذه الإذاعة تُسمع بوضوح في العالم كله، فقد حكى لي يوماً العقيد حسن عبد الحفيظ - أول رئيس لشعبة ليبيا بجهاز أمن الدولة وقنصل السودان
في روسيا - أنه يسمعها بوضوح في موسكو!! وقد استند وزير خارجية نظام النميري إلى قدرات وإمكانيات الإذاعة الحكومية السودانية التي ذكرتها في اجتماع وزراء الخارجية العرب بتونس سنة
لبحث الشكوى الليبية ضد انتهاكات نظام النميري للاتفاقيات الدولية والعربية وحقوق الجوار والإسلام، وسماحه بممارسة أنشطة تخريبية تمولها المخابرات الأمريكية من أراضيه ضدها. عموماً،
كانت الإذاعة على أحدث مستوى، ويشرف عليها هندسياً وأمنياً خبراء أمريكان - كما يذيع مادتها أعضاء جبهة المقريف، وقد كان منوطاً بذلك كل من على عبد الله الضراط،
فتحي علي بوعود، مجدي الشاعري، عبد الغني عبد السلام صوفية والرشيد، وقد كان التسجيل يتم في استديو خاص بها يقع في منطقة شمبات، وهو عبارة عن منزل مستأجر من العقيد قاسم أحمد
قاسم - قنصل السودان حينها بالسعودية - في حين كان البث الإذاعي يتم من منزل مستأجر من العقيد أمن أحمد محمد الجعلي مدير المخابرات المضادة. وبالإضافة لذلك، كان المنضمون للمقريف
والموجودون في قصر الضيافة رقم 2 ومنزل اللواء عثمان السيد بمدينة النيل ومنزل العقيد الفاتح عروة، ملزمين بكتابة تقارير يومية وأمنية عن ليبيا وشعبها، ومتابعة المصادر المفتوحة، ورفع ذلك لضباط ال بدعوى إنزالها كمادة خبرية بالإذاعة .
س16- الأخ السنهورى.. لا تدخلاً في الشئون الداخلية السودانيه - ولكن توضيحاً للحقائق وتدوينا للتاريخ..
ما قصة هذه البيوت التي ذكرت أنها مستأجرة لجماعة المقريف من كبار ضباط أمن النميرى؟ ومَن الذي كان يدفع إيجارها؟
. في إطار الهيمنة الأمريكية على جهاز الأمن، كان لا بد من التأثير على كبار الضباط للعمل وفق مخططاتهم وعدم كشفها، لذلك طلبوا استئجار منازل آمنة بمبالغ ضخمة لأعمال سرية، شريطة
حراسة عناصر الجهاز لها، مع عدم إطلاعهم على ما يدور بها إلا فيما ندر. وبالفعل، قام العقيد أمن الفاتح عروة بتحديد اثني عشر منزلاً كان أصحابها مرغوبين للتعامل أو متعاملين أصلاً مع الأمريكان
وللتاريخ، فمنزل العقيد قاسم أحمد قاسم وُضع ضمنها للتمويه؛ فهو ضابط نزيه ووطني، وقد استؤجر منه بثمن بخس.. كما انصبت لعنة الشعب الليبي على مَن خانوه من أبنائه في المنزل فانهارت أرضيته
من الداخل وتشققت جدرانه، وكلف ترميمه صاحبه أكثر مما دفعوه لإيجاره بمراحل، أما منزل اللواء عثمان السيد وزير الدولة للأمن الخارجي فقد كان مؤجراً بخمسة آلاف دولار شهرياً.
فاتني أن أذكر أن مرتبي كضابط بذات الجهاز حينذاك كان يبلغ ثلاثمائة وستين جنيهاً تعادل حينها حوالي خمسة وسبعين دولاراً فقط لا غير.
وللحديث بقيةً في الحلقات القادمه
عزت السنهوري
ضابط مخابرات سوداني سابق
فرنسا - باريس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.