تحذيرات منظمة الصحة العالمية من حدوث الحمل في الدول التي تنتشر فيها عدوى فيروس زيكا، دفعت بالكثيرات للجوء إلى إجراء عمليات إجهاض غير شرعية لتفادي ولادة رضع يحملون تشوهات بالغة في الرأس، حيث شكل ذلك فرصة سانحة للانتهازيين في السوق السوداء الذين عرّضوا حياة الكثيرين للخطر. العرب ريو دي جانيرو - ضعف الخدمات الصحية في جل دول أميركا اللاتينية وتفاقم انتشار عدوى زيكا زادا من حدة المخاوف على سلامة المواليد الجدد. ولا تستطيع سودليس بالوا حبس دموعها وهي تقول "أصيبت ابنتي بفيروس زيكا"، في حين يقول الأطباء "إن الأمور تعقدت أكثر"، وتروي هذه الأم (31 عاما) أن ابنتها محتجزة في مستشفى للأطفال بمدينة بالنسيا الفنزويلية وهو يشكو من ترد في مستوى الخدمات الطبية، حيث تذكر أن "الرعاية في منتهى السوء". ويذكر أن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الجمهورية البوليفية جاءت نتيجة التضخم الشديد ونقص في العملات الأجنبية أديا إلى تفاقم الوضع المأساوي الذي يقاسيه أغلب المواطنين نتيجة نقص في المواد الغذائية الأساسية والأدوية، مما يجبر الأسر على تحمل عبء إضافي يتمثل في سداد تكلفة الخدمات الطبية. كما تكشف حالة بالوا مدى خطورة انتشار فيروس زيكا على المواليد والأطفال، بصورة أدت إلى تفشي الشعور بانعدام الأمان لدى الكثيرين. وكانت منظمة الصحة العالمية قد حذرت قبل أقل من عام من مخاطر انتشار فيروس زيكا ودعت إلى اتخاذ تدابير طارئة على مستوى العالم للتصدي إلى هذا الخطر الداهم والناتج عن لدغ بعوضة الزاعجة المصرية، فيما حذرت من أن ما تم اتخاذه في هذا الصدد لا يزال ضئيلا، مع تأكيدها على الارتباط الوثيق بين الفيروس وحالات صغر الدماغ التي يولد بها الأطفال المولدين لأمهات مصابات بالفيروس، فضلا عن زيادة في متلازمة جيلان باريه التي تزامنت مع عدوى فيروس زيكا لدى عامة الناس، ولكن يظل الأطفال هم الأكثر تضررا من انتشار الفيروس. ووفقا لدراسة حديثة نشرتها دورية "نيو أنغلاند جورنال أوف مديسن"، فقد أدى انتشار الفيروس إلى ارتفاع حالات طلب إجراء عمليات إجهاض في أميركا اللاتينية، وفقا لبيانات منظمة المرأة التي تتوافر لديها خدمة تمكين النساء الحوامل من إجراء عملية الإجهاض حتى لو كان هذا الإجراء غير متاح بموجب قوانين بلادهن. وتشير الدراسة إلى أن معدل الطلبات التي تلقتها المنظمة من أمهات برازيليات يرغبن في إجراء عمليات إجهاض خلال الفترة من 2010 وحتى أواخر العام 2015، عندما أطلقت منظمة الصحة العالمية تحذيرها الأول، تضاعف بمعدل 108 بالمئة، فيما زاد المعدل بنسبة 93 بالمئة في فنزويلا. مكمن الخطورة في أنه لا يمكن تفادي حدوث تشوه للرضع، كما لا يوجد حتى الآن مصل وقائي من الفيروس وبحسب الدراسة التي شملت 19 دولة، بلغت الزيادة الأقل في عدد طلبات الإجهاض 36 بالمئة. ويرجع القائمون على البحث السبب إلى التحذيرات التي أطلقتها حكومات بعض الدول للأمهات لتجنب حدوث حمل في تلك الفترة، مما أثار قلق الكثير من الأمهات حيال هذا الأمر. أما بخصوص عمليات الإجهاض التي تتم بصورة غير شرعية سواء بتدخل جراحي أو عن طريق عقاقير يحصل عليها من السوق السوداء، فتوضح الدراسة أنه لا توجد أرقام يمكن الوثوق فيها تكشف مدى تطور الوضع الحالي على الأرض. وتعلق البروفيسور بجامعة تكساس أبيغل آيكن، إحدى المشاركات في الدراسة أن "هذا البحث يساعدنا على تفهم كيف أدت التصريحات الحكومية الرسمية إلى زيادة القلق بشأن فيروس زيكا، بصورة عرّضت حياة بعض النساء للخطر". وأوضحت آيكن أن "الدراسة تكشف أيضا عن مدى هشاشة الاستقلالية التي تتمتع بها المرأة في أميركا اللاتينية في ما يتعلق بقرارات مصيرية تخص حياتها مثل الإنجاب". وتجدر الإشارة إلى أن القليل من الحالات فقط تنتهي بميلاد طفل مصاب بصغر حجم الدماغ، لكن مكمن الخطورة أنه لا يمكن تفادي حدوث ذلك، كما لا يوجد إلى حد الآن مصل وقائي من الفيروس. ومنذ أواخر 2015 تم رصد قرابة 1400 حالة للمواليد المصابين بصغر في حجم الرأس بالبرازيل وحدها، وبالرغم من ذلك لم يكن من الممكن رصد ارتباط الحالة بإصابة الأم بالفيروس سوى بمعدل واحد إلى سبعة فقط. وأطلقت كلا من الولاياتالمتحدةوالبرازيل مشروعا بحثيا موسعا، يتضمن فحص ومتابعة 10 آلاف أم حامل في البلاد التي انتشر بها الفيروس، من بينهن 4000 من البرازيل وحدها، ويتوقع أن يبدأ من نوفمبر المقبل التطبيق التجريبي لمصل يجري العمل عليه حاليا، على فئران تجارب وقرود، على أمل أن يصبح جاهزا للاستعمال الآدمي بحلول العام 2018. وتجدر الإشارة إلى أن القانون يحظر الإجهاض في البرازيل، البلد اللاتيني الأكثر تضررا من تفشي فيروس زيكا، باستثناء حالات الاغتصاب أو حالة وجود خطر حقيقي يهدد سلامة الأم الحامل. وتشير التوقعات إلى ارتفاع حالات الإصابة بنحو 1.5 مليون على أقل تقدير، نظرا إلى عدم إمكانية التحقق بصورة نهائية من البيانات الحقيقية على الأرض. ويذكر أن البرازيل بلد يلعب دورا محوريا في الكنيسة الكاثوليكية ممّا أدى إلى ارتفاع معدلات الطلب على عمليات الإجهاض وإلى حدوث انقسام كبير داخل المجتمع البرازيلي.