سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مشاريع الإنقاذ الوهمية حولت السودان الى ما يشبه البلقنة أو الصوملة.. في ظل مثلث حمدي اليوم الجنوب وغدا لا احد يعلم.. دارفور أو دولة كوش أو الشرق أم جبال النوبة أو جنوب النيل الأزرق.
من الغريب ألا يحتفل أهل الإنقاذ بالذكرى الحادية والعشرين لتوليهم الحكم فقد مر يوم الثلاثين من يونيو والذي كان عيدا وطنيا خلال السنوات الماضية هذا العام مرور الكرام ولم يكد الناس يتذكرنه لولا ما أعلن عنه الرئيس البشير في زيارته التفقدية لبور سودان من أن منطقة حلايب المحتلة مصريا سودانية وستظل سودانية، الناس تذكروا مقولة رئيسهم البشير ولم يتذكرهو ولا هم أن21 عاما قد مضى على حكمه لأنه لم يحتفل به كما كان يفعل في السابق. فقد طغت أخبار إطلاق سراح الزعيم الإسلامي والعدو اللدود للفرع الإسلامي الحاكم على مجريات الأحداث بالسودان خلال الأيام الماضية والتي صادفت مرور21 عاما على قيام الإنقاذ، فقد أصدر الرئيس البشير قرارا بإطلاق سراحه ربما بمناسبة هذه الذكرى أو ربما لأمر ما يتعلق بالموقف الداخلي للإسلاميين خاصة وأن الرجل كما أعلن أن أحدا لم يحقق معه ولم يسأل لماذا اعتقل ولماذا أطلق سراحه.؟ فالسؤال المطروح هل تخلى أهل الإنقاذ عن الإنقاذ ولبسوا ثوبا جديدا؟ خاصة وان جميع الإنقاذيين يحاولون التنصل من المآسي التي تسببوا فيها للشعب السوداني وللدول المجاورة وربما للعالم أجمع؟ وماذا يعني عدم الاحتفال بالذكرى الحادية والعشرين لتولي البشير الحكم.؟ من الواضح أن هناك شيئا ما غير مفهوم للشعب السوداني الذي فوجئ بهذا المسلك الجديد لم يألفه من قادته في السابق، خاصة وان الإنقاذ بالنسبة للإنقاذيين كانت بمثابة بداية كتابة التاريخ للسودان من منظور الإسلاميين ولكن يبدو أن التطورات التي حدثت بداخل حركتهم وفرقتهم ، جعلتهم يتخلون عنها تدريجيا خاصة بعد دخول شركاء وقادمين جدد أصبح هم الذين لهم الكلمة . إن عدم الاحتفال بمرور21 عاما على قيام الإنقاذ غير مفهوم لغير الإنقاذيين ولكن بما أن الأمر قد حدث فلا مجال للمراجعة ، خاصة وان الإنقاذ نفسها قد مرت بمراحل خلال عمرها الذي ناهز العقدين، فهي قد مرت بمرحلة الشرعية الثورية ثم مرحلة التأصيل والتوالي ومرحلة الخلافات الداخلية وتصفية الحسابات ثم مرحلة الاتفاقيات والشراكات مع الأحزاب والحركات المتمردة وبالتالي أصبح الجميع شركاء فيها ولا احد يدعي انه صانعها ولذلك ربما آثر أهل الإنقاذ الخلص عدم الاحتفال به منعا للإحراج فالجميع يدرك الإنقاذيين قد تخلوا عن شعاراتهم المرفوعة وعن برامج التأصيل والمشروع الحضاري ولكن على الرغم من ذلك فقد شهد السودان في عهدهم حالات من التراجع والانقسام حتى بات الشعب السوداني يضع أيديهم على قلوبهم، فمن كان يصدق أن تقوم ثورات وحركات تمرد بدارفور والشرق ومن كان يصدق أن يطأ اكثر من30 ألف جندي دولي أرض السودان ومن كان يصدق أن ينادي الجنوبيون علنا بالانفصال ومن كان يصدق بان الإنقاذ تتخلى عن شعارات أمريكا وروسيا دنت عذابها وتتحول جميع أمور السودان لتدار من الخارج؟ ويصبح الجميع حكومة ومعارضة وحركات متمردة مجرد متفرجين؟ أليس من العجب أن تكون لجميع الدول المجاورة القول الفصل في أمور السودان بحيث أصبح لكل دولة حركة أوفصيل سوداني حاكم أو معارض ينفذ توجهاتها. رغم الحراك السياسي الواسع بعد نيفاشا وما تلتها من اتفاقيات في أبوجا والقاهرة واسمرا إلا أن المشهد السياسي السوداني يتجه نحو النفق المظلم، فالجنوب في طريقه نحو الانفصال ولن تنفع معه ضحكات النائب الثاني للرئيس والذي قاد وفدا يضم اكثر من 100 شخصية إلى جوبا ولن تنفع معه أيضا الاتفاقيات المتعلقة بإقامة مشاريع التنمية ولن تنفع أيضا الكونفيدرالية ولا أي صيغة للحكم، فالجنوبيون يريدون طلاقا سلسا والمجتمع الدولي يوقف معهم وان إقامة دولتهم الموعودة أصبحت مسالة وقت فقط بعدما رتب الشريكان كل شيء وبعدما وضعت واشنطن كل ثقلها خلف هذا المشروع الذي يتحرك الآن المؤتمر الوطني لإبطاله بوعود وهو يعلم إنها جاءت متأخرة وفاتها قطار التحرك السريع. إن مشاريع الإنقاذ الوهمية حولت السودان ما يشبه البلقنة أو الصوملة، فالحكومة المركزية للأسف الشديد لم تتهم إلا بما يحقق لها البقاء في الحكم وأصبح المعارضون لها من أحزاب وشخصيات وطنية مجرد متفرجين على مسرح اللا معقول والذي يحرك الخارج منا قاد لتكريس الأزمات الواحدة تلو الأخرى حتى أصبح مصير السودان أمام مفترق الطرق خاصة مع عدم إقرار الطبقة الحاكمة من الإنقاذيين بمسؤولية تجاه ما يحصل في البلاد وتحميل ذلك وتحميل لمؤامرات خارجية وهمية. فمن الواضح أن هناك غياب تام للرؤية الاستراتيجية السديدة وبعد النظر إضافة إلى انعدام الإرادة السياسية لدى الطبقة الحاكمة لوقف الانزلاق المتسارع الذي تسير البلاد إليه نحو حافة الهاوية، فالإنفاذ من اجل أن تستمر ففي الحكم دخلت في مأزق الاستفتاء عن تقرير مصير الجنوب وأزمة دارفور، فهي بعدما أحست بان الاستفتاء سيقود إلى عواقب وخيمة لجأت الى وسائل أخرى استنسخت منها أزمات جديدة قوت شركاءها وشركاءهم خاصة وان لهؤلاء الشركاء الذين من الخارج اليد الطولى في كل شأن سوداني. فلا الطبقة السياسية الحاكمة والتي استأثرت بالسلطة على مدى 21 عاما استطاعت أن تحافظ على استقلال القرار الوطني ولا الطبقة المعارضة استطاعت أن تجبرها للتعامل مع الأزمات داخليا، فهي بدلا من إجبار الحكومة لإعادة النظر في مواقفها تبارك دائما أية خطوة أو مبادرة خارجية في الشأن السوداني وقاد هذا الوضع إلى اندثار أي مبادرة وطنية داخلية، وموتها بعد إعلانها مباشرة. فأين مبادرة الإجماع بقيادة عز الدين السيد لحل أزمة دارفور وأى مبادرة هيئة الإجماع الوطني بقيادة المشير سوار الدهب والتي تحولت بقدرة قادر إلى هيئة دعم ترشيح البشير للرئاسة والآن تحولت الى مبادرة دعم الوحدة الوطنية رغم أنها هيئة حزبية تابعة للمؤتمر الوطني أليس هذا ضحك على الدقون،؟ فكيف تتحول هيئة بذات الشخوص لتلعب أدوارا مختلفة ومتعارضة مفترض أن يقوم بها شخصيات محادية ومقبولة؟ فكيف يحتفل أهل الإنقاذ بالذكرى ال21 عاما لقيام حكمهم والسودان قد تحول إلى محميةٍ دولية يجوس ديارها عشرات الآلاف من الجنود الأجانب وجيوش من الموظفين الدوليين والمنظمات الدولية سياسية وإغاثية ، ومحطٍ للمبعوثين والمبادرين من كل جنس ولون إن عدم الاحتفال بعيد الإنقاذ اعتراف صريح بعجز أهل الإنقاذ في إنقاذ السودان والذي يتحكم فيه الخارج ويرسم مستقبله بموافقة ومباركة الجميع حكومة ومعارضة وحركات مسلحة، فمع كثرة المبعوثين الدوليين والمبادرين الإقليمين تحول السودان إلى سلة مبادرات العالم. بعدما كان يتنظر منه العالم أن يكون سلة لغذائه والتي لن تتحقق لأن الحكومة تخلت عن الزراعة وتحول اكبر مشروع مروي إلى مجرد أرض بور. من المسؤول عن هذا الواقع ؟ هل أهل الإنقاذ وشركاؤهم؟ أم الأحزاب المعارضة أم المجتمع الدولي الذي حشرنفسه في كل شأن سوداني؟ لا احد يريد أن يجيب رغم أن الإجابة واضحة؟ نحن الجميع شركاء ومسؤولون عما حدث ويحدث للسودان ولكن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق حكومة الإنقاذ التي يجب أن تسأل نفسها ماذا قدمت بعد 21 عاما من الحكم. النازح البسيط العادي في معسكر كلمة أو المواطن البسيط في كسلا أو الدامر أو فشودة أم ابو قوتة يعلم أن السودان اصبح في مهب الريح، فاليوم الجنوب وغدا لا احد يعلم، قد تكون دارفور أو دولة كوش بأقاصي الشمال أو الشرق أم جبال النوبة أو جنوب النيل الأزرق، فالحكومة وضعت خطتها لحكم يقع مركزها في مثلث حمدي الشهير ولكن هل أبناء الهامش يتركون لها هذا المثلث؟خاصة وان الإغراءات كثيرة.وطرق حمل السلاح أسهل. اين شعارات الإنقاذ التي ملأت الأرض ضجيجا والداعية إلى استقلال الإرادة والسيادة الوطنية في مواجهة حالة الوصاية الدولية التي يشهدها السودان حاليا فقد أصبحت مداخل ومخارج البلاد تعج بوجود دولي كثيف يحصي على السكان أنفاسهم ويتدخل في كل صغيرة وكبيرة من شأنها، فماذا بقي من سيادة ووطنية يا هؤلاء إلا ورقة توت لا تستر شيئاً من عورات سيادة البلاد المهدرة ليس بسبب الجنائية الدولية وإنما لأسباب متعددة يعرفها الجميع ويسكتون عنها؟ باسم السيادة الوطنية.. قادة المؤتمر الوطني الذين أدخلوا السودان في نفق الأزمات معنيون أكثر من غيرهم بالتخلي عن شعاراتهم والدخول في طرح حل وطني حقيقي لإيجاد حل .من لأزمات البلاد المستفحلة جنوبا ودارفور ؟ وحتى سياسيا في الخرطوم فهم الذين بيدهم السلطة والمال وبالتالي فمسؤوليتهم أكبر من غيرهم، فالمطلوب منهم التخلي عن نهج المناورات والهروب إلى الأمام ومحاولات كسب الزمن فان مواجهة المشكلات بعلاج وطني ناجع مهما كان مؤلماً هو أفضل من توهم حلول خارجية لن تأتي إلا بعواقب أسوأ من الحال الذي يعيشه السودان. فكيف يتحدث أهل الحكم عن السيادة الوطنية وجميع دول العالم الكبرى غربا وشرقا تكتم أنفاس السودانيين بمبعوثيها الرسمين؟ ناهيك عن الجنود المنتشرين في كل أنحاء البلاد، على أهل الحكم وهم قد دخلوا في بداية العقد الثالث أن يدركوا أن التعويل على لعبة شراء الزمن لن يكون مجديا وانهم لا يملكون خيارات إضاعة الوقت في المناورات فالسودان يعيش حالة مأزقية واضحة مع اقتراب استحقاق تقرير مصير الجنوب وتضاؤل فرص الوحدة الجاذبة وتضاؤل احتمالات تسوية أزمة دارفور التي جاءت كنتاج طبيعي لحالة الصمت والهروب على استمرار الوضع السياسي المأزوم في السودان فهل عدم الاحتفال بالذكرى ال21 لقيام الإنقاذ يشكل بداية لمراجعة النفس والتعامل بقلب مفتوح مع الأزمات التي أنتجتها الإنقاذ على مدى 21 عاما. حامد إبراهيم حامد