تسارعت خطوات الحكومة المصرية لإقرار منح الجنسية إلى المستثمرين العرب والأجانب، مقابل ضخ استثمارات جديدة، وودائع بالدولار في المصارف بهدف حل مشكلة نقص العملات الأجنبية التي تعصف باقتصاد البلاد. العرب القاهرة - حسم مجلس الوزراء المصري الجدل الدائر حول مقترح منح الجنسية إلى المستثمرين والذي برز إعلاميا باسم "بيع الجنسية"، حين وافق الأسبوع الماضي على مشروع جديد لمنح الجنسية إلى رجال أعمال غير مصريين مقابل وديعة توضع في البنوك. وقدر مؤيدو المقترح أن تصل عوائد البلاد من تلك المبادرة إلى 50 مليار دولار، ما يعزز من إصلاح الهياكل المالية المختلة بسبب ندرة العملات الأجنبية في السوق. وتقدمت الحكومة بمشروع لتعديل قانون رقم 89 لسنة 1960، المتعلق بدخول وإقامة الأجانب ومنح الجنسية، إلى قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة المسؤول عن مراجعة القوانين. ولم تحدد الحكومة في مشروع القانون الجديد قيمة الوديعة وما إذا كانت ستوضع في المصارف الحكومية فقط أم تشمل المصارف الخاصة، لكن مصادر مطلعة أكدت للعرب أن وزارة الداخلية ستحدد ذلك لاحقا. وتشير التعديلات المبدئية للقانون إلى منح المستثمرين حق الإقامة بعد إيداع وديعة بالدولار في المصارف لمدة 5 سنوات، بعدها يحق لهم الحصول على الجنسية. ويسمح القانون المصري لكل أجنبي أثبت إقامته في البلاد مدة خمس سنوات متواصلة، الحصول على الجنسية، على ألّا يمارس العمل السياسي خلال السنوات الخمس الأولى بعد حصوله عليها. ولا يزال الغموض يحيط بالمقترح الجديد، الذي لم يُطرح للحوار المجتمعي، ويتساءل مراقبون هل سيتم إعفاء المستثمرين من شرط الإقامة بضمان الوديعة الدولارية خلال السنوات الخمس، أم لا؟ لأن شرط الإقامة يعتبر أساسيا لمنح الجنسية في الأحوال العادية، وبالتالي لماذا يعطل المستثمر أمواله في وديعة البنوك لمدة 5 سنوات؟ وشهدت جلسات البرلمان انقسامات حادة خلال الأيام الماضية. وقال النائب معتز محمود رئيس لجنة الإسكان والمرافق في المجلس، والذي تقدم بمقترح منح الجنسية إلى المستثمرين، في تصريحات ل"العرب" إن المقترح يستهدف حل مشكلة نقص الدولار الذي تشهدها البلاد حاليا، والتي أدت إلى ارتفاع أسعاره لمستويات قياسية. وتفاقمت أوضاع السياسة النقدية منذ تفجير الطائرة الروسية فوق شبه جزيرة سيناء نهاية أكتوبر الماضي، والتي أدت إلى توقف معظم الأنشطة في المقاصد السياحية المصرية. وخسرت البلاد المورد الرئيسي للعملة الصعبة بعد الحادث وتفاقمت أوضاع القطاع، وأدّى ذلك إلى انفلات سعر صرف الدولار أمام الجنيه، والذي لا يزال فوق مستويات 12 جنيها في السوق السوداء، في حين أن سعره الرسمي بين المصارف يقف عند 8.88 جنيه. وقال محمد سامح رئيس الاتحاد العربي للاستثمار المباشر، وصاحب مبادرة "الاستثمار مقابل الجنسية" إن تطبيق المقترح سيمكن مصر من القضاء نهائيا على أزمة الدولار، وسوف يغنيها عن اللجوء إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي. والتقى سامح بلجنة الإسكان في مجلس النواب منذ أيام وعرض عليها المقترح، من أجل الخروج بالاقتصاد من كبوته الحالية، وأكد رفضه لمصطلح "بيع الجنسية"، لأنه يُفهم بطريقة خاطئة، ويعتبره البعض إهانة لمصر. ومنح الجنسية إلى المستثمرين أسلوب مطبق في الكثير من دول العالم مثل الولاياتالمتحدة وبريطانيا وأسبانيا والنمسا ونيوزيلندا وأستراليا ومالطا واليونان وقبرص. وسبق للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، أن منح الجنسية إلى نحو مليون سوري في عام 1958 خلال الوحدة مع مصر. وأوضح سامح أن مصر يمكنها جني 50 مليار دولار من منح الجنسية إلى المستثمرين من ليبيا وسوريا والعراق المتواجدين في مصر، إلى جانب المستثمرين الأجانب، بعد التحريات الأمنية الدقيقة. وتعمل نسبة كبيرة من العراقيين في الاستثمار العقاري بالمدن الجديدة، مثل مدينة السادس من أكتوبر (غرب القاهرة) بينما يعمل عدد من السوريين في قطاعي النسيج والمطاعم. وتقدر الإحصاءات عدد اللاجئين في مصر بنحو 5 ملايين بينهم 10 بالمئة من الميسورين أي نحو 500 ألف شخص. وقال سامح إن تحديد قيمة الحصول على الجنسية بمبلغ 50 ألف دولار، سيحقق للحكومة عوائد بقيمة 25 مليار دولار. وأضاف أنه لم يحدد في مقترحه مدة الإقامة بخمس سنوات، مثلما تشير الحكومة، لأن ذلك لن يكون جاذبا للمستثمرين، وأكد يجب أن تحددها بنحو 6 أشهر أو سنتين على الأكثر، بعدها يحق للمستثمر الحصول على الجنسية. وقال علي عيسى رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين ل"العرب" إن الفكرة من الناحية الشكلية تعدّ أحد محفزات الاستثمار، لكنه أكد ضرورة تمتيع المستثمر بعدد من الحوافز إلى جانب الجنسية، التي لا تمنحه أيّ عوائد على استثماراته. وأشار إلى أن الموضوع يحتاج إلى تدقيق كبير من جانب الجهات الأمنية وانتقاء للمستثمرين، دون فتح الباب على مصراعيه أمام أي مستثمر قد يأتي بأموال مجهولة المصدر بهدف الحصول على الجنسية المصرية.