شاهد بالفيديو.. الفنان الدولي يدخل في وصلة رقص مثيرة مع الممثلة هديل تحت أنظار زوجها "كابوكي"    شاهد بالصورة.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل تسابيح خاطر تنشر صورة حديثة وتسير على درب زوجها وتغلق باب التعليقات: (لا أرىَ كأسك إلا مِن نصيبي)    شاهد بالفيديو.. الفنانة مروة الدولية تعود لإثارة الجدل..تحضن زوجها وتدخل معه في وصلة رقص رومانسية وهي تغني: (حقي براي وملكي براي بقتل فيه وبضارب فيه)    إنتر ميلان يطيح ببرشلونة ويصل نهائي دوري أبطال أوروبا    الهند تقصف باكستان بالصواريخ وإسلام آباد تتعهد بالرد    فرفور الجيش    برئاسة الفريق أول الركن البرهان – مجلس الأمن والدفاع يعقد اجتماعا طارئاً    إستحالة تأمين العمق الداخلي سواء في حالة روسيا او في حالة السودان بسبب اتساع المساحة    ترمب: الحوثيون «استسلموا» والضربات الأميركية على اليمن ستتوقف    المدير العام لقوات الشرطة يتفقد فندق مارينا بمدينة بورتسودان ومستودعات النفط عقب تعرضهما لعدوان غاشم    والي الخرطوم يقف على على أعمال تأهيل محطتي مياه بحري و المقرن    الإعيسر: إعلان الإمارات دولة عدوان قرار ملبي لطموحات الجماهير وتطلعاتها لمواجهة العدوان    الخارجية المصرية تجدد الرفض القاطع لاستهداف المنشآت المدنية في بورتسودان    اعلان دولة الامارات العربية المتحدة دولة عدوان    عادل الباز يكتب: المسيّرات… حرب السعودية ومصر!!    الأهلي كوستي يعلن دعمه الكامل لمريخ كوستي ممثل المدينة في التأهيلي    نائب رئيس نادي الهلال كوستي يفند الادعاءات الطيب حسن: نعمل بمؤسسية.. وقراراتنا جماعية    مجلس الإتحاد يناقش مشروع تجديد أرضية ملعب استاد حلفا    من هم هدافو دوري أبطال أوروبا في كل موسم منذ 1992-1993؟    "أبل" تستأنف على قرار يلزمها بتغييرات جذرية في متجرها للتطبيقات    وزير الطاقة: استهداف مستودعات بورتسودان عمل إرهابي    أموال طائلة تحفز إنتر ميلان لإقصاء برشلونة    قرار حاسم بشأن شكوى السودان ضد الإمارات    بعقد قصير.. رونالدو قد ينتقل إلى تشيلسي الإنجليزي    ما هي محظورات الحج للنساء؟    شاهد بالصورة والفيديو.. بالزي القومي السوداني ومن فوقه "تشيرت" النادي.. مواطن سوداني يرقص فرحاً بفوز الأهلي السعودي بأبطال آسيا من المدرجات ويخطف الأضواء من المشجعين    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سكت دهرا و نطق (إستحواذا)، بنك الخرطوم هل قضم أكبر مما يستطيع مضغه ؟؟
نشر في الراكوبة يوم 30 - 08 - 2016

أسدل الستار أخيرا على واحدة من الصفقات التجارية التي أحدثت الكثير من الإهتمام و التنافس في قطاع الإتصالات بالسودان، و هي الصفقة الخاصة بأسهم إتصالات الإمارات في شركة كنار للإتصالات صاحبة الترخيص بخدمات الاتصالات الثابتة. إسدال الستار جاء عبر بيان مقتضب جاء فيه : ( وقفت الهيئة القومية للإتصالات على متبقي إجراءات إستكمال تغيير السيطرة بأسهم شركة كنار من مجموعة إتصالات الإمارات إلى بنك الخرطوم ، و قال فيه مدير عام الهيئة القومية للإتصالات د. يحيى أن الهيئة إطمأنت على سير الإجراءات والتحول حسب الخطة الموضوعة وفق اللوائح والنظم . آخر تحديث بتاريخ 17 أغسطس 2016 ) . مما يعني رسميا إمتلاك بنك الخرطوم لشركة كنار.
إحتدام عنيف و هجمات متبادلة كانت تحت راية التنافس على كنار من ثلاث جهات، هي زين، سوداتل - سوداني، و بنك الخرطوم. أخذ الصراع طابعا شاملا لما يحتوي من أبعاد فنية، و مالية، و قانونية، و سياسية. و لا نذهب بعيدا لو ذكرنا أن الأمر زحف لياخذ طابعا شخصيا بعد التداول الإعلامي الكثيف إذ كانت للمعركة ساحاتها المختلفة من تلفزة، و صحف، و نشر إلكتروني .
من الواجب تهنئة بنك الخرطوم بالفوز بالصفقة و الذهاب حتى النهاية في الصراع التجاري، و يحمد له إشعال المنافسة في سوق الإتصالات. كما و نحترم المهنية العالية لزين السودان في ما إتبعت من أسلوب راشد لدراسة الحالة الراهنة لشركة كنار و تحديد القيمة السوقية بما عرضته من سعر، الأمر الذي جعل الآخرين يقدمون نفس العرض أو ما يقاربه بدون إجراء الخطوات المماثلة.
الرافعة السياسية و معركة إثبات الوجود في المعسكر السياسي النافذ
الرافعة السياسية هنا هي الرافعة ذات الثقل الأكبر، بمعنى أن من فاز بها سيفوز بالصفقة. و الحال أمامنا هكذا فمن الواضح أن بنك الخرطوم ( و من شايعه ) كانوا الأعلى كعبا. و الرافعة السياسية تدك ما دونها. أي أنها تستبيح النظم الفنية و النظم المالية و القوانين إن لزم الأمر. و لذلك فإن مسؤولين رفيعين في تلك الجهات لا تسمع لهم صوتا. و يبدو أن الجرعة السياسية في المنافسة كانت عالية جدا، و محمولة على تاريخ الأشخاص الممثلين لجهات الصراع. تداخلات السياسة و المال و الساسة و رجال الأعمال، و التفاعلات بينهم في ساحة الأعمال في السودان تحتاج إلى توضيحات كبيرة ليفهم الناس بصورة أفضل ماذا يجري بحقوقهم و حقوق وطنهم و هذا مبحث آخر. لكننا نشير فقط إلى أن النسب إلى ( وطن ) كما في حال (رأس المال الوطني)، و (شركة وطنية)، و (المصلحة الوطنية)، و (رجال أعمال وطنيين)، و ( شركة مساهمة عامة وطنية )، و غيرها تم إستخدامها بشكل مُضلل و متعمد في كثير من الأحيان. لنلقي نظرة دقيقة على تصريح من بنك الخرطوم في مايو هذا العام " جاء في الخبر (أفاد فضل محمد خير، نائب رئيس مجلس إدارة بنك الخرطوم، إلى أن رؤية الاستثمار في القطاع نابعة من رغبة البنك في القيام بدور إيجابي أكبر في تنمية الاقتصاد الوطني، بأن يحوز على هذه الحصة ومن ثم استقطاب مجموعة عريضة من رجال الأعمال والمهتمين كمساهمين ومن بعد ذلك تحويل الشركة إلى شركة مساهمة عامة تطرح للجمهور، وتستثمر عائداتها داخل البلاد في تطوير هذا المجال. وتعهد فضل بأن يتمكن بنك الخرطوم حال إتمام الصفقة من خلق كيان وطني قوي، مستفيداً من علاقاته الخارجية في حشد التمويل .
كما تشكلت مجموعة مالية قوية مساندة لتنفيذ الصفقة التي تبلغ قيمتها أكثر من (90) مليون دولار، يعتقد أنها تضم نحو خمسة من كبار رجال الأعمال الوطنيين. (مايو 2016 اليوم التالي ) .
نحن هنا إذ ندرك و نشير إلى أن المسألة حسمت في كثير من جوانبها بشكل سياسي ، إلا أننا لا نملك غير مناقشة جميع الجوانب لما يقتضيه التناول الموضوعي.
طبيعة الجسم التجاري الفائز بصفقة كنار :
بيان أو خبر الهيئة المشار إليه أعلاه لا يعطي الكثير من المعلومات حول الصفقة. و فيه إشارات فقط للجانب التنظيمي، و لكن حتى هذا الجانب فإن المعلومات شحيحة فيه. فالبيان لم يوضح ما إذا كان بنك الخرطوم قد تملك الأسهم فقط عبر نقل ملكية بحت، أي بدون أي تغييرات في الطاقم الإداري، أو أن بنك الخرطوم قد دفع بخطة متكاملة ذات جوانب فنية و تجارية مقنعة تمكنه من إدارة شركة كنار للإتصالات. و إلا فإن الترخيص الممنوح لإتصالات الأمارات ( بإعتبار أن العمل في مجال الإتصالات من صميم عملها ) لا يعقل تمريره لبنك الخرطوم من غير الإطمئنان إلى المقدرة الفنية لتشغيل شركة إتصالات بعيدا عن العمليات التقليدية للمصارف كالتمويل مثلا. جدير بالذكر أن تراخيص العمل في مجال الإتصالات لا تتوقف شروطها على المقدرة المالية فقط، بل يشمل في ما يشمل المقدرة و الكفاءة الفنية لإدارة النشاط. هذا من الجانب الفني الذي يخص الهيئة القومية للإتصالات. أما عن الجانب المالي و ماهية دور بنك السودان ( الجهة المنظمة لعمل المصارف ) فإن الأمر أشد اقتضابا، فلم نشهد أي تصريح رسمي، و لكن الأخبار المنسوبة لوزير المالية عن أفضلية ان تكون شركات الإتصالات شركات مساهمة عامة أوحت بظلال على المشهد، و أعطت ضوءا باهتا عن موقف المنظم المالي من صفقة كنار. جدير بالذكر أن بنك الخرطوم قد تغزل في فكرة تكوين شركات المساهمة العامة في الإتصالات. لكن و للغرابة الشديدة، فبعد الفوز بالصفقة لم نجد في البيان أي إشارة لتحول كنار إلى شركة مساهمة عامة، و لا وجود لإشارة إلي تكوين كونسورتيوم مؤهل فنيا و مستوفي لشروط الهيئة القومية للإتصالات اللازمة لممارسة الأعمال في مجال الإتصالات. و الراجح عندي - بفعل عامل قصر الزمن الذي تمت فيه الإجراءات - أنه قد تم التغاضي من قبل الهيئة عن وجود جسم مرخص له فنيا، و تمت الموافقة على نقل ملكية الأسهم فقط. ربما بتعهد بالإستمرار بنفس فريق القيادة منقوصا منه الأعضاء التابعين لإتصالات الإمارات أو حتى بتغيير تبعيتهم للمالك الجديد، و الذين يمثلون في الغالب بالمدير العام، و المدير المالي، و المدير التجاري، و ربما المدير الفني. مثل هذا الحل يعطي الأطراف راحة في تبسيط الإجراءات لتقنين الوضع الجديد، لكنه قد يرحل مشاكل للإنفجار في مستوى يهدد وجود كنار بسوق الاتصالات لاحقاً. و بذلك تكون الهيئة مسؤولة جزئيا في حال الفشل.
هذا التجاوز لا يعطي للمنافسين حقا للإعتراض و لكنه قد يكون إهدارًا لحق المواطن نتيجة لتخطي اللوائح الحكومية. و الحق يقال أن تجربة معكوسة قد حصلت من ذات الهيئة عندما منحت امتيازا ( في ظروف غامضة ) لشركة أريبا (بتركيبة ملاكها الأوائل الغريبة) التي تم بيعها لشركة MTN لاحقا. فهنا الشركة المستحوذة تملك سلفا المقدرة الفنية و الإدارية، بل هي أصلا تعمل في مجال الإتصالات و ليس قطاع المصارف. و بدرجة أقل نجد فراغات تنظيمية في تجربة إستحواذ موبيتل.
الأرقام تخذل بنك الخرطوم، و خطوة زين لسحب إيداعاتها :
بالرغم من وجاهة ما ساقه بنك الخرطوم من حديث عن التكتلات ( الوطنية )، و حق المنافسة، و غيرها إلا أن الحقائق المالية و الأرقام المنشورة من بنك الخرطوم نفسه في ديسمبر من العام الماضي 2015 تفسد كل النوايا الحسنة لقبول هذا الحديث. و لسوء حظ البنك فإن الأرقام لا تتجمَّل.
دعنا نَبْسُط الأرقام ثم نجري التساؤلات. و دعنا نوحد الحسابات بالدولار لتسهيل المقارنات.
و لأن القوائم المالية المنشورة لبنك الخرطوم بالجنيه السوداني فإننا سنفترض فقط ستة جنيهات لكل دولار تماشيا مع السعر المعلن لبنك السودان المركزي و ليس السعر الموازي الأقرب للحقيقة. و سنعتمد تقريب المبالغ لأغراض المقارنة فَقَط. (التقرير المالي متاح بموقع البنك و لنا منه نسخة).
حجم رأس مال بنك الخرطوم لا يتجاوز 90 مليون دولار.
الأرباح في العام 2015 في حدود 60 مليون دولار.
حسابات العملاء في حدود 600 مليون دولار .
حجم صفقة كنار في حدود 92 مليون دولار .
بالطبع فليس من الممكن شراء كنار خصما مباشرا على رأس المال، و المضحك أن هذا لو تم فهو غير كاف. و لكن هناك طرق للتمويل، و هو ما زعمه بنك الخرطوم ، فهناك (رجال اعمال وطنيين !!!) و هناك (علاقات مالية جيدة بالخارج) و غيرها. لكن يبقى السؤال ما هي الجهة التي تُقرض جهة أخرى بقيمة تفوق القيمة المالية للجهة التي تطلب التمويل ؟ مبلغ القرض لوحده أكبر من رأسمال بنك الخرطوم ناهيك عن الفوائد.
نعتقد أن بنك السودان المركزي يجب أن تكون له خطوط حمراء حول النسبة المسموح بإقتراضها مقارنة برأس المال. غني عن القول أن أموال المودعين تعتبر أمانات عند البنك و لا يحق له المخاطرة بها أو الدخول في أي أعمال تجارية. و هذا ما جعل زين تتحسس ودائعها و حساباتها في بنك الخرطوم. و هذه خطوة يتطلبها التفكير العقلاني ناهيك عن رغبة البنك في منافسة زين نفسها !!. و ما أقدمت عليه زين هو عين المنطق في سوق العمل، و هو خطوة تتماشى مع طبيعة الصراع القائم. فالتاجر لا يقرض تاجرا آخر إلا و هو مستفيد، فكيف يودع عنده!!؟؟
الطريق الثاني هو بإفتراض أن بنك الخرطوم سيسدد من خلال أقساط خصما على أرباحه السنوية المتوقعة. فإذا إفترضنا أن البنك سيدفع 50٪ من أرباحه سنويا، فهو يحتاج إلى أكثر من ثلاث سنوات للسداد ! مع العلم ان الشركة المشتراه تحتاج إلى ضخ أموال إضافية مع خطط جديدة و مدة زمنية كافية حتى تعطي أرباحا.
الإفتراضان السابقان يتطلبان موافقة بنك السودان، و لا أحد يعلم إن تم هذا أو لم يتم.
هناك إفتراض آخر بعيد، يقول بحصول البنك على تمويل من جهة مجهولة (داخلية أو خارجية) لها مصلحة في فوز البنك بصفقة كنار، و في هذه الحالة يصبح البنك في وضع المحلل، توصيفا للدخول نيابة عن صاحب الحق.
في ظل هذا الضعف البائن على المستوى المالي و المستوى الفني غير الواضح فإن الغطاء السياسي الكافي لتمرير مجمل العملية يمثل مربط الفرس في الحصول على الصفقة.
سوداتل و الدخول بفرصتين لا تساويان الواحد الصحيح :
دخول سوداتل في المنافسة من أساسه باطل، إذ سيجعل منها الجهة المحتكرة الوحيدة المخول لها تقديم خدمات الربط عبر المدن عن طريق كوابل الألياف الضوئية. و هذا فيه ضرر على المنافسة و على توازنات سوق الإتصالات و هو أمر من البدهيات. إذن الدخول كان بغرض إستراتيجي و هو إبعاد المنافس، فإذا كان الفوز بالصفقة بعيدا جدا، فإن تأخير الصفقة أو العمل على إرسائها لغير المنافس تظل هي الفرصة القائمة. و هكذا لعبت سوداتل دورا تحفيزيا لخلق منافسة، بل و تقديم عرض شراء بمبلغ زايدت فيه على المبلغ المقدم من زين في وقت وجيز لا يسمح بقبول فرضية إجراءات عملية كشف الحسابات، و الفحص النافي للجهالة، و التقييم التجاري، و خلافها من المطلوبات. و لكنها قدمت عرضا على أية حال، مما جعل السعر المقدم يبدو أمرا مسلما به. و يبدو أن عدم حصول زين على الصفقة كان سببا كافيا لسوداتل لتهنئ بنك الخرطوم. و لا يستبعد أي نوع من التدخلات لترجيح كفة بنك الخرطوم في مواجهة زين. تدخلات قد تأخذ في براءتها طابع الإستشارة، و تأخذ في جانبها الخشن تقديم المساعدات المالية و تسخير الشركات الصديقة بالخليج، و تقديم المساعدات السياسية لجعل العملية مقبولة للجهات السياسية بالسودان، و حملهم على التعامي عن المطلوبات الفنية و المالية التي تعتور موقف بنك الخرطوم.
زين و كنار ، عن المرحلتين المتضادتين ، التنافس الشرس ، و ضرورة التعاون !!
ببيان الهيئة المقتضب يكون الصراع على المكون الصلب للمنظومة قد حسم و آل الي بنك الخرطوم، لينتقل الصراع إلى المستوى الأهم, و هو البرامج و الإستراتيجيات التي ستحكم العملية التجارية في مقبل الأيام. و التي تجعل شركة بعينها تتفوق على الأخرى بغض النظر عن الحجم المالي أو حجم الإستثمارات عموماً.
إذا كان المناخ و التجربة التجارية في مجال صناعة الإتصالات قد بلغت الرشد المهني فإننا سنشهد مرونة في التعاطي مع مخرجات السوق، و حقائقه الجديدة المتمثّلة في تجديد ملكية كنار، و بالتالي إصطفاف مصلحي جديد بين كبار الفاعلين في مجال الإتصالات. و يجدر بِنَا ملاحظة أن الأبعاد الشخصية ما زالت تلقي بظلالها على مجمل التفاعل التجاري بين مقدمي الخدمات، و لم نصل بعد لما يعرف بالسلوك المؤسسي الكافي للتكهنات المهنية، خصوصا عند تضخم الحصة السوقية لأحد الأطراف، و تضخم الذات في القيادة التنفيذية. عموما تبقى مصالح الشركات أكبر من المصالح الفردية مهما تعاظمت الذوات، و من الحكمة أن تسير المصالح الشخصية في تيار مصلحة الشركة للحصول على فوائد لكل الأطراف، الظاهر منها و الخفي.
ترتيبات ما بعد الفوز بالصفقة ، كنار و حتمية التغيير :
كنار - و بلا شك - سوف تغير إستراتيجياتها للتعامل مع السوق السوداني و تغير من خططها و طريقة عمل قطاعها التجاري، و قطاعها الفني بالضرورة. و لو لم تفعل ذلك، يكون بنك الخرطوم قد غامر في عملية غير مربحة. فالاصل في نية شراء أي شركة (في حكم الخاسرة) هو الرؤية الإستراتيجية في وجود منفعة و ذلك بإفتراض تغيير طريقة العمل، أي وجود خطة محكمة فيها تخطيط إستراتيجي للتحول و التغيير المطلوب علي كافة الأصعدة ، التجاري ، المالي ، الفني ، البشري ، ........ إلخ. و لأن كنار شركة تبيع منتجات هندسية و تقنية بالأساس فهي بالضرورة تحتاج الي قيادة تعي أبعاد و ضرورات و كيفية التغيير اللازم في كل القطاعات، بل و تعي الوضع الجديد الذي خرج من بين تنافس حامي الوطيس. في الحالات المماثلة يكون في العادة الإسترشاد برؤية بيت خبرة في المجال، ليضع التشخيص الجيد لأسباب كون الشركة (كانت) في حكم الخاسرة، و فرز المكونات لتحديد الصالح للمنافسة التجارية و يمكن البناء علية، و تحديد العناصر التي تحتاج إلى تطوير، و التطوير المطلوب نفسه. غني عن الذكر أن إدارة التغيير في قطاع الأعمال أصبحت من الأمور الهامة و التي وضعت لها الأسس المبنية على الدراسات، بل و أصبحت كأنها الثابت في التأقلم المطلوب نسبة لطبيعة مجال الإتصالات و التنافس الشديد على كسب المشتركين بصورة مستمرة. (في بيئة الاعمال لا ثابت إلا التغير)، و لذلك وجب الإهتمام به خصوصا عند الإندماجات الكبرى، أو الانفصال من مجموعة كبيرة. و ما تواجهه كنار حاليا هو تغير مركب، فبالإضافة الى الإنفصال من مجموعة عالمية كبرى لها وزنها في المجال و هي إتصالات الإمارات نجد أهمية تغيير الأسلوب التجاري الحالي إلى آخر فيه عشم الربح. فهذا التغيير المزدوج يتعمق في كافة إدارات الشركة . لنستعرض أهم التغييرات المطلوبة :
قطاع الموارد البشرية : و هو يمثل راس الرمح في عملية التغيير ، إذ بدونه تصبح كل التغيرات إهدارًا للموارد إذا لم يتمكن الأفراد كل في محله من فهم طبيعة و أهمية التغيير المطلوب. هذا علم قائم بذاته و له جذور بدءا من التهيئة النفسية (السايكولوجية) للأفراد، و انتهاءا بالدورات التدريبية اللازمة لأحداث التغيير. في هذا الجانب هناك عمل ضخم يجب أن يكون في أجندة الملاك الجدد، و عليهم التمويل بسخاء لمثل هذه البرامج وإلا فان الكادر البشري سوف يستمر كما هو بما يعني نهاية المغامرة التجارية من أول عقبة.
القطاع المالي و القطاع الفني : و هما مرتبطان في هذه الحالة لأن الحديث عن التطوير التقني بدون الحديث عن إمتلاك القدرات الفنية و التكنولوجيا الأحدث و تطوير الموجود، يجعل الحديث فارغ من محتواه. إذ لا يمكن إنجاز ريادة بنفس البنية الفنية القديمة. و هنا أيضا على المالك الجديد أن يعي أهمية ضخ الأموال لإحداث النجاح في المستقبل المنظور، مما يعني سياسات مالية تنظر إلى جني الأرباح بعد عدد من السنين و ليس المردود العاجل. أي أن تجليات المقدرة المالية مطلوبة جدا و تمثل عاملا حاسما في المقدرة على المنافسة مستقبلا. هنا يمكن الإسترسال كثيرا حول صعوبات التمويل للمشتريات الخارجية و إرتباط ذلك بما هو حاصل في السوق الموازي من تنافس على العملة الحرة للإستيراد.
القطاع التجاري : و هذا يحتاج إلى ثورة حقيقية ليقود تغييرا ناجحا يخرج بالشركة من خانة الشركة الخاسرة إلى آفاق الأرباح. غني عن الذكر أن كنار في الفترة السابقة لم تقدر السوق السوداني حق قدره، لا في جانب إحتياجات الأفراد و لا في جانب إحتياجات المؤسسات. و قد يكون ذلك لوجود عائق تقني ! و لكن الآن - بإفتراض جاهزية الملاك الجدد لضخ الأموال اللازمة لشراء المكون التقني - فإن التحدي يصبح فرض عين على القطاع التجاري .
تقتضي الحصافة التجارية أن تقدم كنار خدمات جديدة، أو بصورة جديدة، بحيث تقنع مشتركيها بالاعتماد عليها، و تعطي قيمة تجارية (و لا أقول أسعار أقل) لمنتجاتها الجديدة أو المجددة، بحيث تكون أفضل من المنافسين. بل لو ذهبنا أكثر في خط التجويد يمكننا أن نقول بما يقنع الآخرين بالشراء منهم بدلا من إنتاج الخدمة بأنفسهم.
عملية التغيير هذه عملية ضخمة و جذرية و أساسية لإعتماد كامل المغامرة التجارية على نجاحها. و هي تتطلب تفهما و تفاهما و إستعدادا للتغير من كل أصحاب المصلحة من مجلس الإدارة، و حتى أصغر موزع خدمة في أقصى الأطراف. كما يجب أن يكون التغيير واضحا و جليا من وجهة نظر المستهلكين سواء الأفراد أو المؤسسات.
هذا على مستوى ما هو مطلوب داخليا. لكن ماذا عن التفاعل الجديد المطلوب مع كبار مستهلكي الخدمة ؟ هذا بلا شك هو مهمة الطاقم الإداري الجديد. و لنكون اكثر تحديدا، فإن ملابسات إمتلاك الملاك الجدد للشركة كان بالصراع المباشر مع أكبر مشتر لخدمات كنار و هو شركة زين. و لذاك فإن التعامل مع زين تحديدا يمثل قمة التحدي في النجاح التجاري من عدمه. و لأن الأمر أخذ سجالات صحفية إتخذت أحيانا الطابع الشخصي فإن هذه المهمة ليست سهلة إطلاقا. فإذا كانت الحكمة مطلوبة عموما، فإنها هنا مطلوبة أضعافا و بشكل إستثنائي.
توقعات المستقبل القريب لأهم الفاعلين :
زين : ستضغط في إتجاه تقليل الخدمات المشتراه من كنار و لن تجدد أي معاملات تم أجلها . و ستستفيد أقصى فائدة من إتفاقية التبادل المزدوج للحصول على خدمات جديدة إذا لزم الأمر. ستعمل زين لتقليل المكالمات العالمية الواردة لها عبر كنار. و بشكل عام فإنها ستجعل من السنة القادمة أو الشهور الستة القادمة شهورا بئيسة لكنار لتقليل القيمة السوقية لكنار عبر التشاؤم في الفرص و التدفقات النقدية المستقبلية. إذا نجحت زين في ذلك فإنها ستجعل قيمة كنار في حدود 70 مليون دولار إذا تم عرضها مجددا.
سوداتل : ربما تدخل في إتفاقية تبادل مزدوج مع كنار بالرغم من عدم الإستفادة الفنية من ذلك، و لكن لموازنة السوق. و مد اليد لكنار لتصل لغرب السودان الأقصى بطريق مغاير لطريق زين.
بنك الخرطوم : سيسعى لتطمين العاملين بكنار، و أتوقع وعود كثيرة في مجال التطوير، بشريا و ماديا، و ربما لو توفرت الإرادة الصادقة للنجاح أن تبدأ عمليات التطوير فورا، و لكن النتائج ربما تأتي بعد عام في شرط وجود التدفقات المالية اللازمة للتطوير.
كنار : ستحاول إدارتها الجديدة ان تلطف الأجواء ما وجدت لذاك سبيلا، و تهدئ من وتيرة التجاذبات. لا أقول ستسعى جاهدة لخلق فرص جديدة مع زين و لكنها ستستميت في المحافظة على ما هو قائم من أعمال. و ستحاول الإدارة أن تلبس قناع المهنية على الدوام درءا للمواجهات السياسية التي تضر مباشرة بالاعمال.
متلقي الخدمة : أفرادا و مؤسسات هم الخاسر الأكبر بضياع فرصة لإحتدام المنافسة بين زين و سوداتل - سوداني. أما و قد ذهبت الصفقة إلى بنك الخرطوم فستظل الخدمة على حالها بدون منافسة، و ربما ساءت لعوامل أخرى مثل تدهور قيمة الجنيه السوداني. هناك بصيص أمل في تحسن الخدمة المقدمة للمؤسسات من كنار نتيجة المحاولات المتوقعة للحد من تأثير إنهاء زين لبعض الخدمات المشتراه من كنار .
وجهة نظر موضوعية :
كنت أتمنى و إنطلاقا من وجهة نظر مستقلة و موضوعية لصالح التنافس الذي يخدم متلقي الخدمة أيلولة الصفقة لزين للحيثيات الآتية :
أولا : لتعديل كفة المنافسة في سوق الهاتف الجوال بوضع زين و سوداني علي نفس رصيف الإنطلاق، إذ تظل سوداني متمتعة بخدمات الشركة الأخت سوداتل صاحبة الألياف الضوئية الممتدة علي كل السودان، بينما زين لا تملك شبكة متكاملة لكل السودان في جانب الألياف الضوئية.
ثانيا : زين تملك القدرات المالية، و المعرفية، و البشرية الكافية لإخراج كنار بثوب جديد فيه تناغم مع الشركة الأخت، بل و تكامل شبكتيهما لإشعال المنافسة في سوق الهاتف الجوال.
ثالثا : زين هي المشتري الأول لخدمات كنار، فربما تذهب في خيارات الإستثمار في بنيتها الخاصة و تقليل الإعتماد على كنار بدلا عن الإستمرار في تلقي الخدمات من كنار.
رابعا : حفاظا على الموارد الشحيحة للدولة و التي من المحتمل تبديدها بالإبتعاد عن التشارك في البنى التحتية القائمة للشركتين.
خامسا : النجاح الحقيقي هو أن تسري حركة بحجم حركة الهاتف الجوال في عَصب و شرايين بنية كنار لتجني أرباحا حقيقية من خلال الخدمات المقدمة لحاملي الهواتف النقالة. عندما يكون هذا في تناغم مع شركة أخت تكون الفوائد أكبر في حجمها من الحصول علي رخصة الهاتف الجوال (الرابعة).
خلاصات مضغوطة :
# رسالة قوية سالبة عن مناخ الإستثمار بالسودان و الآثار المباشرة للتدخلات السياسية تم إرسالها بقصد، أو بدون قصد. و لن يكون ما بعدها كما قبلها.
# ضغوط هائلة ستوضع على عاتق إدارة كنار الجديدة . و عقبات هائلة ستوضع في طريقها. نتمنى لهم النجاح.
# تتعاظم الشكوك حول مقدرة بنك الخرطوم لقيادة التغيير المطلوب في كنار و بعثها للمنافسة. و ذلك إنطلاقا من حقيقة أن بنك الخرطوم لم يبد أي نية في امتلاك كنار بالرغم من علمه بمفاوضات زين حولها قبل أكثر من عامين، لياتي في آخر شهر و مع الإعلان ليؤكد رغبته و يفوز بالإستحواذ !! سكت دهرا و نطق (إستحواذا).
# الفترة القادمة إختبار حقيقي للمهنية، و للمؤسسية، في مقابل هيمنة الأفراد علي اِلقرار الإستراتيجي للمؤسسات التجارية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.