وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تقارير: القوات المتمردة تتأهب لهجوم في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بابكر عثمان- صحفي سوداني تنبأ بالإنفصال قبل 20 عاماً..
نشر في الراكوبة يوم 09 - 07 - 2011

أصدر كتابه (جنوب السودان..الإنفصال القادم) في العام 1992م وقوبل حينها بعدم ارتياح..!!
تقرير- خالد ابواحمد
قبل نحو عقدين من الزمان وتحديداً في عام 1992 اصدر الزميل الصحافي بابكر عثمان كتاباً بعنوان (جنوب السودان..الانفصال القادم) وكان الكتاب بمثابة محاولة لاستقراء المستقبل من خلال الغوص في التاريخ، كأول كتاب سوداني يتناول جذور الانفصال من خلال قراءة لتاريخ المنطقة وخصوصاً خلال الفترة التي تلت عام 1865 وهي العام الذي تم فيه الاعلان عن اكتشاف بحيرة فكتوريا (منبع النيل الابيض)، احتوى الكتاب على دراسة تاريخية لكيفية تعرف الشّماليين على الجنوب مستعرضاً على نحو شيق الحملات المصرية على مناطق الجنوب في محاولاتها الشهيرة لتوسيع إمبراطوريتها، كان ذلك في عهد الخديوي اسماعيل باشا 1863-1879 ثم عرج على الفترة المظلمة من تاريخ السودان (عهد الخليفة عبدالله التعايشي 1885 – 1898) ثم وصل إلى فترة مظلمة أخرى من تاريخ السودان عندما جيّش الشمال الجيوش لغزو الجنوب فيما عرف بحملات صيف العبور 1992 وخلص الكتاب إلى نتيجة مفادها أن انفصال جنوب السودان واقع لا محالة بسبب تعنت الحكومات التي تسمك بزمام الأومور في البلاد، ورغبة الجنوبيين في الاستقلال واستغلال الامكانيات الهادئة التي يزخر بها الجنوب.
عندما صدر الكتاب في العام 1992م والنظام الحاكم لم يكمل سنواته الأربعة استخف الكثير من الناس بعنوان الكتاب دون النظر للمحتوى، وقد حشد الكاتب الزميل بابكر عثمان الكثير من المعلومات التاريخية المهمة في سياق الصراع بين الجانبين الشمالي والجنوب، ولم يغفل تقديم تحليلات رصينة لهذه الأحداث في ظل وجود اعلام أحادي تسيطر عليه نخبة من الذين تسيدوا الساحة السياسية والاعلامية وينظرون لكلمة كلمة تختلف مع ما يطرحون على أنها معارضة وتستحق الإبعاد حتى لا تؤثر في الرأي العام..!!.
الكاتب بذل جهداً خارقاً في متابعة الأحداث لحظة بلحظة ورصدها، كما لم يغفل الحديث عن الدور المصري الكبير في الصراع الشمالي الجنوبي والمتابعة اللصيقة للكاتب والتحليل وإيراد المعلومات بمصادرها وتاريخ حدوثها وايراد التصريحات المهمة بالنصوص الصحيحة جعل للكتاب قيمة كبيرة للغاية في سياق التنفيذ الفعلي للإنفصال، فإن إستقراء الأحداث ليس بالشئ الهين ومن خلال هذا التقرير أضع القارئ في صورة الكتاب من خلال ايراد فقرات من الكتاب.
ويقول الكاتب في مستهل الكتاب بعنوان (الجنوب يدخل التاريخ) وفي الحديث عن دور مصر يقول الكاتب:
لا يختلف المؤرخون والجغرافيون في قوة الأسباب التي دفعت غردون للتفكير في هذا الإتجاه فقد رأي بعد المسافة بين مديريته والخرطوم ثم الصعوبات الطبيعية من بحيرات ومستنقعات وسدود وقبائل متوحشة قد تقطع الطريق في أي لحظة ثم أن مؤنه وذخائره لا تأتي من الخرطوم الإ بعد مشقة وبعد أن تكون قد قطعت مسافة طويلة، من مصر عبر الصحراء ثم تنقل عن طريق البواخر على النيل.
هذا إضافة الى الرغبة المصرية الدفينة في إستيلاء على مناطق نفوذ في شرق إفريقيا وعندما قدم غردون إقتراحه بضرورة أن ترسل مصر حملة الى خليج ممبسا ثم تأخذ الحملة طريقها من الساحل غرباً ويأخذ هو طريقه من البحيرات شرقاً حتى يلتقيا ويتم فتح طريق مع شرق إفريقيا هو المنفذ الطبيعي كما يرى للعالم الخارجي لا طريق النيل تحمس المصريون بقوة لهذا الإقتراح وأرسلوا حملة بالفعل بقيادة ماكلوب باشا ووصلت الى ممبسا وأخذت تستعد لتنفيذ الخطة غير أن بريطانيا التي أقلقها تنامي النفوذ المصري في تلك المناطق البكر في جنوب السودان وشرق إفريقيا رأت أن تضع حداً لتنفيذ هذه الفكرة فأوعزت لسلطان زنجار أن يحتج لهذا الإنزال ففعل ثم تدخلت هي مباشرة لدى الخديوي إسماعيل وطلبت منه سحب قواته من خليج ممبسا ففعل، وبذلك إنهارت أول خطة لربط جنوب السودان بمناطق شرق افريقيا، وهذه لم تكن الضربة الأخيرة التي وجهت الى النفوذ المصري في المنطقة فقد تلاها إنقلاب متيسا ورفضه التعاون معهم بل التآمر ضد الحامية المصرية الموجودة بعاصمة بلاده وعددها 160 جندياً وكانت ترفع العلم المصري دلاله على قبوله الحماية المصرية، ولكن أهواءه المتقلبة جعلته يقلب ظهر المجن للحامية فيقطع عنها الإمدادات ويحاول إدخال الرعب في قلوب الجنود بإطلاق الرصاص ليلاً وأخيراً إضطر غردون الى سحبها جنوباً بعد أن قرر أن إستمرارها فيه الكثير من المخاطر والمجازفة وبعث بخطاب للخديوي يبلغه بهذا القرار ولكن الرد جاء في شكل خطاب حاد اللهجة وفيه إستنكار لهذا القرار وامر بمحاولة إرجاع الجنود الى مازندي وأنه لا يستصعب عليكم إجراء الطرق والوسائل لجذب قلبه وميله وتأليفه لجهة الحكومة وإذا كان سبق إرجاع العساكر الذين كانوا بطرفه لتعملوا كل الجهد في إرجاعهم كما كانوا وعلى كل حال فإن جل المقصود إستمرار تبعية متيسا المذكور وإثباته تحت طاعة الحكومة".
غردون في المنطقة الإستوائية..!!
وفي الواقع كان هذا آخر قرار إتخذه غردون وهو يدير منطقة الإستوائية فلم يتراجع عنه وكانت قد مضت عليه سنتين ونصف وهو في تلك المناطق البعيدة فقطع عمله وسافر الى مصر والتقى بإسماعيل وقد قرر في قرارة نفسه عدم العودة الى المنطقة وشهد العامان ونصف اللذان قضاها في الإستوائية نشاطاً محموماً أمضاها بين رحلات الإستكشاف والمسح الكامل للمنطقة وتعقب بقايا تجار الرقيق وأنشأ الحاميات العسكرية والنقاط القوية التي كانت أكبر إنجازاته وإتخذت في النهاية شكل قرى ومستعمرات سكنية وعندما قدم إستقالته عام 1876م ترك خلفه عشرات الحاميات والمستعمرات على طول إمتداد النيل الإبيض إمتدت حتى روباقانا عاصمة يوغندا.
وهذا الرجل النزيه الذي حاول خلق إدارة للجنوب تتصف بكل صفات الكمال والقوة والرأفة في الوقت نفسه عاد الى انجلترا وهو محطم النفس ، عكس بيكر الذي نشد بركات الرب وهو يغادر غندكرو ويقول المؤرخ عصمت زلفو أن من المرجح أن تلك الفترة التي أمضاها غردون في الإستوائية هي التي شهدت أول النوبات السوداوية التي إشتهر بها فيما بعد فمرافقة الأمريكي تشالي لونج يتحدث عن إنقطاعه منفرداً داخل خيمته لايراه أحد لعدة أيام وقد وضع علماً امام باب الخيمة كعلامة في أنه لايرغب في رؤية أحد.
وبعودة غردون إنتهت عمليات التوسع الإستعماري في المنطقة وإكتفت بمصر بحكم المناطق التي تم فتحها وعندما خرجت من السودان عقب إستيلاء المهدي على الخرطوم 1885 تركت ثلاث مديريات في الجنوب تابعة للحكم الجديد.
وتساءل الكاتب حول الأثر الذي تركته مصر بالجنوب؟
في الواقع لم تترك أثراً خلاقاً ويعود ذلك في المقام الأول لقصر الفترة التي حكمتها هنك ويمكن القول " أن القبائل الزنجية وغيرها من السلالات التي تقطن الجنوب الأسود ظلت حتى الفتح المصري معزولة عن القوى والعوامل الخلاقة للإسلام وعن الغزو العربي والتلاحم بالعرب والتبادل التجاري مع تلك القوى الجديدة وعن المؤثرات الحضارية والحكومة المركزية على نطاق واسع " (1/34) تلك الخصائص التي تميز بها الشمال. فلم يكن للحكم التركي – المصري الإ أثر سطحي ضئيل على شخصية الإقليم الجنوبي".
وبالقطع نجحت مصر في تحقيق أهدافها التي من أجلها شرعت في فتح مناطق الجنوب، فقد انحصرت تجارة الرقيق على نطاق ضيق جداً، إضافة الى أن المملكة المصرية أصبحت متسعة ووصلت الى أقصى إتساع يمكن أن تبلغه بضم مناطق واسعة في الجنوب وشرق إفريقيا.
ولكن هذه الإدارة فشلت تماماً في جعل هذه المناطق جزءاً من الشمال إذا إعتبرنا أن التوحد يعني التمازج بكل أشكاله إضافة الى أنها لم تسع على ثصر الفترة التي تولت فيه الحكم 1870 – 1885م في نشر الإسلام أو اللغة العربية بإعتبارها من العناصر الخلاقة لإيجاد عوامل مشتركة مع الشمال ولم تفتتح الإ مدرسة واحدة في الإستوائية (1/35) ليلتحق بها أبناء ضباط وجنود ارط الجيش وكان من المؤمل أن يلتحق بها أبناء الأهالي أيضاً لكنهم أعرضوا عنها ولم يستفد الإ قلة منهم بتلك المدرسة.
وتحت عنوان كبير (السودانيين في الجنوب) يذكر الكاتب ما يتعلق بوجوده الشماليين في الجنوب وما يتصل بتجارة الرق..فيقول:
عندما تُذكر نشاطات تجارة الرق في الجنوب تقفز إلى الذهن مباشرة أسماء سودانية وأخرى مصرية وهذه التجارة التي قررت الحكومة الخديوية إلغاءها. عام 1869م وجدت مقاومة شديدة من أربابها. وتعتبر هذه الخطة واحدة من أسباب قيام الثورة المهدية أو بمعنى آخر وجد أربابها في الثورة المهدية منقذاً لهم من سطوة الحكومة فأنضموا الى المهدي وساعدوه، ووضعت الحكومة المصرية يدها على مناطق الإستوائية وبحر الغزال وأعالي النيل مع بداية 1870م، مما أتاح للسودانيين فرصة أكبر للتغلغل في تلك المناطق. رغم أن الحكومة القت تجارة الرقيق وإحتكرت الأنواع الآخرى من التجارة وفي هذا الوقت بدأت الأوضاع السياسية تشهد بعض الإضطراب خصوصاً بعد إعلان المهدي الجهاد على الحكم التركي – المصري بالخرطوم.
ووجدت دعوته رواجاً كبيراً في وسط التجار السودانيين بالجنوب وإنضم عدد منهم إلى حركته مثل النور عنقرة وحمدان أبوعنجة وكان هؤلاء ضمن مساعدي الزبير باشا، الذي أجبر على الإستقرار بمصر فقام إبنه سليمان بقيادة الجيش من بعده وهو شاب طائش في حوالي الخامسة والعشرين من عمره، فدخل في مصادمات مع غردون باشا حاكم عام السودان 1879 – 1880م وأدت تلك المصادمات إلى مقتل سليمان وتفرق جيشه وتشتته وإلى أفول نجم السودانيين بالجنوب، وكان وجودهم هناك علامة من العلامات المميزة في تاريخ العلاقة بين المنطقتين ومنذ ذلك الوقت لم يتمكن سوداني من حكم الجنوبيين حُكماً مباشراًُ مثل ذلك الذي مارسه الزبير باشا.
وفي هذا الوقت كان حكام الجنوب من سلاطين القبائل لا يعرفون على وجه التحديد ماذا يجري شمالهم ولكنهم وقفوا كذلك سداً منيعاً ضد أي تغلغل إسلامي لمناطقهم وهنالك معركة شهيرة وقعت عام1893 بين جيوش المهدية وقبائل الشلك وسماها المؤرخون موقعة (أبومريم) على إسم قائد جيوش المهدية الذي خر صريعاً من على جواده تحت حرابهم ونبالهم وبذلك تشتت جيشه في جهات شكا وغنم ( الأقار والريك) من قبائل الشلك كل الأسلحة من بنادق وحراب وسيوف وأسروا نساءهم فتفرقن سبايا بين رجال الشلك، وإضافة إلى هذه الواقعة هنالك مناوشات أخرى جرت بين جيوش المهدية وقبائل الدينكا ببحر الغزال.
دخول النفق المظلم
الكاتب الأخ العزيز الزميل بابكر عثمان وبما تربطني به من علاقات الأخوة والزمالة والعلاقات الانسانية ومعرفتي به كنت اقول له دائماً "انت مجنون"!!!.
لكن بعد تذكري لهذا الكتاب الذي أصدره قبل أكثر من 20عاماً وقراءته للمرة الثانية بتدبر وتأمل وفق المعطيات الحالية جعلني أتأكد تماماً بأن زميلي بابكر عبقري وبالطبع أن الفارق بين الجنون والعبقرية (شعرة) هكذا يخيل ليّ، وفي هذا الجزء من الكتاب سيدرك القارئ العزيز كيف أن الكاتب إستقراء الوضع قبل عقدين من الزمان.. وتركيز شديد في ما يخص إنشاء مصفاة البترول،حيث يقول:
"وكان من المؤمل في عام 1983م إنشاء هذه المصفاة لتكرير البترول الذي سيستخرج من حقول بانتيو في مطلع عام 1984م . والأمر الثاني هو تحويل مسار أنابيب البترول لتتجه شمالاً الى بورتسودان حيث ميناء السودان الوحيد بدلاً من الإتجاه شرقاً الى ميناء ممبسا على المحيط الهندي في كينيا الأقرب الى الجنوب".
ويذكر بأن ماحدث في عقد الثمانينات بين الشمال والجنوب كان أكبر ضربه وجهت تقريباً الى أولئك الذين تصوروا وجود أساس لوحدة بين سكان المنطقتين في شمال وجنوب السودان ولا يستطيع المؤرخين تقريباً فصل نشوب الحرب في مايو 1983م عن الدعاوي القديمة التي تأججت بضرورة وجود جنوب منفصل عن الشمال.
سيناريو منح جنوب السودان عام 1972م حكماً ذاتياً كان مقدمة طبيعية لمنحه الإستقلال بعد عدة سنوات مع عدم إغفال الرغبة الجنوبية التي تتطلع الى علاقات خاصة مع الشمال قد تصل الى الوحدة ثم الإندماج في إطار سودان متعدد، ولكن رجال أنانيا الأولى الذين حاربوا من أجل الإنفصال لمدة سبعة عشر عاماً لا يمكن لهم أن ينسوا وبسهولة هذا الحلم الكبير في سبيل رغبة شمالية في التوحد كما لا يستطيعون القبول بالرحيل الى الشمال لأن هذا الأمر يعني ذوبان شخصيتها المستقلة ومن ثم إضمحلال حركتهم في بحر متلاطم من المشاعر الوحدوية الزائفة.
ثم أن تقسيم الجنوب الى ثلاث أقاليم رغم صواب ذلك من الناحية العملية إذل إستبعدنا النواحية الدستورية التي كان من الممكن الإتفاق حولها أنما هو في الواقع مقدمة للقضاء على فكرة الإنفصال فالجنوب الموحد يشكل خطراً في هذا الصدد إما أن تنشأ ثلاثة أقاليم ولكل واحد منها إدارة سياسية وعسكرية منفصلة مع منح كل قبيلة سلطة الهيمنة العسكرية والسياسية في أحد الأقاليم إنما يؤدي الى تجزئة هذه المنطقة ويبعث الصرعات القبلية والسياسية فيها تمهيداً للسيطرة عليها وهكذا حسبها قادة عسكريون وسياسيون في الخرطوم ، ولكن الرد كان سريعاً وحاسماً من الجنوب فجاء الرفض الكامل لهذا القرار تحت دعوى أنه يخالف نصاً صريحاً في إتفاقية أديس أبابا 1972م.
قرار التقسيم كان خطأ من الناحية الدستورية ولكن في جوانبه النظرية كان صحيحاً ، وهو ليس قراراً صغيراً يمكن إتخاذه ضمن إطار نظري يقول أن شمال السودان إنقسم الى ستة أقاليم وبالتالي فإن هذا القرار يجب أن يسري على الجنوب الموحد وأولئك الجنوبيين الذين رفضوا هذا القرار رأوا آمالهم تجهض في رؤية الجنوب الذي يتأهل يوماً بعد يوم ليحكم نفسه بنفسه في سبيل الإستقلال الكامل ، لذلك فوجئوا بقرار نميري فوقفوا ضده بحسبان أنه يقتل إستقلالهم في مهده ويجعل إنشاء كيان مستقل في المستقبل أمراً صعباً ، لأن القبائل توزعت في أقاليم متفرقة وإنتشرت وسطها أسباب الفرقة والشتات ، وتحول الصراع من جنوبي – شمالي الى جنوبيجنوبي.
أما القرار الأخطر الذي شكك الجنوبيين في نوايا الشمال فهو قرار إنشاء مصفاة للبترول في كوستي بالشمال بدلاً من بانتيو بالجنوب حيث تمت إكتشافات البترول.
وكان من المؤمل في عام 1983م إنشاء هذه المصفاة لتكرير البترول الذي سيستخرج من حقول بانتيو في مطلع عام 1984م . والأمر الثاني هو تحويل مسار أنابيب البترول لتتجه شمالاً الى بورتسودان حيث ميناء السودان الوحيد بدلاً من الإتجاه شرقاً الى ميناء ممبسا على المحيط الهندي في كينيا الأقرب الى الجنوب، فالمسافة إلى بورتسودان حوالي 1200 كلم بينما المسافة إلى ممبسا لاتتعدى 800 كلم، وعندما صدر هذا القرار في بداية عام 1983م فإنه كان يستهدف في الأساس وضع البترول المستخرج تحت سلطة الحكومة المركزية في الخرطوم.
وفي السودان إستنتج الجنوبيين أن تحويل مسار أنابيب البترول تجاوز هذه الأسباب ليدخل في عمق الصراع المستقبلي بين أن تحويل مسار أنابيب البترول تجاوز هذه الأسباب ليدخل في عمق الصراع المستقبلي بين المنطقتين، فالشمال وهو يتخذ هذا القرار يهدف الى وضع ثروات الجنوب تحت تصرفه المباشر متجاوزاً الجدوى الإقتصادية لتصديره عبر شرق أفريقيا الأقرب الى المنابع، فالسيد جوزيف لاقو قائد قوات أنانيا الاولى التي حاربت ما يقرب من السبعة عشر عاماً من أجل الإنفصال قالها صراحة في حوار مع مجلة " آفريكا " التي صدرت في لندن في مارس 1987م بأن السبب الجوهري لنشوب تمرد 1983م، هو لأسباب تتعلق بإكتشاف البترول في الجنوب وخشية الجنوب أن يستغل الشمال هذه الثروات لمصلحته فقط.
وفي آخر جزب من الكتاب يتحدث الكاتب عن الصراعات الجديدة بين الطرفين بعد قيام نظام (الانقاذ) وعنون ذلك ب (بداية التفكير الصحيح)..
25 أغسطس 1991م كان يوماً مميزاً في تاريخ الصراع بالجنوب، ففي الساعة الواحدة بتوقيت غرينتش، أذاعت هيئة الإذاعة البريطانية القسم العربي ، أخبارها باللغة العربية وكانت تطغى عليها أخبار الإنقلاب الفاشل بالإتحاد السوفيتي، وقبل نهاية النشرة أعلن المذيع أيوب صديق بصوته الجهوري المميز أن مراسل هيئة الإذاعة البريطانية التقى بلام اكول وريك مشار وغردون كوانج في جزيرة صغيرة قرب الناصر وأنهم أطاحوا بالعقيد جون قرنق قائد الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان وإتهموه بالدكتاتورية وبتجنيد الأطفال الصغار وأعلنوا سعيهم الى إنهاء الحرب بالبحث عن شكل من أشكال الإنفصال المؤقت بين الجنوب والشمال.
وشهدت الأيام التالية صراعاً حاداً في صفوف الحركة الشعبية من وجهين: الأول صراع حول مستقبل الجنوب بين السعي لإتفاق مع الشمال في إطار الوحدة وبين مطلب الإنفصال والوجه الآخر صراع حول السلطة والزعامة داخل الحركة قادها المنشقون الذين أعلنوا رفضهم لزعامة قرنق وطالبوا بإطلاق سراح عدد من قادة الحركة ممن كانوا قد أعتقلوا لخلافات داخل الحركة.
وإستمر الخلاف الذي أدى الى تأجيل محادثات بين الحكومة والحركة كان معلناً إنعقادها في "ابوجا" بنيجيريا في أكتوبر 1991م.
انشقاق د. لام أكول عن الحركة الشعبية
ويذكر الكاتب:
قبل أن نسترسل في الحديث عن إتجاهات الإنفصال يجب أن نستمع الى الدكتور لام اكول أستاذ الهندسة السابق بجامعة الخرطوم وقائد الإنشقاق حالياً إذ قال في مقابلة هاتفية مع صحيفة الحياة اللندنية "السياسة لا تقوم على الرأي الشخصي،أنا وحدوي وسأظل كذلك ولكن الوحدة لن يكون لها وجود مالم يكن ذلك في ظل دولة علمانية ولذلك أتحرك سياسياً نحو ماهو عملي، وليس نحو ماهو مثالي وهؤلاء المصدومون لماذا يخافون الإنفصال إنه لن يعني القطيعة بين الشمال والجنوب وهو أفضل من الوضع الراهن لأن كل حكومة تستولي على السلطة في الخرطوم تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية وهذا يعني إستمرار الحرب التنقل والتبادل التجاري والتعاون في مجالات مختلفة ، على الشماليين والجنوبيين ألا يخشوا الإنفصال لأنه بمرور الزمن ستبرز العوامل المشتركة الداعية للوحدة مثلما حدث في اليمن والمانيا".
الجنوبيون كانوا دائماً عمليين وصريحين فإذا كان الشمال لايستطيع التخلي عن فكرة تطبيق الشريعة الإسلامية فإن الإنفصال يجب أن يحدث هذا هو في الواقع جوهر الصراع. الشماليون من جهتهم إعتبروا أن تطبيق قوانين إسلامية لايعني بأي حال من الأحوال إلغاء فكرة السودان الواحد.
إعلان أدنبرا
بعد عدة أيام من إعلان لام اكول إنشقاقه عن الحركة إنعقد في أدنبرا بايرلندا إجتماع موسع لعدد من المثقفين الجنوبيين مما ينظر الى آرائهم وأفكارهم ووزنهم بعيد الإعتبار منهم د. فرانسيس دينق وزير دولة للشئون الخارجية سابقاً وبونا ملوال وزير الثقافة والإعلام الأسبق، وديستان واي نائب رئيس البنك الدولي للشئون الافريقية حالياً وغوردون مورتات أحد قادة حركة الانانيا الأولى التي قاتلت الشمال سبعة عشر عاما مطالبة بالإنفصال والقس كلمنت جاندا والدكتور لوال أشيل من كبار مسئولي البنك الأفريقي للتنمية وديفد شان وهو أكاديمي مقيم في الولايات المتحدة وعبدون أقاو الناطق باسم الأحزاب الجنوبية في القاهرة وطالبوا بالإنفصال في إعلان شهير إتخذ إسم " إعلان أديرا" بعد إجتماعات إستمرت خمسة أيام من 3 الى 8 سبتمبر 1991م".
وجاء في تلك الوثيقة الهامة " نحن جماعة من السودانيين الذين يشعرون بقلق عميق من محنة بلادنا وشعبنا الذي جرحته وأوهنته وأضرت تقدمه الحرب التي لا نهاية لها والتي إستمرت متقطعة قرابة الاربعة عقود إجتمعنا في اديرا من 3 الى 8 أيلول / سمبتمبر 1991م للتداول في شأن مستقبل السودان، وكان تصميمنا الحازم الا نلوك "سيرة" الماضي، ونتحسر على مظالم شعبنا المعروفة جيداً والمعترف بها على نطاق واسع أو نلغي التبعة من دون بدائل بناءة للسياسات المدمرة التي أنتجتها الأنظمة المتعاقبة في الخرطوم، وقمنا طوال فترة إجتماعنا بالتداول الصريح والمضني من أجل تطوير وصوغ منظور يمكنه أن يرشد السودانيين الى التوصيل الى تسوية عادلة ودائمة من شأنها أن تمكن شعب السودان من تحويل إهتماماته وموارده وحضور بديهية الى المهمات الجسيمة المتعلقة بإعادة البناء والتنمية وبناء الأمة.
خلاصة الكتاب
وفي نهاية الكتاب يخلص الكاتب إلى أن هناك العديد من الخيارات الموجودة لحل مشكلة الصراع بين الطرفين ويقرر بقوله "وإذا فشلت فلن يكون الخيار المتبقي سوى التقسيم الذي يرفضه الطرفان المتحاربان حالياً، على أن يدرس بعقل وتوضع شروطه بطريقة إيجابية ويصمم بطريقة بناءة لتشجيع نمو أسس جديدة للتعايش والتعاون".
ويؤكد الكاتب قبل 20 عاماً بأن الحقيقة التي تتمثل في "أن التوجه (الإسلامي) الحالي غير قادر على التفاوض من أجل تسوية عادلة ودائمة لمشكلة السودان تجعل الخيار الأخير أي التقسيم أكثر حتمية والواقع أن إصراره الصريح على عدم قابلية التفاوض على الطبيعة الإسلامية للدولة وفرض الشريعة الإسلامية نظاماً قانونياً ووضع القناع على الحكم شبه الإقليمي ليبدو فيدرالياً والنظام السياسي ذي الحزب الواحد يجرده من مؤهلاته طرفاً تفاوضياً جاداً.
أعتقد أن المؤلف الأستاذ بابكر عثمان بإمكانه إعادة نشر الكتاب وفق التطورات التي أدت إلى جعل الإنفصال حقيقة واقعية أدت الاعلان اليوم السبت الحادي عشر من يوليو 2011م عن ميلاد دولة جنوب السودان بعد مرارات جسدتها الحرب التي استمرت أكثر نصف قرن من الزمان.
المؤلف
الأستاذ بابكر عثمان..يمتلك خبرة هائلة في مجال العمل الصحفي والاعلامي بشكل عام..كان مراسلاً لصحيفة (الراية) القطرية من الخرطوم حتى قبيل الانقلاب العسكري في يونيو 1989م عمل بعدة صحف سودانية وقطرية والآن يعمل في مجال إقامة المؤتمرات والمعارض بدولة قطر الشقيقة.
خالد ابواحمد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.