وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    شاهد.. مقطع فيديو للفريق أول شمس الدين كباشي وهو يرقص مع جنوده ويحمسهم يشعل مواقع التواصل ويتصدر "الترند"    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    شاهد بالفيديو.. لاعبون سودانيون بقطر يغنون للفنانة هدى عربي داخل الملعب ونجم نجوم بحري يستعرض مهاراته الكروية على أنغام أغنيتها الشهيرة (الحب هدأ)    محمد وداعة يكتب: مصر .. لم تحتجز سفينة الاسلحة    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    مدير المستشفيات بسنار يقف على ترتيبات فتح مركز غسيل الكلى بالدندر    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    لم يقنعني تبرير مراسل العربية أسباب إرتدائه الكدمول    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاطمة احمد ابراهيم..إمرأة اهتز لها عرش الرجال
نشر في الراكوبة يوم 05 - 07 - 2010

إعداد: علاء الدين محمود - (الاسرة كانت تقضي العطلة الصيفية مع أسرة والدي بمدينة القطينة – وهناك بجانب جدتي وعماتي كانت توجد امرأة ، تناديها عماتي (بفضل الرحام).. وكانت أمراة طيبة وكنت أعتقد أنها أخت جدتي حسب معاملتهم, وكنت أحب تلك المرأة جداً وأجلس بجانبها، وهي تطحن الذرة، ثم تعد الكسرة، وتطعمني منها، وأثناء عملية الطحن، كانت تغني بصوت جميل لكنه حزين، وبلغة لم أفهمها وبرغم ذلك كانت دموعي تنهمر، وأبكي بشدة لسماع ذلك الغناء الحزين.. وفي ما بعد علمت أن تلك المرأة ليست جدتي، ليست أخت جدتي وإنما هي امراة من جنوب السودان، واختطفها أحد تجار الرقيق من أسرتها، وتم بيعها من شخص لآخر، إلى ان استقرت مع اسرة والدها, وبالرغم من معاملتهم الحسنة لها، الا انها بالطبع لم تنس اطفالها وزوجها). وتقول فاطمة إن اكتشاف تلك الحقيقة، غرس بداخلها احساسا مؤلما بقسوة تجارة الرقيق، وتجاه الظلم والاضطهاد بشكل عام وبخاصة تجاه المواطنين من الجنوب وجبال النوبة. كان لتلك القصة اثر كبير في وقوف فاطمة أحمد إبراهيم الى جانب الفقراء والمضطهدين والمستغلين وصارت تلك هي قضية المناضلة فاطمة.
قصة تمرد
وتقول فاطمة عن نفسها إنها متمردة ومهما حدث لها ستستمر في النضال الى ان تموت.
ويبدو أن البحث عن العدالة الاجتماعية والاهتمام بقضايا الفقراء هو الذي قاد منذ وقت مبكر الاستاذة فاطمة أحمد إبراهيم أو (الرائدة) كما يطلق عليها الى الانتماء الى الافكار الشيوعية, وهو الامر الذي بدا غريبا حينها خاصة وأن فاطمة هي ابنة امام المسجد, لكن هذا العجب هو الذي تحكم عليه فاطمة نفسها بالتلاشي بتبرير كانت نتيجته (ان ليس في الامر عجب), فالإنتماء الى الفقراء جعل من والدها اماما للمسجد والانتماء للفقراء جعل منها شيوعية، غير ان شيوعية فاطمة لم تتناقض أو تبدو غريبة عن القيم التي تربت عليها في بيت شيد على التقوى, فكان ان الفت بين هذا وذاك. وتقول فاطمة أحمد إبراهيم ان الدعاية المعادية للشيوعية كانت تبث في الناس ان الشيوعية امر منافي للدين ويدعو للفساد والانحلال الخلقي, وتقول انها لم يكن بمقدورها ايقاف تلك الدعاية غير انها كانت تراهن على سلوكها الشخصي, وانها تؤدي صلواتها كمسلمة وربما هذا ما جعل البعض يقول ان فاطمة ليست شيوعية, على نحو ما فعلت سعاد إبراهيم احمد عندما قالت في حوار مع (الوطن) السودانية: (أنا رأيي، من زمان، إنو فاطمة ما شيوعية والآن، بعد أن عادت من لندن تأكد لي أكثر أنها ما شيوعية.. فقد دخلت برلمان «الجبهة».. وقابلت البشير.. وأدوها أرض بالقرب من كوبري المنشية الجديد، حيث قالت إنه تعويض لها عن أرض صادرتها منها حكومة الجبهة).. غير أن هناك من يرى أن برلمان الجبهة دخلته فاطمة بقرار من الحزب الشيوعي ولم تكن فاطمة وحدها بل كان برفقتها الاساتذة سليمان حامد وصالح محمود عضوا اللجنة المركزية بالحزب الشيوعي، وقد تناولت فاطمة احمد ابراهيم الفرق بين هذه التجربة في المشاركة في المجلس الوطني المعين ومشاركتها البرلمانية السابقة. وتقول ان الفرق كبير باعتبار ان البرلمان الأول كان عن طريق الانتخاب الحر, اي انه برلمان شرعي بينما تقول عن المجلس الوطني المعين انه قد جاء بحكومة استلمت السلطة غصبا, وحول مشاركتها في المجلس الوطني الانتقالي في اعقاب توقيع اتفاق نيفاشا للمصالحة الوطنية يقول الاستاذ يس محمد نور يس عضو المجلس الوطني الانتقالي: (نحن نكن احتراماً خاصاً للأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم وعلى الرغم من تباين مذاهبنا ومناهجنا الفكرية معها, ولكنها امرأة تستحق الاحترام وما ذلك إلا لعصاميتها ثم لجرأتها في اقتحام هذا المجال الذي لم تسبقها عليه امرأة من قبل, ثم صبرها ومثابرتها في التعاطي مع الشأن العام وهي سودانية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى). بينما يرى كثيرون ان اصل الصراع بين فاطمة وسعاد لا علاقة له بتلك المشاركة بل كان حول الموقف من قضايا المرأة, وهو الامر الذي تقره الاستاذة الرائدة سعاد ابراهيم احمد في ذات الحوار عندما قالت: (فاطمة لم تستطع أن تنسى موقفي في الستينيات من الآلية النسوية التي لم أقتنع بها), وربما يقودنا حديث المناضلة سعاد هذا الى قصة تأسيس الاتحاد النسائي وموقف فاطمة من قضايا المرأة والتي كان لفاطمة فيها القدح المعلى. وتقول فاطمة أحمد إبراهيم ان الحديث عن انشاء الية لعمل المرأة بدأ منذ ان كانت في المرحلة الثانوية, وانها كانت تحض الفتيات على ضرورة ان يضعن اياديهن فوق ايادي بعض حتى ينجحن في تغيير وضع المرأة والقضاء على العادات الضارة التي تقلل من قدر المرأة. ومن خلال هذا التفكير اليومي نشأ الاتحاد النسائي السوداني عام 1952م بقيادة فاطمة أحمد إبراهيم وعدد من الرائدات مثل الدكتورة خالدة زاهر، نفيسة أحمد الأمين، حاجة كاشف، عزيزة مكي، و ثريا امبابي. وتقول الاستاذة فاطمة ان ميلاد الاتحاد واجه عقبات وصعوبات اجتماعية عديدة خاصة مع النظرة السائدة نحو المرأة في ذاك الاوان, ولكن العمل المثابر للاتحاد النسائي استطاع ان يحقق نجاحات كبيرة تغيرت معه نظرة المجتمع خاصة ان الاتحاد كان يراهن على الوعي. واليوم تنظر الاستاذة فاطمة احمد ابراهيم الى تجربة الاتحاد النسائي بكل الفخر والاعزاز عندما قالت للزميل الاستاذ قرشي عوض: (بكل فخر يمكن أن تكون الحركة النسائية السودانية هي اعظم حركة نسائية في العالم, وأنا لا اقول ذلك من فراغ ولكن من خلال الواقع الذي دفع الامم المتحدة لمنح الاتحاد النسائي السوداني جائزة حقوق الانسان, نسبة للانجازات التي حققها للمرأة السودانية). وقصة تأسيس الاتحاد النسائي تقودنا الى قصة اخرى تحكي نضالات المرأة السودانية السابقة لنضالات النساء في المحيط الاقليمي, وهي قصة اصدار صحيفة صوت المرأة فقد شعرت فاطمة (السمحة) كما يحلو للبعض تسميتها, ان بعض الصحف اليومية تهاجم الاتحاد النسائي لتحجيم دور الاتحاد مما دعا فاطمة ورفيقاتها للتفكير في اصدار صحيفة تعنى بشؤون المرأة وتدافع عن قضاياها, فكان ميلاد (صوت المرأة) الصحيفة الناطقة باسم الاتحاد النسائي, وحتى اصدار الصحيفة تم بشرط ألا تتناول القضايا السياسية فوافقت فاطمة أحمد ابراهيم على الشرط وهي تضمر امرا حيث ان السياسة كانت تجري في عروق فاطمة. وتقول فاطمة إن (صوت المرأة) لعبت دورا رائدا في مقاومة حكم عبود العسكري – فهي اول صحيفة سودانية تستعمل الكاريكاتير لهذا الغرض الامر الذي ادى لانتشارها – وتعرضها للحظر لعدة مرات – لقد لعبت صوت المرأة دورا بارزا في توضيح قضية المرأة ، ومشاكل الاطفال ، والحركات النسائية ، وموقف الاسلام الحقيقي من المرأة. وفي عام 1954 طالب الاتحاد النسائي بالحقوق السياسية للمرأة ، حق التصويت وحق الترشيح – فتعرض للهجوم من قبل الجبهة الاسلامية، بحجة ان الاسلام لا يسمح بمساواة المرأة وانخراطها في السياسة – ونظمت حملة واسعة ضد الاتحاد النسائي وضدي شخصيا من ائمة المساجد ، لان والدي كان اماما، وقد تعرض كذلك للهجوم، وهذا ما دفعني للرجوع للقرآن الكريم لاثبت ان الاسلام ليس ضد مساواة المرأة، ولا ضد اشتغالها بالسياسة، وكانت تلك الوسيلة الوحيدة لاقناع الجماهير المسلمة، والتي تتلقى معرفتها لاحكام الاسلام منهم.
وتقول فاطمة ان وعيهم السياسي في الاسرة بدأ مبكرا اذ تعرض والدها لضغوط ومشاكل كثيرة بعد تخرجه من كلية غردون، من قبل ادارة التعليم البريطانية، لانه كان مبرزا في اللغة الانجليزية لكنه رفض تدريس اللغة الانجليزية ، بحجة انها لغة المستعمر الكافر فاضطر للاستقالة من المدرسة الحكومية ، والتحق بالتدريس بالمدرسة الاهلية ، استاذا للغة العربية والدين الاسلامي، وتقول فاطمة ان معظم نقاش الوالد مع الوالدة كان يدور حول الاستعمار البريطاني ، وتذكر فاطمة حادثة كان لها الاثر الحاسم في انضمامها للحزب الشيوعي وتقول: (في يوم من الايام اقتحم رجال الامن منزلنا واعتقلوا شقيقي صلاح، بتهمة الكتابة على الحيطان وتوزيع منشورات الحزب الشيوعي ضد الاستعمار, ولكن اطلق سراحه لصغر سنه وفيما بعد اتضح لها ان شقيقها مرتضى كان عضوا في الحزب الشيوعي ولكنه استقال منه في ما بعد)
الانضمام للحزب الشيوعي
كانت فاطمة أحمد ابراهيم تسمع عن الحزب الشيوعي من شقيقها صلاح الشاعر والأديب المعروف ويأتي بمنشورات الحزب لشقيقته فاطمة ويحدثها عن الاشتراكية,, والامر الذي لفت نظر فاطمة من خلال تلك الاحاديث أو الدروس هو تحليل الاشتراكية نظرياً لاسباب اضهاد المرأة، وبداية ابعادها عن مواقع العمل والانتاج، وحصر دورها في المنزل فكان ان دخلت فاطمة الحزب الشيوعي في عام 1954 ، وبعد فترة صارت فاطمة عضوة باللجنة المركزية للحزب، غير ان تلك القصة لم تمر مرور الكرام فعندما سمع والدها بخبر انضمام ابنته للحزب الشيوعي ثار ثورة شديدة وغضب من ذلك الفعل, غير ان فاطمة ارادت ان تقنع والدها بدلا من الدخول معه في مواجهة فطلبت من والدتها ان تحضر لها بعض اصدارات الحزب الشيوعي لتضعها تحت وسادته, فلما رقد احس بوجود اوراق تحت الوسادة، فاخرجها وقبل ان يسأل اخطرته زوجته بانها وضعتها له ليقرأها، فاذا وجد أي كلمة ضد الاسلام او ضد الاخلاق، فانها ستتولى اخراج ابنته واولاده من الحزب الشيوعي, وبعد ان قراها اقتنع وعلق بأن كل محتوياتها في مصلحة الفقراء والمضطهدين, ولا توجد أي كلمة ضد الاسلام او الاخلاق ووافق على ان تصبح ابنته عضوة في الحزب الشيوعي.
يوليو 1971م.
هذا التاريخ يعني الكثير لفاطمة احمد ابراهيم فبعد ان انقض الرئيس الاسبق جعفر محمد نميري عام 1969م على ديمقراطية اكتوبر, وهو الانقلاب الذي اثار جدلا كبيرا لجهة نسبته للشيوعيين, الا ان نميري سرعان ما قلب للشيوعيين ظهر المجن عندما قام ضباط ينتسبون للحزب الشيوعي بالانقلاب عليه في عام 1971م, وبالفعل نجحوا في ذلك بقيادة الرائد هاشم العطا ولكن لمدة ثلاثة ايام فقط, ليعود بعدها نميري ويعمل سيف الانتقام ضد الشيوعيين في ايام سوداء علق فيها قيادات الحزب الشيوعي على المشانق, ومنهم زوج فاطمة القيادي العمالي الشفيع أحمد الشيخ والسكرتير السياسي للحزب المناضل عبد الخالق محجوب وجوزيف قرنق, كما تمت تصفية بابكر النور وفاروق حمد الله وهاشم العطا وعدد من القيادات العسكرية, مما ولد لدى فاطمة عداءً كبيراً ضد نميري ونظامه لم تمحه السنوات الطوال, فقد كان الحدث فاجعة حقيقية للحزب الشيوعي ولفاطمة احمد ابراهيم ،لم تنس فاطمة ذلك, وبعد توقيع اتفاق نيفاشا وتكوين المجلس الوطني الانتقالي ومشاركتها بجانب عدد من الشيوعيين في ذلك المجلس, اكتشفت فاطمة ان احد الذين اشرفوا على اعدام زوجها يجلس في ذات المجلس فاقتربت منه محاولة صفعه, وهي الحادثة التي اثارت لغطاً كبيراً, غير أن الحادثة تدل على ان فاطمة لم تنس تلك الايام السوداء مما قادها الى ذلك الفعل الذي بدا لبعض النواب تلقائيا, كما قال حينها حسن ابوسبيب أنه ناتج عن انفعال طبيعي, وكذلك كما قال النائب يحيى الحسين الذي اقترب حينها من فاطمة وأخذ بيدها. وبعد تلك الحادثة ابتعدت فاطمة عن المجلس الوطني وقل نشاطها الحزبي, غير ان ادبيات الحزب الشيوعي وثقت لتلك الايام السوداء في حياة الحزب وحياة فاطمة أحمد ابراهيم في اعقاب اعدام زوجها الاستاذ الشفيع احمد الشيخ, بابيات مازال يرددها الشيوعيون كبارا وصغارا:
وا حلالي أنا وا حلالي
أريتو حالك
يابا حالي
أموت شهيد نجمي البلالي
وأخلف اسماً لي عيالي
الشفيع يا فاطمة في الحي
في المصانع وفي البلد حي
سكتيها القالت أحَّي
ما عماره الأخضر الني
بدري بكر خضر الحي
ومات شهيد أنا وا حلالي
يا المصانع يالسكك الحديد
يا ورش نارها بتقيد
يا عمال الميناء البعيد
جروا حبل اليوم السعيد
وشايفوا قرب أنا وا حلالي
أحمد أحمد تكبر تشيل
اسم أبوك في النجم والنيل
خط أبوك بالدم النبيل
كل زهرة وزهرة إكليل
ومات شهيد أنا واحلالي
فاطة احمد ابراهيم..إمرأة اهتز لها عرش الرجال 2_2
إعداد: علاء الدين محمود
(الاسرة كانت تقضي العطلة الصيفية مع أسرة والدي بمدينة القطينة – وهناك بجانب جدتي وعماتي كانت توجد امرأة ، تناديها عماتي (بفضل الرحام).. وكانت أمراة طيبة وكنت أعتقد أنها أخت جدتي حسب معاملتهم, وكنت أحب تلك المرأة جداً وأجلس بجانبها، وهي تطحن الذرة، ثم تعد الكسرة، وتطعمني منها، وأثناء عملية الطحن، كانت تغني بصوت جميل لكنه حزين، وبلغة لم أفهمها وبرغم ذلك كانت دموعي تنهمر، وأبكي بشدة لسماع ذلك الغناء الحزين.. وفي ما بعد علمت أن تلك المرأة ليست جدتي، ليست أخت جدتي وإنما هي امراة من جنوب السودان، واختطفها أحد تجار الرقيق من أسرتها، وتم بيعها من شخص لآخر، إلى ان استقرت مع اسرة والدها, وبالرغم من معاملتهم الحسنة لها، الا انها بالطبع لم تنس اطفالها وزوجها). وتقول فاطمة إن اكتشاف تلك الحقيقة، غرس بداخلها احساسا مؤلما بقسوة تجارة الرقيق، وتجاه الظلم والاضطهاد بشكل عام وبخاصة تجاه المواطنين من الجنوب وجبال النوبة. كان لتلك القصة اثر كبير في وقوف فاطمة أحمد إبراهيم الى جانب الفقراء والمضطهدين والمستغلين وصارت تلك هي قضية المناضلة فاطمة.
ثورة أكتوبر
ضمن نساء عديدات شاركت فاطمة أحمد ابراهيم في ثورة اكتوبر حيث كان للناس اسهام كبير في تلك الثورة, سكبن فيها دماءً غالية وقدمن شهيدات واستشهدت ربة البيت بخيتة الحفيان، وجرحت محاسن عبد العال وآمنة عبد الغفار، عضوات الاتحاد النسائي, وبعد انتصار الثورة قبلت عضوية الاتحاد النسائي في جبهة الهيئات، ونالت المرأة حق التصويت والترشح, ولم تفز مرشحة الجبهة الإسلامية وفازت فاطمة أحمد ابراهيم التي احتلت موقعها تحت قبة البرلمان كأول امرأة في السودان وافريقيا والشرق الأوسط تحقق ذلك الانجاز الكبير.
صراعات لم تحسم
موقف فاطمة احمد ابراهيم من قضايا المرأة قوبل بصراع من قبل نساء أخريات يحملن موقفاً ورؤية مختلفة مع ما تحمله ويقول الاستاذ عثمان تراث إن مواقف فاطمة ساهمت في جعلها تحظى بقبول شعبي كبير، وأدت إلى إيجاد نوع من التناغم الموضوعي بين قضايا النساء وما يؤمن به المجتمع من أفكار ومعتقدات دينية واجتماعية.
لكن وفي المقابل يقول تراث فقد قوبلت مواقف فاطمة هذه بتحفظ من أخريات في الاتحاد النسائي أخذن عليها إلحاحها على الحشمة في المظهر والتضييق عليهن في ضوابط اللبس وغيره. أما الراديكاليون اليساريون فقد قابلوا نهج فاطمة بحدة أكبر واعتبروا أنه يعبر عن مواقف رجعية، ويقول عثمان تراث إن الخلاف قد احتد بين فاطمة ومعارضيها في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عندما هاجمت في عدة مقالات ولقاءات صحفية الحركة النسوية (الفيمنزم» Feminism وعبرت عن رفضها لمفهوم الجندر. وقالت إن حركة الفيمنزم تعني في الغرب «الأنثوية» وليس النسوية، «بسبب أن بلدان الغرب، تركز على المرأة كأنثى، بإبراز جمالها وتعريتها وإبراز مفاتنها، ولا تهتم بقدراتها الفكرية ومهاراتها وتطويرها، وتستعملها مثلها مثل السلعة». ورأت أن تلك الحركة لم تؤد لمساواة النساء بالرجال في الحقوق، وأن النساء استعضن عن تلك المساواة بالاسترجال والتشبه بالرجال في هيئتهم وزيهم وسلوكهم، وأن الأنظمة الرأسمالية أباحت للمرأة السفور لدرجة ما يشبه العري، واستعاضت به عن التحرر من الاضطهاد والظلم. وقالت فاطمة إن المفاهيم الغربية لتحرير المرأة ظهرت في الحركة النسائية السودانية منذ الخمسينات وعندما تم تشكيل الاتحاد النسائي «بدأت تظهر بعض المفاهيم الخاطئة» التي حصرت التحرر في خلع الثوب. وتقول إن صاحبات هذا التيار لم يكن لديهن فكر بل كان كل همهن أن تخلع المرأة «الثوب» وتحاكي الرجل في هيئته وحتى طريقة مشيته، وتدخن السجائر وتشرب الخمر. ورأت أن أصحاب الحركة النسوية «همهم الأساسي في موضوع المرأة ليس مساواتها بالرجل ولكن همهم الشذوذ الجنسي»، ويقول تراث إن فاطمة وبصراحتها المعهودة، طال هجومها عدداً من أبرز الناشطات النسويات والسياسيات السودانيات وغيرهن.
وهذه الآراء ووُجهت بموجة كبيرة من الرفض والاستنكار. ورأى معارضوها أنها تعبر عن أفكار قديمة لفاطمة تثبت تخلفها ورجعيتها. واتهموا فاطمة بأنها، ورغم قيادتها للاتحاد النسائي على مدى خمسين عاماً، لا تملك تصوراً أو برنامجاً واضحاً للحركة النسوية السودانية الجديدة. وأنها بدأت منذ أوائل الثمانينات من القرن العشرين؛ في تطوير خطاب سلفي رجعي. ووصلت بهذه المواقف لاستهداف زميلاتها في الحركة النسائية وفي الاتحاد النسائي وتشويه صورتهن، غير أن هنالك من يقف مدافعاً عن مواقف فاطمة الفكرية تجاه المرأة.. يقول الأستاذ والمثقف الماركسي عبد الله علي إبراهيم إنه ومنذ أول يوم استمع فيه إلى فاطمة في خمسينات القرن العشرين وجدها تربط بين حرصها على الحشمة في مظهرها وبين خدمة قضية المرأة في بلد يواتي خصوم تلك القضية من البطريركيين نصوص الإسلام لإفسادها وضبطها. ويرى الدكتور إبراهيم أن فاطمة ومن خلال تمسكها بأسلوبها في الحشمة «هزمت عتاة خصوم المرأة في برلمان 1965 وجعلتهم يصوتون لمشروعاتها بشأن تقدم المرأة».
ويقول إن فاطمة استعانت بنصوص من لينين، «المظنون فيه السفه والمشاعية، لتزجر التقدميين عن الإسفاف الجنسي باسم التقدم» ويقارن الدكتور إبراهيم بين دعوة فاطمة إلى تحرير المرأة ودعوة هدى شعراوي في مصر. ويلاحظ أن لحظة إطلاق نداء تحرير المرأة عند هدى كان هو خلع الحجاب، بينما كان الرمز عند فاطمة هو ارتداء الحجاب أو ما هو قريب منه، ويِرد ذلك إلى تباين وضعي المرأة في مصر والسودان من حيث تقدم المجتمع وعلاقات الذكورة والأنوثة فيه. ويلفت الانتباه إلى «أن دعوة فاطمة للتحرير اتجهت إلى غمار النساء في إطار عمل طبقي شعبي شيوعي بينما كانت هدى ودعوتها بعضاً من نهضة برجوازية ثقافية في مصر».
انجازات عظيمة
ارتبط اسم فاطمة أحمد ابراهيم من خلال عملها بالاتحاد النسائي السوداني بتحقيق انجازات عظيمة للمرأة السودانية أسهمت في تقدم المرأة السودانية على نحو حقق دخول المرأة في كل مجالات العمل، وكل ميادين العمل دخلتها المرأة السودانية في حين كان عملها من قبل محصورًا في التعليم والتمريض فقط ، وفي هذا لم تسبقها أي امرأة في العالم العربي او الافريقي كذلك حق الأجر المتساوي للعمل المتساوي، والمساواة في العلاوات والمكافآت ، والبدلات ، وفي كل شروط العمل، وفي حق الترقي لأعلى الدرجات ، وفي حق المعاش، وقد تحقق كل ذلك، وكذلك تحقق إلغاء قانون المشاهرة ، الذي يفرض على المرأة العاملة تقديم استقالتها بعد الزواج لتعمل بموجب عقد عمل مؤقت شهراً بشهر، وقد حققت فاطمة كذلك انجازات كبيرة على المستوى الشخصي عندما تم تكريمها ومنحها الميداليات من عدة جهات وإلى جانب التكريم الأخير من قبل الأمم المتحدة، فقد نالت فاطمة ميدالية نقابات عمال السودان وميدالية العمدة سرور السافلاوي، وميدالية الاتحاد النسائي من الاتحاد السوفيتي، غير أن من أهم الأوسمة التي تحتفي بها فاطمة هي رسالة الناظر بابو نمر، ناظر قبيلة المسيرية التي وجهها لها في مذكراته، والتي ترجمها إلى اللغة الانجليزية ، السيد فرانسيس دينق والتي قال فيها :»قولوا لفاطمة انا ساويت ليك النساء في قبيلتي بالرجال»، وطبعاً هي موجهة عبر فاطمة للاتحاد النسائي وكذلك دعوة الناظر مادبو، ناظر قبيلة الرزيقات لها عندما حضر إلى العاصمة في عام 1989م لمقابلتها، وكان كذلك تعبيراً عن احترامه وتأييده للاتحاد النسائي ، واقتناعه بدعوة الاتحاد للمساواة بين الجنسين، وهذا في مجموعه أكد أن الاتحاد النسائي قد سلك الطريق السليم لمساواة المرأة مما اقنع تلك الشخصيات الوطنية من أقاليم السودان. وتذكر فاطمة بفخر الوسام الذي قلده الرئيس جمال عبد الناصر لها وزوجها الشفيع احمد الشيخ ومطالبته لهما بالمساهمة بخبراتهما في مجالي الحركة النقابية والحركة النسائية في مصر .
وأيضاً تذكر فاطمة العلاقة بالرئيس زين العابدين بن علي رئيس جمهورية تونس ، والذي قابلته لأول مرة في مؤتمر الحكومات الافريقية التحضيري ، لمؤتمر المرأة العالمي ببجين ، فأشادت بخطابه وبموقفه من قضية المرأة ، وخصوصاً ان تعدد الزوجات ممنوع في تونس منذ عهد الرئيس بورقيبة، وتقول فاطمة إنها قابلت زين العابدين مرة أخرى وكان الغرض من المقابلة أن يكون على رأس اللجنة المقترحة لقيادة الحملة العالمية لتطبيق الخطة التي اقترحتها لتنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بمساواة المرأة «سيداو» فوافق، غير أن فاطمة تأسف لإجهاض تلك الخطة من قبل زميلاتها من الدول الغربية العضوات في لجنة قيادة الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي.
قضية الجنوب
أولت فاطمة أحمد ابراهيم اهتماماً كبيراً لقضية الجنوب منذ وقت مبكر، وبعد دخولها برلمان اكتوبر ذهبت الى ملكال لتخاطب ليلة سياسية نظمها لها فرع الاتحاد النسائي تحدثت فيها عن مشكلة الجنوب والحرب، والحل الديمقراطي لها، وبعد الليلة جاءها وفد من منظمة الانانيا (المتمردون ضد حكومة الشمال) ليشكروها على خطابها الذي أنصفهم، ووجهوا لها الدعوة لمقابلة بعض قياداتهم في الغابة وزيارة قرية سكانية في الغابة ولبت فاطمة الدعوة مما أثار غضب مدير المديرية الشمالي والذي اتصل معترضًا بحجة انهم متمردون وضد الحكومة، فقالت له فاطمة ان مهمتها كنائبة برلمانية ان تستمع لمشاكل المواطنين والدفاع عنهم فذهبت فاطمة للغابة واستمعت لمظالمهم وزارت القرية وتقول فاطمة إن ما رأته جعلها تبكي بكاء حارًا ، والتزمت لهم أن تدافع عن قضاياهم والمطالبة بحلها وذلك عندما رأت البرد القارس والسكان عراة كالهياكل العظمية وبخاصة الأطفال، ولهذا يسكنون في كهوف وفي طريق عودتها للمدينة قابلت فاطمة «الكجور» الذي جاء ليشكرها وقام بمباركتها، وقبل توقيع اتفاق نيفاشا توطدت علاقة فاطمة بالحركة الشعبية لتحرير السودان ووجهت الحركة الشعبية الدعوة لها لزيارة «الأراضي المحررة» حيث تم استقبالها بحرارة ونظموا لها جولة ولقاء مع عدد ضخم من المواطنين والمواطنات في الغابة، وتقول فاطمة إن ما لفت نظرها وأثلج صدرها ذلك الوعي الذي يتمتع به هؤلاء المواطنون البسطاء ففي أغانيهم الشعبية يؤكدون حرصهم على الوحدة لأن السودان وطنهم من جوبا للخرطوم ، ومن كسلا لجبال النوبة ، ومنحتها الحركة عضوية تنظيم الاتحاد النسائي للحركة.
علاقتها بشقيقها صلاح
تقول فاطمة عندما قدمها النميري لمحكمة الطوارئ العسكرية ، كان شقيقها صلاح سفيراً بالجزائر، فلما سمع بالأمر ، طلب من كل أعضاء السفارة ان ينصرفوا ، وعقد مؤتمراً صحفياً بالسفارة ، دعا له رجال السلك الدبلوماسي والإعلام كشف فيه جرائم نميري وسرقاته ثم غادر إلى باريس ، بدون ان يقدم استقالته وهناك سكن في غرفة ضيقه ثم نظم قصيدة الحب العظيم ، التي جاء فيها:
ما قيمة الدنيا إذا بعنا المدارك بالخوان
ما قيمة الدنيا إذا أغفى الكريم على هوان
ما قيمة الدنيا إذا ....
كلماته وبنفس نفس العنفوان
ورأيت في عيني زادي كله
كف تلوح لي وتمسك احمدا
كف بها رفعت مهيرة كفها فوق الرجال تقول .. زحفاً للعدا
وتقول فاطمة انه وعندما ماتت والدتها في شهر يونيو سنة 1971 وقبل ان تكمل الأربعين يوماً ، أعدم الشفيع فنظم صلاح قصيدة رثاء بعنوان «نحن والردى»:
يا منايا حومي حول الحمى واستعرضينا واصطفي
كل سمح النفس، بسام العشيات الوفي
إلى ان يقول:
وأمان الله منا يا منايا
كلما اشتقت لميمون المحيا ذي البشائر
شرفي ....
تجدينا مثلاً في الناس سائر
نقهر الموت حياة ومصائر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.