قبل الإنقاذ تعلمنا في المدارس أن السودان من أهم دول العالم التي تملك ثروة حيوانية مقدرة و لديه الكثير من المنتجات والمحاصيل الزراعية التي كانت تنافس في الاسواق العالمية، و أن امكاناته الطبيعية يمكن أن تجعله سلة غذاء العالم ، وعليه فإنه يملك اقتصادا واعدا يبشر بمستقبل زاهر ، في ذلك الوقت لا يتحدث المواطنون عن العطالة او ضعف رواتب العاملين بالدولة ولا يشتكون من جوع ولا مرض ، شخص واحد يمكنه أن يعول أكثر من أسرة دون أي مساعدة، قبل كان السودان يملك سمعة اقتصادية طيبة، ورغم ذلك لم نر يوما وزير مالية يخرج ليمنّ على الشعب بما قدم من عمل او يسيء إليه بأية كلمة جارحة مثلما يحدث اليوم . الاحوال التى كان عليها اقتصادنا انعكست على مكانة السودان وعلاقاته بالعالم فقد كان كبيرا محترما يمد يد العون لكل من يحتاجه ولا يحتاج الى احد وكانت أفضاله على الآخرين كثيرة بل هناك دول نهضت نهضة اقتصادية كاملة بفضله. هذا الوضع انقلب بمجيء الانقاذ ، ولم يعد الاطفال في المدارس يحتاجون إلى دروس ليتعلموا عن الاقتصاد في بلدهم ، فما فعلته الإنقاذ جعلهم يدركون تلقائيا أن السودان أصبح من الدول التى لا تملك شيئا وليس لديها أي وجود في الأسواق العالمية وارتفعت فيه نسبة العطالة وتأثر الإنتاج ، وأصبحت الأسرة تحتاج إلى أن يعمل جميع افرادها بما فيهم الأطفال حتى يتمكنوا من العيش ، والكل يشتكي من المعيشة : موظفين و تجار و زراع و رعاة ،لدرجة أن الكل لم يعد يتحمل البقاء في بلد اقتصاده ينهار أمام أعينهم فهجروه ، ورغم هذا وزير المالية يطلب منهم الصبر وعدم مغادرة السودان لأنه يحمل الكثير من الخير ، وماذا يفيد الانتظار في وطن مثقل بالخيرات في ظل حكومة لا خير فيها ؟ كل عام يصدر البنك الدولي تقريرا مفصلا عن الاقتصاد السوداني ويطلب من الحكومة السودانية إجراء إصلاحات محددة .. هذه المرة صدر تحت عنوان استغلال الإمكانات الكامنة لتحقيق التنمية متنوعة المصادر وحدد المعوقات التي تجابه الاقتصاد السوداني وتقف حائلا دون تنويع النشاط الاقتصادي ، وبغض النظر عن مطالبة البنك الدولي ألا تشعر الحكومة أنها تعطل التنمية بسبب اعتمادها على مصادر محددة من ضمنها جيب المواطن الذي تفننت في سرقته ، ان كانت لا تعلم مصيبة وان كانت تعلم مصيبة أكبر. لست متخصصة في الاقتصاد ولكن لا أفهم كيف تتعامل الحكومة مع انهيار الاقتصاد السوداني الذي تسببت هي فيه ، و لكي يبدأ اولى خطوات التعافي يحتاج الى شرطين هما الاستقرار السياسي كشرط مهم ، ثم محاربة الفساد و أعتقد أنهما أهم الأسباب التي أمرضت الاقتصاد ، فالسمعة والمكانة الاقتصادية التي عاشها السودان قبل الانقاذ، كان يدعمها الاستقرار السياسي النسبي وعدم استشراء الفساد كما هو اليوم . أعتقد ان حكومة المؤتمر الوطني لن يجدى فيها نفعا إن نصحها البنك الدولى أو لم ينصحها ، وإصلاح الاقتصاد السوداني ليس بالأمر المستحيل ، فصلاح اقتصاد أي دولة يعتمد على صلاح الحكومة ،وبما أن حكومتنا هذه لا يمكن ان تنصلح فلن ينصلح اقتصادنا أبدا . التيار