لن يحكمنا البنك الدولي شعار وهتاف ظل يردده الطلاب من اهل اليسار في زماننا بجامعة الخرطوم كان شعاراعاليا وهتافا داويا صعب علينا ونحن في بداية دراستنا للاقتصاد، فهم معناه و معلوماتنا عن المؤسسات المالية الدولية لم تكتمل بعد ، ولميولنا الاسلامية كنا نكره كل شعارات اليسار وان كانت على حق وكانوا هم ايضا على الدوام يتهمون الاسلاميين عموما بالسير على طريق التطور الرأسمالي وعلى صلة بالبرجوازية الصغيرة و (الكبيرة حتى ) وعندما درسنا مبادئ الاقتصاد الاسلامي على يد العالمين الجليلين البروفسور محمد هاشم عوض واخيه احمد صفي الدين عوض رحمهما الله عرفنا ان نظام الاسلام الاقتصادي يتقاطع مع الرأسمالية والاشتراكية عند جوانبهما الحسنة ويخالفهما في شططهما ويرسم طريقا وسطا لا افراط ولا تفريط ولا تطرف ولا شطح ( وكذلكنا جعلناكم امة وسطا ) ، وللاسلام آلياته ومكنزماته في معالجة قضايا الفقر وتوزيع الدخل والاحتكار والتكافل الاجتماعي لا مثيل لها في الانظمة الاخرى و صحيح ليس هناك نظريات اقتصادية اسلامية بالمعنى ولكن هناك نظام حياة وفق مباديء واعتقاد والاقتصاد جزء من ذلك النظام . ظننا ومن فرط التنظير عندنا انه وبمجرد وصول الاسلاميين الى السلطة سوف تتحقق دولة الرفاه وتمتلئ الخزن وغفلنا عن كل ما جاء في الاثر والتراث بان دولة الاسلام يمكن ان تتعرض لكل اشكال الازمات بل اشد من مجاعات واوبئة ونقص وحصار وازمة اقتصادية ، و ظللت استغرب لحديث كثيرين بان تطبيق نظامنا الاسلامي هو الذي حمى اقتصادنا من التأثر بالازمة الاقتصادية العالمية التي ضربت كل دول العالم دون استثناء ، ونسوا ان حياة المسلم بين الرخاء والشدة خير وشر ان اصابه خير شكر وان اصابه شر صبر و الابتلاء هو الاصل ولكن كيف تعملون عند وقوعها تكتب الحسنات لمن احسن والسيئات لمن اخفق.. . نعود للبنك الدولي ونقول انه مجموعة مؤسسات عالمية مسؤولة عن تمويل البلدان بغرض التطوير وتقليل الفاقة وتشجيع الاستثمار العالمي وقد انشئ مع صندوق النقد الدولي حسب مقررات مؤتمر بريتون وودز وتتكون من البنك الدولي للانشاء والتعمير - مؤسسة التنمية الدولية - مؤسسة التمويل الدولي - وكالة ضمان الاستثمارات متعددة الاطراف والمركز الدولي لتسوية المنازعات الاستشارية . بدأ البنك نشاطه في اعمار اوربا بعد الحرب العالمية الثانية وبتركيز الاعمار في البلاد عقب النزاعات وتوفيراحتياجات اعادة التاهيل اللاحقة للنزاعات والتي تؤثر على الاقتصاديات النامية وزاد البنك اخيرا من تركيزه علي تخفيف حدة الفقر ، اما صندوق النقد الدولي فهو من منظومة بريتون وودز تابع للامم المتحدة انشئ بموجب معاهدة دولية في 1945م للعمل على تعزيز سلامة الاقتصاد العالمي و اعضاؤه يشملون جميع بلدان العالم تقريبا ، يهدف الصندوق لمنع وقوع الازمات في النظام عن طريق تشجيع البلدان المختلفة على اعتماد سياسات اقتصادية سليمة وتقديم مشورة بشأن السياسات لاعضائه استنادا الى الخبرة وتقديم المساعدة الفنية واشتهر بانه يقدم روشتات للاصلاح ، كثيرا ما تواجه بمعارضة قوية من شرائح المجتمع الضعيفة والسياسيين المعارضين من هنا كان يجب ان يهتف الناس ضد الصندوق وليس البنك الدولي الذي كان يجب ان يرحب به لانه ظل يقدم دعم لمشروعات حيوية وهامة و لكن مشكلتنا في هذه البلاد اننا ظللنا ضحية لمواقف اليمين المتطرف المتمثل في غلاة الاسلاميين واليسار الراديكالي في بلد كان يجب ان تكون الغلبة ليسار اليمين ويمين اليسار اهل الوسط ولكن هيهات فقد ظللنا نتخذ مواقف ونردد شعارات نظل لها عاكفين ونقدس الاشياء والاشخاص ونحن نعلم انه لا قدسية وصرنا نبحث عن حلول لقضايانا في بلاد بعيدة وكاننا لا ندري ان الحلول خلف النهر الذي نحن على ضفتيه وصار حالنا مثل اهل ماكندو الذين تركوا قريتهم خلفهم وذهبوا يبحثون عنها وبعد سنين وقفوا يرددون المهم ان لا نفقد الاتجاه .. هل صحيح اننا اليوم نسير وفق اتجاه البوصلة اما اننا نحتاج الى من يهدينا السبيل اسالوا اهل العلم ان كنتم لا تعلمون . قبل اكثر من ثلاث سنوات دعينا لحضور المنتدى الشهري الذي يقيمه المجلس الثقافي البريطاني بالخرطوم كان عنوان المحاضرة الاقتصاد السوداني و المتحدث الدكتور عبدالرحيم حمدي وزير المالية الاسبق والخبير الاقتصادي المعروف تحدث عن تأثير الازمة المالية على السودان والذي كان في وقت سابق قد نفى من قبل عدد من المسئولين بعدم تأثر السودان بما يدور في العالم و انه محصن ومحروس من كل جن وكأننا في جزيرة معزولة الا ان حمدي اكد في ذلك اليوم خطورة الوضع وان هبوب الرياح الاقتصادية والمالية المعاكسة يمكن ان تحمل معها العدوى بل لم تكن هناك دولة في العالم سلمت مهما كانت مناعتها منطقة الخليج مثالا ولكننا ولطريقتنا الخاصة في التعامل مع الاشياء لم نهتم الى ان جاء التقرير الذي اعد في يوليو 2009 م من قبل فريق الرقابة التابع لصندوق النقد الدولي عن السودان وبالمناسبة هذا الفريق اعد تقريره بطلب من السودان ممثلا في وزارة المالية وقد جاء في تقريره ما يلي :- انه وبالرغم من الاستقرارالذي يشهده الاقتصاد الكلي والنموالقوي يمكن للسودان ان يتعرض للخطر نتيجة للتدني الكبير في عائدات النفط لانخفاض الاسعار ولقد انخفض الاحتياطي النقدي لاقل من اسبوعين استيراد ، (تخيل في ذلك الوقت لم يخطر ببال احد ان السودان سينقسم ويتوقف ضخ النفط ) .وعليه فقد جاءت توصيات الفريق بالتركيز على انقاذ الموقف ومنع وقوع الكارثة وذلك باتباع الآتي : - تحقيق استقرار اقتصادي على المستوى الكلي بالمحافظة واعادة بناء احتياطي من النقد الاجنبي - ونسبة لمحدودية فرص السودان في الحصول على التمويل الاجنبي فلابد من اتباع سياسة ضبط الواردات وخفض الانفاق الامر الذي لا مفر منه . - لا بد من ازالة القيود المفروضة على النقد الاجنبي التي فرضت اخيرا ولابد من ازالتها قبل العام 2010م - ولمواجهة الانخفاض في عائدات النفط لابد من مراجعة شاملة للسياسات الضريبية وضرورة التقليل من الاعفاءات واعادة النظر في ضريبة الدخل الشخصي وازالة الفوارق الضريبية . - ولخطورة الموضوع مع وجود عدم الثقة والتأكد وبالتزامن مع الازمات لابد من التحرك السريع لتعديل الظروف لمواجهة المشكلات التي تواحه ميزان المدفوعات . وجاء في نهاية التقرير ان اهم المخاطر تتمثل في محدودية الحصول على التمويل الخارجي ، وضعية الاحتياطي من النقد الاجنبي واخيرا ضعف الحل السياسي الذي يعتبر من اكبر المخاطر التي تواجه البرنامج . كل هذا الكلام قبل انفصال الجنوب و لم يفصح التقرير عن احتمال انفصال الجنوب وما يمكن ان تؤول اليه الامور وفعلا جاء الحل السياسي وشكل ضربة قوية للاقتصاد بذهاب البترول وتوقف ما بقي منه كان التقرير يتحدث عن تدني اسعار النفط اليوم اين النفط ؟ فلو عملنا مبكرا بما جاء في التقرير لكان الوضع اخف ، صحيح ان روشتة الصندوق هي الوصفة الصحيحة لمثل هذه الحالة التي يعاني منها المريض ولكننا نعترض على الجرعات وفقا لحالة الضعف العامة للمريض يمكن تخفيف الجرعات اعطاء الدواء جرعة واحدة فيه شئ من الخطر .تطبيق سياسات الاصلاح كان يجب تطبيقها في الوقت المناسب قبل ايقاف البترول وفق خطة وبالتدرج وان تسبقها حملة توعوية بغرض القبول لدى كثير من القطاعات فالحديث عن تخفيض الدستوريين بعد ان تم تعيينهم في مناصب لم يمضِ على بعضهم شهور وهل تعيينهم من الاول خطأ وهل انتفت مبررات تعيينهم ، هم جاءوا في اطار تسويات سياسية جزئية وترضيات قبلية ، اتركوهم لا داعي لفتح جبهات على المدى القصير و لماذا تضيفوا عاطلين جدد لجيوش العطالة القائمة ينبغي ان نبحث عن بدائل حقيقية للازمة فالحديث عن صفرية البدائل يقدح في نظام مشهود له بفقه الضرورات وعندما يتحدث الاقتصاديون عن خفض الانفاق لا يعنون عربات المدام وما شاكلها بل انا من انصار تمليك عربات المدام للمدام بسعر معقول وللتدفع من مدخراتها الذهبية للدولة على ان يدفع المبلغ جملة واحدة هذه مجرد افكار وبحث عن بدائل ونوعية هذه الافكار الصغيرة المجانية منتشرة وسط عامة الناس اذا سألتوا عنها تجدوها اما حكاية لا اريكم الا ما ارى فهذه افكارفرعونية تودي الى الغرق فالمطلوب النظر الى جملة امور في شكل ( بكتش) فلا يمكن الحديث عن اصلاح اقتصادي دون تسوية سياسية شاملة وتوافق وطني عريض ،كل الدول التي تبنت سياسات تقشفية صارمة دون مراعاة لظروف شعبها لم تجن شيئا فلماذا لا نتأنى قليلا ونهئي شعبنا لقبول السياسات الجديدة مع الميزانية الجديدة فالتوقيت الآن غير مناسب لان الناس مقبلون على مدارس وشهر كريم وعيدسعيد فلنتقِ دعواتهم في هذه الشهور هي شهور ميتة واهل الاقتصاد لا ينصحون بتطبيق اي سياسات فيها . اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه .