وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)    ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة السودانية ما بين المحاكم الأمريكية والجرائم الإنقاذية
نشر في الراكوبة يوم 03 - 10 - 2016


بسم الله الرحمن الرحيم
قرار محكمة الإستئناف الأمريكية بنيويورك، رفض إستئناف محامي حكومة السودان، وإلزام الدولة السودانية بدفع تعويضات مالية لأسر ضحايا السفينة الأمريكية يو أس كول. يقر بأن هنالك حكم صادر بهذا الخصوص، ليأتِ رفض الإستئناف تأكيدا لصدق البيِّنات والأدلة التي ارتكز عليها ذاك الحكم. وهذا بدوره يفتح بابا عريضا او جبهة أخري من الفواجع الخارجية، بعد أن فاض كأس المحن الداخلية، من الكوارث ومتعلقات الفساد والتدهور الشامل، وتاليا جر الدولة السودانية ومواطنيها بعد وصمة الإرهاب الثقيلة، الي مجاهل وقضايا ومحاكمات لا قبلنا لنا بها او حد لقرارها! وهو ما لم يتأخر كثيرا، بدلالة إلحاق نفس الخبر بخبر آخر، يتعلق برفع قضايا تعويضات مشابهة في كل من ولاية فيرجينيا وولاية نيويورك، لصالح جرحي حادثة السفينة كول، وفي واشنطن دي سي لصالح ضحايا تفجيرات السفارتين الأمريكيتين في كل من نيروبي ودار السلام! بمعني، هذه المحاكمات تبدو مرشحة لفتح صندوق باندورا، وإخراج كل جرائم النظام الخارجية، والتي إعتقد حكام الخرطوم الأغرار أنها طمرت تحت ركام التفجيرات وظلال النسيان وحجب التقادم؟! وكل ذلك، نتيجة حتمية لمنهج الإجرام والمكر والدسائس، الذي اتبعه نظام الإنقاذ منذ وصوله غدرا علي سطح دبابة! وهو في ذلك يستهدي بالتأويل الإنتهازي المقيت لمقولة (الحرب خدعة) بعد إنتزاعها من سياقها عنوة وإغتصابا! ليتخذ منها دستور حكم ومصادر وعي ووسائل عمل، لكل حركاته وسكناته. وعلي العموم، هو في ذلك لم ياتِ بجديد، إذا ما تتبعنا خطي كل الجماعات التي تتلفح غطاء الدين في دعاويها السياسية! ولكن الجديد فيما يخص الإنقاذ وذراعها الإسلاموي علي وجه الخصوص، هو الفجور في التأويل والتطرف في الممارسة الإنتهازية! وإذا تجاوزا، تفهمنا قلة الوعي ودوافع الغبن وطبيعة البيئة الجغرافية والحضارية والظروف الدولية، التي ولد من رحمها تنظيم إرهابي كالقاعدة، والتي تشير دلائل كثر الي صناعته داخل المختبرات الإستخبارية في أحد مراحل الصراعات الدولية! إلا أن نظام الإنقاذ وبخلفيته الإسلاموية (الإخوانية!) لا عذر له البتة، فيما اقترفه من أخطاء كارثية وأفعال إجرامية وتجاوزات أخلاقية، ناهيك عن قبول تبريرات الإسلامويين الواهية واعترافاتهم الملتوية واعتذاراتهم (المدغمسة). بمعني آخر، دوافع الإسلاموية السودانية لا تستهدف السلطة حصرا! ولكن قبل ذلك تقويض الإرث الحضاري والسياسي والإجتماعي للدولة السودانية، وصولا للتخلص من أصولها ذاتها؟! والحال كذلك، تصبح الأيدويولوجية الإسلاموية في نسختها السودانية التي إبتدعها الترابي واعتنقها إمعته، ليست منبتة او غريبة الوجه واليد واللسان علي البيئة السودانية فقط، ولكنها في المقاوم الأول هي إيدويولوجية حقد وبغضاء وإستعلاء، قبل أن تكون مورد عنصرية ومعينات تعصب ومبررات نهب.
وقرار المحاكم الأمريكية يعني فيما يعني، أن الدمار المتصاعد والتراجع الكاسح علي كل الصعد في الدولة السودانية، ليس هو وليد صدفة او نهاية المطاف! وإنما هو البداية الفعلية لتصفية الدولة السودانية؟! بمعني، إضافة للمديونية (السفهية!) المهولة، التي تحاصرها وتمتص فائض إنتاجها، هنالك ديون خفية وتعهدات سرية وجرائم متقادمة، يصعب حصرها او تقدير حجم تبعاتها! وعليه أصبحت الدولة السودانية، ليست مفلسة فقط، ولكنها مطاردة وتتخطفها الأحكام الدولية والمطالبات البنكية! وتاليا إشهار إفلاسها وتعريض أصولها للبيع عما قريب؟! الشئ الذي جعل الكثير من الحادبين علي مصلحة الوطن، ومنذ وقت مبكر يدقون ناقوس الخطر، علي خطورة الأوضاع وسوء المصير! ولكن لا حياة لمن تنادي، خصوصا وأن فصيل معتبر من المعارضة منشغل بالحوار والتفاوض العبثي مع الحكومة! وهي حكومة من شدة الضعف والخوار وصل بها الحال مع حاكمها، أن يسلم دقنه ومكتبه وقصره لراسبوتين جديد؟! أي ليس لديها ما تقدمه حتي يطلب ود الحوار معها، والأصح هي ممتنعة عن تقديم تنازلات تعرضها للهلاك، هذا من جانب! ومن جانب آخر، الغالبية العظمي من مواطني الداخل، شلَّ حركتها وكمم أفواهها الإرهاب الظاهر والمستتر، وهذا غير إلهاء مطالب الحياة اليومية التي تزداد صعوبة بل وإستحالة يوما بعد يوم، عن تقدير او إستشعار كل امرٍ جلل؟!
كما يشير قرار المحكمة مرة أخري للصلات التي تجمع بين الجماعات الإسلامية، وذلك بغض النظر عن التباعدات الجغرافية والتباينات الظرفية والمنطلقات الدعاوية لكل فصيل! ولكن قبل ذلك يقول كلام محدد عن، أن ما يسمي عناصر معتدلة وتيارات سياسية إسلامية لها قابلية الإندماج في الدولة العصرية ذات الطبيعة العلمانية، هو محض هراء! وبكلام واضح، تيارات الإسلام السياسي لا عهد لها؟ فهي في الوقت الذي ترفع فيه شعارات المشاركة السياسية وتقبل الحياة العصرية في العلن، نجدها في الخفاء تتمتع بصلات حميمية وعلاقات ودية مع الجماعات الإسلامية المتطرفة! وغالبا هي من يقدم لها الإيواء وكل التسهيلات والمعينات اللوجستية، ليس للقيام بمهامها القذرة والإرهابية فقط، ولكن حتي تظهر بمظهر الإعتدال وتقبل الواقع العصري عن قناعة وصفاء نية! وهي تضمر الغدر والإنقلاب عليها عندما تواتيها الفرصة، وهو ما يشي بخطورة الركون إليها او منحها الثقة المجانية، ولنا في إخوان السودان المثل الأدني او العبرة الحامضة! والموضوع ببساطة، من يريد أن ينخرط في الحياة العصرية، فعليه دفع إستحقاقاتها من تقبل التنوير وتمثل العقلانية..الخ او عيش الحداثة بصفة عامة كوعي حاكم وقيم موجهة للسلوك او الممارسة، وتاليا الدين ليس من إستحقاقاتها بحال من الأحوال، وهذا في حال لم يكن معيق لها، خصوصا عندما يتم قسره علي تقديم أجوبة وحلول (عصرية/عملية) ليست من إختصاصه، وهو عين ما يفعله الإسلامويون بمختلف تلوناتهم! وحتي لا نلقي الكلام علي عواهنه، كلنا يعلم علاقة النظام مع بن لادن وحماس وطبيعة الخدمات والمنافع المتبادلة، وهي علاقات معلنة وليست متوارية في الخفاء كغيرها من العلاقات الأكثر إجرامية! وكذلك ما في جعبة منظومة الإنقاذ من معلومات عن عناصر إرهابية، تثبت تورطها في العلاقات المشبوهة! علما بأنها لم تبخل بتقديمها عندما وجدت فيها منافع إستثمارية، او لرد البطش الذي سيطالها وهي تستمرئ الخوض في هذه الأوحال الإجرامية والدهاليز الإرهابية. وهذا دون الحديث عن الجوازات والتجاوزات او التسهيلات التي تقدمها بسخاء لكل من هبَّ ودبَّ من العناصر الراديكالية الإسلاموية! وكذلك تعاطفها المفضوح مع الإسلامويين في كل فج عميق، في الوقت الذي تحتقر فيه رابطة المواطنة او رباط الأخوة السودانية مع أبناء الهوامش والسحنات والثقافات غير العربية او الإسلامية، وهذا في حال لم تزدرِ مطالبهم وتهضم حقوقهم، ولا نفتري عليها إذا ما اتهمناها بالتشكيك في أهليتهم الوطنية وكفاءتهم العملية وجدارتهم الإنسانية؟! ولو أن كل ذلك لا يرفع العتب عن الصحف والإعلاميين في تقصيرهم عن تتبع تفصيلات تلك المحاكمات الأمريكية، وتسليط الضوء علي البيِّنات والأدلة المتحصلة، وذلك حتي تُلقم العناصر الإسلاموية المجادلة وأشياعها بحجر في فمها، الذي لا يخرج إلا زورا ولا يبرر إلا جرما ولا يتورع عن تكريس الشقاء والمعاناة والفساد بين مواطنين الداخل وكأنهم كفار مكة؟!
ولكن بخصوص المحاكم الأمريكية، التي تتباين من ولاية لأخري وفقا لمرجعية دستورها، هنالك عدة ملاحظات، ولكن قبلها نؤكد أنها تصدر عن شخص ليس له صلة بالقانون من قريب او بعيد، وفي الحقيقة خلفيته علمية وبصورة أدق شمباتية:
أولها، يجب رفع القبعة لإستقلالية تلك المحاكم، فيما يظهر بوضح في وقوفها مواقف تتعارض مع توجهات الإدارة الحاكمة ذات المصالح السياسية والإقتصادية، سواء المتعلقة بشقها الإستراتيجي او المكاسب الإنتخابية الآنية! وهو الأمر الذي يثلج صدر الديمقراطيين في كل مكان، ويؤكد صحة مواقفهم من نهج الديمقراطية ودولة المؤسسات، كدولة تراعي التباينات والإختلافات وتحفظ الحقوق والواجبات وتدير المصالح والصراعات بطريقة سلمية، وتنفتح علي العصر وتصنع المستقبل، أو أقلاه كآلية حيادية وواقعية تتعامل مع تقلبات الواقع ببراغماتية محمودة. وكدليل علي ما سبق ذكره، رفض محكمة نيويورك إلتماس حكومة السودان، رغم تدخل وزارة العدل الأمريكية لصالح حكومة السودان، وكذلك فعلت نفس الشئ محكمة وشنطن، خاصة والإدارة الأمريكية تطمح في هذا التوقيت، إستغلال ضعف نظام الخرطوم و(إندلاقه) علي التطبيع، للحصول منه علي أقصي مكاسب؟! ولكن ما يهمنا في هذا السياق، هو مقارنة هذه المحاكم بمحاكم الداخل، التي يتدخل الرئيس في تنفيذ قراراتها ووزير العدل في لوائح حراساتها والوزيرة بوزارة العدل بالضغط علي وكلاء نياباتها، وكلها لصالح أعضاء النظام وحلفاءه وأبناءهم (أبناء المصارين البيض!). وهذا دون الحديث عن إستثمار الجهات القضائية في كمائن الطوب ومزارع الألبان والتوسع في إستخدام عقوبة الغرامات والمصادرات، وتوظيفها جميعا (دون رقابة وسلطة وزارة المالية!) في زيادة الحوافز وتشييد الصروح الفخمة، في بلاد يموت فيها المرضي سمبلة، بسبب الفقر ونقص الأدوية وتردي حال المستشفيات، التي أصبحت مأوي للأمراض والأخطاء والإهمال وليس مقر للإستشفاء! أي تحولت بيئة الطب الداخلية الي بيئة ظالمة لأهلها، وهي تضغط علي أعصاب الأطباء ولا ترحم المرضي! وكذلك في بلاد يتشرد فيها الطلاب بسبب الفصل التعسفي وقصر ذات اليد وإهمال العملية التعليمية، وقبلها جميعا تعريضها لعملية تخريب منظم وإفقار مدقع علي مستوي المناهج والمضامين والسلم التعليمي، بل ومجرد التسيير المتهالك يحتاج لمعجزة! والأهم من ذلك، أليس هنالك رابط بين تردي أوضاع البلاد بصفة عامة، وزيادة معدلات الجرائم؟ وذلك بالتوازي مع إفلات رؤوس الفساد الكبيرة من المحاسبة والعقاب! وهذا في حال لم تمد لسانها ساخرة من فخامة القصور المشيِّدة والعدالة المعطلة ومكافآت وحوافز القضاء المديدة؟ أما العجب العجاب فيتعلق بقانون المرور وغيره من القوانين والنيابات الخاصة والمُشرَّعة خصيصا للجباية او نزع أموال المواطنين الكادحين بطريقة شرعية؟! أما عن الحصانات التي تتمتع بها الأجهزة والمؤسسات الأمنية والشرطية والعسكرية والدستورية، والإعفاءات الجمركية والضريبية التي تقدم بصورة مجانية للمنظمات الإسلامية/الخيرية/العائلية، فعنها حدث ولا حرج؟! ولسان حال البلاد المنكوبة والموارد المنهوبة والمواطنين المغلوب علي أمرهم، يردد ما لكم كيف تحكمون؟!
وفي جانب آخر نجد قرارات المحاكم الأمريكية، لا تتورع عن مس الإقتصاد الأمريكي بالأضرار، عبر إلزامها البنوك بتدوير الأموال المودعة لديها من الجهة (المحكوم عليها) لصالح الجهة الشاكية او المتضررة (المحكوم لها/الضحايا). وفي قضية الحكومة السودانية، إلزام البنوك الأمريكية بدفع أموال تعويضات تبلغ 317 مليون دولار، من أموال الحكومة السودانية، لصالح ضحايا المدمرة كول، حسب صحيفة العربي الجديد. وطبيعي هكذا حكم يزعج البنوك التي ترغب في جذب العملاء في ظل المنافسة العالمية، ودخول الإتحاد الأوربي والصين بثقلها في هذه المنافسة! ولماذا نذهب بعيدا وأمامنا الجهات التشريعية كالكونغرس وهو يصدر تشريعات تبيح لأسر ضحايا هجوم 11 سبتمبر مقاضاة المملكة العربية السعودية علي الأضرار التي لحقت بهم، وذلك علي الضد من رغبة الإدارة الأمريكية ومصالح الإقتصاد الأمريكي، وعلي راسها البنوك وغيرها من مجالات الإستثمار التي تتجه لها أموال البترول السعودي المهولة، خاصة وهو تشريع يصدر في وقت تشهد فيه العلاقات السعودية الأمريكية ركود او توتر مكتوم بسبب الإتفاق الإيراني والصراع السوري وملف حقوق الإنسان في السعودية المثير للجدل! وهو ما يثير الإعجاب بدوره في هكذا مؤسسات تشريعية مستقلة! علي أن كل ذلك لا يمنع من إيراد الملاحظة التالية؟!
ثانيها، وهي ملاحظة نبتدرها بتساؤل، كيف تسني لمحكمة نيويورك أن تصدر هكذا حكم إشكالي؟ بمعني آخر، هنالك أدلة ومستندات مكنت محكمة نيويورك من إصدار تلك الأحكام! وإستطرادا هي أدلة ومستندات تثبت تورط أفراد معينين او مجموعة محددة او تنظيم معلوم في القيام بهذه العملية، حتي ولو إنتسب أولئك المجرمون لمؤسسات او أجهزة داخل الدولة! وتاليا كنا نتوقع أن تنصرف تلك الأحكام لمعاقبة الجناة بصفتهم الشخصية، وليس لمعاقبة الدولة السودانية (المُختطفة) بحاضرها ومستقبلها وفقر شعبها المدقع؟! لأن هكذا حكم أخير، يسبب الضرر للمواطنين عدة مرات؟! مرة بمحاسبتهم وهم أبرياء (والأصح ضحايا) ومرة بتشويه سمعة دولتهم، وأخيرا وليس آخرا، بترك الجناة مطلقي السراح، وتاليا توافر إحتمالات تورطهم في جرائم أخري، وهذا في حال لم يحترفوا الإجرام ويسترزقوا منه؟! والسؤال الأهم والذي يثير الرعب والخشية في آن، ماذا كان سيحدث مثلا، إذا ما حدثت تغييرات سياسية جذرية في بنية السلطة الحاكمة، نحو الوجهة الديمقراطية الكاملة، منذ العام 2001م، أي بعد الحادثة كول بعام! هل كانت المحكمة ستعاقب تلك الحكومة الديمقراطية بجرم لم ترتكبه، أي بنفس عقوبة الحكومة الإنقلابوية الإسلاموية الإجراموية الحاكمة الآن؟ والحال كذلك، أي وجه عدالة في ذلك؟! والأخطر من ذلك، هل كان لدي محكمة نيويورك علم بأرصدة الحكومة السودانية لدي البنوك الأمريكية، وعلي ضوء ذلك أصدرت قراراتها؟ وإذا صدق ذلك، فهذا لا يمثل تطبيق للقانون، وإنما وفي أفضل الأحوال توظيف للقانون! وهكذا مسلك أخير لا يمثل تصرف مستهجن وخطير (بل عيب كبير!) فحسب، ولكنه يطعن في شرف القانون قبل سمعة المحاكم ونزاهة القضاة؟! وهو ما يبرر بدوره إثارة تساؤل فرعي، لماذا الأحكام صدرت بالتعويضات المادية فقط، والضحايا أرواح وأنفس وليس آلات وأشياء؟ بمعني لماذا لم تستصحب الغرامات المادية عقوبات جنائية تطال القتلة؟ ونحن نعلم أن في القصاص حياة، ليس من ناحية دينية ولكن من ناحية منطقية كذلك، بل وعملية أيضا، تساعد علي تأسيس بيئة الإستقرار وصيانة الأنفس من الغدر وحمايتها من التعديات، أي بوصفها أغلي قيمة في الوجود.
ثالثها، هل تفتح مثل هذه الأحكام الفرصة أمام الضحايا السودانيين وأسرهم قبل الأجانب ولو أن العدالة لا تقبل التمييز، لنيل أحكام مماثلة ترد لهم مظلمتهم، سواء كانوا مقيمين في الولايات المتحدة ويتمتعون بجنسيتها او أي جنسية أخري؟ وهل تسمح تلك المحاكم والقوانين، للضحايا داخل السودان او في أي دولة أخري غير أمريكا، أن يوكلوا محامين لرفع قضايا مماثلة أمام المحاكم الأمريكية ضد مجرمي نظام الإنقاذ؟ بعد أن عزَّ مطلب العدل علي المواطن المظلوم في الداخل، وإجبار المواطن السوداني في الخارج علي ملازمة المنافي، عقب سد الأبواب أمام عودته طائعا مختارا، ناهيك عن نيل حقوقه ومظلمته؟! وذلك بعد مصادرة الدولة السودانية بحكمها وحكامها وأحكامها بواساطة الأجهزة الأمنية، وهي أجهزة بطبعها وطبيعتها فوق القانون والمسائلة والدولة ذاتها؟! وأهمية هكذا فرصة، خصوصا عندما تكون مجانية وقليلة التعقيد، ليس نصرة المظلومين ورد الحقوق لأصحابها فقط، ولكنها تحجم إمكانية الإفلات من العوقبة وتقلل من منسوب الجرم ومسوغات إرتكاب الجرائم ضد الإنسانية، وتاليا تضييق حيز التجاوزات المجانية ضد المواطنين.
وبعيدا عن المحاكم الأمريكية التي تنشط لرد مظالم الضحايا الأمريكين (الذين يكرمون أحياء وأموات!) ينشط كذلك وزير الخارجية السودانية من أجل تطبيع العلاقات مع بلاد العم سام (الشيطان الأكبر الذي كاد أن يتم الفتك به والتمثيل بجثته مرارا وتكرار، ومواراته بمقابر النصاري، لولا لطف الله! وذلك بدايات الهوس الإسلاموي الرسمي أو علي سدة السلطة! والأخيرة يتم تصوروها كآلهة تقل للشئ كن فيكون! والأصح حسب تصورات الترابي الرغبوية او التي تعاني من رهاب الغرب وعصاب التغرب، والذي ما برح ينتهك بفحولته/العلموتكنولوجية عزة الأسبقية وشرف الأولوية العرقية والريادة الإسلاموية علي الدوام!) حسب ما ورد في الأخبار. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه، هل محاولة التطبيع هذه تندرج في سياق رد الوعي، لنظام امتهن الشعارات الجوفاء والتهريج السياسي، كبديل عن الفعل السياسي الجاد، والمعبر بدوره عن المسؤولية الوطنية؟! أم أنها ممارسة والأصح إمتهان لفقه التقية، كإستمرار لنهج الحرباء، الذي درج علي إنتهاجه هذا النظام المخادع؟! وكإجابة موضوعية، أي بعيدا عن التحيُّز (حتي لا نثير غضب كارهي المعارضة لوجه الله! والذين يبدو أن قضيتهم الحقيقية، هي شغل الآخرين عن الإنشغال بالقضايا الأساسية، والتغاضي عن ممارسات الفساد الكارثية، وكأنهم ينتمون لدولة سنغافورة! وهل حكومة الإنقاذ شئ آخر غير كونها منظومة فساد محض! حتي يتم الصمت علي مخازيِّها! وكأنها إمرأة الإمبراطور، أي يفترض أن تكون الأبعد عن مستوي الشبهات! بل تشعر وكأن تناولهم لجرائمها وفضائحها وفسادها وفوسقها، يشكل لهم نوع من تجرع السم الزعاف، أو أقلاه المراوحة ما بين حقيقة، تناوله مميت وتركه جبن؟! وهذا ناهيك عن التشويش والتشكيك في كل من يتصدي لها؟! حاجة تحيِّر!!) نجد الحكومة الإنقاذية تقوم بهذه الخطوات علي طريقة رزق اليوم باليوم، وفي أحسن الأحوال متروكة لإجتهاد وفهلوة الأفراد! أي دون منهجية واضحة (لها أكثر من لسان، إضافة الي تضارب الأهداف والوسائل!) وكذلك دون جدية او مصداقية في دفع مستحقات ذاك التطبيع، وكل هذا يجري في ظل إغفال كامل لطبيعة وتعقيدات العلاقات الدولية، والتوازنات الحاكمة لها؟ والأهم أن هذه الجهود تتم بمعزل كامل عن إجراء أي إصلاحات داخلية، تتوجه بالدولة نحو الوجهة الديمقراطية او تقطع مع دولة الحزب الواحد كثقافة سلطة وآليات حكم! وعليه، ما تقوم به حكومة الإنقاذ لا يشير الي عودة الوعي او بلوغ مرحلة النضج والرشاد بحال من الأحوال، رغم مكوثها في سدة الحكم زيادة علي الربع قرن! والمدهش حقا، حتي علي مستوي مسلك التقية، نجدها تديره بصورة إرتجالية، او فطيرة منهجيا وفقيرة أداتيا! وتاليا غالبا ما ترتد إليها جهودها في نحرها، او تظل جهودها محلك سر، من ناحية تقدم علاقاتها مع الدول الغربية بصفة عامة، والولايات المتحدة بصفة خاصة! وذلك رغم أن رياح الظروف الدولية تهب علي أشرعتها، بسبب صداع الإرهاب الذي يصدع رأس المجتمع الدولي، ويقض مضجع متخذي القرار في الدولة المؤثرة فيه بخاصة، هذا من جهة! ورغبة الدول الغربية في الحد من طوفان الهجرات من دول الجنوب التي تعج بالصراعات والإستبداد والعطالة وإنعدام فرص المستقبل، من جهة مقابلة؟! والمفارقة أن الإنقاذ لا تقل إستبداد وصراعات وعوامل طرد للمواطنين، إن لم تتفوق علي غيرها، او كما عودتنا علي الإنجاز في مضمار الفشل والفساد! بل الأسوأ أنها لا تقل إرهابا عن تلك المنظمات الإرهابية العدمية المستهدفة، سوي أن إرهابها يسهل تدجينه وتوظيفه لصالح تلك الدول الكبري! بمعني إرهابها منضبط وتاليا يمكن التحكم به، علي العكس من إرهاب القاعدة وداعش الفالت من كل عَقل او عِقال! وذلك لأن الأخيرين تنقصهما براغماتية الإسلامويين السودانيين علي وجه الخصوص والإخوان المسلمين علي الوجه العام؟!
وعلي العموم وبما أنه، لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، كذلك السلطة السيئة والحكومة الفاسدة، محكوم عليها بالشرب من كأس أخطاءها ومآسيها، وتاليا إرتداد كوارثها عليها! ولكن للأسف غالبا ما يعقب ذلك خراب مالطة! وهو ما يستدعي بدوره الحيطة والحذر من ناحية، والمسارعة بالخلاص قبل حلول الكارثة من الناحية المقابلة! وذلك لتخليص المواطنين والبلاد والعالم من شرورها وخطورة تبعاتها؟!
آخر الكلام
أليس من المفارقة أن تتزامن خطوات المحاكمة وشكوك الكونغرس وقلة قناعة جون كيري مع خطي التطبيع المزعوم! ولكن ما فات علي حكام الخرطوم المنغمسين في الترف والنهب والفساد، أن الإدارة الأمريكية يصعب خداعها، كما أنها ليست مطلقة السراح لتتصرف علي هواها او تمارس نزواتها في الظلام، كما أن أي خطأ او تجاوز تقع فيه، ثمنه باهظ او مكلف جدا؟! وإلا ما قيمة الديمقراطية والشفافية والمؤسسية وغيرها من الإبداعات الحداثية، التي نسبح بحمدها صباح مساء؟!
فرحة عيد
رغم الإنشغالات المتزامنة مع العيد حتي كدنا لا نشعر به، وغصبا عن أخبار الوطن التي لا تسر عدو او صديق! إلا أن أكبر عيدية تلقيناها هي وصول وليد الحسين الي أهله وذويه سالما ومكللا بوسام الصبر والثبات، وأيضا بلوغ دكتور حيدر إبراهيم علي مبلغ السلامة والإحتفاء به وسط أصدقاءه ومحبيه. وحقيقة ما أضيق الحياة وكربة لياليها لولا تلك النسمات الخبرية المفرحة التي تنعش الوجدان الحزين. وختاما نسأل الله أن يأتِ العيد القادم وبلادنا خلو من السرطان والكوليرا والإنقاذ! وكل عام وأنتم بألف خير، والعفو والعافية.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.